الواضح أن ويلي كاباييرو، حارس مرمى مانشستر سيتي، استمتع بواحدة من أجمل لحظات حياته، في ويمبلي بنهائي بطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة من خلال تغييره أسلوبه خلال تبادل ركلات الترجيح بين فريقه وليفربول، بعدما دخلت مرماه الكرة الأولى التي سددها لاعب خط وسط ليفربول، إمره جان - ونجح من خلال ذلك في إصابة باقي لاعبي ليفربول الذين تصدوا لمهمة تسديد ركلات الترجيح، بالتوتر.
وبالعودة للقاء الأحد الماضي الذي كشفت جميع استطلاعات الرأي أنه حاز على أعلى درجات الإعجاب والرضا من قبل الجماهير، عليك، عزيزي القارئ، اختيار أي من هاتين العبارتين توجز تجربة ويمبلي على النحو الأفضل؟ 1) فاز مانشستر سيتي بالكأس لأن حارسه نجح في إنقاذ ثلاث ركلات متتالية خلال تبادل ركلات الترجيح. أو 2) خسر ليفربول في ويمبلي لأن ركلات الترجيح التي سددها لاعبوه افتقرت إلى الحسم وكان من السهل للغاية على حارس مرمى مانشستر سيتي صدها.
في الواقع، العبارتان توجزان بدقة أحداث المباراة، رغم أن كابالييرو يبقى مستحقًا لمعاملته كبطل وذلك لاتخاذه قرارًا يبدو أنه أصاب لاعبي ليفربول بالتوتر. بعد أن خرج من مرماه في توقيت مبكر للغاية في محاولة لصد ركلة الترجيح الأولى، ما سمح لإمره جان بتسديدها داخل الشباك، نجح حارس المرمى لاحقًا في الوقوف بثبات للدفاع عن مرماه، في استراتيجية حملت في طياتها بعض المخاطرة، ومع ذلك نجحت في العمل لصالحه. لاحقًا، علق مانويل بيليغريني، مدرب مانشستر سيتي، بقوله: «حرص على الانتظار حتى اللحظة الأخيرة تمامًا التي يقدم فيها لاعب ليفربول على تسديد الكرة، وامتنع تمامًا عن محاولة تخمين الاتجاه الذي سيوجه فيه اللاعب الكرة، وهذا تحديدًا سر نجاحه في صد ثلاثة ركلات ترجيح». وبالفعل نجد أن كاباييرو خمن اتجاه الركلة الأولى، لكنه أخطأ تمامًا في تخمينه، ما يعد بمثابة تأكيد على صحة الأسلوب الآخر الذي لجأ إليه. ويطلق على هذا الأسلوب «بانينكا»، نسبة إلى اللاعب التشيكي الشهير أنتونين بانينكا.
ويفلح هذا الأسلوب فقط عندما يكون اللاعب المسؤول عن تسديد ركلة الترجيح على ثقة من أن حارس المرمى سيميل باتجاه معين قبل إقدامه هو على تسديد الكرة نحو المرمى فعليًا. وقد خرج هذا الأسلوب غير التقليدي في تسديد ركلات الترجيح إلى النور فقط بفضل الأسلوب التقليدي المألوف في تسديد ركلات الترجيح، والذي عادة ما يميل للتصويب باتجاه إحدى زاويتي المرمى بقوة، ما أجبر حراس المرمى على التحرك مبكرًا في محاولة للوصول للكرة في اللحظة المناسبة. في مثل تلك الحالات، يفكر حراس المرمى على النحو التالي: «إذا تحركت بالاتجاه الصحيح، ستبقى أمام فرصة على الأقل لصد الكرة». أما إذا تحرك الحارس بالاتجاه الخطأ، فإنه لن تبقى أمامه أي فرصة على الإطلاق، وإن كان خوض مخاطرة التخمين يوفر لك فرصة أفضل للوصول إلى الكرة عن مجرد البقاء ساكنًا دون حراك حتى تنطلق الكرة بالفعل من قدم اللاعب، خاصة أن اللاعب الذي يسدد ركلة ترجيح يتميز بوضع يمكنه من استهداف المرمى بدقة ووضوح.
إذن، كيف نجح كاباييرو في صد ثلاث ركلات ترجيح متعاقبة عبر الوقوف جامدًا بمكانه؟ تكمن الإجابة الموجزة عن هذا السؤال في أن لاعبي ليفربول فشلوا في التكيف سريعًا مع استراتيجية كاباييرو الجديدة، وظلوا يسددون باتجاه زاوية المرمى. في الواقع، فيليب كوتينيو تحديدًا بدا وكأنه لم يلحظ أن حارس المرمى غير وقفته، بل وتحرك بالكرة قليلاً في محاولة لدفع كاباييرو للتحرك أولاً، قبل أن يدرك أن الوقت قد فات وأنه لا يملك خطة بديلة، ما أسفر نهاية الأمر عن تسديده الكرة بضعف جعل صدها مهمة بالغة السهولة. أما ركلتا الترجيح اللتان سددهما لوكاس ليفا وآدم لالانا فلم تكونا على ذات المستوى من السوء - ومع ذلك، فإنه لدى مقارنتهما بركلات لاعبي مانشستر سيتي، تبدو مفتقرة إلى الحسم. بعد أن سجل فيرناندينيو الركلة الأولى أعلى المرمى مباشرة، شقت ركلات الثلاث التالية طريقها إلى أسفل زاويتي المرمى، ما ضمن لمانشستر سيتي الخروج فائزًا حتى مع بقاء ركلة متبقية.
أما الدرس المستفاد من هذه المباراة فيتمثل في أن ركلات الترجيح التي غالبًا ما يجري انتقادها باعتبارها أسلوبا عشوائيا وغير منصف لحسم نتيجة المباريات، تتمتع واقع الأمر بروح خاصة بها. خلال المباراة بدا أن مانشستر سيتي تخلى عن المبادرة لحساب ليفربول من خلال إهداره الركلة الأولى، الانطباع الذي تعزز مع إقدام جان على تسديد الركلة الأولى لناديه بثقة كبيرة لتسكن الشباك. ومع ذلك، حددت الركلة الأولى ملامح ما تبعها، حيث قرر كاباييرو عدم التعجل مجددًا، بينما مضى ليفربول في افتراض أنه سيستمر في التحرك مبكرًا. في المقابل، فإن سيمون مينيوليه، حارس مرمى ليفربول، بدا من السهل خداعه، ورغم أنه نجح بالفعل في تخمين مسار الكرة بصورة صحيحة بضع مرات، فإنه ظل عاجزًا عن التصدي لركلات لاعبي مانشستر سيتي الدقيقة. في الواقع، الدقة كانت تحديدًا ما افتقرت إليه ركلات ليفربول، ونجح كاباييرو في تحقيق الاستفادة الكبرى من وراء ذلك.
وعليه، يتضح أن المراقبة والملاحظة يتسمان بأهمية محورية، على الأقل في ركلات الترجيح، فعندما يتخذ حارس مرمى وضعًا ثابتًا بمنتصف المرمى، يصبح من الضروري توجيه ركلات حاسمة قوية باتجاه أي من الزاويتين. وحتى إذا نجح الحارس في تخمين اتجاه الكرة بصورة صائبة وخرج للتصدي لها، فإن الركلات القوية الحاسمة تبقى صاحبة الفرصة الأوفر في النجاح. ومن المفيد هنا استعراض ما يفعله حراس المرمى أنفسهم لدى تصديهم لركلة ترجيح أو جزاء. خلال مباراة في تورين أمام يوفنتوس، ديسمبر (كانون الأول) 2009، في إطار بطولة دوري أبطال أوروبا - وهي المباراة التي أنقذت لويس فان غال كمدرب لبايرن ميونيخ ومكنته من التأهل إلى النهائي عام 2010 في مدريد - احتسبت ركلة جزاء لحساب بايرن ميونيخ قبيل نهاية الشوط الأول. في تلك اللحظة، كان بايرن ميونيخ مهزومًا بهدف مقابل لا شيء، وحال استمرار النتيجة على هذا النحو، كان النادي الألماني سيودع البطولة وربما كان مدربه سيتعرض للطرد. وبالفعل، نجح بايرن ميونيخ في تسجيل هدف من ركلة الجزاء، تبعه بثلاثة أهداف أخرى في الشوط الثاني، لكن يبقى المثير بالأمر أن اللاعب الذي سجل ركلة الجزاء لم يكن سوى حارس المرمى هانز يورغ بت، وهو حارس المرمى الذي أصر فان غال على تفضيله على الحارس الأصغر وصاحب الإمكانات الواعدة، مايكل رينسينغ. وفوجئ الجميع بتقدم حارس مرمى بايرن ميونيخ على امتداد الملعب حتى منطقة جزاء الخصم ليسدد ركلة الجزاء. ورغم ضخامة الضغوط على عاتقه، نجح بت في تسجيل الركلة بسهولة، وقد حقق ذلك عبر جر ساقه بعض الشيء خلال الفترة السابقة مباشرة لتسديد الكرة لاستكشاف أي الاتجاهين سيميل إليها حارس مرمى الخصم، غانلويغي بوفون، وبعد ذلك سدد الكرة في هدوء في الاتجاه المعاكس.
وإذا كان هذا ما يفعله حراس المرمى أنفسهم، وإذا كان حراس مرمى بمستوى بوفون يمكن خداعهم ودفعهم للتحرك مبكرًا، إذن فإن ليفربول لا ينبغي لومه لمحاولته إتباع التكتيك ذاته في ويمبلي. بيد أن الحقيقة تظل أن ما ينطبق على تسديد ركلة وحيدة خلال أحداث المباراة لا ينطبق بالضرورة على ركلات الترجيح بحيث يمكن تكراره لما يصل لخمسة مرات. أما الأمر الذي يجد غالبية اللاعبين أنه مستحيل تحقيقه هو تغيير أسلوبهم في تسديد ركلة ترجيح في منتصف اللعبة ذاتها - فهم يرون أنه يتعين من البداية إما التحرك بقوة وتحديد الاتجاه أو الانتظار للتعرف على أي الاتجاهين سيقصدها الحارس. أما إذا بدلت خطتك في منتصف تنفيذك للركلة فإنك بذلك ربما جعلت اليد العليا في الموقف من نصيب الحارس. المؤكد أنه عندما يعود كاباييرو بذهنه لتلك المباراة وتصديه لركلات الترجيح، فإنه سيشعر بالفخر حتمًا، لكنه قد يشعر كذلك أنه ربما كان عليه البقاء ثابتًا في مواجهة ركلة الترجيح الأولى أيضًا، لكن ربما كانت استجابة ليفربول حينها ستتبدل إلى سياسة عدم خوض مخاطر والتسديد باتجاه أي من زاويتي المرمى بقوة وحسم فحسب - وربما حينها كانت النتيجة لتختلف كلية.
صد ركلات الجزاء.. ذكاء حارس أم «غباء» المسددين
ويلي كاباييرو غير أسلوب تحركه على خط المرمى فمنح سيتي كأس رابطة المحترفين
صد ركلات الجزاء.. ذكاء حارس أم «غباء» المسددين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة