تعرف الجزائر حاليا احتدام جدل حاد بخصوص عودة وزير الطاقة السابق شكيب خليل إلى البلاد، وذلك بعد قرابة 3 سنوات من صدور مذكرة اعتقال دولية بحقه، بعد اتهامه بتلقي رشى وعمولات في صفقات تمت بين شركة المحروقات المملوكة للدولة «سوناطراك»، ومؤسسة «صاببام»، فرع عملاق المحروقات الإيطالي «إيني». فيما يجري حديث عن عزم خليل متابعة مدير المخابرات المعزول محمد مدين على أساس أنه «لفق» له تهمة الفساد.
ومهد لعودة خليل إلى البلاد عمار سعداني، أمين عام حزب الأغلبية «جبهة التحرير الوطني»، الذي شن في الأسابيع الأخيرة حملة بعنوان «إعادة الاعتبار للكوادر التي ظلمها جهاز المخابرات»، والتي يقصد من ورائها عشرات مسيري الشركات العمومية الذين تعرضوا للمتابعة القضائية والسجن والإقالة من المنصب، بحجة أنهم ضالعون في اختلاس المال العام، وقال في هذا السياق إن خليل «أنظف وأكفأ إطار عرفته البلاد منذ الاستقلال»، وعد كلام سعداني حينها «تبرئة» لوزير الطاقة السابق من التهمة.
ومعروف عن سعداني أنه مقرب مما يسمى «جماعة الرئيس»، وتحديدا السعيد بوتفليقة، شقيق رئيس الجمهورية وكبير مستشاريه. وعندما يقول إن جهاز المخابرات «دبر مكيدة لخليل»، فذلك يعكس، حسب مراقبين، رأي جهة عليا في الدولة بشأن هذه القضية المثيرة للجدل.
وعاد خليل مساء الخميس الماضي إلى الجزائر، وتحديدا إلى مدينة وهران (450 كلم غرب العاصمة) التي يتحدر منها، قادما من الولايات المتحدة الأميركية، حيث يقيم مع زوجته الأميركية من أصل فلسطيني. وقد استقبله والي وهران، ممثل الحكومة على المستوى المحلي. وقال مراقبون وهم يشاهدون صور الوزير السابق بالقاعة الشرفية للمطار مع الوالي، إن «السجاد الأحمر بسط تحت قدميه». فيما توقعت الصحافة عودته إلى الحكومة التي غادرها في مايو (أيار) 2010، خاصة وأن سعداني يطالب بتعيينه رئيسا للوزراء خلفا لعبد المالك سلال.
وأكثر ما يثير في القضية هو مصير مذكرة الاعتقال والمتابعة القضائية، والتهم التي وجهت له من طرف النيابة الجزائرية، حيث يتساءل البعض إن تم إلغاء كل هذا؟ ولماذا لم تعلن السلطات القضائية ذلك رسميا؟ وهذان السؤالان أصبحا يشغلان الأوساط السياسية والإعلامية حاليا، ولكن لم يخرج أي مسؤول إلى الجزائريين ليشرح للناس ماذا يجري في هذا الملف غير العادي. وقد قال وزير الداخلية نور الدين بدوي، أول من أمس، لصحافيين سألوه عن عودة خليل، فقال إنه «شخص محترم، والجزائر تحترم كوادرها الأكفاء».
وعندما سألت «الشرق الأوسط» المحامي خالد بورايو، الذي يعرف تفاصيل الملف القضائي، حول احتمال التخلي عن متابعة خليل، قال: «قانونا لا يمكن ذلك، فأي شخص محل أمر دولي بالقبض عليه يعود إلى بلاده بعد فترة كان فيها القضاء يبحث عنه لاستجوابه، ينبغي أن يستدعى من طرف قاضي التحقيق المكلف القضية ليرد على التهمة، التي يقع تحت طائلتها، والقاضي هو من يقرر حبسه تحت ذمة التحقيق، أو يأمر بوقف المتابعة، أو يضعه في الإفراج المؤقت ريثما يحدد تاريخ محاكمته. وبما أن هذه الإجراءات لم تتم، فنحن أمام قرار سياسي بتبرئة السيد خليل، صادر عن رئيس الجمهورية شخصيا». يشار إلى أن تهم الفساد في هذه القضية تطال أيضا زوجة خليل ونجليه، وشخصًا يدعى فريد بجاوي، ابن شقيق وزير الخارجية الأسبق محمد بجاوي، الذي توسط في دفع الرشى والعمولات التي تبلغ قيمتها نحو 200 مليون دولار، بحسب النائب العام الجزائري سابقا، بلقاسم زغماتي. وقد حدثت الوقائع ما بين 2010 و2012 بحسب القضاء الإيطالي، الذي وجه نفس التهمة لمسؤولين بالشركة الإيطالية التي رست عليها صفقات «سوناطراك» بإيعاز من خليل، ووصلت قيمة هذه الصفقات 8 مليارات يورو.
والشائع أن الرئيس بوتفليقة غضب غضبا شديدا لما بلغه وهو في رحلة علاج بباريس (ربيع 2013)، بأن تحقيقا في قضايا فساد بـ«سوناطراك» أجرته مصلحة الشرطة القضائية التابعة للمخابرات، أفضى إلى اتهام خليل. فوزير الطاقة السابق صديق طفولة بوتفليقة، وولدا في مكان واحد هو وجدة بالمغرب. وبوتفليقة هو من أصَر على إحضار خليل من البنك العالمي، حيث كان يشتغل عام 1999 لما تسلم بوتفليقة الحكم، وأول قرار اتخذه الرئيس لما عاد من سفرية العلاج، كان حل الشرطة القضائية للمخابرات وتنحية وزير العدل. وفي 13 سبتمبر (أيلول) الماضي عزل مدير المخابرات بعدما جرده من أهم الصلاحيات خلال العامين الماضيين.
الجزائر: جدل حول تخلي السلطات عن متابعة وزير الطاقة السابق
تساؤلات كثيرة بخصوص براءة شكيب خليل وعائلته من تهم الفساد
الجزائر: جدل حول تخلي السلطات عن متابعة وزير الطاقة السابق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة