السرَّاج.. رجل طرابلس المُنتَظر

تسبقه خطة سريعة لترويض المسلحين

السرَّاج.. رجل طرابلس المُنتَظر
TT

السرَّاج.. رجل طرابلس المُنتَظر

السرَّاج.. رجل طرابلس المُنتَظر

في صمت.. وبهدوء.. وبعيدا عن الأضواء، أعطى فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي وحكومته التوافقية، الضوء الأخضر للجنة أمنية عليا في طرابلس، من أجل العمل على حل مشكلة الميليشيات المسلحة التي يرفض بعضها السماح له بمباشرة أعماله وأعمال حكومته من العاصمة. إن الرجل يهيئ الأرض بعيدا عن الأضواء. هذا ملمح مهم في شخصيته.
في حديثه لمجموعة مقربة منه، لا يفضل السراج إطلاق استخدام اسم الميليشيات أو الكتائب، كما هو معتاد في بعض وسائل الإعلام. هو يحبذ وصفها باسم «المجموعات المسلحة»، حتى لا يغضب أحدا. لكي تحل المشاكل الكثيرة عليك أن تضع اعتبارات و«تكتيكات». بعد ساعات من إعلان نيته التوجه للعمل من داخل العاصمة، استقبل السراج في مقر إقامته في تونس، مندوبين من عدة جهات ليبية لبحث ترتيبات الوضع في البلاد التي تعاني من الفوضى والاقتتال منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.

دخل السراج من تونس في حوار عبر وسائل التواصل الإنترنتي، مع مؤيدين للحكومة في طرابلس، من بينهم مجموعة «من أجلك ليبيا»، التي اشتركت في جولات المفاوضات منذ بدايتها.. مفاوضات جرت وتعثرت ونهضت لمدة نحو 18 شهرا برعاية الأمم المتحدة. مها سليم، وهي من أعضاء مجموعة «من أجلك ليبيا» التي يقع مقرها في شارع بن عاشور في العاصمة، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن مجموعة منظمات مجتمع مدني نرى الوضع الصعب الذي يمر به الشعب الليبي. نؤيد حكومة التوافق. ونأمل أن نطوي صفحة الماضي، ونبدأ من جديد، من أجل بناء مستقبل أفضل للجميع».
السيدة مها سليم تمثل، في هذه المجموعة، منظمتها التي يقع مقرها في شارع ميزران بالمدينة، وهي منظمة معنية بحقوق الإنسان اسمها «المواثيق». وعلى كل حال، كما يرى كثيرون هنا، سيكون على السراج تخطي الكثير من العقبات والعراقيل، على رأسها مشكلة عدم عقد جلسة برلمانية لمنح الثقة لحكومته.. منح الثقة خطوة معتادة وأساسية في كثير من نظم الحكم. كما أن منح الثقة أمر منصوص عليه في النصوص الدستورية التي تعمل بها سلطة مجلس النواب المنتخب من الشعب في صيف عام 2014. يعلم السراج أيضا أن هناك مشاكل أخرى يتطلب إيجاد حلول لها مسألة وقت. منها رفض بعض المسلحين في العاصمة السماح لفريقه بالعمل انطلاقا من طرابلس.
يحظى السراج بتعاطف من قطاعات في الشارع الليبي خاصة مع اشتداد الأزمة الاقتصادية. ومن لجان شبابية وحقوقية أخرى تؤيد الحكومة، يقول حسين المحمودي أحد النشطاء الحقوقيين ممن وقفوا مع الحوار: أعتقد أن فكرة «التوافق» هي التي تتغلب على السيد السراج.. سيكون هذا منهاج عمله وهذا ما نأمله. السراج لديه القدرة، ونحن نثق في ذلك. يسود الاعتقاد في أن السراج، بفريقه الرئاسي والحكومي، يمكنه جمع الفرقاء الليبيين في طرابلس وفي طبرق وبنغازي، حول تفاهمات بشأن تقسيم الأدوار لخدمة الدولة، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى تخص شخصيات عسكرية وأمراء حرب.
ووفقا لمصادر في العاصمة، فإن المفاوضات الجارية تشمل أطرافا مختلفة من الشرق والغرب، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تفاهم سريع حول مستقبل المؤسسة العسكرية في الشرق والمسلحين في الغرب. وبالتالي فتح باب الأمل للحكومة الجديدة. الاتصالات الجارية حول تأمين الحكومة تشمل أيضا مشاورات مع أطراف إقليمية ودولية، من أصدقاء ليبيا.. يمكن أن يسفر ذلك عن استقبال السراج وفريقه الرئاسي والحكومي في منطقة محمية، أو ما يطلق عليه البعض «المنطقة الخضراء». هذا اقتراح موجود بالفعل ويمكن أن يكون موقع «المنطقة الخضراء» قرية سياحية محصنة في ضاحية جنزور بالعاصمة.
ولد السراج عام 1960 في طرابلس. وينتمي لعائلة عريقة ومحافظة أثَّرت على نشأته الهادئة ومسيرته السلسة، إضافة إلى طبيعته الصبورة والمثابرة.. تقول السيدة سليم إنها تدعم الحكومة بشكل متكامل، وليس لشخص السراج وحده.. تضيف أنها حضرت لقاءات معه منذ بداية جولات الحوار في عدة بلدان كان من بينها الصخيرات المغربية. خلافا للاعتقاد الذي يردده البعض بأنه كان منعزلا عن أعضاء البرلمان، حيث إنه عضو فيه، تقول السيدة سليم: يمكنني القول إن السراج «رجل متزن ويفتح الفرصة للتفاهم مع الجميع وبين الجميع. كما أنه ليس منغلقا على نفسه».
رئيس حكومة التوافق ليس غريبا عن عالم السياسة والحكم، كما يقول الناشط المحمودي. فوالد السراج عاش في شبابه الزخم القومي الذي كانت تمر به المنطقة، خاصة بعد صعود جمال عبد الناصر على رأس السلطة في مصر، وانشغال الليبيين بتأسيس دولة الاستقلال ووضع الدستور الجديد للبلاد في بداية الخمسينات. ينظر كثير من السياسيين والنشطاء الليبيين للسراج على اعتبار أنه تأثر بوالده الذي يعد من المؤسسين لدولة ما بعد الاحتلال الأجنبي. فقد شغل والده في ذلك الوقت عضوية مجلس النواب الليبي ومواقع وزارية خلال العهد الملكي.
جرى اقتراح اسم السراج للمنصب الجديد، بعد نحو 18 شهرا من المفاوضات المكوكية لحل الأزمة برعاية الأمم المتحدة. لم تكن محاولة سهلة، في بلد غير متمرس على الاختلاف السياسي ويعج بالسلاح والمسلحين. السراج نسيب عائلة تاريخية معتبرة من بلدة مصراتة التي لها كلمة على قسم من ميليشيات طرابلس، ولهذا، كما يفيد مصدر مقرب من المجلس الرئاسي: «نجت اللجنة الأمنية في إيجاد أرضية مبشرة للتفاهم في طرابلس».
عمليا، يواجه السراج تمسك الحكومتين اللتين تعملان في البلاد، بموقعيهما، حيث إنهما ترفضان التخلي عن العمل وتقفان ضده. الحكومة الأولى هي المنبثقة عن البرلمان الذي يعقد جلساته في طبرق، وهي برئاسة عبد الله الثني، ويطلق عليها اسم «الحكومة المؤقتة». والثانية منبثقة عن المؤتمر الوطني المنهية ولايته (البرلمان السابق)، وهي برئاسة خليفة الغويل، ويطلق عليها «حكومة الإنقاذ». يأتي هذا بينما توجد في يد السراج ورقة ضغط مهمة مستمدة أساسا من أوروبا والأمم المتحدة، وهذه الورقة تتلخص في تلويح المجتمع الدولي بفرض عقوبات رادعة ضد معرقلي عمل حكومة التوافق.
طوال الخطوات الصعبة التي قطعها الحوار في ليبيا، وحتى نهايته، وقفت دول منها تركيا وقطر والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإيطاليا ومصر وغيرها، مع هذه الجهود أملا في إيجاد حكومة تنهي الفوضى وتتفاهم مع المجتمع الدولي بشأن مواجهة تنظيم داعش. رحبت كل تلك الدول بـ«اتفاق الصخيرات» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ودعت الليبيين إلى الموافقة عليه.
مثل الكثير من القيادات الاجتماعية النسائية والشبابية التي تقف مع الاتفاق الليبي ومخرجاته، تقول مها سليم: نحن لم نؤيد الحوار فقط، بل أخذنا الموضوع بشكل جدي، وبدأنا من داخل الحوار منذ انطلاقه. عكفنا على الكثير من الملفات، واليوم نسعى لرؤية النتيجة، ولهذا أتمنى من الله أن يكتب النجاح للاتفاق السياسي الليبي والمؤسسات المنبثقة عنه، لكي تضع نهاية لمعاناة المواطنين الليبيين.. «توجد مشكلة في السيولة المالية، والناس بشكل عام أصابها اليأس، ونحتاج لأفق جديد».
تخرج السراج في كلية الهندسة (قسم العمارة) في طرابلس عام 1982. ثم استكمل دراسة الماجستير (في إدارة الأعمال) عام 1999 في وقت كان فيه نظام القذافي يخضع لعقوبات دولية، ويقف بصرامة ضد معارضيه، لكن السراج تمكن من تجنب إثارة غضب النظام ولم يعرف له نشاط سياسي يذكر، على عكس كثير من حكام الدولة الجدد ممن لجأوا إلى أوروبا أو قاسوا الأمرين في سجون النظام السابق.
عمل السراج في عهد القذافي في صندوق الضمان الاجتماعي في طرابلس، ولذلك من السهل أن ينتقده من يرفضون تكليفه بحكومة التوافق على أساس أنه «ليس سياسيا مخضرما في ظروف تحتاج لسياسي محنك».
هل سيكون السراج قادرا على قيادة السفينة؟ يقول المحمودي والذي يروج مع مجموعات شبابية أخرى في العاصمة للحكومة التوافقية، ويتواصل مع أعضاء في مجلسها الرئاسي: المواطن الليبي لم يعد لديه اليوم رفاهية الانتظار. لقد مل من طول الجدل بين طرابلس وطبرق وبين المؤتمر الوطني والبرلمان وبين المجموعات المسلحة والجيش. الاتجاه العام اليوم مع الاستقرار.. أي مع توفير الخبز والكهرباء والبنزين. أعتقد أن السراج لديه القدرة على استقطاب الجماعات التي سارعت برفض وجوده في طرابلس أو تلك التي لا تريد لبرلمان طبرق أن ينعقد لمنحه الثقة. هو يعمل على تسوية هذه الملفات دون صخب.
منذ البداية، وفي أول كلمة له موجهة لليبيين، قال السراج: لن تكون بعد اليوم حرب. انتهى زمن الحروب والاستقطاب بين الإخوة. لن أسعى لاستخدام القوة أو التلويح بها. شعاري تعالوا نعمل فسيرى الله عملنا والمؤمنون. لن أهدد ولن أقصي. أمامي لاجئون في الداخل والخارج. أمامي اقتصاد منهار، وارتفاع في الأسعار. أمامي أمن وأمان مفقود. أمامي شعب سيحاسبني الله عليه يوم القيامة إذا أغفلت عن خدمتهم يومًا ما. أمامي مصالحة وحوار وحروب وفتن يجب أن تخمد فورًا. أمامي إرهاب وخطر التطرف ولن أقف صامتًا عنه.
لم يكن السراج وحده في حوار الصخيرات. كان معه قيادات من الغرب والشرق، ظهروا في وسائل الإعلام، لكن يبدو أن رئيس الحكومة الجديد سيجد دعما غير محدود من جانب منظمات المجتمع المدني. يوم أول من أمس التقى السراج في تونس مجددا باثنين من مجموعة «من أجلك ليبيا» كما التقى هؤلاء بباقي أعضاء المجلس الرئاسي.
تقول مسؤولة جمعية الميثاق لحقوق الإنسان، إنها والشخصيات الاجتماعية الأخرى التي تسعى لإنهاء الأزمة الليبية، تقدموا خلال مشوار الحوار بمقترحات في المسودة الأولى والمسودة الثانية للاتفاق. لكنها تضيف أن «حكومة الوفاق الوطني تواجه تحديات صعبة، لا يمكن حلحلتها لوحدها من دون الدعم والمساهمة من جميع القوى الحية في المجتمع المدني».
وعن قضية عدم وقوف السراج وحكومته أمام البرلمان لكسب ثقته أولا، بأغلبية الثلثين زائد واحد، يرى الكثير من النشطاء الليبيين أن هذه ليست مشكلة بعد أن وقع أكثر من هذه النسبة من نواب البرلمان على تأييد الحكومة. وتقول مسؤولة جمعية الميثاق لحقوق الإنسان: لن تكون هناك مشكلة.. أنا مع المائة نائب الذين أعطوا الموافقة للحكومة، لكن لا يخفى على أحد أن هناك من يسعى لعرقلة دعم الحكومة. وتضيف قائلة إن النقطة الأهم أننا «مجموعة تعمل على مساعدة ومساندة من يحترم ويقدر معاناة المواطن وتضحيات هذا الشعب ومطالبه المتواضعة والإنسانية في تأسيس دولة المؤسسات».
ووفقا لمصادر عسكرية تعمل في «المجموعات المسلحة» في طرابلس، فإن مفاوضات اللجنة الأمنية برعاية السراج، تشمل الكتائب والميليشيات، سواء القيادات التي لديها «شرعية تابعة للدولة» أو ليس لديها هذه الشرعية.. «السراج كان حريصا على أن تضم اللجة الأمنية ضباطا من الجيش والشرطة في العاصمة. هم يقومون حاليا بنوع من الحوار مع المجموعات المسلحة. من المستحيل أن تدخل الحكومة إلى طرابلس دون الوصول لحل مع هذه المجموعات.



اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
TT

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)

أثارَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفةً من الجدل في نيجيريا، منذُ أن أعلن الحرب على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فور وصوله إلى السلطة، خصوصاً حين اتهمها بتمويل جماعات إرهابية من بينها «بوكو حرام»، التنظيم الإرهابي الذي يخوض حرباً داميةً ضد نيجيريا منذ 2009، قتل فيها عشرات آلاف النيجيريين. في نيجيريا لا صوتَ يعلو اليوم على مطالب التحقيق في مزاعم وصول أموال الوكالة الأميركية إلى «بوكو حرام»، ومحاسبة المتورطين في القضية جميعاً؛ لأن النقاش الذي يدور في الصحافة المحلية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أخذ أبعاداً خطيرة بعد اتهام شخصيات في الوسط السياسي والمجتمع المدني بأنها متورطة في إيصال أموال الوكالة إلى التنظيم الإرهابي. واتسعت دائرة الجدل ليطرح أسئلة حول خطورة أموال المساعدات الخارجية على الأمن القومي للدول المستفيدة منها، خصوصاً إثر الكلام عن دور سياسي لعبته تمويلات «الوكالة» في خسارة الرئيس النيجيري الأسبق غودلاك جوناثان رئاسيات 2015.

منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وقَّع الرئيس العائد عدداً من القرارات أو «الأوامر التنفيذية»، التي كان في مقدمها قرار بتعليق جميع المساعدات الخارجية الأميركية باستثناء تلك المخصَّصة لمصر وإسرائيل. وكانت الذريعة، انتظار التدقيق في نشاطات «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» التي ظلت لأكثر من 7 عقود تمثّل وجه الدبلوماسية الناعمة للولايات المتحدة.

ترمب يريد اليوم طيّ حقبة هذه الوكالة، وأسند مهمة تفكيكها إلى الملياردير إيلون ماسك، وزير «كفاءة العمل الحكومي» في فريقه الخاص. ولم يتأخر الأخير في وضع يده على جميع وثائق الوكالة، التي وصفها بأنها «عشٌ للأفكار اليسارية المتطرفة التي تكره أميركا».

هذا النقاشُ ظل أميركياً خالصاً، حتى جاءت تصريحات سكوت بيري، عضو الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا، لتخرج به نحو دوائر أبعد. إذ قال الرجل إن 697 مليون دولار أميركي من التمويلات السنوية لـ«الوكالة» تنتهي بحوزة تنظيمات إرهابية، من بينها جماعة «بوكو حرام»، وجماعة «طالبان»، وتنظيم «القاعدة».

تصريحات بيري جاءت خلال جلسة استماع للجنة الفرعية لمراقبة كفاءة الحكومة، تحت عنوان «الحرب على الهدر: القضاء على ظاهرة المدفوعات غير المشروعة والاحتيال». وقال بيري أمام اللجنة: «أموالكم تذهب لتمويل الإرهاب، عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية... يجب أن يتوقف هذا فوراً».

وأضاف بيري في حديثه أمام لجنة الاستماع أن الوكالة خصَّصت 136 مليون دولار لبناء 120 مدرسة في باكستان، إلا أنه لم يُعثر على أي دليل يثبتُ تنفيذ هذه المشاريع، معتبراً أن ذلك يثير الشكوك حول مصير هذه الأموال.

علم "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (آ ف ب)

مطالب التحقيق

تصريحات عضو الكونغرس أثارت بطبيعة الحال جدلاً واسعاً في نيجيريا، وحظيت بحيّز واسع من التداول في الصحافة المحلية. وخلال برنامج تلفزيوني على قناة محلية لنقاش تصريحات سكوت بيري، قال علي ندومة، عضو مجلس الشيوخ في نيجيريا عن ولاية بورنو، إن على نيجيريا فتح «تحقيق شامل حول الادعاءات التي تفيد بأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تموّل (بوكو حرام)».

وأردف السياسي النيجيري الذي ينحدرُ من بورنو، أكثر ولايات نيجيريا تضرراً من هجمات «بوكو حرام» الإرهابية: «لا يمكنكم القول إنها مجرد مزاعم، الأمر يتجاوز ذلك. ولهذا السبب يتوجَّب على الحكومة النيجيرية، والبرلمان الوطني على وجه الخصوص، التحقيق في هذه الادعاءات والتحقّق من صحتها، لأنها خطيرة للغاية».

ثم تابع ندومة: «هذا التطوّر مقلق للغاية، خصوصاً أن إحدى الجماعات الإرهابية التي ذكرها سكوت بيري هي (بوكو حرام)، التي لم تدمّر شمال شرقي نيجيريا فحسب، بل امتد تأثيرها أيضاً إلى مناطق أخرى من البلاد. تتذكرون أن (بوكو حرام) فجَّرت مقر الشرطة، ومكتب الأمم المتحدة في أبوجا، وكانت الخسائر البشرية هائلة. لذا، يجب أن تكون الحكومة النيجيرية مهتمةً بهذا الأمر».

ومن ثم، أعرب ندومة عن قلقه الكبير حيال هذه المزاعم، لافتاً إلى أن «أجهزة الأمن النيجيرية سبق أن أثارت هذه القضية بشكل غير مباشر مرات عدة»، في إشارة إلى تصريحات أدلى بها قائد أركان الجيش النيجيري أخيراً ذكرت أن «دولاً ومنظمات أجنبية» متورطة في تمويل «بوكو حرام». وخلص عضو مجلس الشيوخ النيجيري إلى التأكيد على ضرورة التحقيق في هذه المزاعم، وأن الجميع «كان يتساءل منذ سنوات طويلة عن مصدر تمويل هؤلاء الأشخاص».

قرويون نيجيرون إثر تعرّض قريتهم لإحدى هجمات "بوكو حرام" (آ ب)

المسلمون... و«بوكو حرام»

في الواقع، لأكثر من 15 سنة، دأبت جماعة «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا، وكان السؤال الذي يُطرَحُ بإلحاح من قِبَل الجميع هو: مَن يقف خلف هذا التنظيم الإرهابي؟ ومَن يوفر له التمويل والسلاح... ويمكِّنه من تجنيد آلاف الشباب المحبطين وفاقدي الأمل؟.

طيلة تلك الفترة، كانت أصابع الاتهام توجَّه إلى زمر من المسلمين الذين يشكلون غالبية سكان شمال نيجيريا، حيث تنشط الجماعة الإرهابية. ولكن مع إثارة الجدل حول مزاعم تمويل «بوكو حرام» عبر «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» أصدرَ «مركز الشؤون العامة للمسلمين» في نيجيريا بياناً يستحضر فيه اتهامات سابقة للمسلمين بتمويل الجماعة.

ولقد طلب «المركز» من البرلمان النيجيري التحقيق في تلك المزاعم، وأعرب رئيسه ديسو كامور، عن «قلقه العميق إزاء هذه الادعاءات»، قبل أن يستحضر «حملة التدقيق والاتهامات الظالمة التي واجهها المسلمون النيجيريون، ومنها التعاطف مع (بوكو حرام)».

وقال كامور: «إذا كانت هذه المزاعم صحيحة، فإنها ستكشف نفاق أولئك الذين ألقوا باللوم على المجتمعات المسلمة المحلية، بينما كانت جهات خارجية تدعم الإرهابيين». وطالب، بالتالي، السلطات النيجيرية بالتحقيق في المزاعم لأن «النيجيريين يستحقون الشفافية والمساءلة بشأن أي تورّط أجنبي في تمويل الإرهاب على أراضينا».

شكوك كبيرة

من جانبه، ذهب آدامو غاربا، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في نيجيريا، والقيادي في حزب «المؤتمر التقدمي الشامل»، إلى أن «شكوكاً كبيرة» تحوم حول تمويلات الوكالة في نيجيريا، وأعلن تصديقه للادعاءات بأن بعض التمويلات قد تكون بالفعل أسهمت في تسليح «بوكو حرام» و«داعش في غرب أفريقيا».

وادعى غاربا، في مقطع فيديو نشره عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، أن «الوكالة» أنفقت مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا العام الماضي، وتساءل عن طريقة صرف هذا المبلغ الكبير.

ثم أضاف: «ذكرتُ سابقاً أن (بوكو حرام) و(داعش)، ومختلف التنظيمات الإرهابية في المنطقة، تتلقى أسلحتها عبر جهات أجنبية سرّية تموّلها وتزوّدها بالسلاح. وبعد الكشف عن دور (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية)، يكفي أن نعرف أنه في العام الماضي وحده، أنفقت الوكالة مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا، فأين ذهب هذا المال؟ هل تعلم ماذا يعني 824 مليون دولار؟ عند تحويله إلى النيرة (العملة النيجيرية)، يساوي 1.3 تريليون نيرة».

واستطرد قائلاً: «هذا يعني أن كل ولاية يمكن أن تحصل على 36 مليار نيرة، ومع ذلك، يزعمون أنهم أنفقوا هذه الأموال على الحدّ من وفيات الأطفال والتعليم، لكن ماذا رأينا؟ لا شيء. متى دخل هذا المال؟ وأين ذهب؟ هذه الأموال تذهب لتمويل (بوكو حرام)، والخاطفين الذين يستخدمونها للقتل وتدمير بلادنا، هذه هي الحقيقة».

قضية باينانس

في سياق موازٍ، بينما يحتدم النقاش في نيجيريا حول اتهام «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» بتمويل أنشطة «بوكو حرام»، اتهم فيمي فاني-كايودي، وزير الطيران السابق في نيجيريا، أخيراً، مسؤولاً تنفيذياً في شركة باينانس، أكبر منصة عالمية لتداول العملات الرقمية، بالتورط في إيصال التمويلات إلى الجماعة الإرهابية.

وزعم الوزير السابق إن تيغران غامباريان، المسؤول التنفيذي في شركة «باينانس» كان «أداة» استخدمتها الوكالة لتمويل الجماعة، قبل أن يصف غامباريان بأنه كان «عامل تمكين للإرهاب وأسهم في تخريب اقتصاد نيجيريا».

وللعلم، اعتُقل غامباريان في نيجيريا العام الماضي بعد اتهام السلطات النيجيرية شركة «باينانس» بالتهرب الضريبي، والتورّط في عمليات غسل أموال، بالإضافة إلى المساهمة في إضعاف العملة المحلية «النيرة». إلا أنه أُفرِج عن الرجل؛ بسبب تدهور وضعه الصحي، بينما تشير بعض المصادر إلى أن السلطات النيجيرية تعرَّضت لضغط دبلوماسي أميركي كبير.

وفي آخر تطور للقضية، رفعت نيجيريا دعوى قضائية في الأسبوع قبل الماضي ضد منصة «باينانس»، تطالبها بدفع 79.5 مليار دولار، تعويضاً عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن عملياتها في البلاد، بالإضافة إلى مليارَي دولار ضرائب متأخرة عن العامين الماضيين.

تمويل دون قصد!

في أي حال، لا يخلو النقاش الدائر في نيجيريا حول العلاقة بين «الوكالة» و«بوكو حرام» من حسابات سياسية ضيقة. ومن الأصوات التي بدت أكثر رصانةً، السفير والخبير الأمني نورين أبايومي موموني، عضو «حزب المؤتمر التقدمي» الحاكم، الذي نشر مقالاً تطرَّق فيه إلى طريقة عمل المنظمات الدولية، مشيراً إلى أنها تحتاج إلى المراجعة، لأنها قد تُموِّل أنشطة إرهابية «دون قصد».

وتابع: «أنا قلق للغاية بشأن الاتهامات الأخيرة» التي تفيد بأن الوكالة قد تكون دعمت الإرهاب دون قصد في نيجيريا ومناطق أخرى من العالم... «هذه الادعاءات تثير تساؤلات جوهرية ليس فقط حول نزاهة المساعدات الإنسانية، ولكن أيضاً حول تداعياتها الأوسع على الأمن العالمي، والعلاقات الدبلوماسية».

وأضاف أبايومي موموني أن «على الوكالات الدولية العاملة تقديم الدعم الإنساني من دون الإضرار بأمن المجتمعات المستضيفة». ورأى أن الاتهامات الأخيرة تؤكد «الحاجة الملحة إلى تعزيز الرقابة والمساءلة في برامج المساعدات الدولية. ومن الضروري أن تعزز وكالات مثل الوكالة الأميركية آليات المتابعة والتقييم والتدقيق؛ لضمان أن تصل المساعدات إلى مستحقيها ولا يتم تحويلها لدعم التطرف العنيف».

وأوضح أنه «إذا ثبتت صحة هذه الادعاءات، فقد تؤدي إلى زيادة التدقيق في سياسات المساعدات الخارجية الأميركية، ما يستدعي عملية إصلاح جذرية... لأن اتباع نهج شفاف في تمويل المساعدات والالتزام بالمعايير الأخلاقية في تقديم الدعم الإنساني أمران أساسيان. وبالتالي، على الحكومة الأميركية أن تعزز التزامها بمنع تمويل الإرهاب، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان أن تكون المساعدات وسيلةً لتحقيق السلام والاستقرار، لا العنف».

المال السياسي

غير أن الاتهامات الموجَّهة إلى «الوكالة» لم تقتصر على تمويل الإرهاب في نيجيريا، بل وصلت إلى أن بعض تمويلاتها أسهمت في التأثير على الانتخابات الرئاسية في البلد الذي يملك الاقتصاد الأكبر في غرب أفريقيا، والذي يبلغ تعداد سكانه نحو ربع مليار نسمة.

إذ كتبت الصحافة المحلية، ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن «علاقة» ربطت «الوكالة» مع قيادة حملة «أعيدوا فتياتنا» التي أطلقها ناشطون في المجتمع المدني عام 2014 إثر اختطاف «بوكو حرام» مئات الفتيات من بلدة شيبوك في قضية هزَّت الرأي العام العالمي آنذاك. ولقد ادعى ناشطون سياسيون أن الحملة كانت مدعومة سراً من «الوكالة» بهدف الإطاحة بالرئيس النيجيري آنذاك، غودلاك جوناثان، بعد حملة واسعة لتشويه سمعته، ربطه بالفشل، وحمَّلته مسؤولية اختطاف الفتيات والعجز عن تحريرهن، ما فتح الباب واسعاً أمام فوز محمدو بخاري بانتخابات 2015 الرئاسية.

كذلك تعرَّضت الناشطة النيجيرية عائشة يسوفو، التي كانت من أبرز وجوه الحملة، لهجوم حاد على منصة «إكس»، حين طالبها البعض بتقديم تفسير أو اعتذار، لكن الناشطة النيجيرية في ردِّها على هذه الاتهامات، نفت أي علاقة لها أو للحملة بـ«الوكالة» أو أي منظمة دولية أخرى. وقالت في تغريدة مقتضبة: «أنا أعمل مع نيجيريين ملتزمين ببناء أمة عظيمة، بعيداً عن نظريات المؤامرة والتشكيك». لأكثر من 15 سنة دأب تنظيم «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا... وكان السؤال المطروح بإلحاح:

مَن يقف خلفه؟