السنغاليون يصوتون بـ«نعم» في الاستفتاء على التعديل الدستوري

السنغاليون يصوتون بـ«نعم» في الاستفتاء على التعديل الدستوري
TT

السنغاليون يصوتون بـ«نعم» في الاستفتاء على التعديل الدستوري

السنغاليون يصوتون بـ«نعم» في الاستفتاء على التعديل الدستوري

كسب الرئيس السنغالي، ماكي صال، التحدي الذي مثله الاستفتاء الشعبي على مشروع التعديل الدستوري الذي جرى أول من أمس الأحد، حيث أشارت نتائج أولية تم تداولها أمس (الاثنين) إلى أن نسبة تقارب الستين في المائة من الناخبين صوتت بـ«نعم» لصالح التعديل الدستوري.
ولا تزال هذه النتائج الأولية التي أوردتها مصادر إعلامية وحزبية، بحاجة للتأكيد من طرف اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي أشرفت على تنظيم الاستفتاء وفرز النتائج، ومن المتوقع أن تصدر اللجنة بيانًا بالنتائج النهائية اليوم الثلاثاء.
وعلى الرغم من أنه لم يسبق في السنغال أن وقفت أحزاب المعارضة في وجه أي إصلاحات دستورية مقترحة من طرف الرئيس، فإن أغلب الكتل السياسية المعارضة تحالفت لتخوض حملة سياسية واسعة من أجل تعبئة الناخبين للتصويت بـ«لا» في الاستفتاء؛ ومع ذلك فقد أخفقت المعارضة في المدن السنغالية الكبيرة كالعاصمة دكار وزيغنشور في أقصى الجنوب التي صوتت بـ«نعم» لصالح التعديل الدستوري، ما اعتبره المراقبون «نصرًا معنويًا» مهمًا للرئيس صال، ومؤشرًا إيجابيًا لصالحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد ثلاث سنوات.
وبهذه النتائج الأولية، يكون الرئيس صال قد رفع التحدي وتجاوز الاختبار الجدي الأول لشعبيته منذ أن وصل إلى السلطة في شهر مارس (آذار) 2012. إذ تحول الاستفتاء على مشروع التعديل الدستوري المقترح من طرف الرئيس، إلى صراع سياسي بين داعمي الرئيس ومعارضيه، وأصبح التصويت فيه مبنيًا على الموقف من سياسات الحكومة.
وعلى الرغم من الصراع السياسي الذي احتدم أثناء الحملة الدعائية التي سبقت الاستفتاء والتعبئة الواسعة أثناء التصويت لكسب أصوات أكثر من 5.5 مليون ناخب سنغالي، فإن الاستفتاء جرى في ظروف هادئة ومن دون تسجيل أي حوادث عنف أو خروقات كبيرة قد تؤثر على النتيجة النهائية، وفق ما أكده مراقبون مستقلون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».
وحضرت «الشرق الأوسط» عملية فرز الأصوات في أحد مكاتب الاقتراع في العاصمة دكار، وهي العملية التي أشرف عليها ممثل للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بحضور مراقبين أجانب ومحليين وممثل لهيئات المجتمع المدني وبعض الصحافيين.
وتعد السنغال من أكثر الدول الديمقراطية الأفريقية عراقة، فلم يسبق أن جرى فيها أي انقلاب عسكري. وتبادل على الحكم فيها أربعة رؤساء منذ حصولها على الاستقلال عن فرنسا عام 1960. ويسعى الرئيس السنغالي الحالي ماكي صال إلى «تعزيز الديمقراطية» في بلاده عبر مشروع التعديل الدستوري الجديد، وذلك من خلال إصلاحات قوية من أبرزها تقليص المأمورية الرئاسية من سبع إلى خمس سنوات، وتحديد عدد المأموريات الرئاسية باثنتين فقط، مع جعل عدد المأموريات الرئاسية ومدتها «غير قابل للمراجعة».
وتضمن المشروع الذي اقترحه الرئيس ودافع عنه بقوة خلال الأشهر الأخيرة، مواد تتعلق بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح رئيس البرلمان والمجلس الدستوري، إذ يزيد المشروع من صلاحيات البرلمان فيما يتعلق «بمراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية»، فيما يرفع عدد أعضاء المجلس الدستوري من خمسة إلى سبعة أعضاء، اثنان منهما يقترحهما رئيس البرلمان.
كما يتضمن مشروع التعديل الدستوري الجديد المكون من 15 مادة، إصلاحات من أجل «تحديث دور الأحزاب السياسية في العملية الديمقراطية، وتقوية مكانة المعارضة ومنح صبغة قانونية لزعيمها»، بالإضافة إلى «فتح الباب أمام مشاركة المرشحين المستقلين في جميع أنواع الانتخابات»، بعد أن منعوا من الترشح في آخر تعديل دستوري أجراه الرئيس السابق عبد الله واد.
من جهة أخرى يتضمن مشروع التعديل الدستوري «تعزيز الحكامة المحلية والتنمية الإقليمية عبر تأسيس المجلس الأعلى للمجموعات المحلية»، هذا بالإضافة إلى «الاعتراف بالحقوق الجديدة للمواطنين: حقوقهم في بيئة سليمة، وفي الموارد الطبيعية».
وعلى الرغم من قوة الإصلاحات التي تضمنها مشروع التعديل الدستوري، فإن مراقبين سنغاليين يرون أن نجاح الرئيس ماكي صال في تمرير التعديل الدستوري «انتصار شخصي له وتأكيد على قوة شعبيته»، فيما يراه ماكي صال وأنصاره «فوزًا للديمقراطية الحديثة».
ويراهن الرئيس السنغالي ماكي صال على الإصلاحات الدستورية الجديدة من أجل خلق أجواء سياسية أكثر استقرارًا في بلاده، في ظل التحديات الأمنية التي تعيشها منطقة غرب أفريقيا مع تزايد الهجمات الإرهابية، والآفاق الاقتصادية الكبيرة أمام بلاده بعد اكتشاف شركة «كوصموص» الأميركية لكميات هائلة من الغاز قبالة الشواطئ السنغالية.



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.