تحذير من «مافيا تجار العملة الأجنبية في السوق السوداء» باليمن

بعد أن خفض البنك المركزي قيمة الريال منعًا للانهيار الشامل

خفض البنك من قيمة الريال رسميا ليصبح سعره 250 ريالا مقابل الدولار الواحد (أ.ف.ب)
خفض البنك من قيمة الريال رسميا ليصبح سعره 250 ريالا مقابل الدولار الواحد (أ.ف.ب)
TT

تحذير من «مافيا تجار العملة الأجنبية في السوق السوداء» باليمن

خفض البنك من قيمة الريال رسميا ليصبح سعره 250 ريالا مقابل الدولار الواحد (أ.ف.ب)
خفض البنك من قيمة الريال رسميا ليصبح سعره 250 ريالا مقابل الدولار الواحد (أ.ف.ب)

حذر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن من أن قرار البنك المركزي اليمني بخفض سعر الريال اليمني رسميا مقابل الدولار والريال السعودي، هو بمثابة «شرعنة لسعر صرفه في السوق السوداء». إذ خفض البنك من قيمة الريال رسميا، ليصبح سعره 250 ريالا مقابل الدولار الواحد، بدلا عن 215 ريال سابقا، أما مقابل الريال السعودي فقد أصبحت قيمته 65 ريالا مقابل الريال السعودي الواحد، بدلا عن 57 ريالا.
وقالت مصادر مصرفية في اليمن، لـ«الشرق الأوسط»، إن البنك المركزي اليمني أقر في اجتماع له مع البنوك الأهلية المحلية وشركات الصرافة، أول من أمس (الاثنين)، خفض سعر العملة مقابل الدولار للشراء، و251 للبيع من 215 ريالا. وأضافت أن البنك المركزي حدد سعر الريال السعودي عند 65.20 للشراء، و65.70 للبيع من 58 ريالا في السابق، مشيرة إلى أنه بدأ العمل بالأسعار الجديدة من يوم أمس (الثلاثاء).
ووصف المركز قرار البنك بأنه سوف يتسبب في انخفاض السعر غير الرسمي للريال متخطيا 300 ريال للدولار الواحد في حال لم تتزامن قرارات البنك المركزي مع حزمة من القرارات والإجراءات لإصلاح السياسة النقدية والمالية، وأهمها العمل على توفير متطلبات السوق من العملة الصعبة، ووقف نزيف العملة الصعبة جراء القرارات العشوائية والارتجالية التي تم اتخاذها خلال الأشهر الماضية، محذرا البنك من الوقوع في مأزق محاولة اللحاق بسعر الصرف غير الرسمي. وأشار المركز، في بيان صحافي لوسائل الإعلام، إلى أن القرار الذي اتخذه مؤخرا يعكس حجم الأزمة التي يعانيها اليمن في الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة، وعجز البنك المركزي عن الوفاء بمتطلبات السوق من النقد الأجنبي. وكشف المركز بأن القرارات السابقة التي اتخذها البنك المركزي بصرف الحوالات الخارجية بالعملة المحلية خلقت شبكة من «مافيا الاتجار بالعملة الصعبة في السوق السوداء تورطت فيها بعض البنوك والعاملين فيها»، مرحبا بالقرار الجديد الذي أكد ضرورة صرف الحوالات الخارجية بالعملة التي وصلت بها.
وشدد المركز على ضرورة التزام البنك المركزي بتوفير العملة الصعبة لموردي المشتقات النفطية من القطاع الخاص بالتزامن مع رقابة شديدة على تكلفة الشراء والنقل والبيع في الأسواق المحلية، إذ إن الأسعار الحالية للمشتقات النفطية في الأسواق تصل إلى ضعف الأسعار العالمية.
وقال مسؤول مصرفي حكومي حضر الاجتماع، لـ«رويترز»، إن محمد بن همام محافظ البنك المركزي اليمني اتفق خلال اجتماعات مكثفة يومي الأحد والاثنين الماضيين على التزام البنوك المحلية بتوفير العملة الصعبة للجمهور.
وكانت الأوضاع التي يعيشها اليمن نتيجة الأزمة ومن ثم الحرب أدت إلى حالة من عدم الاستقرار في صرف العملة الوطنية، وإلى فقدان مزيد من قيمة الريال اليمني وهبوطه أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى خلال الآونة الأخيرة على وجه التحديد.
وشهدت الأشهر الثلاثة الماضية أزمة في السيولة النقدية، ولم يقتصر الأمر على العملات الأجنبية، وإنما تعداها إلى أزمة خانقة في السيولة النقدية للعملة الوطنية.
وقال عدد من وكلاء شركات الصرافة ومكاتب البريد في المحافظات المحررة، لـ«الشرق الأوسط» إن نقص العملة الصعبة دفع سعر العملة المحلية في السوق الحرة إلى الانخفاض بشكل غير مسبوق، ليصل إلى 300 ريال للدولار خلال الأيام الماضية من 243 في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وكشفوا عن أنه ولأول مرة تجد شركات الصرافة ومكاتب البريد نفسها غير قادرة على دفع حوالات ومرتبات المتقاعدين وموظفي الجهاز الإداري للدولة، لافتين إلى أن الميليشيات الانقلابية ومنذ سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء والبنك المركزي باتت تتحكم بهذه السيولة النقدية وتستخدمها باعتبارها وسيلة ضغط سياسي لمصلحتها.
وأشاروا إلى أن نقاط تفتيش الميليشيات قامت خلال الأشهر المنصرمة بمصادرة ملايين الريالات اليمنية والسعودية على أصحابها دونما أي مصوغ قانوني أو أخلاقي، مؤكدين أن آخر شركة صرافة في محافظة الضالع جنوب البلاد تعرضت قبل أيام فقط لمصادرة أموالها عند نقلها من العاصمة صنعاء إلى الضالع، كما وقامت بحبس وكيل الشركة ومرافقيه والذين تم إطلاق سراحهم أول من أمس بعد وساطة قبلية دونما تفرج الميليشيات عن أموالهم التي ما زالت بحوزتها.
وأوضحوا أن الحوثيين فرضوا على مالكي محلات الصرافة المحتجزين في سجن الأمن القومي بصنعاء بالتوقيع على اتفاق يقضي بتثبيت أسعار الصرف للدولار والريال السعودي، منوهين بأن الاتفاق قضى بسحب الضمان على ملاك محلات الصرافة والشركات في حال خالفت ما تم الاتفاق عليه.
وكانت ميليشيات الحوثيين احتجزت قبل أكثر من أسبوعين عددا من الصيارفة على خلفية ارتفاع أسعار الصرف وصل فيها الدولار إلى أعلى مستوياته.
وتزداد معاناة البلاد من ضائقة مالية مع استمرار الحرب وسيطرة الميليشيات الانقلابية على العاصمة اليمنية صنعاء، إذ إنه وكلما زادت فترة الحرب انعكس ذلك على انخفاض مخيف في إيرادات الدولة خصوصا من النفط والغاز، وهي الإيرادات التي تشكل نحو 70 في المائة من الإيرادات المحصلة لخزينة الدولة، علاوة على توقف جميع المساعدات الخارجية والاستثمارية الأجنبية وغيرها من العائدات الضريبية والجمركية والخدمية.
وكان البنك المركزي اليمني أصدر قرارا يلزم شركات الصرافة في اليمن بتسليم أصحاب الحواﻻت الخارجية المبالغ المحولة إليهم بالعملة التي تمت بها عملية التحويل. وقضى القرار، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، بتمكين أصحاب الحواﻻت الخارجية بتسلمها بالعملة المحولة أو اعتماد صرف الدوﻻر 250 ريالا يمنيا للدوﻻر الواحد. ودأبت شركات الصرافة خلال الأشهر الماضية على رفض تسليم الحواﻻت الخارجية بالدوﻻر وصرفها بالسعر القديم، وهو 215 ريالا يمنيا للدوﻻر الأميركي.
من جهة، قالت مصادر محلية في العاصمة المؤقتة للبلاد عدن، لـ«الشرق الأوسط»، إن طائرة تابعة للخطوط اليمنية حملت على متنها مرتبات موظفي الدولة لعدة أشهر، لافتة إلى أن الطائرة حملت قرابة سبعة مليارات ريال كانت عالقة في العاصمة اليمنية صنعاء.
وأشارت إلى أن وصول الطائرة إلى مطار عدن مساء الاثنين الماضي وإفراغها حمولتها من شأنه أن يعالج الأزمة الخانقة في السيولة النقدية، مؤكدة أن لجانا حكومية ستباشر أعمال الصرف لمرتبات المدنيين والعسكريين والمتقاعدين خلال الأيام القابلة.
وذكرت أن إفراج الميليشيات عن هذه الأموال جاءت عقب متابعة وضغوطات تعرضت لها من محافظ البنك والوسطاء، لإطلاق مرتبات الموظفين والمتقاعدين الذين لم يتسلم بعضهم مرتبات ثلاثة أشهر متتالية، موضحة أن هناك جهات لم تتسلم مرتباتها لستة أشهر كاملة.
إلى ذلك، أعلنت إدارة عدن لتموين البواخر في مديرية التواهي التابعة لشركة مصافي عدن، استئناف نشاطها بعد توقف دام أشهر، بسبب الحرب التي شنتها ميليشيا الحوثي وصالح الانقلابية على المحافظة العام الماضي.
وقال مدير الإدارة، رياض عبده أحمد، في بلاغ صحافي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن الإدارة أصبحت جاهزة ومستعدة لتموين أي بواخر واصلة إلى ميناء عدن على مدار الساعة، وذلك بعد إعادة تأهيل وصيانة معداتها خلال الأيام الماضية وبإشراف مباشر من إدارة المصفاة.
وأشار الكابتن رياض إلى أن الإدارة تمكنت قبل يومين من تموين ناقلة الحاويات «MSCNOA» التي كانت راسية في محطة الحاويات بميناء عدن، إلى جانب تموين القاطرات البحرية التابعة لمؤسسة موانئ خليج عدن والزوارق التابعة لمصلحة خفر السواحل اليمنية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».