ناشطو الثورة الأوائل: ماضون في المسيرة المدنية رغم الأخطاء

معظمهم بات لاجئًا أو معتقلاً أو ميتًا ومن نجا يرى المستقبل في التظاهرات الأخيرة

مسيرة لكشافة الكنيسة الكاثوليكية في دمشق أمس استعدادًا لعيد الفصح (أ.ف.ب)
مسيرة لكشافة الكنيسة الكاثوليكية في دمشق أمس استعدادًا لعيد الفصح (أ.ف.ب)
TT

ناشطو الثورة الأوائل: ماضون في المسيرة المدنية رغم الأخطاء

مسيرة لكشافة الكنيسة الكاثوليكية في دمشق أمس استعدادًا لعيد الفصح (أ.ف.ب)
مسيرة لكشافة الكنيسة الكاثوليكية في دمشق أمس استعدادًا لعيد الفصح (أ.ف.ب)

خمس سنوات من الثورة السورية كانت كفيلة بأن تضع الناشطين المدنيين الأوائل أمام مراجعة ذاتية يرون فيها فرصة لتصحيح أخطاء الماضي وتسليم «الراية المدنية» إلى الجيل الجديد من دون أن يخلعوا «ثوبهم الثائر». يجد هؤلاء أنفسهم اليوم أمام مفترق طريق يحاولون جاهدين إعادة تثبيت أهداف الحراك الأولى بعدما نجح النظام في نزع صورتها السلمية ونشوء تنظيمات متطرفة لا تمت إلى روحها بصلة. ورغم إدراك الناشطين صعوبة المهمة بعدما بات معظمهم بعيدين عن الساحة السورية لأسباب عدة، منها الهجرة أو الاعتقال أو حتى الموت، يؤكد من بقي منهم حرا وعلى قيد الحياة أن عيونهم وقلوبهم لا تزال مصوبة على بلادهم وأنهم ماضون في مسيرتهم بأساليب مختلفة.
ويستعيد الناشطون في التظاهرات الأخيرة التي بدأت تخرج في عدد من المناطق السورية منذ انطلاق الهدنة، صورة الحراك الأساسي الذي يؤكد أنّ الشعب السوري الذي انتفض لكرامته وحريته لم يكن يسعى إلى الحرب، بحسب ما يقول عمر إدلبي، أحد مؤسسي لجان التنسيق المحلية، واصفا الثورة في سوريا بـ«الولادّة» التي «أنجبت» خلال هذه السنوات الخمس جيلا جديدا بدأ يتسلّم زمام المبادرة واستغلّ الفرصة منذ اليوم الأول لوقف إطلاق النار وهو يكاد يتفوّق على من سبقوه بوعيه لأهمية الاستمرار بالمسيرة التي بدأها الناشطون قبله وباتوا اليوم غائبين لأسباب مختلفة، أما نتيجة الهجرة واللجوء أو الاعتقال أو الموت».
«منذ بداية الهدنة بدأنا نحاول إعادة لم شمل الناشطين المدنيين الأوائل لكن للأسف لم نجد إلا عددا قليلا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة لا يزال موجودا في سوريا التي يحكمها العسكر اليوم»، يقول إدلبي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، مشيرًا إلى أن هذا الواقع رغم صعوبته أكد لنا أن الأمل لا يزال موجودا وخير دليل على ذلك مشهد التظاهرات الذي نراه كل أسبوع في المناطق، مستعيدة أيضا شعارات بداية الثورة».
ويؤكّد إدلبي أن «جوهر ثورتنا منذ اللحظة الأولى كان سلميا لكن للأسف عسكرتها لم تكن خيارا أو مطلبا بالنسبة إلينا بل ترفا لم نجد غيره أمامنا». ويضيف: «ذهب الثوار مجبرين ومضطرين نحوه في إطار المقاومة للدفاع عن أنفسهم، وهو حق مشروع، وإن كان أدى إلى خسارتنا الكثير من روحية حراكنا الذي تحوّل إلى حرب إقليمية يتصارع فيها الكبار على أرضنا».
السؤال عن شعوره بالندم على اتخاذ قرار الانخراط بالثورة إذا عاد به الزمن إلى الوراء، يراه إدلبي الذي كان مشاركا في تظاهرة دمشق في 15 مارس (آذار) 2011، ومن ثم كان من المنظمين لتظاهرات حمص، مسقط رأسه، أمرا غير وارد، مؤكدًا: «سأقوم بما قمت بها من دون تفكير رغم إدراكي أن التغيير الديمقراطي مكلف وطريقه طويل، لكن من يعيش تحت سلطة نظام دموي كالنظام السوري لن يكون أمامه خيار آخر، والثورة كانت ولا تزال ضرورية للتخلص من حكمه».
أمام هذا الواقع، يبقى التمسك بالأمل هو الأساس، بالنسبة إلى عمر، الذي يرى في هذه المرحلة فرصة لممارسة الثورة من خلال العمل السياسي، ويقول: «لسنا واهمين أن النظام قد يقدّم شيئا ما في المفاوضات. تجربتنا معه لم تكن سوى القتل والاعتقال والتهجير، لكن المفاوضات هي استحقاق سياسي لا بد أن نخوضه وأن نثبت وجودنا فيه بأساليب مختلفة». من هنا، يضيف إدلبي: «يجب أن تكون استراحة المحارب العسكري فرصة للناشط المدني على الصعد المختلفة، إنسانيا وثوريا وسياسيا إضافة إلى توعية الناس وإعادة تصويب البوصلة إلى مكانها الصحيح، وهو ما بدأنا العمل عليه، من خلال إنشاء تجمعات جديدة، على غرار (ثوار سوريا) الذي أعمل عليه مع عدد من الناشطين، والتأكيد على مبادئ الحرية والكرامة ودولة المؤسسات، والأهم إعادة الاعتبار لعلم الثورة في ظل نمو الآيديولوجيات المتضاربة والمتطرفة في سوريا».
من جهته، لا يخفي الناشط ماهر أسبر عدم رضاه عما آلت إليه أوضاع الثورة، ويؤكد أنه وبعد خمس سنوات، على الشعب السوري أن يعتمد على نفسه وليس على الخارج ويعمل انطلاقا من أن مصلحته دائما هي الأولوية. ويعتبر أن التظاهرات السلمية الأخيرة ستعطي دفعا إيجابيا للمعارضين في مفاوضات جنيف بعدما كانوا يتهمون أنهم يقفون خلف «داعش» و«النصرة». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لست راضيا عن كل شيء بالتأكيد، الحراك شابه أخطاء بعضها نتحمل نحن مسؤوليتها بحيث لم ننجح في إنتاج مشروع الثورة بمطالبه السورية الحقيقية والبعض الآخر يتحمله المجتمع الدولي الذي اكتشفنا أنه كان ضدّنا بدل أن يكون إلى جانبنا، إلى أن بات الواقع اليوم بعيدا عن الصورة الحقيقية التي انطلقت لأجلها».
ويضيف أسبر: «عقدنا آمالا على وعود الغرب وأميركا، وتعاملنا مع الموضوع بسذاجة ظنا منا أنهم لن يتخلوا عنا وعن الحرية التي نطالب بها فإذا بهم يساعدون على المزيد من القتل والتهجير والانقسام وفقا لمشاريعهم. في وقت كان يفترض أن تكون مصلحتنا هي الأولوية ولا نساوم عليها، بات اليوم تمثيل الدول في الثورة أكثر من تمثيل السوريين أنفسهم».
ويعتبر أسبر أن الثورة اليوم تدخل مرحلة جديدة في التظاهرات الأخيرة التي جعلت علم الثورة يرفرف من جديد ضدّ النظام والتطرف على حد سواء، «بعد إحساسنا بالعجز والتفكير الطويل لفترة طويلة». ويوضح: «رغم ابتعاد معظمنا عن سوريا لا يزال التواصل مع الداخل مستمرا ولا سيما مع جيل جديد من الشباب بحيث نبذل الجهود للتخطيط للمستقبل بعدما كنا في السابق نخطّط أسبوعيا فقط، رغم أن هدفنا كان منذ البداية واضحا هو إسقاط النظام، وهو الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تشكّل مشاريع تتناقض مع مشروع الثورة الوطني التي استفاد منها النظام». مضيفا: «حينها لم ننتبه إلى أهمية هذه الأمور اعتقادا منا أن حلّها يأتي بعد إسقاط النظام، فإذا بها تنعكس سلبا على الثورة، لا سيما لجهة تراجع الأقليات وعدم وقوفها إلى جانب الثورة خوفا من هذا التطرف». ويعطي مثالا على ذلك، مدينة السلامية، مسقط رأسه، التي كانت من أوائل المدن التي خرج فيها تظاهرات، وهي ذات غالبية إسماعيلية (من الأقليات)، قبل أن يعود أهلها ويتراجعوا خوفا من كل ما يحصل، وهو الوضع الذي انسحب على مناطق عدة محسوبة أيضا على أقليات، بحسب أسبر.
ويؤكد أسبر: «لو عادت بي الأيام إلى تلك اللحظة كنت سأتصرف بالطريقة نفسها»، مضيفًا: «عند بدء الثورة كنت معتقلا قبل ست سنوات بسبب مشاركتي في تحرك في الجامعة عام 2005 وأطلق سراحي عام 2012 في إطار العفو العام، وكانت مناسبة لأكون واحدا من الشباب الذين انتفضوا لواقعهم إلا أن النظام عاد ولاحقني إلى أن اضطريت لمغادرة سوريا مع الإبقاء على الزيارات الدورية والتواصل مع الناشطين الموجودين على الأرض بشكل دائم».
مراجعة مراحل الحراك تجعل من أسبر يرى «أن التظاهرات الأخيرة ساهمت في اتضاح الصورة في سوريا، وكشفت أن معظم الشعب مع هذه الثورة، وفرزت المناطق، التي وإن كان بعضها أصبح خاضعا لتنظيمات متطرفة، إنما تبقى الشعارات التي ترفع لتؤكد على وحدة الشعب المطالب بالمدنية والديمقراطية». ويعتبر «أن هذه الانطلاقة الجديدة سيكون لها تأثير إيجابي على المستقبل السوري وأيضا على المفاوضات في جنيف بعدما تسلّح وفد الهيئة بهذا الحراك المدني بدل أن يشعر وكأنه مطعون في ظهره واتهامه بأنه يقف خلف داعش والنصرة في وقت كان النظام يتسلّح بتقدمه عسكريا»، مضيفًا «مجرد رفع علم الثورة ستقوي موقف المعارضة على طاولة جنيف. ونحن على ثقة أن النظام بات ساقطا ولم يتبق لغاية الآن إلا رأسه».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.