رياح مسائية قوية هبت ليل أول من أمس في العاصمة دمشق لبضع ساعات كانت كافية لتمزيق لافتات وصور المرشحين لانتخابات مجلس الشعب السوري المنتظرة في 13 أبريل (نيسان) المقبل. ومن الصدف الغريبة أن يزامن تلك الريح نبأ نشرته وكالة الأنباء الألمانية نقلا عن مصدر في الحكومة السورية أعلن في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، بأن رئيس النظام السوري بشار الأسد أصدر مرسومًا يقضي بتأجيل الانتخابات البرلمانية من 13 أبريل إلى 7 مايو (أيار) المقبلين. وقالت الوكالة الألمانية أن المصدر لم يكشف عن سبب تأجيل الانتخابات.
صباح أمس، وبينما كان متشردون يلمون قطع قماش اللافتات التي لم يجف حبرها بعد وصور المرشحين المحسنة بفوتوشوب ساذج، لإعادة استخدامها في تغطية بسطاتهم الصغيرة من المطر، أو وسائد وفرشات للنوم على الأرصفة وفي الحدائق، أصدرت اللجنة القضائية العليا للانتخابات بيانا تنفي فيه نفيا «قاطعا ما تداولته بعض وسائل الإعلام حول تأجيل انتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الثاني». وقالت في البيان الذي بثته وسائل الإعلام الرسمية إن «الانتخابات ستتم في موعدها المقرر في 13 - 4 - 2016 وفقا للأصول الدستورية والقانونية». وذلك وفقا لمرسوم رقم «63» لعام 2016 الذي حدد موعد انتخابات مجلس الشعب في 13 أبريل المقبل.
طفل في العاشرة من عمره يعمل في مسح زجاج السيارات قال إن قماش اللافتة التي أوقعتها الريح كان «هدية من السما» لأنه بحاجة لشيء يستلقي عليه في الحديقة ليلا. الطفل، الذي يقول إنه اسمه أحمد وإنه من حمص وقد فقد والده وثلاثة من إخوته في القصف وقد وجد نفسه مع شقيقته التي تكبره بسنتين في دمشق يعملان معا في مسح زجاج السيارات وبيع المحارم ليتمكنا من إعالة والدتهما، يؤكد أن «الورق الذي تطبع عليه صور الإعلانات مغطى بطبقة بلاستيكية جيدة جدا لمنع الإحساس بالبرد، وهو أفضل من ورق الجرائد إذا وضع تحت الكنزة على الصدر».
إذا صح على هذا المشهد قول: «ومصائب قوم عند قوم فوائد»، فهو لا يصح على عموم السوريين الذين يعيشون أوضاعا معيشية قاسية، فكل ما يحصل من مصائب يدفعون هم ثمنه من أمانهم ودمائهم، وغالبية من تبقى منهم ينظرون إلى المرشحين لمجلس الشعب على أنهم «عصابة من الانتهازيين قد تكون نفايات لافتاتهم مفيدة أكثر منهم ومن برلمانهم وحكومتهم»، وفق ما قاله تاجر في سوق الحريقة العريق أغلق محله جراء شلل حركة السوق بعد تدهور قيمة الليرة السورية إلى حد غير مسبوق، ويقول التاجر: «المرشحون لمجلس الشعب لا يستحون وينشرون لافتات تكلف الملايين، ونحن نعرف من أين حصلوا عليها، بينما الاقتصاد ينهار.. هؤلاء لا يخجلون من رفع صورهم في الشوارع وعلى الجدران التي تغص بصور (الشهداء)»، لافتا إلى تخبط الحكومة السورية.. «يصرحون ليلا بكلام يلحسونه قبل شروق الشمس». ويضيف ساخرا بمرارة: «شبيحة المال كانوا يتلاعبون بسعر الليرة كلما حان موعد تسليم الرواتب، بحيث ينهبون الفارق لجيوبهم، وكانوا يقولون إن التصريحات السياسية هي التي تؤثر على قيمة الليرة، وهي تأثيرات وهمية، إلى أن وصل الوضع لحد الإنهاك، ولم يعد ممكنا التلاعب بأسعار العملات ولا التدخل من قبل المصرف المركزي وضخ الدولارات من الاحتياطي، فلجأوا إلى بث إشاعات وأكاذيب مضحكة؛ منها نية ابن خال الرئيس رامي مخلوف ضخ مليار ليرة سورية لدعم الليرة! وتعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعم الليرة إلى أن تصبح قيمة الليرة الواحدة دولارا أميركيا! الذي يعادل الآن 520 ليرة». ويؤكد التاجر: «كذبوا الكذبة وصدقوها بأن التصريحات هي التي تؤثر على الأسعار، وكأنهم بالكلام الفارغ سيحمون الاقتصاد المتهرئ الآيل إلى الانهيار».
كلام التاجر الدمشقي يصح على التصريحات المتناقضة الصادرة عن رئيس النظام بشار الأسد، التي باتت تشير بوضوح إلى تخبطه بين الزهو بنفسه لرفع معنويات الموالين له ببيعهم أوهاما عن الانتصارات العسكرية، وبين الوصاية الروسية على قراراته، فبعدما قال الأسد في اجتماع له بدمشق مع المشاركين في «الملتقى العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة» إنه «لا رهان على الحل السياسي، وإن الحل عسكري، وإن المعارضة لا تمتلك قرارها، والتفاوض يجري مع من وصفهم بـ(أسياد) المعارضة، نفت رئاسة الجمهورية دقة ما نقل عن الأسد، وقالت في حسابها على موقع «فيسبوك»: «أي حديث أو تصريح أو خبر عن الرئيس الأسد لا يكون نقلا عن ضيوف أو زوار، وسيصدر رسميا عن مؤسسة الرئاسة أو ينشر على حساباتها، وكل ما عدا ذلك هو عار تماما عن الصحة».
حيال تلك التناقضات والتخبط المحلي والدولي فيما يخص الوضع في سوريا، يكاد السوريون عموما يفقدون أي أمل بحصول انفراج قريب، فالحياة تزداد تعقيدا وصعوبة، وبينما يتصرف النظام كأنه انتصر ويدفع باتجاه انتخابات برلمانية زائفة، تتسع دائرة الفقر لتلتهم الجميع. ويقول رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني: «ارتفاع الدولار الخيالي أدى إلى ارتفاع الأسعار وفلتان السوق لدرجة لم يعد بمقدور المواطن معها تأمين احتياجاته الأساسية ولو بالحد الأدنى»، وفق صحيفة «الوطن» المحلية. وأضاف دخاخني: «وضع الأسعار غير طبيعي؛ حيث ترتفع الأسعار مساء أكثر مما تكون عليه في الصباح»، وشدد دخاخني على ضرورة «وجود حل جذري لهذا الواقع المعيشي الصعب، إما عن طريق تعديل الأجور بشكل يناسب، ولو بالحدود الدنيا، موجات ارتفاع الأسعار، أو أن تعمل الحكومة على تخفيض الدولار إلى حد يستطيع المواطن معه أن يتحمل ما بين 30 و50 في المائة من فروقات دخله، لكن أن يتحمل 900 في المائة، فهذا من المستحيل».
تخبط في قرارات النظام: الانتخابات أجلت.. لم تؤجل
هبوط الليرة يشل السوق.. وشائعات تسعى لتحسين وضعها
تخبط في قرارات النظام: الانتخابات أجلت.. لم تؤجل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة