السرَّاج.. رجل طرابلس المُنتَظر

تسبقه خطة سريعة لترويض المسلحين

السرَّاج.. رجل طرابلس المُنتَظر
TT

السرَّاج.. رجل طرابلس المُنتَظر

السرَّاج.. رجل طرابلس المُنتَظر

في صمت.. وبهدوء.. وبعيدا عن الأضواء، أعطى فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي وحكومته التوافقية، الضوء الأخضر للجنة أمنية عليا في طرابلس، من أجل العمل على حل مشكلة الميليشيات المسلحة التي يرفض بعضها السماح له بمباشرة أعماله وأعمال حكومته من العاصمة. إن الرجل يهيئ الأرض بعيدا عن الأضواء. هذا ملمح مهم في شخصيته.
في حديثه لمجموعة مقربة منه، لا يفضل السراج إطلاق استخدام اسم الميليشيات أو الكتائب، كما هو معتاد في بعض وسائل الإعلام. هو يحبذ وصفها باسم «المجموعات المسلحة»، حتى لا يغضب أحدا. لكي تحل المشاكل الكثيرة عليك أن تضع اعتبارات و«تكتيكات». بعد ساعات من إعلان نيته التوجه للعمل من داخل العاصمة، استقبل السراج في مقر إقامته في تونس، مندوبين من عدة جهات ليبية لبحث ترتيبات الوضع في البلاد التي تعاني من الفوضى والاقتتال منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.

دخل السراج من تونس في حوار عبر وسائل التواصل الإنترنتي، مع مؤيدين للحكومة في طرابلس، من بينهم مجموعة «من أجلك ليبيا»، التي اشتركت في جولات المفاوضات منذ بدايتها.. مفاوضات جرت وتعثرت ونهضت لمدة نحو 18 شهرا برعاية الأمم المتحدة. مها سليم، وهي من أعضاء مجموعة «من أجلك ليبيا» التي يقع مقرها في شارع بن عاشور في العاصمة، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن مجموعة منظمات مجتمع مدني نرى الوضع الصعب الذي يمر به الشعب الليبي. نؤيد حكومة التوافق. ونأمل أن نطوي صفحة الماضي، ونبدأ من جديد، من أجل بناء مستقبل أفضل للجميع».
السيدة مها سليم تمثل، في هذه المجموعة، منظمتها التي يقع مقرها في شارع ميزران بالمدينة، وهي منظمة معنية بحقوق الإنسان اسمها «المواثيق». وعلى كل حال، كما يرى كثيرون هنا، سيكون على السراج تخطي الكثير من العقبات والعراقيل، على رأسها مشكلة عدم عقد جلسة برلمانية لمنح الثقة لحكومته.. منح الثقة خطوة معتادة وأساسية في كثير من نظم الحكم. كما أن منح الثقة أمر منصوص عليه في النصوص الدستورية التي تعمل بها سلطة مجلس النواب المنتخب من الشعب في صيف عام 2014. يعلم السراج أيضا أن هناك مشاكل أخرى يتطلب إيجاد حلول لها مسألة وقت. منها رفض بعض المسلحين في العاصمة السماح لفريقه بالعمل انطلاقا من طرابلس.
يحظى السراج بتعاطف من قطاعات في الشارع الليبي خاصة مع اشتداد الأزمة الاقتصادية. ومن لجان شبابية وحقوقية أخرى تؤيد الحكومة، يقول حسين المحمودي أحد النشطاء الحقوقيين ممن وقفوا مع الحوار: أعتقد أن فكرة «التوافق» هي التي تتغلب على السيد السراج.. سيكون هذا منهاج عمله وهذا ما نأمله. السراج لديه القدرة، ونحن نثق في ذلك. يسود الاعتقاد في أن السراج، بفريقه الرئاسي والحكومي، يمكنه جمع الفرقاء الليبيين في طرابلس وفي طبرق وبنغازي، حول تفاهمات بشأن تقسيم الأدوار لخدمة الدولة، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى تخص شخصيات عسكرية وأمراء حرب.
ووفقا لمصادر في العاصمة، فإن المفاوضات الجارية تشمل أطرافا مختلفة من الشرق والغرب، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تفاهم سريع حول مستقبل المؤسسة العسكرية في الشرق والمسلحين في الغرب. وبالتالي فتح باب الأمل للحكومة الجديدة. الاتصالات الجارية حول تأمين الحكومة تشمل أيضا مشاورات مع أطراف إقليمية ودولية، من أصدقاء ليبيا.. يمكن أن يسفر ذلك عن استقبال السراج وفريقه الرئاسي والحكومي في منطقة محمية، أو ما يطلق عليه البعض «المنطقة الخضراء». هذا اقتراح موجود بالفعل ويمكن أن يكون موقع «المنطقة الخضراء» قرية سياحية محصنة في ضاحية جنزور بالعاصمة.
ولد السراج عام 1960 في طرابلس. وينتمي لعائلة عريقة ومحافظة أثَّرت على نشأته الهادئة ومسيرته السلسة، إضافة إلى طبيعته الصبورة والمثابرة.. تقول السيدة سليم إنها تدعم الحكومة بشكل متكامل، وليس لشخص السراج وحده.. تضيف أنها حضرت لقاءات معه منذ بداية جولات الحوار في عدة بلدان كان من بينها الصخيرات المغربية. خلافا للاعتقاد الذي يردده البعض بأنه كان منعزلا عن أعضاء البرلمان، حيث إنه عضو فيه، تقول السيدة سليم: يمكنني القول إن السراج «رجل متزن ويفتح الفرصة للتفاهم مع الجميع وبين الجميع. كما أنه ليس منغلقا على نفسه».
رئيس حكومة التوافق ليس غريبا عن عالم السياسة والحكم، كما يقول الناشط المحمودي. فوالد السراج عاش في شبابه الزخم القومي الذي كانت تمر به المنطقة، خاصة بعد صعود جمال عبد الناصر على رأس السلطة في مصر، وانشغال الليبيين بتأسيس دولة الاستقلال ووضع الدستور الجديد للبلاد في بداية الخمسينات. ينظر كثير من السياسيين والنشطاء الليبيين للسراج على اعتبار أنه تأثر بوالده الذي يعد من المؤسسين لدولة ما بعد الاحتلال الأجنبي. فقد شغل والده في ذلك الوقت عضوية مجلس النواب الليبي ومواقع وزارية خلال العهد الملكي.
جرى اقتراح اسم السراج للمنصب الجديد، بعد نحو 18 شهرا من المفاوضات المكوكية لحل الأزمة برعاية الأمم المتحدة. لم تكن محاولة سهلة، في بلد غير متمرس على الاختلاف السياسي ويعج بالسلاح والمسلحين. السراج نسيب عائلة تاريخية معتبرة من بلدة مصراتة التي لها كلمة على قسم من ميليشيات طرابلس، ولهذا، كما يفيد مصدر مقرب من المجلس الرئاسي: «نجت اللجنة الأمنية في إيجاد أرضية مبشرة للتفاهم في طرابلس».
عمليا، يواجه السراج تمسك الحكومتين اللتين تعملان في البلاد، بموقعيهما، حيث إنهما ترفضان التخلي عن العمل وتقفان ضده. الحكومة الأولى هي المنبثقة عن البرلمان الذي يعقد جلساته في طبرق، وهي برئاسة عبد الله الثني، ويطلق عليها اسم «الحكومة المؤقتة». والثانية منبثقة عن المؤتمر الوطني المنهية ولايته (البرلمان السابق)، وهي برئاسة خليفة الغويل، ويطلق عليها «حكومة الإنقاذ». يأتي هذا بينما توجد في يد السراج ورقة ضغط مهمة مستمدة أساسا من أوروبا والأمم المتحدة، وهذه الورقة تتلخص في تلويح المجتمع الدولي بفرض عقوبات رادعة ضد معرقلي عمل حكومة التوافق.
طوال الخطوات الصعبة التي قطعها الحوار في ليبيا، وحتى نهايته، وقفت دول منها تركيا وقطر والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإيطاليا ومصر وغيرها، مع هذه الجهود أملا في إيجاد حكومة تنهي الفوضى وتتفاهم مع المجتمع الدولي بشأن مواجهة تنظيم داعش. رحبت كل تلك الدول بـ«اتفاق الصخيرات» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ودعت الليبيين إلى الموافقة عليه.
مثل الكثير من القيادات الاجتماعية النسائية والشبابية التي تقف مع الاتفاق الليبي ومخرجاته، تقول مها سليم: نحن لم نؤيد الحوار فقط، بل أخذنا الموضوع بشكل جدي، وبدأنا من داخل الحوار منذ انطلاقه. عكفنا على الكثير من الملفات، واليوم نسعى لرؤية النتيجة، ولهذا أتمنى من الله أن يكتب النجاح للاتفاق السياسي الليبي والمؤسسات المنبثقة عنه، لكي تضع نهاية لمعاناة المواطنين الليبيين.. «توجد مشكلة في السيولة المالية، والناس بشكل عام أصابها اليأس، ونحتاج لأفق جديد».
تخرج السراج في كلية الهندسة (قسم العمارة) في طرابلس عام 1982. ثم استكمل دراسة الماجستير (في إدارة الأعمال) عام 1999 في وقت كان فيه نظام القذافي يخضع لعقوبات دولية، ويقف بصرامة ضد معارضيه، لكن السراج تمكن من تجنب إثارة غضب النظام ولم يعرف له نشاط سياسي يذكر، على عكس كثير من حكام الدولة الجدد ممن لجأوا إلى أوروبا أو قاسوا الأمرين في سجون النظام السابق.
عمل السراج في عهد القذافي في صندوق الضمان الاجتماعي في طرابلس، ولذلك من السهل أن ينتقده من يرفضون تكليفه بحكومة التوافق على أساس أنه «ليس سياسيا مخضرما في ظروف تحتاج لسياسي محنك».
هل سيكون السراج قادرا على قيادة السفينة؟ يقول المحمودي والذي يروج مع مجموعات شبابية أخرى في العاصمة للحكومة التوافقية، ويتواصل مع أعضاء في مجلسها الرئاسي: المواطن الليبي لم يعد لديه اليوم رفاهية الانتظار. لقد مل من طول الجدل بين طرابلس وطبرق وبين المؤتمر الوطني والبرلمان وبين المجموعات المسلحة والجيش. الاتجاه العام اليوم مع الاستقرار.. أي مع توفير الخبز والكهرباء والبنزين. أعتقد أن السراج لديه القدرة على استقطاب الجماعات التي سارعت برفض وجوده في طرابلس أو تلك التي لا تريد لبرلمان طبرق أن ينعقد لمنحه الثقة. هو يعمل على تسوية هذه الملفات دون صخب.
منذ البداية، وفي أول كلمة له موجهة لليبيين، قال السراج: لن تكون بعد اليوم حرب. انتهى زمن الحروب والاستقطاب بين الإخوة. لن أسعى لاستخدام القوة أو التلويح بها. شعاري تعالوا نعمل فسيرى الله عملنا والمؤمنون. لن أهدد ولن أقصي. أمامي لاجئون في الداخل والخارج. أمامي اقتصاد منهار، وارتفاع في الأسعار. أمامي أمن وأمان مفقود. أمامي شعب سيحاسبني الله عليه يوم القيامة إذا أغفلت عن خدمتهم يومًا ما. أمامي مصالحة وحوار وحروب وفتن يجب أن تخمد فورًا. أمامي إرهاب وخطر التطرف ولن أقف صامتًا عنه.
لم يكن السراج وحده في حوار الصخيرات. كان معه قيادات من الغرب والشرق، ظهروا في وسائل الإعلام، لكن يبدو أن رئيس الحكومة الجديد سيجد دعما غير محدود من جانب منظمات المجتمع المدني. يوم أول من أمس التقى السراج في تونس مجددا باثنين من مجموعة «من أجلك ليبيا» كما التقى هؤلاء بباقي أعضاء المجلس الرئاسي.
تقول مسؤولة جمعية الميثاق لحقوق الإنسان، إنها والشخصيات الاجتماعية الأخرى التي تسعى لإنهاء الأزمة الليبية، تقدموا خلال مشوار الحوار بمقترحات في المسودة الأولى والمسودة الثانية للاتفاق. لكنها تضيف أن «حكومة الوفاق الوطني تواجه تحديات صعبة، لا يمكن حلحلتها لوحدها من دون الدعم والمساهمة من جميع القوى الحية في المجتمع المدني».
وعن قضية عدم وقوف السراج وحكومته أمام البرلمان لكسب ثقته أولا، بأغلبية الثلثين زائد واحد، يرى الكثير من النشطاء الليبيين أن هذه ليست مشكلة بعد أن وقع أكثر من هذه النسبة من نواب البرلمان على تأييد الحكومة. وتقول مسؤولة جمعية الميثاق لحقوق الإنسان: لن تكون هناك مشكلة.. أنا مع المائة نائب الذين أعطوا الموافقة للحكومة، لكن لا يخفى على أحد أن هناك من يسعى لعرقلة دعم الحكومة. وتضيف قائلة إن النقطة الأهم أننا «مجموعة تعمل على مساعدة ومساندة من يحترم ويقدر معاناة المواطن وتضحيات هذا الشعب ومطالبه المتواضعة والإنسانية في تأسيس دولة المؤسسات».
ووفقا لمصادر عسكرية تعمل في «المجموعات المسلحة» في طرابلس، فإن مفاوضات اللجنة الأمنية برعاية السراج، تشمل الكتائب والميليشيات، سواء القيادات التي لديها «شرعية تابعة للدولة» أو ليس لديها هذه الشرعية.. «السراج كان حريصا على أن تضم اللجة الأمنية ضباطا من الجيش والشرطة في العاصمة. هم يقومون حاليا بنوع من الحوار مع المجموعات المسلحة. من المستحيل أن تدخل الحكومة إلى طرابلس دون الوصول لحل مع هذه المجموعات.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».