حلب.. مدينة تأبى الموت

واحدة من أقدم المستوطنات الحضرية على مستوى العالم

سوق الزرب الأثري في حلب
سوق الزرب الأثري في حلب
TT

حلب.. مدينة تأبى الموت

سوق الزرب الأثري في حلب
سوق الزرب الأثري في حلب

في مصادفة غريبة من نوعها، صدر هذا الكتاب الذي يرسم صورة ساحرة لحلب، واحدة من أجمل مدن الشرق الأوسط، في اليوم ذاته الذي أعلن خلاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب قواته من سوريا. المعروف أن أحد الأهداف المعلنة من وراء التدخل السوري كان «تحرير» حلب من قبضة «الجماعات الإرهابية» وتسليمها لقوات نظام الرئيس بشار الأسد. وربما جاء اختيار العنوان الثانوي للكتاب، الذي يتضمن لفظ «سقوط» ليحمل في طياته توقعًا بسقوط حلب في أيدي القوات المشتركة ما بين روسيا وإيران ونظام الأسد.
وكان هذا ما حدث بالفعل. ولم يكن محررو دار «آي بي توريس» للنشر وحدهم من توقعوا سقوط المدينة السورية الغراء في أعقاب معاناة استمرت ستة شهور تحت نيران القصف المكثف من جانب القوات الجوية الروسية ونيران مدفعية وحدات إيرانية، إضافة إلى مرتزقة لبنانيين وأفغان وباكستانيين استعانت بهم طهران.
ومع ذلك، ورغم أنها أصبحت مثخنة بالجراح، لم تسقط حلب أمام تدخل الروس والإيرانيين، لتبهر العالم مرة أخرى بصمودها المذهل. يذكر أن حلب واحدة من قرابة عشر مدن قديمة تبدو وكأنها قائمة بمكانها منذ فجر التاريخ. من جانبه، يوعز مانسيل بداية ظهور المدينة إلى 2500 عام قبل الميلاد، مما يجعلها واحدة من أقدم المستوطنات الحضرية على مستوى العالم. وعلى امتداد تاريخها الضارب في أعماق الزمن، كانت حلب بمثابة بوتقة تنصهر بداخلها الشعوب والحضارات، حيث كانت موطنًا للكلدانيين والآشوريين والحوثيين والعيلاميين والعبريين والفارسيين، وفي وقت أحدث فتحت أبوابها أمام الأكراد والعثمانيين والعرب. وكتب مانسيل أنه تبعًا للأساطير اليهودية والعربية، فإن إبراهيم، الأب الروحي للأديان التوحيدية، «حلب ماشيته هناك، وتبرع بالمال الذي جناه من بيع اللبن كصدقات». ومن هنا جاء اسم المدينة «حلب»، الذي يعني بالعربية (اللبن).
للمراقب الخارجي، تبدو حلب اليوم ميدان قتال لآخر النسخ من الحروب الدينية التي شكلت تاريخ الشرق الأوسط على امتداد ألف عام من الزمن. وهذه المرة، تحاول الأقلية العلوية (النصيرية) استعادة السيطرة على المدينة، مدعومة بميليشيات لبنانية شيعية استدعتها القوة الشيعية الكبرى بالمنطقة، الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
من جانبها، تحارب الغالبية المسلمة السنية بالمدينة، بجانب الأقليات المسيحية والدرزية لإحباط هذا المطمع. إلا أنه قبل ذلك بكثير، لعبت حلب دور الجائزة في خوض حروب مستمرة بين الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، وتبادل الجانبان السيطرة على المدينة مرات عدة. وفي وقت لاحق، تحديدًا أثناء الحروب الصليبية، تحولت حلب لميدان قتال بين الممالك الكاثوليكية الصغيرة التي أسسها الفرنجة ودويلات أرثوذكسية صغيرة، بعضها أرميني، دانت بالولاء لأمراء وخانات مسلمين كانوا يقاتلون ضد الغزاة القادمين من أوروبا.
وفي وقت لاحق بعد ذلك، تحولت حلب لقاعدة أساسية للخلافة السنية في ظل حكم العثمانيين في حروبهم ضد إيران الشيعية في ظل حكم الصفويين.
ويكمن الأمر المذهل في كل ما سبق، حسبما يشرح مانسيل، في نجاح حلب في العمل كمهد للثقافة والحضارة. وضمت بين جوانبها الكثير من الطرق الصوفية، وخلال عصور أحدث، مثلت مركزًا محوريًا لآيديولوجيات سياسية معاصرة، مثل الاشتراكية والقومية.
وفي الوقت الذي كانت دمشق عاصمة الصحراء، كانت حلب قلب السهول الخصيبة، ليكون الاثنان معًا سوريا التي نعرفها اليوم.
وعند تفحص كتاب مانسيل، يتضح أن الجزء الأول منه - تحديدًا 67 صفحة - يبدو أشبه بنعي لحلب، حيث تتسم الصياغة بنبرة حزينة جنائزية. ويسرد الكاتب خلال هذا الجزء كيف حاولت عصبة الأسد، في ظل حكم حافظ وبشار الأسد، سحق الروح الإبداعية والمتمردة للمدينة، بل وأعرب عن اعتقاده بأن بشار تعمد خلق ما يدعى تنظيم «داعش» في محاولة لإقناع أبناء حلب بأن الخيارات أمامهم تقتصر على إما الاستبداد المحدود المتمثل في نظام الأسد أو السبي والعبودية في ظل الخلافة المزعومة لـ«داعش».
وكتب مانسيل متحسرًا: «الدول والأديان تقتل حلب. الناس والآثار في حالة احتضار.. في القرن الحادي والعشرين، دخلت حلب العصور المظلمة».
أما الجزء الثاني من الكتاب، المؤلف من 137 صفحة، فيتميز بمتعة قراءته، ويضم قصص رحلات وخطابات لغربيين زاروا المدينة على امتداد قرون عدة، ويرسمون صورة المدينة وثراءها وتنوعها من زوايا مختلفة.
وتتناول بعض قصص الرحلات الشقاء الأزلي الذي كتبه القدر لحلب: من زلازل إلى نوبات جفاف وقحط إلى حروب بين قوى متناحرة بعضها طواه النسيان.
ومع ذلك، تبقى النبرة العامة للكتاب متفائلة وتحمل الأمل بخصوص مستقبل حلب. ويبدو أن حلب تمتعت دومًا بالنعمة التي وصفها نيتشه بقوله: «الضربة التي لا تقصمني، تزيدني قوة!».
واستعراض التاريخ يكشف لنا أن الكثير من الطغاة حاولوا قتل حلب وكان الفشل حليفهم، وليس بشار والقياصرة والملالي الذين يبقونه على قيد الحياة سوى الحلقة الأحدث من سلسلة الطغاة التي تناوبت على المدينة الأبية. ورغم أن حلب جريحة وبعمق، فإنها لا تزال حية، بل وتقاوم.

حلب.. صعود وسقوط المدينة التجارية الأولى بسوريا
فيليب مانسيل
238 صفحة
دار نشر «آي بي توريس»، لندن، 2016



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.