بعد تدمر.. منطقة البادية السورية الامتحان الأصعب للنظام

الانتشار فيها يحتاج إلى قوات كبيرة ومعارضون يشككون في قدراته

بعد تدمر.. منطقة البادية السورية الامتحان الأصعب للنظام
TT

بعد تدمر.. منطقة البادية السورية الامتحان الأصعب للنظام

بعد تدمر.. منطقة البادية السورية الامتحان الأصعب للنظام

لا ينظر إلى طرد «داعش» من مدينة تدمر، على أنه تطور استراتيجي، إذا لم يُستكمل للسيطرة على المناطق المحيطة بالمنطقة التي تشمل البادية السورية، وهو ما يتوقف عنده معارضون سوريون، قائلين بأن هناك شكوكًا تحيط بقدرة قوات النظام على بسط سيطرتها على البادية السورية المترامية الأطراف، كون النظام تعرض لحرب استنزاف في معارك البادية، وخسر الكثير من قواته وعناصره، فضلاً عن انتشاره في عدد كبير من المناطق التي تستوجب تغطيتها بالكادر البشري.
وأكد ناشطون سوريون، بينهم المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن قوات النظام تقاتل في تدمر بدعم من المسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وعربية وآسيوية، فيما يرى آخرون أن عماد القوات المقاتلة، هي «من ميليشيات الدفاع الوطني»، وهي القوات الرديفة التي تقاتل في ريف حمص من أكثر من عام، وتعرضت لضربات قاسية في محاولة تأمين حقل الجزل النفطي بريف حمص الشرقي.
لكن السيطرة على تدمر بحد ذاتها، ينظر إليها مراقبون على أنها بداية هامة، كونها تعتبر أقسى ضربة يتلقاها التنظيم الذي خسر أكثر من 400 من مقاتليه بفعل ألف ضربة جوية نفذتها الطائرات الروسية منذ ثلاثة أسابيع أدت إلى إرهاق التنظيم. ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، بأنها «بداية فعلية لانهياره في سوريا»، ولو أنها «بداية مشروطة بتوسيع القتال ضده إلى البادية». ذلك أن السيطرة على تدمر ومحيطها، إذا تحقق: «ستحرمه الاتصال بين مناطق سيطرته في الشمال والجنوب والشرق، كما تقود إمداداته المالية إلى حد كبير».
ويرى عبد الرحمن أن الوجهة المقبلة للنظام، ستكون «معنوية لا تكلفه الكثير من الجهد العسكري»، وتتمثل بالتقدم نحو معبر التنف الحدودي مع العراق الذي يبعد 60 كيلومترًا عن تدمر. ويضيف: «التقدم إلى التنف، ينظر إليه النظام من زاوية دعائية ترفع معنويات مقاتليه، وهي أسهل عليه من السيطرة على السخنة أو الطيبة أو الكوم، وهي مدن قريبة من تدمر».
وبالسيطرة على مدينة تدمر، فإن قوات النظام لن يتبقَ أمامها للوصول إلى الحدود السورية – العراقية واستعادة السيطرة على معبر التنف الواصل بينها وبين العراق، سوى منطقة جبال العليانية وبلدتها في جنوب تدمر، إضافة إلى بعض حواجز التنظيم المتناثرة في البادية السورية والتي من السهل استهدافها من قبل الطائرات الروسية، وبذلك فإن قوات النظام تكون قد استعادت السيطرة على نحو 30 ألف كلم من البادية السورية.
ورغم التقدم في تدمر، فإن قوات النظام تواصل معاركها المستمرة مع «داعش» في بلدة القريتين في جنوب شرقي حمص، وتبعد أقل من 20 كيلومترًا عن طريق دمشق – حمص الدولي. وأفاد ناشطون بأن قوات النظام واصلت قصفها المكثف لمناطق في مدينة القريتين ومحيطها بريف حمص الجنوبي الشرقي.
وبالموازاة، قال ناشطون في ريف حمص بأن قوات النظام تقصف طريق تدمر - حقل التيم النفطي، وهو ما يشير إلى أن النظام يسعى لاستعادة السيطرة على آبار النفط والغاز في المنطقة الصحراوية، علما بأن الحوض التدمري للنفط، يقع معظمه في بادية الشام ويشغل ربع مساحة سوريا، ويعتبر أضخم حوض للغاز.
وتعتبر حقول النفط والغاز في ريف حمص الشرقي، امتدادا لحقول النفط الاستراتيجية في دير الزور في شرق سوريا، والخاضعة بأكملها لسيطرة «داعش». ويسيطر «داعش» على حقول كبيرة مثل التيم، وحقل «كونكو» للغاز الذي يعتبر ثاني حقل في الشرق الأوسط، وحقل العمر للنفط والغاز. كما يسيطر على حقل الورد في البوكمال، وحقل التنك النفطي الواقع في بادية الشعيطات في الريف الشرقي لدير الزور، بالإضافة إلى محطة «تيتو» لتجميع النفط وهي في بادية البوكمال.
وتبادل النظام و«داعش» مرات كثيرة، السيطرة على حقلي «الشاعر» و«جزل» للنفط والغاز في ريف حمص الشرقي، كان آخرها المعارك التي اندلعت في المنطقة في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.
ويزود حقل جزل محطات توليد الكهرباء في المنطقة الوسطى بالغاز. ويقع هذا الحقل ضمن ريف تدمر، وعلى مسافة قريبة من حقل الشاعر الضخم للغاز والنفط، الذي لا يزال يتعرض لهجمات من مقاتلي «داعش». لكن معظم الآبار الأخرى الممتدة من ريف حمص الشرقي إلى ريف دير الزور الغربي، يسيطر عليها «داعش»، وتتعرض بشكل دائم لضربات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. كما يسيطر «داعش» على معمل «كونيكو» للغاز في دير الزور، وعلى حقل توينان الضخم للغاز في شرق حمص.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.