القطاع الصحي السعودي يجتذب 10.9 مليار دولار خلال 5 أعوام

الفالح دعا 18 شركة طبية أميركية لمناقشة آليات تطويره

محافظ جدة يدشن المنتدى السعودي الدولي للرعاية الصحية (واس)
محافظ جدة يدشن المنتدى السعودي الدولي للرعاية الصحية (واس)
TT

القطاع الصحي السعودي يجتذب 10.9 مليار دولار خلال 5 أعوام

محافظ جدة يدشن المنتدى السعودي الدولي للرعاية الصحية (واس)
محافظ جدة يدشن المنتدى السعودي الدولي للرعاية الصحية (واس)

كشف مشاركون في المنتدى السعودي الدولي للرعاية الصحية عن ضخ استثمارات تتجاوز قيمتها 41 مليار ريال (10.9 مليار دولار) في القطاع الصحي السعودي خلال السنوات الخمس المقبلة.
وركز مشاركون خلال المنتدى الذي دشنه محافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد، نيابة عن مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل أمس، على ضرورة تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص لمواجهة التحديات والمعوقات، المتمثلة في التوطين، وتخفيض تكاليف العلاج، والقضاء على الأخطاء الطبية، والتشجيع على الأبحاث والاختراعات العلمية.
وذكر نائب رئيس غرفة جدة، مازن بن محمد بترجي، خلال حفل الافتتاح أن القطاع الصحي سيستوعب استثمارات تتجاوز 41 مليار ريال خلال السنوات الخمس المقبلة، مشيرًا إلى أن الحكومة خصصت نحو 104.9 مليار ريال (28 مليار دولار) لقطاع الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية وجعلته في مقدمة أولوياتها.
وفي هذا الشأن، كشفت الهيئة العامة للاستثمار عن وجود أكثر من 40 فرصة للاستثمار في القطاع الصحي، مشيرة إلى أن حجم الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية لكل فرد تضاعف من 1.400 ريال (373 دولارا) عام 2000 إلى 2.800 ريال (746 دولارا) في عام 2013، بمعدل نمو سنوي قدره 6.4 في المائة بالأسعار الثابتة.
ولفت بترجي إلى أن القطاع الصحي السعودي يترقب وصول 18 شركة أميركية استثمارية متخصصة في القطاع الصحي الشهر المقبل، بناء على طلب المهندس خالد الفالح وزير الصحة، لمناقشة آليات تطوير وتحسين القطاع الصحي. وزاد بترجي: «تمثل الشراكة بين القطاعين العام والخاص أهمية كبرى، ويوجد فرص كبيرة أمام القطاع الخاص لزيادة مساهمته في تقديم الخدمات لقطاع الرعاية الصحية».
وأكد عادل عبد الشكور رئيس اللجنة المنظمة الرئيس التنفيذي لمجموعة «XS» لتنظيم المؤتمرات والمعارض أن الجلسات العلمية ستركز على اقتصادات الصحة والبحوث والتدريب، وأفضل السبل للابتعاد عن الأخطاء الطبية التي انتشرت في الآونة الأخيرة، مع استعراض أحدث التقنيات في القطاع الطبي والصحي.
ولفت إلى أن المبادرات والتوصيات التي سيخرج بها المنتدى ستوثق وتوضع بشفافية ووضوح أمام المسؤولين عن صناعة القرار، في ظل وجود أفضل الخبرات السعودية والدولية.
إلى ذلك، شدد عميد كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور محمود شاهين الأحول، على ضرورة استثمار الفرصة من قبل الجهات الحكومية والخاصة والأطباء والباحثين ورواد الأعمال والطلاب في السعودية والولايات المتحدة للعمل معًا على تحسين مستوى الخدمات الصحية ومواكبة التطور على جميع الأصعدة في السعودية.
وأضاف أن جلسات المنتدى تغطي حلقات سلسلة الرعاية الصحية كافة، بداية من البحث وانتهاءً بالابتكار، ويفتح مجال التعاون بين القطاعات الصحية المختلفة مثل الجامعات والمراكز البحثية المتميزة محليًا وعالميًا، إذ سيسهم في تكامل أفضل بين القطاعات الصحية والإقليمية ويؤدي إلى تنسيق أفضل، والانتهاء بتوصيات لتحسين مستوى الخدمات الصحية بجميع مراحلها في السعودية.
وشهد اليوم الأول للمنتدى ثلاث ورش عمل، ناقشت الأولى «أساسيات البحث الطبي من النظرية إلى الممارسة»، وترأسها الدكتور أنس خان الأستاذ المساعد لطب الطوارئ والكوارث بجامعة الملك سعود، بمشاركة الدكتور هشام حمودة الطبيب النفسي بمستشفى بوسطن للأطفال، والأستاذ المساعد بكلية الطب بجامعة هارفارد، وروبرت ستاريك الرئيس التنفيذي لشركة ميغراتي بالولايات المتحدة الأميركية، والدكتورة تغريدة جستنية الأستاذ المساعد للصحة المعلوماتية بجامعة الملك سعود بالرياض، وتطرقت الورشة إلى المهارات الأساسية التي تمكّن المشاركين من تنفيذ أبحاثهم بنجاح.
وركزّت ورشة العمل الثانية على ضرورة إنشاء رعاية صحية مسؤولة في المدارس الخاصة والعامة من الحضانة إلى الثانوية، وترأس الدكتور هشام الخشان وكيل لوزارة الصحة للرعاية الصحية الجلسة التي شارك بها الدكتور سكوت مكتاب أستاذ البحوث بجامعة إموري بالولايات المتحدة الأميركية، والدكتور سليمان الشهري مدير عام الصحية المدرسية بوزارة الصحة، والدكتور لويد كولب الأستاذ الفخر بجامعة أنديانا بالولايات المتحدة الأميركية.
وتناولت ورشة العمل الثالثة القيادة وريادة الأعمال المبتكرة للرعاية الصحية، وترأسها الدكتور كابي حنّا المدير التنفيذي لوحدة ديوك لأبحاث الطب التحولي بجامعة ديوك بالولايات المتحدة الأميركية، بمشاركة الدكتور جريج بالمر الأستاذ المشارك للعلاج الإشعاعي والأورام بجامعة ديوك، والدكتور دياب المهنا مدير الطب النفسي الاتصالي للصحة عن بعد بالولايات المتحدة، وعائشة سالم ملحق الحقوق الفكرية بمنطقة الشرق الأوسط، حيث ركزت الورشة على أفضل السبل لتحقيق الابتكار المستدام في الرعاية الصحية.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.