صراعات الإسلامويين المتشددين البينية المفتوحة.. محاولة تفسيرية

السجالات والمخالفات تشكل أكثر من 70 % من مجموع أعمالهم

صراعات الإسلامويين المتشددين البينية المفتوحة.. محاولة تفسيرية
TT

صراعات الإسلامويين المتشددين البينية المفتوحة.. محاولة تفسيرية

صراعات الإسلامويين المتشددين البينية المفتوحة.. محاولة تفسيرية

تمثل الصراعات النظرية والسجالية لمن يصفون أنفسهم بـ«الإسلاميين» و«الجهاديين» أكثر من 70 في المائة من مجموع مؤلفاتهم ومضامين وغايات خطاباتهم تقريبًا، وتسير معهم، منذ وثائقهم التأسيسية حتى سجالاتهم المتتالية والمستمرة. ونلمحها صراعات نظرية دائمة وعملية وقتالية أحيانا، قد يبدأ من التخطئة النظرية والاتهام في العقيدة والذمة، تخوينًا وتكفيرًا، حتى التصفية العملية والاغتيال المادي، فضلا عن المعنوي، وتنذر حال انتصار واحدها باشتعال الصراع بين جميعها، حيث سنة الاختلاف ومفهومه واتساعه ظل واستمر هشًا في إطار الفرقة الناجية التي تنفي آخريها. وتتبدى الصراعات على المستوى النظري تحت لافتات «الوسط والرشادة» كما تحتكر وصف «النجاة والاصطفاء»، ودعوى «التوجهات الصحيحة» بينما مخالفوها أدعياؤها. ومن هنا كتب منظّروها في تعديل أنصارهم وجرح مخالفيهم، فكانت مراسلات ومطويات أسامة بن لادن في نقد علماء المملكة العربية السعودية، وكتب آخر تحت عنوان «أدعياء السلفية» وأبو قتادة الفلسطيني عن «الجرح والتعديل» الذي انتقد فيه شيوخ «السلفية العلمية» ووصفهم بأنهم «مُرجئة العصر»، وكتب المقدسي عن أن «الديمقراطية دين يكفر من يؤمن به» وكتب أخيرا المنظر الداعشي أبو الحسن الأزدي عن «السرورية فصام يولد الانشطار» في نقد تيارها، وهكذا تتم التصفيات نظريًا وعمليًا بين مختلف الحركات المتطرفة التي تطلق على نفسها مسميات إسلاموية وجهادية على السواء.
«قتل الأب» هذه الأسطورة الفرويدية صحيحة تمامًا في قراءة صراعات «الإسلامويين المتشددين» واختلافاتهم، حيث يكون احتكار الشرعية وأحاديتها سمة كل جماعة في وجه مخالفيها وآخريها، وخصوصا الأقربين منها والأشباه بها المنافسين لها في تصور الشرعية وجاذبية الجماهير والتجنيد.
إنها فرضية مثيرة، كلما كان الاقتراب والتنافس داخل المجال الأصولي والديني المنهجي نفسه، ازدادت الكراهية والنفور والتشويه المتبادل بين عناصره، ويعتبر كل منها الانشقاق عنه أو الاختلاف معه ومع قادته خيانة وإعاقة لمشروعه، تستحق البتر في الغالب.
يعد كتاب أبو بكر ناجي «الخونة: أخسّ صفقة في تاريخ الحركة الإسلامية» - وهو نفسه صاحب كتاب «إدارة التوحش» المتأخر عن السابق - نموذجًا واضحًا ودالاً على فعالية منطق التخوين بين هذه الجماعات. ولقد عرض فيه لما يراه «خيانات» جماعات وحركات مختلفة، تبدأ من «النهضة» في تونس و«الإخوان المسلمين» وتصل إلى «الجماعة الإسلامية المصرية» وجماعات «السلفية الإصلاحية والعلمية» وشخصيات مثل فوزي السعيد وقلب الدين حكمتيار وعبد رب الرسول سياف ومفكّرين وأفراد ورجال دين كثر، من مختلف بلدان العالم الإسلامي، كلهم متهمون بتهمة واحدة تستحق العقاب هي «الخيانة».
هكذا حاول منذ وقت مبكر محمد عبد السلام فرج في «الفريضة الغائبة» حين سفّه كل الأطروحات الإسلامية الأخرى، مختزلاّ التوحيد في «الجهاد»، والجهاد في «القتال»، باحثًا عن «دار الإسلام» وفق فتوى التتار التي نقلها خطأ.
وحسب شهادة أيمن الظواهري نفسه في رسالته «التبرئة في الرد على وثيقة الترشيد» لسيد إمام، ذكر أن المنتقد في كتابه الجامع «دستور جماعة الجهاد» قد كفّر جماعات كـ«الإخوان المسلمين» و«الجماعة الإسلامية المصرية». ومن هنا كان تدخله وجماعته في الحذف قبل النشر، وهو ما أغضب عبد القادر بن عبد العزيز وقطع العلاقة بينهما كما ذكر كل منهما.
يسيطر تصوّر «الفرقة الناجية»، ووصف «الطائفة المنصورة»، على كل جماعة وحركة متشددة وتحتكره دون سواها من الجماعات والحركات الأخرى. وفي أقل نبراته تكتفي بوصف أنها «الأمة الوسط» أو«الجماعة الرشيدة»، مقيمة حدها الفاصل بينها كقاعدة وطليعة منتصرة - بوعد الله وبين المنحرفين والمضلين والمثبطين والمتساقطين من سواها أو ممّن يخرج عليها.
وعلى الرغم من أن هدف «الدولة الإسلامية» أو «تطبيق الشريعة» أو «استعادة الخلافة» شعارات معلنة بين مختلف المتشددين، فإن كلاً منهم يحتكرها لنفسه، وينذر انتصار أحدها بصراع جديد مع آخريها، حيث التصفية والصراع المؤبد بين ممثليها دائمًا، وضرورة الإذعان والخضوع للمتغلب منها وهو ما لا يحدث بالغالب، ويبقى الصراع مفتوحًا.
وانطلاقا من تمثل وتقمص كل منها لـ«الطائفة المنصورة» و«الجماعة الرشيدة» يبدأ مسلسل اختزال الصحة، إسلامًا وشرعًا وجهادًا، في الجماعة، ثم تشخصن في قادتها وأميرها، ومن ثم يكون أدنى نقد لها - أو لهم - خروجا عن الإسلام والشرع، وخيانة لدين الله وأمانته، يستحق القتل أحيانا، متى كانوا في ساحة جهاد. وهذا ما فعله كان أبرز نموذج له الجزائري عنتر الزوابري (1970 - 2002) أمير «الجماعة الإسلامية المسلحة» الذي قتل ذات مساء من خريف عام 1995 نحو 500 عنصر معه بقيادة الشيخ الدكتور محمد السعيد (بلقاسم الوناسي) زعيم تيار «الجزأرة» المعتدل والتقريبي، حين نحا الأخير نحو المصالحة ومال إليها مع الدولة والنظام الجزائري، فكان جوابه التضحية به والخمسمائة الذين كانوا معه!
بل إن هذا «الأمير»، أي الزوابري، لم يتحمّل خلاف مجموعة من عناصر «القاعدة» و«الجماعة الإسلامية المقاتلة» الليبية الذين جاءوا نصرة له من ليبيا بأمر من الظواهري و«القاعدة»، فقتلهم جميعًا ولم يعد منهم أحد. وكان عددهم خمسة عشر عنصرا، وهو ما كان دافعًا لانقلاب مَن أيّدوه عليه فيما بعد، شأن المتشدد أبي قتادة الفلسطيني.
بعد وصول حماس للسلطة وسيطرتها على قطاع غزة بوقت قصير، أعلنت جماعة «جند أنصار الله» بقيادة الطبيب عبد اللطيف موسى المشهور بـ«أبو النور المقدسي» إمارة دينية في شرق غزة، فلم يكن إلا قتله وقتل من معه في مسجد ابن تيمية يوم 15 أغسطس (آب) 2009. وهو ما انتقده المنظرون المتشددون قائلين بتكفير حماس، التي لا تعلن كفرها بالديمقراطية، وتشبه في ردتها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والقائلين بـ«علمانية النظام الإسلامي»، كما ذكر أبو محمد المقدسي في رثائه لجماعة «جند أنصار الله» في هذا التاريخ.
وتشتعل لغة الخلاف والصراع مع ازدياد راديكالية الجماعة، حيث لا يجوز - وفق تصورها وأدبياتها - الخروج والانشقاق كما لا يجوز فيها الاختلاف أو المنافسة، فحينئذ لا جزاء إلا القتل، حكمًا أو اغتيالاً.
هكذا فعل أبو بكر البغدادي مع أستاذه ومعلمه السابق الشيخ محمد حردان العيساوي (أبو عبد الله محمد المنصور) أمير «جيش المجاهدين في العراق» الذي كان قتله واغتياله أول أمرٍ أَمَر به البغدادي جنوده وقواده في سوريا بعد دخولهم إليها! وهو ما يبرر له الكاتب الداعشي صلاح الدين عمر بـ«الخيانة»، إذ يقول ملوّحًا بخيانته ومتهمًا لذمته، وهو من تلقى عنه البغدادي بعض دروس الفقه. كما كان أول من استضاف الزرقاوي في العراق وعرّفه على سائر المتشددين فيها بعد دخوله إليه عام 2003، لكنه في النهاية صار «خائنًا» و«عميلاً للأميركان» لمجرّد اتهامه للبغدادي بعدم العلم وعدم الأهلية للقيادة.
وحسب الكاتب الداعشي: «لقد اعتقلت القوات الأميركية محمد حردان العيساوي - المُكنّى أيضًا بأبي سعيد العراقي - عام 2006 م، وهو من طلبة العلم المتقدمين، بل لعله من أعلم أهل العراق، وهو الأمير العام لـ«جيش المجاهدين في العراق» وكان المسؤول عن خطف أعداد كبيرة جدًا من الصحافيين والأجانب في العراق. ثم قامت بإطلاق سراحه بعد سنة وشهرين تقريبا من اعتقاله فقط (!!)، علما بأن الآلاف من البسطاء الذين اعتقلتهم القوات الأميركية لم يطلق سراحهم إلا بعد ثلاث أو أربع سنوات! فكيف تم إطلاق سراح الأمير العام لجيش المجاهدين بعد سنة واحدة فقط؟من حقنا أن نسال هذا السؤال. لكن كما يقال إذا عُرف السبب بطل العجب، فما إن خرج الرجل من السجن حتى راح يُنَظِّر ضد تنظيم «القاعدة» وضد «داعش» وألّف بعد خروجه من السجن مباشرة أربعة كتب كلها موجهة ضد «الجهاد» و«المجاهدين» على شكل فتاوى ونصائح باردة للمجاهدين هي «أبرد من نصائحك وتوجيهاتك» والكلام لا يزال للكاتب الداعشي.
الذي يتابع: «والعجيب أنه بعد خروجه من السجن استقر به المقام في سوريا. استقر هناك مرحبًا به من قبل الحكومة السورية منذ عام 2007 ولم يخرج من سوريا إلا بعد بدء العمل الجهادي فيها!!! علما أن المعتقل مع محمد حردان في نفس القضية لا يزال ولحد الآن ومنذ تسع سنوات معتقلاً عند الحكومة العراقية حيث سلمه الأميركان لهم بعد خروجهم من العراق. فكيف يطلق سراح الأمير ويبقى الجندي في الاعتقال؟ أليس من حقنا أن نسال هذا السؤال؟». وهو ما ردده أيضًا كثير من أنصار «داعش» مثل جرير الحسيني وغيره، في شهادته على محمد حردان الذي قتل بعد ذلك.
أيضًا، فعلها «داعش» مع أبو خالد السوري الذي يصفه المنظر الداعشي صلاح الدين عمر بقوله: «أخطأ الرجل بانضمامه إلى (تنظيم) أحرار الشام، وهي جماعة ليست إسلامية، وهذا ليس قولنا نحن فقط وإنما هو قول الآخرين من المحللين السياسيين والمتابعين للشأن السوري». ويستشهد عمر بمن ينفي عن هذه الجماعة «الإسلامية» ناقلاً عنه قوله: «أما تنظيمات الجبهة الإسلامية ومنها أحرار الشام والجيش الحر فجهادها وطني، سقفها وطني، محدود بإطار وطني، حتى تشخيص الصراع عندها محدود ضمن إطار وطني».
ثم أن الوطنية صنم عند «الدواعش» و«القاعدة»، تدخل في الإيمان بالطاغوت عند جميع تيارات التشدد، ويمكن أن تكون سندا للتكفير. ويضيف هذا الكاتب في تبرئة قتل أبي خالد السوري من قبل «داعش» قوله ورده على أبي محمد المقدسي: «الدولة الإسلامية لم تكن بدعا في قتلها لأبي خالد ولبعض الأخوة في جبهة النصرة، نعم ليس الأمر جديدًا، فالتاريخ الإسلامي مليء بالصراعات بين المسلمين. ألم يفلق علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وجيشه رؤوس الآلاف - أي نعم الآلاف - من المسلمين من جيش معاوية؟!! ألم يفلق معاوية - رضي الله عنه - وجيشه رؤوس الآلاف من جيش علي؟!! ألم يفلقوا رأس عمار - رضي الله عنه - ؟!! أليست هذه دماءٌ معصومة؟ حتى إذا رشح المسلمون حكمين ليوقفوا سفك الدماء المعصومة إذ بأحدهما لا يفعل ما اتفق عليه مع صاحبه ويتسبب في مصيبة جديدة للمسلمين، وكلنا اليوم لا يسعنا إلا أن نترضى عن علي ومعاوية وعلى الحكمين، لماذا؟ لأن هذه السيئات مهما عظمت، فإنها تضيع في بحار حسناتهم. ألم يفلق قطز رؤوس العشرات من المماليك البحرية من المسلمين من أتباع الظاهر بيبرس؟ ألم يفلق الظاهر بيبرس رأس الأمير المنتصر قطز مباشرةً بعد عودته من انتصاره العظيم في عين جالوت؟ إن الصراع بين المسلمين وقتل بعضهم بعضًا يملأ صفحات التاريخ الإسلامي، ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو مكابر».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.