دبلوماسي أميركي سابق يكشف عن محادثات سرية مع إيران قبيل غزو بغداد

تناولت بناء حكومة عراقية جديدة وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية

زلماي خليل زاد
زلماي خليل زاد
TT

دبلوماسي أميركي سابق يكشف عن محادثات سرية مع إيران قبيل غزو بغداد

زلماي خليل زاد
زلماي خليل زاد

كشف زلماي خليل زاد، السفير الأميركي الأسبق لدى العراق وأفغانستان والأمم المتحدة، عن محادثات سرية عقدها مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى مع إيران حول مستقبل العراق، قبيل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لإسقاط صدام حسين، حيث تلقت واشنطن وعدًا بعدم إطلاق القوات المسلحة الإيرانية النار على الطائرات الحربية الأميركية حال اختراقها المجال الجوي الإيراني بالخطأ.
وأشار زاد في كتابه الجديد «المبعوث»، الذي من المقرر نشره هذا الشهر من جانب دار نشر «سانت مارتينز برس»، إلى اجتماعات لم يكشف عنها من قبل، عقدت في جنيف بمشاركة محمد جواد ظريف، السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، الذي تولى لاحقًا حقيبة وزارة الخارجية، استمرت حتى بعد سيطرة القوات الأميركية على بغداد في أبريل (نيسان) 2003. وقال: «وافق ظريف على ذلك. كما أملنا في أن تشجع إيران شيعة العراق على المشاركة البناءة في بناء حكومة جديدة بالعراق».
وفي مايو (أيار) 2003، أوقفت إدارة بوش المحادثات بعد اتهامها طهران بإيواء قيادات لتنظيم «القاعدة» متهمين بالتورط في هجوم إرهابي أسفر عن مقتل ثمانية أميركيين بالعاصمة السعودية الرياض. وبعد أكثر من عقد، يرى خليل زاد أن الإخفاق في ترك قناة اتصال مفتوحة مع إيران واحدة من أكبر الأخطاء المرتبطة بحرب العراق. وقال: «إنني على قناعة بأنه حال جمعنا بين التعاون الدبلوماسي والإجراءات العملية القوية، ربما كنا سنتمكن من صياغة السلوك الإيراني».
ويأتي نشر الكتاب في وقت يحتدم الجدل حول سياسة إدارة أوباما تجاه طهران، بما في ذلك بنود الاتفاق النووي الذي وقعته معها الولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى. ويسلط خليل زاد، الأفغاني المولد الذي حصل لاحقًا على المواطنة الأميركية ونال شهادة الدكتوراه من جامعة شيكاغو، الضوء على جانب جديد من السياسة الأميركية تجاه إيران خلال فترة إدارة بوش.
يذكر أن جدالاً كبيرًا ثار حول ما إذا كانت هناك إمكانات حقيقية لإقامة حوار بناء مع إيران بخصوص العراق خلال فترة حكم بوش.
من جهته، قال ريان سي. كروكر، الدبلوماسي البارز، إنه في الوقت الذي عقد مسؤولون من البلدين مشاورات بناءة حول أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فإن إمكانات عقد مناقشات مشابهة قبيل حرب العراق تضاءلت بشدة جراء وصف الرئيس جورج دبليو بوش إيران باعتبارها عضوا في «محور الشر» خلال خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه في يناير (كانون الثاني) 2002.
وعن هذا، قال كروكر، الذي عمل مبعوثًا أميركيًا إلى العراق وأفغانستان ودول أخرى بالمنطقة: «تلاشت بدرجة كبيرة أي فرصة لعقد حوار جاد ربما كان لينقلنا إلى نتيجة مغايرة تمامًا، مع إطلاق (محور الشر)».
ومع ذلك، كان خليل زاد حريصًا على التعرف على مدى إمكانية فوز واشنطن بتعاون طهران قبل الغزو الأميركي للعراق في مارس (آذار) 2003، وعليه نال تصريحًا من البيت الأبيض بلقاء ظريف.
وبالفعل جرى اللقاء وكان كروكر برفقة خليل زاد. وأثناء اللقاء، أخبر خليل زاد المسؤول الإيراني أن إدارة بوش ترغب في بناء حكومة ديمقراطية في بغداد تقيم علاقات سلام مع جيرانها، وهي صيغة كان المقصود منها توضيح أن واشنطن لا تنوي توسيع نطاق عملياتها العسكرية إلى داخل الأراضي الإيرانية، إلا أن ظريف كانت لديه تصوراته الخاصة عن كيف ينبغي حكم العراق خلال فترة ما بعد الحرب، حيث أبدى تفضيله تسليم السلطة سريعًا لمنفيين عراقيين، وأعرب عن اعتقاده بضرورة إعادة بناء المؤسسات الأمنية العراقية من أسفل، ودعا لشن حملة تطهير موسعة ضد الأعضاء السابقين لحزب البعث الذي كان يترأسه صدام ويعارض الاحتلال الأميركي، حسبما قال خليل زاد. إلا أن هذا التوجه، الذي بدا مصممًا بهدف تعزيز النفوذ الإيراني داخل العراق، كان مختلفًا تمامًا عن استراتيجية خليل زاد لتشكيل حكومة عراقية مؤقتة تضم عراقيين ظلوا داخل البلاد خلال حكم صدام، وليس قيادات بالمنفى فحسب. أيضًا، لم يؤيد خليل زاد إجراء عمليات تطهير كاسحة ضد أعضاء حزب البعث.
وعند طرح قضية الإرهاب على الطاولة خلال اجتماع عقد في مايو 2003، طلب ظريف من الولايات المتحدة تسليم قيادات حركة «مجاهدي خلق»، وهي جماعة معارضة إيرانية منحها صدام ملاذًا داخل العراق. في المقابل، اشتكى خليل زاد من أن إيران تأوي مسؤولين بـ«القاعدة»، بينهم نجل أسامة بن لادن.
وكتب خليل زاد أن هذا دفع الإيرانيين لاقتراح «إمكانية إجراء مبادلة مباشرة - قيادات مجاهدي خلق مقابل قيادات القاعدة»، إلا أن إدارة بوش رفضت الفكرة، ثم أغلقت قناة الاتصال الدبلوماسية ذلك الشهر بعد أن ربطت بين هجوم إرهابي في الرياض وقيادات لـ«القاعدة» داخل إيران.
من جانبه، لم يستجب ظريف لطلبات بعثنا بها إليه عبر البريد الإلكتروني للحصول على تعليق. وبعد تعيينه سفيرًا لدى العراق عام 2005، ظل خليل زاد يدعو على الصعيد غير المعلن لفتح قناة اتصال مع إيران. كما أخبره مسؤولون عراقيون سافروا لطهران أن الأخيرة منفتحة على فكرة عقد محادثات مع الجانب الأميركي. وفي عام 2006، حانت لحظة بدت خلالها السياسات الأميركية والإيرانية متداخلة، حسبما كتب خليل زاد. كان ذلك مع توصل الدولتين إلى نتيجة واحدة مفادها أنه من الضروري رحيل رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري المفتقر إلى الكفاءة. وكتب خليل زاد أن قاسم سيلماني، قائد قوة القدس الإيرانية شبه العسكرية، سافر سرًا إلى بغداد لنقل رسالة مفادها ضرورة رحيل الجعفري.
وأشار خليل زاد إلى أنه خلال اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، نجح في إقناع بوش بضرورة أن يصرح له بعقد حوار مع الإيرانيين.
وبالفعل، سافر عبد العزيز الحكيم، زعيم أبرز الأحزاب الشيعية (رئيس المجلس الإسلامي العراقي)، والذي يرتبط بصلات وثيقة مع طهران، إلى إيران وحث آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، على استئناف المحادثات. وبالفعل، وافق المرشد الأعلى الإيراني، وجمع الإيرانيون وفدًا من وزارة الخارجية والوكالات الأمنية للمشاركة في محادثات مع الجانب الأميركي بحيث يكون مقرها بغداد. وأعلن مسؤول إيراني بالفعل مشاركة بلاده في المحادثات.
ورغم الطبيعة رفيعة المستوى للوفد الإيراني، حسبما ذكر خليل زاد، كان ينوي التركيز على العراق وتجاهل المحاولات الإيرانية لدفعه إلى مناقشة أجندة أوسع في ما يخص السياسة الخارجية. وكتب عن ذلك: «لأسباب لا تزال غير واضحة أمامي، بدلت واشنطن موقفها وألغت الاجتماع في الدقيقة الأخيرة. وأخبرني الحكيم أن خامنئي خلص من وراء هذه الحادثة إلى أنه لا يمكن الوثوق بالأميركيين».
وذكر أنه في نهاية الأمر أصدرت الإدارة تصريحًا له ولاحقًا إلى كروكر بعقد محادثات محدودة حول العراق، لكنها لم تكن مجدية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.