اليمين المسيحي واليهودي المتطرف في مقابل الغلو الإسلامي

خطوط سياسية وتوجّهات أصولية

(يسار) صورة أرشيفية لاستعراض مقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في يونيو 2014 (رويترز)
(يسار) صورة أرشيفية لاستعراض مقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في يونيو 2014 (رويترز)
TT

اليمين المسيحي واليهودي المتطرف في مقابل الغلو الإسلامي

(يسار) صورة أرشيفية لاستعراض مقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في يونيو 2014 (رويترز)
(يسار) صورة أرشيفية لاستعراض مقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في يونيو 2014 (رويترز)

هل يمكن القول إن تصاعد المدى اليميني المسيحي واليهودي، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات الأخيرة - وبالذات منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2011، وحتى الساعة - سببه الوحيد والغالب هو مشاهد التطرف والغلو الإسلامي، البعيدة عن روح الإسلام السمح، الوسطي والمعتدل، والتي أوصلتنا إلى حالة من البربرية الداعشية غير المسبوقة؟
السؤال بصفته الإطلاقية هذه لا يجوز طرحه لأسباب يحتاج شرحها وتحليلها لقراءات مطولة. غير أنه، وفي اختصار غير مخلّ يمكن القول إن الأصولية كامنة في عمق أعماق الشريعة اليهودية، التي لا تزال حتى الساعة تؤمن بفكر «الشعب المختار» في مواجهة «الغوييم»، أو الأغيار، حتى إن بعض غلاة المتشددين هناك يرون أن نفس غير اليهودي قد تتساوق في قيمتها مع أرواح الدواب، لا البشر من اليهود، وهذه قصة يطول شرحها. وعلى الجانب المسيحي، خلافًا للمسار الأصلي للمسيحية الذي هو المحبة والرحمة والتسامح، كانت القرون الوسطي مرتعًا خصبًا لنشوء وارتقاء حركات أصولية متطرّفة قادت إلى هجرات بعيدة عن أوروبا، وكانت الولايات المتحدة من ثم هي الموقع والموضع المختار لتتجلّى تلك الأصوليات التي تتمسك بحرفية الوحي والنصوص الدينية.

لأسباب هي مزيج من السياسي والديني، وربما الاجتماعي تلاقت وتتلاقي الأصوليات ومنطلقات التطرف، وتتحد في كثير من الرؤى والتوجهات، إلى حد التطابق. هل يعني ذلك أن ظاهرة التطرف والتشدد الإسلامي التي باتت «القاعدة» ثم تنظيم داعش ومن لف لفهم لا علاقة لها باليمين المسيحي واليهودي المتطرف؟
يمكن القول إن ردات الفعل على تلك المغالاة الإسلاموية، قد أبرزت من جديد تلك الحركات التي بدت كامنة أو ساكنة تحت الجلد الأوروبي والأميركي، وظهرت على السطح من جديد، منذ أن بشر صامويل هنتينغتون في سرديته التشاؤمية عن الصراع الحضاري والثقافي والفكري بين الأمم والشعوب، وتقسيمه العالم تقسيمًا مانويًا بين فسطاطين للخير والشر، أو هكذا فهم جورج بوش الابن صباح ذلك الثلاثاء الحزين بعد أحداث نيويورك وواشنطن.
هذا الحديث له اليوم ما يبرره. ولعل المراقب المحقق والمدقق للمشهد، يستطيع أن يرصد عدة ظواهر ومظاهر، تشي بالقلق من ردات فعل اليمينيين الأصوليين اليهودي والمسيحي على حد سواء، وهو ما يجعل نهار العالم قلقًا وليله أرقًا، عوضًا عن أن تكون الأديان أداة لراحة وإسعاد النفوس الحائرة في رحلة بعثها عن الفردوس الموعود.
في مقدمة الظواهر التي نحن بصددها، وبحسب التسلسل التاريخي نجد ردات الفعل اليميني في إسرائيل، التي تظهر الآن على السطح كرجع صدى لا يتلكأ ولا يتأخر، ملقيًا باللوم كله على ما يدعوه «الإرهاب والأصولية الإسلامية».
بتاريخ الرابع عشر من مارس (آذار) الحالي، كانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني تكتب على صفحات جريدة «معاريف» الإسرائيلية «أن العدو الحقيقي الذي يتوجب على العالم اعتباره ليس داعش فقط، بل كل الجماعات الأصولية الإسلامية». وقبل مقال ليفني وبنحو عشرة أيام صرخ الكاتب الإسرائيلي آري شبيط على صفحات جريدة «هآرتس» الليبرالية أن الحاضر في إسرائيل اليوم بات ملكا للأصوليين، إذ أوجد الخوف من «داعش» و«القاعدة» الغالبية المطلوبة والقوة المطلوبة لتدمير كل مؤسسة، وتشويه كل قانون، وإفساد كل قيمة، والقضاء على كل شيء جيد في الدولة العبرية.
قد يغالي شبيط بعض الشيء، لكن الأسوأ لم يأت بعد، ذلك أن الأصولية اليهودية المتطرّفة اليوم تتخذ من دعوات «داعش» منطلقًا للتحضير للموقعة الحاسمة التي لا بد من أن تأتي المقادير بها - في تقديرهم - غداة بناء الهيكل الثالث وإزالة الأقصى. وعليه يكاد يكون هناك اتفاق مطلق في الداخل الإسرائيلي الأصولي المتطرف على التصعيد، ومن هنا فهو ليس تصعيدًا ضد المسلمين والإسلام فحسب، بل إنه تطرّف ينسحب على المسيحية كذلك، وخير دليل على ذلك المقال الذي كتبه في شهر ديسمبر (كانون الأول) المنصرم بنتسي غوبشتين، الرأس الأصولي لمنظمة «لهافا» المتطرفة، ووصف فيه المسيحيين بأنهم «مصاصو دماء»، داعيًا جميع اليهود الراغبين في خلاص إسرائيل لرفع الصرخة ومحاربة «الظاهرة المنحرفة التي تُدعى المسيحية»، التي وصفها بأنها «الدين الرجيم».
هذا شكل واحد، وتجلٍ مفرد من روايات وأحداث لظاهرة تصاعد اليمين التوراتي الإسرائيلي، وهو يرى الخطابات النارية لـ«داعش» و«القاعدة». ولم يكن بنيامين نتنياهو ليتقاعس عن اللحاق بالركب، وتصريحاته الأخيرة عن «الإرهاب الإسلامي» تحمل من السم في العسل ما يكفي ويزيد لفهم إشكالية «رجع الصدى» التي نحن بصددها.
الحال في أوروبا ليس أقل سوءًا. فالشيء المؤكد أن اليمين الأوروبي بدأ يطفو على السطح في القارة التي خيل لكثير من الناظرين أنها ألقت وراءها مظاهر وظواهر التعصب الديني بعد نضال طويل وعقود من عصور التنوير.
غداة الهزة الاقتصادية الكبرى عام 2008.. كانت الأزمة كاشفة وداعية للبحث عن شطآن للأمان. وكان جورج برناردشو الأديب الآيرلندي الكبير قد قال ذات مرة: «عند العاصفة يلجأ المرء إلى أقرب مرفأ». والحقيقة أنه ليس أقرب من الدين وثوابته من مرفأ، يجد فيه المرء ملاذًا آمنًا، في مواجهة تدهورات وتطورات أوضاع السياسة النسبية.
لقد عاشت «القارة العجوز» مواجهات بين العرب والمسلمين مع الأوروبيين في العصور الغابرة، لكنها مضت وانطوت، إلى أن جاءت اعتداءات باريس الأخيرة لتذكي وتغذّي مشاعر الكراهية من جديد. وبالفعل كانت نتائج الأحزاب الأوروبية اليمينية في انتخابات عام 2014 في البرلمان الأوروبي جيدة جدًا.. بصورة مقلقة. ووسط هذا الأداء الجيد ثمّة من يتساءل عن إسهام تطرّف «داعش» في مكاسب اليمين الأصولي في أوروبا.
قبل بضعة أشهر ألقت الشرطة الإيطالية القبض على باكستاني وتونسي في مدينة بريشيا الإيطالية، وفي حوزتهما وثيقة سرّية يتناقلها أنصار «داعش» فيما بينهم، مباشرة أو عن طريق الإنترنت وتطبيقات التواصل المختلفة.. منها - صدّق أو لا تصدّق - خطة احتلال «داعش» للفاتيكان، رمز المسيحية ولروما العاصمة التاريخية للإمبراطورية العتيدة!
الوثيقة التي نشرت معالمها صحيفة «إل جورنالي» الإيطالية، أكبر من أن نعرض لها هنا، وهي تبدأ بالتدرج في العمليات التكتيكية من أجل الوصول إلى الهدف الاستراتيجي الذي تسعى إليه «داعش»، أي إطلاق سعير الحرب الدينية حول العالم.
وتبدأ المعركة ضد الغرب، بموجب الخطة، بتنفيذ تفجيرات محدودة في أماكن متفرقة في إيطاليا. وبالتوازي مع ذلك، يجري «الاعتماد» على الجاليات المسلمة ذات الكثافة العددية في فرنسا وإيطاليا من أجل حصار مركز الكثلكة في العالم. أما في الشرق - أي شرق إيطاليا - فسيكون وبحسب نص الوثيقة «سيكون لإخوتنا في البلقان، خاصة البوسنة وألبانيا وكوسوفا، شرف استكمال الحصار النهائي. ومن الجنوب ستتقدم السفن محملة بالرجال في اتجاه إيطاليا، في حين تتوالى الصواريخ طويلة المدى للقضاء على أي مقاومة ممكنة، ربما انطلاقًا من ليبيا».
هل يفهم المرء لماذا بدأت بعض نتائج الانتخابات في الولايات الألمانية تأتي بنتائج مثيرة للقلق؟
لقد فاز الحزب اليميني المتطرف «البديل من أجل ألمانيا» AfD، الذي تقوم حملته على منصة كراهية الأجانب - وهو التعبير المستتر للمسلمين - ومعاداة المهاجرين بـ12.5 في المائة من الأصوات في ولاية بلاتينية الراين، و15 في المائة من الأصوات في بادن فورتمبيرغ، و24 في المائة من الأصوات في ولاية سكسونيا.
والشاهد أن بعض الأحداث التي تعد فردية من جانب بعض المهاجرين أو اللاجئين، وحتمًا بين صفوفهم نفرٌ قليلٌ أو كثيرٌ من أصوليين حاليين أو سابقين، يستفيد منها اليمين الأوروبي المتطرف أكبر استفادة، ولا أحد يستطيع المدافعة أو المنافحة عن تلك الأخطاء، وحادث مدينة كولونيا الشهير ليلة رأس السنة خير شاهد على ذلك.
وهنا نصل إلى الولايات المتحدة الأميركية التي تعيش حمى الانتخابات الرئاسية، التي تذكي بدورها نيران الأصوليات اليمينية، مسيحية أو يهودية.
وكنا في الماضي قد أشرنا إلى عمق الهوية الدينية في العقلية والنفسية الأميركية، ودائما ما كان الأثر الديني فاعلاً، غير أن انتخابات الرئاسة هذا العام تكتسب مذاقًا خاصًا، حيث ردود الفعل على بعض مشاهد التطرف الإسلامي الفردي، تأتي غاية في المغالاة وبما لا يقاس بحجم الفعل الأصلي.. ما معنى ذلك؟
بعد عقد ونصف من أحداث 11 سبتمبر، التي بدأت تتكشف من حولها معلومات مثيرة، قد تغير من اتجاهات الأحداث، جاءت حادثة كاليفورنيا لتنكأ جراحًا غائرة لدى الأميركيين، حول التطرف الإسلامي، وكيف أن لهذا الغلو والتزيد أن يضر بالأمن القومي الأميركي.
في هذا الإطار الآيديولوجي الذي يجد من يروّج له، لم يكن غريبًا أن يجد مرشحًا «ديماغوجيًا» مثل دونالد ترامب طريقه إلى قلوب الجماهير، وها هو يحقق انتصارات غير متوقعة أو مسبوقة، وبات الحزب الجمهوري ومؤسساته العميقة في ورطة أمام الاحتمالات الخطرة لفوز الرجل بترشيح الحزب.
والثابت أنه لا تهمنا قضية الرئاسة، بقدر النظر إلى الشعارات التي بنى عليها ترامب شعبيته، ولو كانت شعبية مغشوشة، وفي مقدمتها الترويج لكراهية الإسلام والمسلمين لأميركا، وتبرير الأمر بمشاهد «إدارة التوحّش الداعشي»، في العراق وسوريا وليبيا، والرؤوس المقطوعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ويستلفت النظر أمر خطير آخر هو «حلف الأصوليات غير المقدّس» الذي يتبدى الآن في العلن بين اليمين الأوروبي ونظيره الأميركي، وإليك على سبيل المثال وليس الحصر عدة تصريحات، تؤكد ما نقول به.
فإذا نظرنا إلى تومي روبنسون، مؤسس الفرع البريطاني لحركة «بيغيدا» المعادية للمسلمين، نجد أنه يشجع الأميركيين على انتخاب ترامب، الذي سيسمح له وللآخرين بطرح مشاعرهم إزاء الإسلام بشكل أكثر حرية. وفي هولندا قال السياسي العنصري خيرت فيلدرز، زعيم حزب الحرية الهولندي ذي الآراء المتطرفة: «آمل أن يكون ترامب الرئيس الأميركي المقبل، فهو خيار جيد لأميركا ولأوروبا. إننا بحاجة إلى قادة شجعان».
ثم هناك حلقة يمينية أخرى لم نتطرق إليها، وتحتاج لحديث مستقل، هي تلك التي تتصل بروسيا ومجريات الأمور فيها، وتصاعد المد اليميني داخلها، خوفًا من تمدد «داعش» وأخواته إلى حدود الجمهوريات السوفياتية السابقة، ذات المسحة الدينية الإسلامية، لا سيما في منطقة القوقاز. بل يبدو الأمر أيضًا مثيرًا، إذ إن بعض رموز اليمين الأوروبي مثل روبير مينار، عمدة مدينة بيزييه بجنوب فرنسا، والليبرالي اليميني المدعوم من الجبهة الوطنية، يطالب أميركا وأوروبا بالتقارب مع روسيا، ونسيان الخلافات التي يراها «سطحية»، من أجل هدف واحد وهو محاربة تنظيم داعش الذي يهدد الجميع.
على أن هناك أمرين آخرين لا بد من الإشارة إليهما، وهما يوضحان كيف أن ثمة أطرافا أخرى لا تحمل الخير لا للعرب ولا للسنة، بل تعمل على تصعيد الخلافات وإثارة المخاوف والثغرات من «الإسلام السياسي السني» المتطرف. فقبل بضعة أيام قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، خلال كلمة له في الجامعة الوطنية الأسترالية بمدينة كانبرا عاصمة أستراليا، محذرًا من «أن تقسيم سوريا قد يؤدي إلى معارك آخر الزمان». وهنا نجد الرجل يروج تمامًا للفكر «الداعشي»، الذي يتحدث عن معركة «دابق»، حيث جيوش المسلمين لا بد وأن تلاقي جيوش الروم في معركة دموية، تكون الغلبة فيها للمسلمين.
والمؤكد أن ظريف يستخدم هذا الإطار الثيؤلوجي أو الفقهي، سواء أكان يؤمن به أم لا، لإحداث خلخلة في النسيج المجتمعي الغربي بأكبر صورة. ذلك أنه يعلم تمام العلم أن الترويج للفكر «الداعشي» سيواجه برواية يمينية يهودية مسيحية أصولية، معروفة لدى كثيرين، وهي رواية هرمجدون، أي المعركة الحتمية التي ستقع في آخر الزمان في «مجدو» بفلسطين. وهي معركة دموية شبيهة كل الشبه بـ«دابق»، ولها من أنصارها الملايين حول العالم، ولقد كان الإيمان بها عند الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في أوائل الثمانينات سببًا مباشرًا لإحياء الأصولية الدينية في الولايات المتحدة، والبدء ببرنامج «حرب النجوم».
أما الأمر الآخر فيتصل بأصابع خفية تعزف على أخطاء وخطايا الأصوليين والمتطرفين الإسلاميين في أوروبا تحديدا لإطلاق سعير التيارات اليمينية المتشددة هناك. وفي مقدمة هذه الأصابع عدد من المثقفين غير النزيهين والتعبير هنا للمفكر الفرنسي الشهير باسكال بونيفاس، وفي المقدمة منهم، المفكّر والحركي الفرنسي برنار هنري - ليفي الذي وقف وراء إشعال كثير من الجبهات العربية، تحت مسمى «الربيع العربي»، وللرجل قصص طويلة حيث يرتبط ارتباطا جذريا بالمؤسسات اليمينية اليهودية في إسرائيل منذ زمن طويل.
ولقد رأينا هنري - ليفي أخيرًا وهو يدفع في اتجاه ترهيب وتخويف يهود فرنسا، ويبدو في المشهد ناصحًا لهم بالسفر إلى إسرائيل نهائيًا وإلى الأبد، في هجرة قطعية «خوفًا عليهم من اعتداءات الإسلاميين» في فرنسا، وربما عموم أوروبا. وهو في هذا يلوح بكارثة اليهود الكبرى في أوروبا، أي «المحرقة» النازية، ويمهد الطريق لليمين الإسرائيلي للتمكين من قيادة الدولة العبرية، عبر الشريعة التوراتية، كما تطالب «لهافا» لا عن طريق القوانين الوضعية، التي ترى إسرائيل نفسها من خلالها أنها دولة مدنية ديمقراطية.
هل المشهد مرشح لمزيد من التدهور؟
المرجح أن ذلك كذلك، إذا لم يقدّر للعالم الإسلامي الخلاص من الاتجاهات الموغلة في التطرف، خصوصا أننا على أبواب الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة بعد بضعة أشهر، ثم الانتخابات الرئاسية في فرنسا عام 2017.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.