أسوأ ما يمكن أن نفعله هو مقارنة جمال المدن، ففي مرة من المرات زرت مدينة ميلانو الإيطالية وأتذكر تماما كيف استهللت وصفي لها عندما قلت إنها تعيش في ظل شقيقتها روما الأكثر جمالا، ولكني لم أرد المقارنة لأنها لا تجوز، فميلانو مدينة حديثة بالمقارنة مع روما، كما أن دورها الاقتصادي ووضعها كقاعدة للموضة الإيطالية يختلف عن نمط روما السياحي الذي يعتمد على روعة البنيان وزخم التاريخ.
وبعد ميلانو يأتي اليوم دور الدار البيضاء التي زرتها لأول مرة للتو بعدما كونت عنها فكرة لا بأس بها ولكني لم ولن أقارنها بمراكش التي تعتبر من أهم المدن السياحية في المغرب، لأنه من غير العادل مقارنة مدينتين مختلفين تماما من حيث الديموغرافية والدور.
عندما انطلقت الرحلة على متن الخطوط الملكية المغربية شعرت وكأني وصلت إلى المغرب قبل الإقلاع، والسبب هو بشاشة وجوه الطاقم والموسيقى المغربية التي تصدح في أرجاء الطائرة، ولهجات مختلفة ولغات كثيرة تسمعها، فتارة تسمع الفرنسية وتارة أخرى تسمع العربية ولكن عندما يتكلم المغاربة مع بعضهم البعض، تختلف القصة، لأن اللهجة المحلية تعود إلى الساحة ولا يفهمها إلا أهلها.
إذا كنت تريد أن تشعر بالأهمية، اذهب إلى الدار البيضاء أو «كازا» كما يحلو لأهلها تسميتها، والسبب هو أنه وكما أخبرني أحدهم أن هناك خدمة خاصة في مطار محمد الخامس، لقاء مبلغ مادي معين يسهل عليك عملية الانتظار في طابور طويل، فيستقبلك أحد المسؤولين من باب الطائرة إلى باب المطار الخارجي مباشرة، ويا لها من خدمة رائعة.
كان بانتظاري السائق الذي يعمل لحساب فندق «فور سيزونز» الجديد، ولأكون أكثر دقة، أنا كنت بانتظاره لأنه تأخر بالوصول، ولكني لم آبه للتأخير بعدما كفر صلاح عن ذنبه وتولى مهمة تعريفي بمدينته وأخبرني كل شيء عنها، ونصحني بزيارة أجمل الأماكن فيها وأفضل المطاعم، وعلى مدى 40 دقيقة من المطار إلى الفندق شعرت أنني أستطيع العودة إلى لندن لأن صلاح لم يترك أي شيء لمخيلتي، ولكن وبعد أربعة أيام في ربوع الدار البيضاء، تذكرت صلاح وقلت في نفسي: «هذا الشاب يجب أن يتحول إلى دليل سياحي».
* وأصبح للأطلسي جار
المعروف عن الدار البيضاء أنها عصب المغرب الاقتصادي والمالي، وغالبية الزيارات إليها بهدف العمل وعقد الاجتماعات، وقد يكون هذا السبب وراء عدم وجود أي عنوان إقامة على الواجهة البحرية مباشرة، غير أن هذا المشهد تغير حرفيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عندما أبصر فندق «فور سيزونز» النور ليكون أول فندق من فئة خمس نجوم يغازل الأطلسي ويتنفس أمواجه.
الفندق مثل باقي فنادق فور سيزونز العالمية يترجم نمط المدينة التي يوجد بها، فيتأقلم مع أسلوبها من حيث الديكور ولكن وفي نفس الوقت وبمجرد أن تطأ قدماك البهو الرئيسي فيه تعرف أنك في أحد فروع فور سيزونز، وهذه هي أهم ميزة.
فور سيزونز الدار البيضاء تم بناؤه وكل شرائح الزوار على البال، فهو بني ليكون مكان اجتماعات رجال الأعمال، وليكون مكانا للعائلات لتمضية الإجازة، وليحضن الأعراس والمناسبات الكبرى، وإضافة إلى كل هذا فهو بني ليضم كوكبة من أهم المطاعم التي ستكون حتما عنوان أهالي المدينة وزوارها من دون منازع.
فور سيزونز كازابلانكا هو واحة من الأناقة في أكبر مدينة مغربية، تدخل إليها فيكون الشاي المغربي والحلوى بانتظارك على الباب، الديكور أكثر من رائع، كله من وحي الثقافة والتصميم المغربي المميز، تفاصيل ومفردات تجدها على الجدران وحتى الأسقف، بهو رئيسي لا يحده إلا أمواج الأطلسي الهائجة، وشرفة رائعة في الطابق الخامس، تزينها مدفأة نار عملاقة تزينها قطع البلاط التقليدي، تحيط بها مقاعد منخفضة العلو.
يضم الفندق 157 غرفة واسعة و29 جناحا، ولا يبخل أي منها بإطلالة على الأطلسي.
عندما تدخل إلى الغرفة ستكون زجاجة الشاي بالنعناع البارد بانتظارك، أما بالنسبة للحلويات فحدث ولا حرج أو بالأحرى من الأفضل تفقد مستوى السكر لديك بعد انتهاء الزيارة، غير أن حلاوة مذاق كعب الغزال الذي يحضر في الفندق إلى جانب عدد كبير من الحلويات المغربية والغربية الأخرى تنسيك مسألة الصحة.
وبما أن الفندق يقع في منطقة مهمة اقتصاديا، فهو يقدم الكثير من الخدمات والتسهيلات لرجال الأعمال، ولكن اللافت أن الفندق لا يشبه الفنادق الموجهة للعمل فقط لأنه يخاطب السياح أيضا، خاصة أنه يحتل موقعا رائعا على الشاطئ وبمحاذاة مجمع «موروكو مول» الأكبر في أفريقيا.
* المركز الصحي
تصل إلى المركز الصحي عبر ممر تزينه المصابيح مغربية التصميم، التي وضعت على أرضية من الرخام باللون الذهبي المستوحى من زيت أرغان الأشهر، ويمتد المركز على مساحة 700 متر مربع ويقدم أفضل أنواع العلاجات على أيدي اختصاصيين، وهناك بركة سباحة وغرف ساونا وبخار. ومنه تتوجه إلى الحدائق الخارجية وبركة السباحة القريبة من مطعم لاتيتود 33 الذي يقدم المأكولات العالمية على طريقة «التاباس».
* شاي بعد الظهر
يقدم الفندق شاي بعد الظهر، وهذا التقليد إنجليزي، ولكنه يقدم على الطريقة المغربية، على أنغام موسيقى البيانو الحية، ويقدم الشاي المغربي مع الحلويات والأطايب المغربية الأخرى.
7 زيارات لا بد منها في الدار البيضاء
1 - مسجد الحسن الثاني
يعتبر ثالث أكبر مسجد في العالم، صممه المهندس الفرنسي ميشال بينسو، ويبلغ طول مئذنته 210 أمتار، وهي الأطول في المغرب وواحدة من أطول المآذن في العالم.
استغرق بناؤه ست سنوات، وهندسته تحفة فنية رائعة، وننصح باصطحاب دليل سياحي للتعرف على المسجد والتمتع بروعته. ولحسن حظنا عندما قمنا بزيارة المسجد كان سقفه مفتوحا ليزيد من روعة وسحر المكان.
2 - أسواق قديمة
لا تكتمل زيارة المغرب إلا من خلال زيارة الأسواق التراثية التي تأخذك في رحلة عبر الزمان وترجع عقارب الساعة إلى الوراء، لتنقلك تلك القناطر التي تصل من خلالها إلى سوق حبوس أو باب مراكش إلى زمن غابر جميل، فترى المحلات الصغيرة متراصة جنبا إلى جنب، ينادي أصحابها على منتجاتهم التقليدية من البابوج المغربي إلى أواني الشاي، فإذا اخترت سوق حبوس أنصح بتناول كوب من الشاي المغربي عند مقهى «كافيه إمبريال» ومراقبة المارة من حولك قبل بدء تجربة التسوق.
لا تنسى أن تعرج إلى محلات «بينيس» المختصة ببيع الحلويات المغربية والتي تعتبر من أقدم المخابز في المدينة.
3 - المتاحف
تزخر الدار البيضاء بعدة متاحف مثل متحف سلاوي الواقع في فيلا مصممة على نمط الآرت ديكو الذي اشتهر في السبعينات، وفيه تجد مصوغات قديمة بالإضافة إلى لوحات الفنان الفرنسي جاك ماجوريل، وإذا كنت من محبي الفن الحديث فأفضل عنوان سيكون في «فيلا دي زار» التي تستضيف أعمالا فنانين مغربيين وعالميين معاصرين.
وأنصحك بالتوجه بواسطة القطار إلى مدينة الرباط للتعرف على ما يعرضه متحف الفنون المعاصرة، وخلال زيارتنا كانت تعرض مجموعة الفنان الفرنسي سيزار.
4 - الأكل
عندما تزور المغرب، انس موضوع الحمية الغذائية لأن المطبخ مغر جدا، وفي الدار البيضاء لا بد أن تأكل السمك أو «الحوت» كما يسميه أهل البلاد، وإذا كنت من محبي المحار أنصحك بتذوقها في مطعم «بلو» Bleu المتخصص بثمار البحر ويؤتى بالمحار من «الداخلة» في جنوب المغرب، التي تضم عددا من المزارع الخاصة بالمحار.
ولا تكتمل زيارة المغرب من دون تذوق المأكولات المغربية مثل الطاجين والكسكس، فيمكنك التوجه إلى مطعم «مينت» Mint.
ولأفضل غداء وأجمل جلسة خارجية، أنصحك بالتوجه إلى مطعم «لا سكالا» La Sqala، فهو مخبأ وراء باب أزرق على شكل قنطرة كبيرة،
وهو عبارة عن حديقة توزع فيها الطاولات والشماسي، ويقدم المطعم ألذ أنواع الطاجين والسلطات المغربية. وللعشاء أو الغداء، أنصحك بمطعم «كابيستان» Cabestan الواقع على البحر مباشرة، فتقدم فيه الأسماك على أنواعها، وفترة المساء يتحول المكان إلى واحة رومانسية تصدح فيها الموسيقى التي تجذب محبي الفن والأكل. ولا بد من تخصيص الوقت لزيارة «ريكس كافيه» Rick’s Cafe الشهير و«لو روليه دو باري» Le Relais De Paris.
5 - ركوب الأمواج
هل تعرف أن المغرب لديه أهم مواقع لممارسة هواية ركوب الأمواج؟ وأشهر الأماكن فيه هي الدار البيضاء والداخلة وتاغازوت، ويقصد المغرب سنويا آلاف السياح الأجانب من أجل هذه الرياضة. وشواطئ كازابلانكا مناسبة جدا لأنها تقع بمحاذاة الشاطئ والمعروف عن الأطلسي أنه هائج وثائر معظم الأحيان.
6 - المشي على الكورنيش
تتميز الدار البيضاء بكورنيش يمتد على طول الساحل، فترى المهتمين برشاقتهم يبدأون نهارهم بالمشي السريع أو الركض على الكورنيش في منطقة تعرف باسم «أنفا»، وهي من أكثر المناطق أناقة ويطلق عليها البعض اسم «برومناد الأطلسي»، لأنها تتميز بعبق هوليوودي ملموس.
7 - السفر بالقطار
إذا زرت الدار البيضاء خصص بعض الوقت لزيارة المناطق السياحية المجاورة مثل المنتجع السياحي «مازاغان» القريب من مدينة «الجديدة» التابعة لمنظمة اليونيسكو العالمية، التي استقر فيها البرتغاليون في القرن السادس عشر، وهي مثال حي على التبادل الثقافي بين البلدين. ومدينة الرباط التي تتميز بهندسة معمارية تاريخية.