إذا لم تكن قد سمعت عن شركة «آير بي إن بي» (Airbnb) فسوف تسمع عنها قريبًا. فهي من أكبر الشركات نموًا حاليًا، وتبلغ قيمتها ستة مليارات دولار. تأسست هذه الشركة في عام 2008 في سان فرنسيسكو بشراكة من ثلاثة مستثمرين ابتكروا أسلوبًا جديدًا للجمع بين السياح الذين يريدون الإقامة في مدن حول العالم مع أصحاب العقارات الذين يوفرون لهم غرفًا شاغرة بأسعار أقل من تلك التي تقدمها الفنادق. وتحصل الشركة على نسبة عمولة من الطرفين، وهي عمولة تنمو كلما زاد نشاط الشركة.
ومنذ تأسيسها حققت الشركة نحو 15 مليون صفقة إقامة لزبائنها حول العالم، وتم تسجيل 800 ألف عقار سياحي معها يمكن لزبائن «آير بي إن بي» الاختيار من بينها حول العالم. وتتراوح هذه العقارات بين القلاع والقصور (هناك نحو 600 منها متاحة للإقامة) وبين الفيلات في الجزر اليونانية والشقق الباريسية واللندنية.
وفكرة الشركة بسيطة للغاية فهي تتيح سوقًا على الإنترنت لتبادل المنافع بين أصحاب عقارات وبين ضيوف لهم لتأجير أي مساحات شاغرة للإقامة لفترات مختلفة. ويحجز المسافرون هذه العقارات للإقامة فيها مقابل مبالغ متفق عليها. ويعلن أصحاب العقارات عنها وعن شروط الإقامة وتكاليفها مع عرض صور أو فيديو لها على موقع «آير بي إن بي»، وهو موقع سهل التعامل معه سواء لأصحاب العقار والمستأجرين.
ويبحث المسافر عن العقارات الملائمة عبر أكثر من وسيلة من حيث الموقع والمساحة والسعر. ويسمح بعض أصحاب العقارات بالحجز الفوري أو يطلبون الاستشارة قبل الحجز. وتحصل «آير بي إن بي» على عمولة نسبتها ثلاثة في المائة من أصحاب العقارات وعلى نسبة ستة إلى 12 في المائة من طالبي الإقامة في هذه العقارات.
الفوائد التي يحصل عليها المسافر الدولي هي الحصول على إقامة في مواقع متميزة بأسعار تقل كثيرًا عن أسعار الفنادق. وتزداد قيمة هذه الخدمة في مراكز المدن الكبرى في أوروبا وأميركا، والتي من الصعب الحصول عليها أحيانًا بأي ثمن. ففي خلال مهرجان أدنبره الثقافي في شهر أغسطس (آب) من الصعب الحصول على غرف فندقية للإقامة في المدينة الاسكتلندية، ولكن مراجعة سجل «آير بي إن بي» يكشف عن الكثير من العقارات المتاحة بأسعار رخيصة. ويستفيد أصحاب العقارات في مدن باهظة التكلفة من المساحات المتاحة لهم لدعم تكلفة المعيشة عن طريق استضافة النزلاء من «آير بي إن بي».
وفي وسط مدينة روما تتاح غرفة في منزل خاص بسعر 100 دولار في الليلة، بينما يوفر فندق مجاور غرفة مماثلة بسعر 200 دولار في الليلة، ولكن مع إضافة الإفطار وخدمات الفندق المعتادة. وتوجد أيضًا فيلات في مقاطعة بروفانس الفرنسية بنصف ثمن فيلات أخرى تعرضها شركات سياحية معروفة.
وتوفر شركة «آير بي إن بي» الآن خدماتها في 190 دولة حول العالم. وهي تتراوح بين استئجار غرفة خاصة في كابل بسعر 36 دولارًا في الليلة إلى مئات العقارات في لندن وباريس. وتتركز نسبة 50 في المائة من حجوزات الشركة على مدن أوروبا وأميركا، وأشهرها في أوروبا العاصمة الفرنسية باريس. وقد تنتشر الحجوزات في لندن بعد تعديل قانوني يزيل العقبات عن التأجير قصير المدى. وتسعى الشركة إلى توسيع نطاق خدماتها للمسافرين من رجال الأعمال.
ولا توجد معايير عامة لمستخدمي خدمات الشركة من حيث الفئة العمرية أو الدخل. ومن جهة المسافرين تسعى العائلات إلى استخدام الشركة في تدبير مواقع إقامة ملائمة لها في رحلات سياحية. بينما على جانب أصحاب العقارات تشمل العقارات المتاحة منازل خاصة هجرها الأبناء بعد التخرج، ويسعى الأبوان إلى استغلال المساحات الشاغرة لاستضافة المسافرين. ويقول مستخدمو هذه الخدمات إنهم يقبلون عليها بفضل الأسعار المتدنية والتنوع في الاختيار.
ولكن كيف يتأكد النزلاء من مستوى الخدمة والإقامة في المواقع التي يختارونها؟ من المزايا الفريدة التي تقدمها «آير بي إن بي» التقييم المشترك على موقعها من الزبائن وأصحاب العقارات معًا. وتسعى الشركة للتأكد من جدية هذا التقييم بعدم السماح به قبل حجوزات مؤكدة وإقامة في المواقع التي يتم تقييمها. وقدمت الشركة فكرة تقديم بيانات شخصية من أصحاب التقييم، ولكن تقديم هذه البيانات ما زال حتى الآن اختياريًا.
ومع ذلك تقع بعض الإشكالات بين الحين والآخر من مستأجرين لا يجدون العقارات في المستوى الذي يتوقعونه. كذلك توجد بعض المشكلات في حالات إلغاء الحجوزات لسبب أو لآخر وعدم القدرة على استرجاع مبالغ دفعت بالفعل لحجز الإقامة. وهناك الكثير من شروط إلغاء الحجوزات يقررها أصحاب العقار أنفسهم بداية من رد المبلغ بالكامل، وحتى رد نسبة معينة منه. وفي حالة إلغاء صاحب العقار للحجز يتعين رد المبلغ بالكامل للمسافر. ولكن حتى هذا الشرط لا يفي المسافر حقه كاملاً لأنه يمكن أن يكون قد تحمل تكاليف تذاكر السفر بالفعل.
مما يذكر أن شركة «آير بي إن بي» ليست فريدة من نوعها، فهناك الكثير من الشركات التي تقدم خدمات مماثلة منها «وان فاين ستاي» التي تأسست في عام 2009 وتقتصر على مواقع الإقامة الفاخرة والسوبر بين لندن ولوس أنجليس وباريس ونيويورك. وهي غير معنية بتقديم أسعار رخيصة، وإنما بتقديم تجربة إقامة فاخرة لا تنسى.
وهنالك أيضًا شركة اسمها «هاوس تريب دوت كوم» لديها 320 ألف عقار تنتشر في 20 ألف وجهة سفر مختلفة. وتقول هذه الشركة في دعايتها إنها تقدم منازل كاملة بأسعار مماثلة لسعر غرفة في فندق. من الشركات الأصغر حجمًا شركة «هوم أواي» وشركة «وندو» وشركة «ناين فلاتس».
وتعتبر صناعة السياحة أن تأثير مثل هذه الشركات يمكن أن يكون سلبيًا على الفنادق الصغيرة التي يصل عددها في بريطانيا وحدها إلى 25 ألفًا. فهناك عقارات معروضة للإقامة السياحية في بريطانيا يصل عددها إلى 22 ألف عقار، وهي بالتأكيد تسحب بعض الحجوزات التي يمكن أن تتوجه إلى الفنادق الصغيرة. وتشكو جمعيات أصحاب الفنادق من أن هذه العقارات المعروضة للإقامة السياحية لا تقع تحت أي إشراف من حيث النوعية والأمان بشكل يماثل ما تخضع له الفنادق بأنواعها. وترى هذه الجمعيات أن هذه العقارات يمكن أن تجذب إليها ممارسات غير محترفة تضر بالسياح، وخصوصًا أن كل الملتحقين بهذه الخدمة لا هدف لهم سوى جمع الأموال.
هناك أيضًا جوانب الأمن للطرفين المؤجر والمستأجر للعقار. وقد وقعت بالفعل عدة حوادث منها ما حدث من تدمير محتويات عقار في سان فرنسيسكو من مستأجر جاء عن طريق «آير بي إن بي». واستجابت الشركة بإقامة خط ساخن لخدمة الزبائن على مدار الساعة واستحداث خدمة التأمين على محتويات العقارات المعروضة للإيجار السياحي. وتغطي وثيقة تأمين من الشركة كل العقارات ومع ذلك تنصح الشركة أصحاب العقارات بالحصول على وثائق تأمين إضافية خاصة بهم.
وأكدت مصادر حكومية بريطانية أن إجراءات الأمن المطبقة على العقارات المعروضة للإيجار مثل التأكد من سلامة سخان التدفئة والأجهزة التي تستخدم الغاز أو الكهرباء تسري أيضًا على العقارات المعروضة للتأجير السياحي. ومع ذلك فإن العدد الكبير لهذه العقارات لا يسمح بالكشف على كل منها قبل تأجيرها.
وتنصح شركة «آير بي إن بي» أصحاب العقارات المعروضة بأن يتبعوا كل إجراءات السلامة التي تطلبها الحكومات المعنية. وتنوي الشركة أن تشترط إجراءات سلامة إضافية مثل ضرورة وجود أجهزة إنذار من الحريق وأدوات للإنذار من غاز أول أكسيد الكربون القاتل، مع ضرورة وجود حقيبة إسعافات أولية في المنازل.
ومع ذلك واجهت شركة «آير بي إن بي» الكثير من التحديات القانونية في المدن التي تعمل فيها، وكان أحدها مع المدعي العام في نيويورك الذي أبدى شكوكا في أن أصحاب العقارات يخالفون القوانين والشروط الخاصة بالتأجير التجاري. واضطرت الشركة إلى تقديم بيانات إضافية عن نشاطها في المدينة. كما قامت بلدية كتالونيا في إسبانيا بتغريم الشركة 24 ألف يورو لقيامها بعمليات تأجير غير قانونية في مدينة برشلونة. وفي برلين صدر قانون يحتم تأجير العقارات بعد الحصول على ترخيص من السلطات مهما كانت فترة الإيجار.
وتقول الشركة ضمن شروطها إنه يتعين على المؤجر والمستأجر على السواء الالتزام بالقوانين المحلية، خصوصا في ما يتعلق بالتأجير من الباطن. ولكن كل هذه القيود والشروط لم تمنع الإقبال المتزايد على خدمات «آير بي إن بي».
وتقول دراسة من كلية إدارة الأعمال بجامعة بوسطن إنه إذا استمرت «آير بي إن بي» في النمو بهذه النسبة فإنها سوف تخصم من إيرادات الفنادق الصغيرة نسبة 10 في المائة على نهاية عام 2016 الحالي.
حوّل منزلك إلى فندق مع «آير بي إن بي»
الجمع بين السياح ومواقع الإقامة في تجارة حجمها 6 مليارات دولار
حوّل منزلك إلى فندق مع «آير بي إن بي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة