لا يزال القطاع العقاري في السعودية يواصل أداءه الضعيف منذ بداية العام الحالي، وحتى انتهاء الربع الأول منه، حيث شهد السوق خلال الأسابيع الماضية مستويات قياسية متدنية لم يبلغها خلال السنوات الخمسة الماضية، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على إطلاق المشاريع الإسكانية التجارية محليًا، في ظل تراجع الطلب، وارتفاع الأسعار، ودخول وزارة الإسكان في البلاد في شراكة مع بعض شركات التطوير العقاري.
وفي هذا الشأن، أكد عبد الله المحسن الذي يمتلك شركة المحسن للتطوير العقاري، أن تقلص المشاريع يتسيد حالة السوق خلال الربع الأول من هذا العام، مرجحًا ألا تشهد الفترة القريبة تغيرًا، لأن المعطيات لا تسير بالشكل المطلوب بل عكس ذلك. وقال: «رغم محاولات إنعاش القطاع بالتوسع في التمويل، فإن الطلب لا يزال منخفضًا منذ ثلاث سنوات، خصوصًا خلال السنة الماضية التي كانت الأكثر انخفاضا، نتيجة تحليق الأسعار خارج السرب، رغم حاجة السعودية إلى مئات آلاف الوحدات السكنية، لسد العجز في الإسكان».
ودعا المحسن إلى إعادة النظر في الأسعار الحالية للعقارات، لأنه مهما زادت العروض والمغريات فإن المواطن العادي لا يستطيع امتلاك العقار. واعتبر أن الحل الوحيد لعودة القطاع إلى وضعه الطبيعي هو انخفاض الأسعار وليس فتح أبواب التمويل التي قد تسهم بشكل محدود في ذلك، مقارنة بالآثار التي سيتركها انخفاض القيمة.
وارتفعت قيمة الصفقات العقارية الأسبوع الماضي بنسبة 28.6 في المائة، بعد خمسة أسابيع متتالية من الانخفاض، لتستقر بنهاية الأسبوع عند مستوى 5.1 مليار ريال (1.36 مليار دولار)، لكن هذا الارتفاع يظل أدنى من المتوسط العام لقيمة الصفقات العقارية للعام الحالي بنسبة 21.7 في المائة، والمستقر عند 6.6 مليار ريال (1.76 مليار دولار) كمتوسط أسبوعي للصفقات العقارية خلال عام 2016، في حين بلغ متوسط عام 2015 نحو 7.0 مليارات ريال (1.86 مليار دولار)، ومتوسط عام 2014 نحو 9.2 مليار ريال (2.45 مليار دولار).
إلى ذلك، أشار ناصر التويم، الذي يمتلك مؤسسة عقارية متخصصة، إلى أن «مؤشرات السوق العقارية تشهد أن هناك تقلصًا، أو توقفًا - إن صح التعبير - يلف قطاعاته بشكل عام، بغض النظر عن بعض التحركات الفردية، أو الصفقات الصغيرة التي تتم من فترة لأخرى، والتي تعد محركًا بسيطًا في قطاع كبير يعمل بمليارات الريالات، ومن المفترض أن يكون أداؤه أضعاف حركته الحالية»، لافتًا إلى أن الحال لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه، إذا أخذ بالحسبان أن العقارات تشيخ مع الزمن، وتنقص معها قيمتها، خصوصًا أن بعضها تبلغ قيمته ملايين الريالات، ما يجعل الاستثمار غير مرغوب فيه مثل الفترات السابقة.
ولفت التويم إلى أن الكثير من شركات التطوير العقاري توقفت بشكل ملحوظ عن إنشاء المجمعات السكنية التجارية، نتيجة تخبط حالة السوق وضبابية الرؤية المستقبلية له، بل إن بعض العقاريين «تورطوا» في إقامة مشاريع كانت تحت الإنشاء في بداية الأزمة في السنوات الخمس الأخيرة، وحاولوا أن يجدوا حلاً لذلك، عبر ترويج بضائعهم بأسعار يخيل لهم بأنهم خفضوا فيها ليخدعوا المشترين، أو عبر عروض شراء المنزل مع بعض الهدايا مثل السيارات أو بعض قطع الأثاث، وهو الأمر الذي يعكس مدى تورطهم بهذه المشاريع.
وأكد التويم وجود فيلات بأعداد كبيرة تجاوز عمرها خمس سنوات «خاوية على عروشها»، كما أن رسوم الأراضي أثرت بشكل كبير على أداء جميع القطاعات العقارية هذا العام.
وشهدت أسعار العقار السعودي مستويات مرتفعة من الزيادة في القيمة، إلا أن ذروتها كانت في السنوات الثماني الماضية التي وصلت فيها الأسعار إلى ما يزيد عن الضعف وهو ما دفع بالحركة العامة للعقار إلى التوقف بجميع فروعها، باستثناء قطاع التأجير الذي شهد إقبالاً كبيرًا أثر على زيادة القيمة فيه.
وفي ذات الموضوع، أشار ربيع الدوسري، الخبير العقاري، إلى أن السعودية من أكثر الدول المحتاجة إلى المزيد من الإنشاءات العقارية، ولكن التوقف عن المبيعات جعل الشركات الإنشائية الكبرى تؤجل مشاريعها أو تنهيها في ظل هذه الحالة المتردية، لافتًا إلى أن مشاريع كبرى توقفت أو ألغيت بسبب نقص سيولة المواطنين، الذين أصبحوا يتفرجون على المباني دون أن تكون لهم القدرة المادية على امتلاكها، رغم تنافس البنوك على تمويلهم لتملك العقارات، الأمر الذي دفع الشركات إلى الدخول مع الشراكات في المشاريع الحكومية التي تعتبر ذات ربح مضمون وجيد إلى حد كبير. كما لفت إلى أن القطاع العقاري لم يعد جاذبا للاستثمار رغم تزعمه لشتى القطاعات الاقتصادية الأخرى في فترات ماضية.
وعن تأثير هذا الركود على الأداء العام للسوق، أوضح الدوسري أن عمليات البناء شبه متوقفة في ظل ارتفاع أسعار الأراضي وأسعار المقاولين، إضافة إلى ارتفاع تكاليف مواد البناء، التي أصبحت تشكل ضغطًا إضافيًا على أداء القطاع الذي لم يعد يحتمل مزيدًا من الضغوطات، خصوصا أن السوق تترنح بشكل يعجز الناس عن تفسير ما يحدث فيه، مؤكدًا أن التجار يتوجسون خيفة عن حال السوق في الأعوام القادمة، خصوصا إذا أتمت وزارة الإسكان مشاريعها التي وعدت بها، وهو ما يعتبرونه «المسمار الأخير في نعشهم»، وهو ما تسعى إليه الآن عبر إعلانها توقيع الكثير من العقود الإنشائية التي توفر خيارات سكنية غير ربحية.
وسجل المؤشر العام لإجمالي الوحدات السكنية ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الماضي، بلغت نسبته 0.3 في المائة، مقارنة بارتفاعه للأسبوع الأسبق بنسبة 0.1 في المائة، ليستقر مع نهاية الأسبوع الماضي عند 776.4 نقطة، في حين سجل متوسط ذات المؤشر خلال الفترة الماضية منذ مطلع 2016 حتى الأسبوع الحالي، انخفاضا بلغت نسبته 3.5 في المائة مقارنة بمتوسط المؤشر للعام الماضي، مستقرا عند 786.7 نقطة. وبلغت نسبة انخفاض متوسط المؤشر العقاري السكني العام مقارنة بقيمته المسجلة خلال عام 2014 وعام 2013. نحو 17.8 في المائة، ونحو 23.4 في المائة على التوالي.
خلال الربع الأول تراجع الطلب في السعودية على المشاريع الإسكانية التجارية
ارتفاع الأسعار وشراكة «الإسكان» مع المطورين انعكسا بشكل مباشر على أداء السوق
خلال الربع الأول تراجع الطلب في السعودية على المشاريع الإسكانية التجارية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة