سوريا: استئناف مفاوضات «جنيف 3» مشروط بتحقيق تقدم ملموس في الملف الإنساني

لافروف وكيري يبحثان ضرورة بدء الجولة المقبلة من محادثات السلام سريعًا

سوريا: استئناف مفاوضات «جنيف 3» مشروط بتحقيق تقدم ملموس في الملف الإنساني
TT

سوريا: استئناف مفاوضات «جنيف 3» مشروط بتحقيق تقدم ملموس في الملف الإنساني

سوريا: استئناف مفاوضات «جنيف 3» مشروط بتحقيق تقدم ملموس في الملف الإنساني

لا يبدو أن الاتصال الهاتفي بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري في وقت متأخر من مساء الجمعة، الذي بحث خلاله الوزيران «ضرورة بدء الجولة المقبلة من محادثات السلام السورية سريعًا»، سيقنع المعارضة السورية بالمشاركة في الجلسة الثانية من مؤتمر جنيف 3. المزمع عقدها في التاسع من الشهر الحالي، قبل تحقيق تقدم ملموس على الأرض في الملف الإنساني لجهة فك الحصارات.
وزارة الخارجية الروسية قالت في بيان أمس، بأن كيري ولافروف «طالبا ببدء المحادثات في أسرع وقت ممكن... بين الحكومة السورية ومختلف أطياف المعارضة التي سيحدد خلالها السوريون أنفسهم مستقبل بلادهم» وفق تعبير الوزارة. وأضاف البيان أن كيري ولافروف أكدا مجددا على ضرورة التعاون المتبادل لضمان وقف الأعمال القتالية في سوريا. وكانت الأمم المتحدة قالت: إنه كان من المقرر أن تبدأ المحادثات التي تجري تحت إشرافها يوم السابع من مارس (آذار) الجاري في جنيف لكنها تأجلت حتى التاسع من الشهر ذاته «لأسباب لوجيستية وفنية وأيضا كي يستقر اتفاق وقف إطلاق النار بصورة أفضل».
جاء الاتصال الهاتفي بعد ساعات على إعلان رئيس «الهيئة العليا للمفاوضات» الدكتور رياض حجاب من العاصمة الفرنسية باريس أن «الظروف الحالية غير مواتية» لاستئناف المفاوضات حول سوريا في التاسع من مارس في جنيف، موضحًا: «لا المساعدات الإنسانية وصلت، ولم يطلق سراح معتقلين، والقرار 2254 لم يطبق، كما لم يتم الالتزام بالهدنة المؤقتة، والعمليات القتالية مستمرة»، مشيرا إلى أنه «خلال سبعة أيام من عمر الهدنة المؤقتة (...) تم توثيق أكثر من 90 غارة سورية على 50 منطقة». غير أن محادثات كيري ولافروف مساء الجمعة، التي بدت وكأنها جاءت تعقيبًا على إعلان حجاب، لم تنتج أي جديد حتى الآن بالنسبة للمعارضة السورية المتمسكة بـ«تحقيق تقدم على صعيد تحسين الوضع الإنساني للمحاصرين قبل الشروع في المفاوضات» المزمع عقدها في 9 مارس. وقال المتحدث باسم «الهيئة العليا للمفاوضات» منذر ماخوس لـ«الشرق الأوسط»، بأن المعادلة «لا تزال كما تم التعبير عنها في المؤتمر الصحافي لرئيس الهيئة الدكتور حجاب» أول من أمس في باريس، والتي تطرقت إلى الإشكاليات التي تحول دون الانخراط في العملية السياسية. وأضاف ماخوس «من حيث المبدأ، هناك قرار استراتيجي بالانخراط في العملية السياسية، لكن ذلك لا يجري بشكل أوتوماتيكي»، مشيرًا إلى أنه «إذا تمت تغطية حاجات الناس، ونفذت بنود القرار الدولي 2254. فإننا سنستشير الفصائل العسكرية ونتخذ قرارًا بالذهاب إلى المفاوضات».
وإذ شدد ماخوس على «أننا نريد الانخراط في العملية السياسية، لكننا نرفض أن تكون هناك عملية سياسية بثمن زهيد»، أوضح أن قرار المشاركة «سيُتخذ في الهيئة العليا للمفاوضات بعد التشاور مع الفصائل العسكرية» التي تتمثل بتسعة أعضاء من أصل 32 ضمن الهيئة. ولفت ماخوس إلى أن حجاب «يتشاور مع مروحة واسعة من الفصائل الموجودة في الميدان، وذلك بالنظر إلى أهمية هذا الموضوع»، مؤكدًا أنه «على أساس المشاورات والتواصل، سنتخذ قرارنا بالمشاركة، وذلك إذا صار هناك تقدم في الموضوع الإنساني، لأن القضية الإنسانية هي قضية حياة أو موت ولن نفرط بحقوق ناسنا، وهي قضية المعارضة السورية أساسًا».
الملف الإنساني، يتمثل في إدخال المساعدات والمواد الإغاثية إلى جميع المناطق بينها مدينة الرستن في ريف محافظة ريف حمص التي تفتقر إلى الخبز، وداريا بمحافظة ريف دمشق، ومدينة دير الزور عاصمة المحافظة التي تحمل اسمها بشرق البلاد، وفك الحصار عن 18 منطقة محاصرة، وإخراج الجرحى والحالات المرضية التي تحتاج إلى استشفاء في المستشفيات، إضافة إلى الإفراج عن المعتقلين، وتحديدًا النساء والأطفال، وغيرها من البنود التي وردت في قرار مجلس الأمن 2254 التي أدى عدم تطبيقها، إلى تعليق وفد المعارضة السورية مشاركته في الجلسة الماضية من مباحثات جنيف 3. وحسب ماخوس «لولا تعليق المشاركة، لما دخلت سلة غذائية واحدة إلى مناطق المحاصرة، واليوم لن نشارك قبل تحقيق تقدم في هذا الملف الإنساني».
هذه الملفات، تضاعفت اليوم مع دخول ملف احترام الهدنة مرة جديدة، وسط توثيق عشرات الخروق التي ارتكبها النظام، وهو ما يدفع المعارضة لاعتبار الوضع «غير طبيعي» وللمطالبة بتصحيحه. وإضافة إلى تحقيق الشروط الإنسانية، برزت عقبات أخرى تتمثل في تصريح المبعوث الدولي لحل النزاع السوري ستيفان دي ميستورا أول من أمس، شدد فيه على «ضرورة ترك مصير رئيس النظام بشار الأسد للشعب السوري»، وهو ما اعتبرته مصادر في المعارضة السورية «تصريحًا فضفاضا يتماهى مع الموقف الروسي تجاه مصير الأسد».
ورأى ماخوس أن تكرار ما يقوله الروس «هو بمثابة هروب من المسؤوليات»، لكنه أكد «أننا لا نتوقف عند تصريحات دي ميستورا الذي يحاول أن يكون متوازنا». وإذ أكد المتحدث باسم «الهيئة العليا» أن الشعب السوري المعنيّ بمستقبله هو «الشعب المحاصر والذي يعاني من النظام، والفصائل المسلحة التي تدافع عن المدنيين»، قال: «الشعب السوري بالتأكيد يقرر عندما يكون قادرا على اختيار ممثليه في انتخابات شفافة ونزيهة وتتسم بالديمقراطية وتجرى وفق ضمانات دولية»، مشددًا على أنه «لا دور للأسد في المرحلة الانتقالية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.