التعليم الجامعي الأميركي في بؤرة الصراع الانتخابي الرئاسي

التبرعات.. بين حب الجامعات والتهرب الضريبي

حملة التبرعات التي تلقتها جامعة ستانفورد في العالم الماضي وصلت إلى أربعين مليار دولار
حملة التبرعات التي تلقتها جامعة ستانفورد في العالم الماضي وصلت إلى أربعين مليار دولار
TT

التعليم الجامعي الأميركي في بؤرة الصراع الانتخابي الرئاسي

حملة التبرعات التي تلقتها جامعة ستانفورد في العالم الماضي وصلت إلى أربعين مليار دولار
حملة التبرعات التي تلقتها جامعة ستانفورد في العالم الماضي وصلت إلى أربعين مليار دولار

يوم الأحد الماضي، خلال مناظرة تلفزيونية ساخنة بين المتنافسين على ترشيح الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية، هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز، انتقد ساندرز (الاشتراكي) كلينتون (الليبرالية). وقال إنها ليست مخلصة في الدفاع عن الطبقتين الوسطى والفقيرة. ودفع قائلا إنها تحابي البنوك العملاقة، والشركات العملاقة، و«الجامعات العملاقة».
جاء النقاش عن «الجامعات العملاقة» في إجابات عن سؤال من طالب جامعي عن الزيادة المستمرة في رسوم الدراسة في الجامعات الأميركية. وقال السيناتور ساندرز إنه قاد حملة في مجلس الشيوخ لإجبار الجامعات الغنية (التي تزيد جملة التبرعات لها على خمسمائة مليون دولار) لتخفض المصروفات على طلابها، خاصة لأن حكومات كثير من الولايات خفضت ميزانياتها السنوية للجامعات فيها، بسبب الأزمة الاقتصادية.
وردت كلينتون بأن ساندرز لم يتابع حملته، وقالت إن هذا «نفاق». ورد ساندرز بأن «النفاق هو دفاع كلينتون عن الطبقتين الوسطى والفقيرة، بينما هي تتقاضى مئات الآلاف من الدولارات من محاضرة طولها نصف ساعة»، وإنها تفعل ذلك «بناء على دعوات من بنوك عملاقة»، وإنها «تجمع تبرعات من نفس هذه البنوك لحملتها الانتخابية».
ثم تنافسا، هو وهي، على من صاحب أفضل برنامج لمساعدة الطلاب الجامعيين بسبب استمرار ارتفاع تكاليف الدراسة.
* تحقيقات الكونغرس:
خلال تحقيقات اللجنة المالية في مجلس الشيوخ عن الجامعات الغنية، قال تقرير إن جملة التبرعات تزيد على نصف مليار دولار في أكثر من مائتي جامعة. وتأتي جامعة هارفارد في المقدمة (60 مليار دولار).
وفي مناقشات الكونغرس، قال السيناتور شاك غراسلي (الجمهوري، من ولاية أيوا): «لا تدفع الجامعات أي ضرائب، لهذا، يجب أن تساهم في دعم التعليم الجامعي. لكن صار واضحا أن زيادة عائدات استثمارات الجامعات الغنية ليست فقط بسبب الاستثمارات الذكية الناجحة، ولكن أيضا بسبب انخفاض فرص التعليم في هذه الجامعات».
واقترح السيناتور أن تصرف كل جامعة عشرة في المائة من عائدات استثماراتها لمساعدة طلابها، وزيادة فرص التعليم.
لكن، راندي ليفنغستون، نائب رئيس الشؤون المالية في جامعة ستانفورد (ولاية كاليفورنيا)، قال: «ليس الموضوع بسيطا بهذه الصورة. يريد كل واحد من الذين يتبرعون لنا أن تذهب تبرعاته، وعائدات استثماراتها إلى كلية معنية، أو برنامج معين، أو كرسي معين، أو نوع معين من الطلاب».
وأيده جون أتشمانلي، رئيس الجامعة، وقال: «يذهب جزء كبير من عائدات الاستثمارات لدعم الكرسي الأكاديمي، ولوضع احتياطات للمستقبل، وللتعويض عن نسبة التضخم التي تزيد سنويا.. إذا لم نفعل ذلك، ربما سنضطر لدعم التبرع نفسه».
ويوجد جانب آخر لهذا النقاش عن مسؤولية الجامعات الغنية في تخفيض تكاليف الدراسة الجامعية، خاصة إذا كثرت التبرعات لها، وهو عن الذين يتبرعون.
في الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» انتقادات، ليست فقط لجامعة ستانفورد (ولاية كاليفورنيا) وهي واحدة من الجامعات الغنية، ولكن أيضا للملياردير فيليب نايت، الذي تبرع لها بأربعمائة مليون دولار.
ونايت هو مؤسس ورئيس شركة «نايكي» للأحذية الرياضية. في البداية، أشادت الصحيفة بذكائه، وحبه للمغامرات الاستثمارية، ونجاحه فيها، وتقديره للجامعة التي تخرج منها. لكن، أضافت الصحيفة: «طبعا، هذا خبر سعيد لجامعة ستانفورد، وللملياردير. لكنه، ليس سعيدا بالنسبة لدافع الضرائب الأميركي».
وأشارت الصحيفة إلى أن الملياردير سيتبرع بأربعمائة مليون دولار، ثم يخصم من فاتورة ضرائبه السنوية 160 مليون دولار منها، وذلك لأنه تبرع تبرعا خيريا.
ليس ذلك فحسب، بل إن جملة التبرعات التي تلقتها جامعة ستانفورد في العام الماضي وصلت إلى أربعين مليار دولار. ولأنها كلها تبرعات خيرية، يتوقع أن يسترد المتبرعون من مصلحة الضرائب ما جملته عشرة مليارات دولار.
خلال هذا النقاش، وفي الأسبوع الماضي، نشرت مجلة «تايم» أن أغلبية تبرعات العام الماضي ذهبت إلى عدد قليل من الجامعات. وقالت: «مثل الأغنياء الذين يتبرعون، تزيد الجامعات الغنية غنى (وتزيد الجامعات الفقيرة فقرا)».
عن هذا، قال المرشح الديمقراطي (الاشتراكي) السيناتور ساندرز: «نحن أغلى دولة في العالم من حيث تكاليف الدراسة الجامعية. لكننا، في نفس الوقت، الدولة الأولى في العالم من حيث تبرعات الخرجين لجامعاتهم. هذا شيء يدعو للاستغراب.. لكن، ربما لا داعي للاستغراب. الحقيقة هي أن الذين يتبرعون للجامعات تهمهم هذه الجامعات فقط، ولا تهمهم مشكلة زيادة تكاليف الدراسة الجامعية».
وأضاف: «إذا هم حقيقة مخلصون، لماذا لا يتبرعون لمساعدة الطلاب الذين تكبدهم المصاريف الجامعية؟». وقال، في شبه يأس: «يوما ما، سيكون التعليم الجامعي في الولايات المتحدة مجانا، مثله في دول في أوروبية أقل منا ثروة».



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.