نصوص إبراهيم الحسين وتقاطعاته عند المنعطف الشعري

النسبة الكبرى من الشعر الحقيقي اليوم تضمه قصيدة النثر

د. سعد البازعي  -  إبراهيم الحسين
د. سعد البازعي - إبراهيم الحسين
TT

نصوص إبراهيم الحسين وتقاطعاته عند المنعطف الشعري

د. سعد البازعي  -  إبراهيم الحسين
د. سعد البازعي - إبراهيم الحسين

طرح محرر ثقافي مؤخرًا سؤالاً جديرًا بالتأمل: لم لا يشير شعراء قصيدة النثر إلى أعمالهم بأنها شعر على أغلفة دواوينهم؟ لم يفضلون وصفها بالنصوص وليس بالقصائد أو يغفلون نوعها الأدبي؟ ومع أن السؤال مبني على فرضية غير صحيحة لأن من أولئك الشعراء من يصف قصائده بالشعر، ولأن عدم ذكر النوع موجود حتى لدى شعراء العمودي والتفعيلة، فإن وصف القصائد بالنصوص شائع فعلاً لدى شعراء قصيدة النثر. وهم شعراء فعلاً وقصائدهم، في نماذجها الجيدة، شعر وشعر حقيقي، بل إنني لا أتردد في تكرار القول بأن النسبة الكبرى من الشعر الحقيقي اليوم تضمه قصيدة النثر، طبعًا لدى شعرائها الحقيقيين.
مجموعة إبراهيم الحسين «على حافة لوحة في المنعطف الموسيقي» (نادي الرياض الأدبي، 2014) مثال باهر لما أشير إليه. هي نصوص فعلاً، وبعضها نصوص من حيث هي بالفعل نثر مقالي، أو تختلط فيه المقالة بمباشرتها بالقصيدة بمجازها، لكن منها ما هو نص ينحاز إلى الشعر، وهل كان الشعر يومًا حكرًا على شكل من أشكال الكتابة، الشعر بما هو رؤية ولغة ولحظة اكتشاف وتوهج تتعالى على الوزن والنظم؟ قد يأتي الشعر موزونًا منظومًا طبعًا، لكنه ليس موقوفًا على شكل محدد، بل إن قصيدة النثر، لدى شعرائها الكبار، أثبتت أن الشعر أكبر من الوزن والنظم، أكبر من العروض، كما قال أبو العتاهية. وابن الأحساء إبراهيم الحسين هو من أولئك الكبار، وأود فيما يلي أن أقول لماذا، وإن باختصار مخل.
يصف الحسين ما تضمه مجموعته بأنها أيضًا تقاطعات، وهذا توصيف دقيق لمجمل النصوص في المجموعة، فهي تقاطعات مع شعراء آخرين، تقاطعات «تجأر» بثقل الشعراء الآخرين على كاهل الشاعر، كما يقول في قصيدته الموجهة إلى صديقه الشاعر الكبير الآخر أحمد الملا، ولكنها تغرد في الآن نفسه من شرفات الشعر إذ يقلب المعادلة فيعلو متكئًا على كواهل الشعراء الآخرين. ما يعبر عنه الحسين إشكالية حقيقية تحدث عنها الشعراء والنقاد قديمًا وحديثًا. هي من ناحية إشكالية العثور على فضاء مختلف تتزاحم فيه مواهب وعطاءات مذهلة لمعاصرين وقدماء بحثًا عما وصفه عنترة بن شداد بالمتردم الذي غادره الشعراء. وهي من ناحية أخرى ديون محبة لكل أولئك الذين منحوا الشاعر لغة ورؤى لا يرى بأسًا من أن تكون قصائده متنفسًا لها، كما يقول في نص موجه إلى الشاعر العراقي رحمن النجار يتساءل فيه عن معنى السرقة:
«أنا لا أريد أن أسرق لكن ماذا أفعل إذا كان شعرائي ورسامي وموسيقيي
ونحاتي لا يشربون قهوتهم ولا يدخنون سجائرهم كل صباح إلا تحت جلدي..
فهل أطردهم لكي أقول إني ما سرقت».
المجموعة التي بين أيدينا اعتراف بتأثر طبيعي لشاعر بشعراء آخرين، وهل بوسع أحد أن يدعي أنه لا يدين لغيره؟ يؤثر عن الأميركي ت.س. إليوت أنه قال: «الشاعر الجيد يسرق، أما الضعيف فيستعير»، وقصد من ذلك القدرة على توظيف ما يلتقطه الشاعر من الإرث سواء أكان قديمًا أم حديثًا، فالجيد من الشعراء يوظف ما يأتي على النحو الذي لا يشعرك بأنه جاء من أحد، وغالبًا ما يكون ذلك دون وعي. لكن الحسين هنا يفعّل الوعي نفسه، يعلن مديونيته لمن أحب وتأثر به من الشعراء: سركون بولص، سعدي يوسف، قاسم حداد، أحمد الملا، إلى غير هؤلاء من أسماء كثيرة ترد في النصوص-القصائد لا لتؤكد المدينية فحسب وإنما القدرة على تجاوزها إلى الابتكار. لا أحد في ظني سبق الحسين في الإعلان عن كل تلك الديون وإن فعل فليس على النحو الذي يشهق بالشعر في خضم الاعتراف.
لكن مجموعة الحسين ليست كلها تعدادًا لحضور الآخرين. هنا نصوص تغرد منفردة بلحظات عشق أو لحظات غياب. توقفت طويلاً أمام قصيدة بعنوان «دوار الصور» تثير أزمة مألوفة لكنها لا تلبث أن تغادر ألفتها لتسبح في فضاء آسر من الابتكار. هكذا تبدأ:
نعثر على أحبائنا في الصور، نثبتهم إلى ألوانها، نشير لهم تجاه ملابسهم
أن لا يخلعوها، فهي جميلة ولا بأس بها
ننشرهم على حبال نظراتهم، فهم غسيلنا الذي يجب أن يظهر نظيفًا وجميلاً.. غسيلنا الذي نشمه فنسكر.
من منا لا يحتفظ بصور لأحبة حاضرين أو غائبين؟ ولكن من منا تأمل في دلالات تلك الصور على هذا النحو البديع والعميق «الذي نشمه فنسكر»؟ في القصيدة لوعة العجز عن استرداد من لم يبق منهم سوى الصور، لكن قصيدة أخرى هي «وجوههم بضوئها الشديد» تصف اللوعة المجاورة، لوعة العجز عن النسيان: «تدلت أغصان وجوههم - بضوئها الشديد في رؤوسنا - وتدلى الذي فعلوه بنا- يوم تحسسنا الصدور، فلم نجد قلوبنا - رحنا نجأر مثل رعد - بوجوه مدلهمة - ودمع غزير - لا يريد أن يتوقف - عندها تيقنا.. - أن لن يكون - بإمكاننا أبدًا - قطع الطريق - إلى نسيانهم».
هل كان الوزن أو حتى الإيقاع سيأتي بشعرية غائبة عن هذا النص أو يرفع اللوعة إلى مرتبة في الفن أعلى؟ قطعًا لا.
بين هذه النصوص نحن أمام تأمل طويل ومتنوع وباذخ لطبيعة الكتابة، طبيعة الشعر كيف يأتي، شكل الكلمات حين تأتي متهادية، كما يقول الحسين في نص بعنوان «امتلاء». الشعرية هنا تنهض أولاً على مجازية الرحلة التي تعبرها الكلمات العمياء إلى الشاعر («تتلمس بعصيها دروبها إلى الورقة»)، ثم تنهض ثانية على مفاجأة النهاية، المفاجأة-المفارقة:
لكن سرعان ما تلقي تلك العصي
وتفتح عيونها تتراكض صوب أماكنها
ذلك أنها امتلأت وفاضت بغيابك
غيابها يستدعي الكلمات ويستفز الشعر.
في قصيدة «امتلاء» جاءت الأسطر تراتبية بشكل عمودي مذكرة إيانا بالشكل التفعيلي وفي تقاطع شكلي يضاف إلى التقاطعات الأخرى في المجموعة، تقاطعات الشعراء والفنون (حافة اللوحة والمنعطف الموسيقي). هنا تحضر الأشكال والفنون ويحضر الشعر. شيء واحد يغيب.. الامتلاء بمعنى الاكتفاء: من الصعب أن تكتفي من قراءة نصوص كهذه أو تمتلئ بالكتابة عنها، وما هذه المقاربة العجلى إلا مؤشر على ذلك.



«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين
TT

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك، التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة، وبالطبع أكبر من اللغة الدنماركية المحدودة الانتشار جداً قياساً إلى لغات كبرى كالفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية، ناهيك بالعربية. ولكن مؤلفاته أصبحت مترجمة إلى شتى لغات العالم. وبالتالي، لم تعد محصورة داخل جدران لغته الأصلية الصغيرة. لقد أصبحت ملكاً للعالم أجمع. هنا تكمن عظمة الترجمة وفائدتها. لا حضارة عظيمة من دون ترجمة عظيمة. والحضارة العربية التنويرية قادمة لا ريب، على أكتاف الترجمة والإبداع الذاتي في آنٍ معاً.

سورين كيركيغارد (1813 - 1855) هو مؤسس الفلسفة الوجودية المعاصرة، قبل هيدغر وسارتر بزمن طويل. إنه الممثل الأكبر للتيار الوجودي المسيحي المؤمن، لا المادي الملحد. كان كيركيغارد أحد كبار فلاسفة الدين في المسيحية، إضافة إلى برغسون وبول ريكور، مثلما أن ابن رشد وطه حسين ومحمد أركون هم من كبار فلاسفة الدين في الإسلام.

سورين كيركيغارد

لكن ليس عن هذا سأتحدث الآن، وإنما عن قصة حب كبيرة، وربما أكبر قصة حبّ ظهرت في الغرب، ولكن لا أحد يتحدث عنها أو يسمع بها في العالم العربي. سوف أتحدث عن قصة كيركيغارد مع الآنسة ريجين أولسين. كيف حصلت الأمور؟ كيف اشتعلت شرارة الحب، تلك الشرارة الخالدة التي تخترق العصور والأزمان وتنعش الحضارات؟ بكل بساطة، كان مدعواً إلى حفلة اجتماعية عند أحد الأصدقاء، وصادف أنها كانت مدعوة أيضاً. كانت صغيرة بريئة في الخامسة عشرة فقط، وهو في الخامسة والعشرين. فوقع في حبها على الفور من أول نظرة، وبالضربة القاضية. إنه الحب الصاعق الماحق الذي لا يسمح لك بأن تتنفس. ويبدو أنه كان شعوراً متبادلاً. وبعد 3 سنوات من اللقاءات والمراسلات المتبادلة، طلب يدها رسمياً فوافقت العائلة.

ولكنه صبيحة اليوم التالي استفاق على أمر عظيم. استفاق، مشوشاً مبلبلاً مرعوباً. راح ينتف شعر رأسه ويقول: يا إلهي، ماذا فعلت بنفسي؟ ماذا فعلت؟ لقد شعر بأنه ارتكب خطيئة لا تغتفر. فهو لم يخلق للزواج والإنجاب وتأسيس عائلة ومسؤوليات. إنه مشغول بأشياء أخرى، وينخر فيه قلق وجودي رهيب يكاد يكتسحه من الداخل اكتساحاً... فكيف يمكن له أن يرتكب حماقة كهذه؟ هذه جريمة بحقّ الأطفال الذين سوف يولدون وبحقّها هي أيضاً. ولذلك، فسخ الخطوبة قائلاً لها: أرجوك، إني عاجز عن القيام بواجبات الزوجية. أرجوك اعذريني.

ثم أردف قائلاً بينه وبين نفسه: لا يحق لي وأنا في مثل هذه الحالة أن أخرب حياة خطيبتي المفعمة بحب الحياة والأمل والمحبة، التي لا تعاني من أي مشكلة شخصية أو عقدة نفسية أو تساؤلات وجودية حارقة. وإنما هي إنسانة طبيعية كبقية البشر. أما أنا فإنسان مريض في العمق، ومرضي من النوع المستفحل العضال الذي لا علاج له ولا شفاء منه. وبالتالي، فواجب الشرف والأمانة يقتضي مني أن أدوس على قلبي وأنفصل عنها وكأني أنفصل عن روحي.

لكن عندما سمع بأنها تزوجت من شخص آخر جنّ جنونه وتقطعت نياط قلبه وهاجت عليه الذكريات. بل هرب من الدنمارك كلها لكيلا يسمع بالتفاصيل والتحضيرات وليلة العرس. هذا أكبر من طاقته على التحمل. وأصبح كالمجنون الهائم على وجهه في البراري والقفار. كيف يمكن أن يتخيلها مع رجل آخر؟ هل انطبقت السماء على الأرض؟ مجنون ليلى ما تعذب مثلنا.

الشيء المؤثر في هذه القصة هو أن خطيبته التي عاشت بعده 50 سنة تقريباً طلبت أن تدفن إلى جواره، لا إلى جوار زوجها الشرعي! فاجأ الخبر كثيرين. وكانت بذلك تريد أن تقول ما معناه: إذا كان القدر قد فرقني عنه في هذه الحياة الدنيا، فإني سألتحق به حتماً في الحياة الأخرى، حياة الأبدية والخلود. وكانت تعتبر نفسها «زوجته» برغم كل ما حصل. وبالفعل، عندما كان الناس يتذكرونها كانوا يقولون: خطيبة كيركيغارد، لا زوجة فريدريك شليجيل. وقالت: إذا لم يكن زوجي هنا على هذه الأرض، فسوف يكون زوجي هناك في أعالي السماء. موعدنا: جنة الخلد! هل هناك حب أقوى من هذا الحب؟ حب أقوى من الموت، حب فيما وراء القبر، فيما وراء العمر... الحب والإيمان. أين هو انتصارك يا موت؟

قصة حب تجمع بين كيركيغارد، مؤسس الفلسفة الوجودية، وفتاة شابة جميلة تصغره بعشر سنوات، لكن الفلسفة تقف حجر عثرة بينهما، فينفصل عنها وتظل صورتها تطارده طيلة حياته

اللقاء الأخير

كيف يمكن أن نفهم موقف كيركيغارد من حبيبته إن لم نقل معبودته ريجين أولسين؟ للوهلة الأولى يبدو أنه لا يوجد أي تفسير منطقي له. فقد قطع معها في أوج العلاقة الغرامية، دون أي سبب واضح أو مقنع. ويبدو أنها حاولت أن تراه لآخر مرة قبيل سفرها مع زوجها إلى بلاد بعيدة. أن تراه في الشارع كما لو عن طريق الصدفة. وعندما اصطدمت به، قالت له: «ليباركك الله، وليكن كل شيء كما ترغب». وهذا يعني أنها استسلمت للأمر الواقع نهائياً، وأنه لا عودة بعد اليوم إلى ما كان. تراجع كيركيغارد خطوة إلى الوراء عندما رآها حتى لكأنه جفل. ثم حياها دون أن ينبس بكلمة واحدة. لم يستطع أن يرد. اختنق الكلام في صدره. لكأنه يقول بينه وبين نفسه: هل يحق لمن يقف على الخطوط الأمامية لجبهة الفكر، لجبهة النار المشتعلة، أن يتزوج؟ هل يحق لمن يشعر بأن حياته مهددة أن ينجب الأطفال؟ أطفاله هم مؤلفاته فقط. هل يحق لمن يصارع كوابيس الظلام أن يؤسس حياة عائلية طبيعية؟ ما انفك كيركيغارد يحاول تبرير موقفه، بعد أن شعر بفداحة ما فعل مع ريجين. لقد اعتقد أنه انفصل عنها، وانتهى الأمر، فإذا بها تلاحقه إلى أبد الآبدين. ما انفك يلوم نفسه ويتحسر ويتعذب. لكأنه عرف أن ما فعله جريمة لا تغتفر. نعم، لقد ارتكب جريمة قتل لحب بريء، حب فتاة غضة في أول الشباب. من يستطيع أن يقتل العاطفة في أولها، في بداية انطلاقتها، في عنفوانها؟ طيلة حياته كلها لم يقم كيركيغارد من تلك الضربة: ضربة الخيانة والغدر. وربما لم يصبح كاتباً وفيلسوفاً شهيراً إلا من أجل تبريرها. لقد لاحقه الإحساس القاتل بالخطيئة والذنب حتى آخر لحظة من حياته. إذا لم نأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار فإننا لن نفهم شيئاً من فلسفة كيركيغارد. لقد أصبحت قصته إحدى أشهر قصص الحب على مدار التاريخ، بالإضافة إلى قصة دانتي وبياتريس، وروميو وجولييت، وأبيلار وهيلويز. ويمكن أن نضيف: مجنون ليلي، وجميل بثينة، وكثير عزة، وعروة وعفراء، وذا الرمة ومي... إلخ. العرب هم الذين دشنوا هذا الحب العذري السماوي الملائكي قبل دانتي وشكسبير بزمن طويل. ولماذا تنسون عنتر وعبلة؟ بأي حق؟

ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

بعد أن تجاوز فيلسوف الدنمارك تلك التجربة العاصفة، شعر وكأنه ولد من جديد، أصبح إنساناً جديداً. لقد انزاح عن كاهله عبء ثقيل: لا عائلة ولا أطفال ولا زواج بعد اليوم، وإنما معارك فكرية فقط. لقد طهره حب ريجين أولسين من الداخل. كشف له عن أعماقه الدفينة، وأوضح له هويته ومشروعه في الحياة. الحب الذي يفشل يحرقك من الداخل حرقاً ويطهرك تطهيراً. بهذا المعنى، فالحب الفاشل أفضل من الحب الناجح بألف مرة. اسألوا أكبر عاشق فاشل في العالم العربي. بعدها أصبح كيركيغارد ذلك الفيلسوف والكاتب الكبير الذي نعرفه. بالمعنى الأدبي للكلمة، وليس مفكراً فيلسوفاً فقط، بالمعنى النثري العويص الجاف. من ثم هناك تشابه كبير بينه وبين نيتشه مع الفارق، الأول مؤمن، والثاني ملحد. وأخيراً، لم ينفك كيركيغارد يحلل أعماقه النفسية على ضوء ذلك الحب الخالد الذي جمعه يوماً ما بفتاة في عزّ الشباب، تدعى ريجين أولسين. عبقريته تفتحت على أنقاض ذلك الحب الحارق أو المحروق. كان ينبغي أن تحصل الكارثة لكي يستشعر ذاته، ينجلي الأفق، يعرف من هو بالضبط. من كثرة ما أحبها تركها. لقد قطع معها لكي تظل - وهي العزيزة الغائبة - أشد حضوراً من كل حضور!