مصادر أميركية: واشنطن أتاحت لإيران إطلاق صواريخ باليستية خلال مفاوضات «النووي»

ثغرة قانونية في القرار 2231 تمكّنها من تطوير صواريخ متوسطة وبعيدة المدى

مصادر أميركية: واشنطن أتاحت لإيران إطلاق صواريخ باليستية خلال مفاوضات «النووي»
TT

مصادر أميركية: واشنطن أتاحت لإيران إطلاق صواريخ باليستية خلال مفاوضات «النووي»

مصادر أميركية: واشنطن أتاحت لإيران إطلاق صواريخ باليستية خلال مفاوضات «النووي»

كشفت مصادر أميركية أن إدارة الرئيس باراك أوباما «يسّرت» عملية إطلاق صواريخ باليستية على إيران، وأن هذا التسهيل يطارد حاليا صناع القرار في واشنطن.
وأفاد كولوم لينش، كاتب في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، أن المسؤولين الإيرانيين ضغطوا، في الأسابيع القليلة قبل التوصل للاتفاق النووي العام الماضي، على واشنطن بهدف إلغاء الحظر المفروض على البرنامج الصاروخي، إلا أنهم لم يحصلوا على إلغائه بالكامل، بل على تخفيفه.
وبعد مرور ثمانية أشهر، قامت إيران بسلسلة من التجارب الصاروخية في تحدّ واضح للمجتمع الدولي. ومع العلم أن الكثيرين في واشنطن أعربوا عن غضبهم وطالبوا بفرض عقوبات جديدة على طهران، فإن المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يتفاجأوا بقرار إيران «اختبار مكانتها على الساحة الدولية بإطلاق الصواريخ»، حيث إن الاتفاق النووي قد جعل من إطلاق الصواريخ «أمرا لا مفر منه».
وينص القرار 1929 الصادر عام 2010 على ما يلي: «يقرر (أي مجلس الأمن) أن لا تضطلع إيران بأي نشاط يتصل بالقذائف الباليستية القادرة على إيصال الأسلحة النووية، بما في ذلك عمليات الإطلاق باستخدام تكنولوجيا القذائف الباليستية، وأن تتخذ الدول جميع التدابير اللازمة للحيلولة دون نقل التكنولوجيا أو توفير المساعدة التقنية إلى إيران فيما يتصل بهذه الأنشطة».
إلا أن الفقرة الثالثة من الملحق الثاني للقرار رقم 2231 الذي أيد الاتفاق النووي التاريخي بين الدول الكبرى وإيران، تنص على ما يلي «المطلوب من إيران أن لا تقوم بـأي نشاط يتصـل بالقذائف الباليستية المعدة لتكون قادرة على إيصال الأسلحة النووية، بما في ذلك، عمليات الإطلاق باستخدام تكنولوجيا من هذا القبيل للقذائف الباليستية، وحتى تمام 8 سنوات من يوم اعتماد خطة العمل أو حتى التاريخ الذي تقدم فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرا يؤكد الاستنتاج العام. أيهما يكون أقرب».
وقارنت المجلة بين لغة المجلس في القرار رقم 1929 والقرار 2231. حيث تعني كلمة «يقرر» وضع التزام قانوني لا لبس فيه للوفاء. وفي القرار الثاني، حسب المجلة، فإن «الولايات المتحدة منحت طهران مساحة كبيرة للمناورة لدفع برنامجها الصاروخي قدما».
وفي ذلك الوقت، صور وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وغيره من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية «التنازل» باعتباره نصرا، كون واشنطن رفضت بنجاح المحاولات الإيرانية، بدعم من الصين وروسيا، لإلغاء حظر الصواريخ الباليستية تماما. بدلا من ذلك، ضمنت الولايات المتحدة اتفاقا للحفاظ على القيود المفروضة على الصواريخ الباليستية الإيرانية لمدة تصل إلى ثماني سنوات.
ويقول لينش بأن «هناك مشكلة واحدة فقط. فالتدابير المحدثة ليست ملزمة قانونا ولا تقييدية، كما التدابير المعمول بها قبل الاتفاق النووي». وفي جوهره، يوفر القرار 2231 لإيران ثغرة قانونية كافية لتطوير صواريخ متوسطة وبعيدة المدى دون التعرض لخطر ومخالفة إملاءات مجلس الأمن. كما أنه يعقد الجهود لتحديد نوعية الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية.
واعتمدت الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، بشأن المبادئ التوجيهية لتكنولوجيا الصواريخ الحساسة، على نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف حددتها مجموعة غير رسمية من 34 دولة تسعى إلى فرض قيود على تصدير المعدات التي يمكن استخدامها لصنع الأسلحة النووية، وغيرها من أسلحة الدمار الشامل. ووفقا لنظام مراقبة تكنولوجيا القذائف، فإن أي صاروخ باليستي يبلغ مداه 300 كيلومتر، وحمولته 500 كيلوغراا، يعتبر قادرا على إيصال رأس حربي نووي. وأكّدت المجلة «أن الصاروخ الذي أطلقته إيران هذا الشهر يصل إلى أبعد من ذلك النطاق».



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.