كلام ريابكوف ما بين المعارضة والموالاة ومصالح موسكو

نائب وزير الخارجية الروسي يتحدث مجددًا حول مصير الأسد

كلام ريابكوف ما بين المعارضة والموالاة ومصالح موسكو
TT

كلام ريابكوف ما بين المعارضة والموالاة ومصالح موسكو

كلام ريابكوف ما بين المعارضة والموالاة ومصالح موسكو

عاد الحديث عن مصير رأس النظام السوري إلى الواجهة مجددًا على خلفية تصريحات أدلى بها سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، في حديث لوكالة «إنتر فاكس» وأعرب فيها عن قناعته بأن «المرحلة الحالية من العملية السياسية أصبحت بحد ذاتها ممكنة بفضل تفهم وجدناه لدى واشنطن بخصوص شعارنا الرئيسي بأن تحديد كيفية تقرير مستقبل الرئيس السوري الحالي يجب أن لا تكون على جدول الأعمال في المرحلة الراهنة. وحسب قناعتنا الراسخة لقد كان من شأن هذه المسألة أن تتحول إلى عقبة لا يمكن تجاوزها على درب العملية التفاوضية». ومن ثم أوضح ريابكوف أنه وبعد ذلك التفهم من جانب واشنطن «أزلنا حجر العثرة هذا من الدرب، وجرى التوافق مع الولايات المتحدة كما ومع الدول الأخرى الأعضاء في المجموعة الدولية لدعم سوريا على أن يقرر السوريون بأنفسهم هذا الشأن، وفي الوقت الذي يناسبهم في سياق عملية المفاوضات».
ما أن نطق ريابكوف بهذه العبارات ذهبت أطراف الأزمة السورية، وجمهور الخبراء والمحللين إلى قراءة وتأويل ما قاله، كل بما يتوافق مع ميوله السياسية. إذ اعتبر عدد من المعارضين السوريين ووسائل إعلام معارضة أن تصريحات نائب وزير الخارجية الروس تؤكد مجددًا أن موسكو ما زالت مصرة على دعمها للأسد، وكل الإشارات التي صدرت عن الدبلوماسية الروسية واعتبرها البعض رسائل إيجابية تجاه المعارضة، ليست سوى مراوغة لكسب الوقت بغية المضي في عملية «إعادة إنتاج النظام» السوري. أما جمهور الموالاة وإعلامهم فقد قرأوا في كلام ريابكوف ردا على ما ظنه البعض تراجعا في الموقف الروسي وتخليًا عن الأسد، لا سيما بعد قرار سحب جزء رئيسي من القوات الروسية في سوريا.
إن كلا التفسيرين لما قاله ريابكوف يحاكي جانبًا من الحقيقة، ذلك أن روسيا ما زالت في الواقع مصرّة على تقديم الدعم للأسد، وهذا ما تفعله حتى اللحظة بدليل أنها تشارك بقوة في معارك تحرير تدمر من تنظيم داعش الإرهابي وتكاد مشاركتها تكون صاحبة القول الفصل في المعركة، كما في كل معارك الأسد العسكرية خلال الأشهر الست الماضية، ومعاركه السياسية على مدار خمس سنوات من الأزمة السورية. ويوضح الروس موقفهم هذا بأنهم يتحركون انطلاقا من مصالحهم الخاصة. وكلام ريابكوف الذي جاء في سياق المصالح الروسية الخاصة، بالتشابك مع تعقيدات المرحلة، يبدو، كما هي حال معظم تصريحات المسؤولين الروسي في الآونة الأخيرة، رسائل بعدة اتجاهات.
الرسالة الأولى لطمأنة النظام السوري مجددًا بأن موسكو لن تتخلى عنه ولن تسمح بأن يقرر أحد ما مصير الأسد بصورة أحادية. ولعل الروس يدركون أكثر من غيرهم حقيقة وجود تباينات بينهم وبين رأس النظام السوري بخصوص مراحل العملية السياسية، بما في ذلك ضرورة الموافقة على المرحلة الانتقالية والدستور الجديد والانتخابات. ولقد برز ذلك بوضوح في تصريحات لمسؤولين من النظام، مثل فيصل المقداد الذي قال إن «المرحلة الانتقالية موجودة في أذهان من لا يعيشون على أرض الواقع». واعتبر أن الحديث عن العملية السياسية يعني بالنسبة لدمشق الحوار الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وكانت هناك تصريحات شبيهة أطلقها بشار نفسه، ومن ثم وزير خارجيته وليد المعلم. حينها جاء الرد من موسكو سريعًا عندما أكدت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية أن «بقاء بشار ليس مسألة مبدأ بالنسبة لروسيا»، موضحة أن «موسكو ليست الطرف الذي يقول إن كان على الأسد البقاء أو الرحيل»، لتحيل الأمر إلى السوريين أنفسهم لاتخاذ القرار بشأنه، وهو ما قاله ريابكوف عمليا في تصريحاته لإنترفاكس.
وهنا يرى مراقبون في موسكو أن القيادة الروسية ليست متمسكة فعلاً بالأسد كشخص، بل متمسكة به كنظام لأن أحد أهداف موقفها من الأزمة السورية كان الدفاع عن مفهوم «نظام حكم شرعي» بوجه الثورات الشعبية التي تصرّ موسكو على وصفا بأنها «مؤامرات تحيكها الولايات المتحدة للتخلص من أنظمة الحكم غير المطيعة».
ومن جانب آخر تبدو موسكو متمسكة بالأسد في هذه المرحلة، بصورة خاصة، لعدة أسباب أبرزها: أولاً أن المجاهرة باستعدادها للتخلي عنه قد يُفقدها الورقة الوحيدة التي تجعل منها لاعبًا مؤثرًا بصورة قوية في الملف السوري، وتحولت عبره إلى لاعب يُحسب له الحساب إقليميا ودوليا. ولعل روسيا معينة حاليًا بالحفاظ قدر الإمكان على مناخ مناسب لاستمرار المفاوضات، والتوصل إلى حل سياسي على أساس بيان جنيف. لذلك، وبحال توسعت الهوة مع الأسد، فإن موسكو تخشى أن يتخذ خطوات ما تعرقل الحل السياسي الذي تراهن على نجاحه لأنه يخدم مصالحها، ويحقق أهداف سياستها السورية الهادفة إلى أن تثبت مجددا للولايات المتحدة والعالم أن التعامل مع روسيا كشريك ندّي أسلوب من شأنه أن يساهم بجدية في حل كثير من الأزمات الدولية الخطيرة.
وثانيًا لأن روسيا عمليا - وفق ما يؤكد كثيرون في موسكو - غير معنية باستمرار الأزمة السورية لأنها إن طالت ستنعكس بصورة أكبر على أمنها واستقرارها الداخليين.
، كما قد تجد نفسها مضطرة للتورط بنزاع إقليمي معقد للغاية قد ينهكها كما فعلت أفغانستان بالسوفيات.
باتجاه آخر، كلام ريابكوف - وكذلك تصريحات لافروف قبله أثناء المؤتمر الصحافي المشترك مع كيري - حمل رسائل للمعارضة السورية أيضًا. ذلك أن تأكيد لافروف وإشارة ريابكوف إلى أن «مصير الأسد تم تأجيله ليبحثه السوريون في الوقت المناسب لهم في سياق المفاوضات» يكشف بوضوح أن موسكو، بكلامها هذا على الأقل، ليست متمسكة حقيقة بالأسد، بل تعتبر التركيز على تحديد مصيره في هذه المرحلة «حجر عثرة على درب المفاوضات» وهو ما قاله ريابكوف بوضوح. وكل ما في الأمر أن موسكو أزالت هذه العقبة عن درب العملية السياسية، وهي على ما يبدو تدرك نظرًا لمعرفتها الجيدة بالأسد والمنظومة المحيطة به أن موافقتها على بحث مصيره مسبقا سيجعله يخرج عن طاعتها، وهذا ما لا تريده موسكو الآن. وهي تكتفي بالتأكيد على ضرورة التزام جميع الأطراف، المعارضة والنظام بالحل السياسي وفق ما نص عليه بيان جنيف بما في ذلك المرحلة الانتقالية وتشكيل جسم حكم انتقالي «يتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية» حسب قول لافروف. ولما كان تفسير «صلاحيات تنفيذية كاملة» يعني صلاحيات الرئاسة فإن روسيا تطالب الأسد عمليا بالتخلي عن صلاحياته، لكنها تريد ذلك عبر إطار شرعي هو مفاوضات بين جميع الأطياف السورية وبرعاية دولية.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».