حواضن {داعش} للأجانب في ليبيا تتآكل

المقاتلون الغرباء في التنظيم المتطرّف يتحرّكون صوب العاصمة طرابلس

حواضن {داعش} للأجانب في ليبيا تتآكل
TT

حواضن {داعش} للأجانب في ليبيا تتآكل

حواضن {داعش} للأجانب في ليبيا تتآكل

قتل في الغارة الأميركية على مقر لـ«داعش» في مدينة صبراتة الليبية الأسبوع الماضي نحو أربعين ممن يعتقد أنهم من التنظيم المتطرف. وجاءت هذه الغارة بعد عدة أشهر من غارتين نفذتهما الولايات المتحدة الأميركية في ليبيا العام الماضي.. الأولى على اجتماع كان يحضره القيادي الجزائري في تنظيم القاعدة مختار بلمختار، إلى الجنوب من مدينة إجدابيا – القريبة من مدينة بنغازي - ما أدى إلى مقتل عدد من المجتمعين، والثاني على درنة نفسها، ما أدى إلى مقتل القيادي في «داعش»، الملقب بـ«أبو نبيل».
يبلغ سعر نقل سبعين مقاتلاً أجنبيًا من تنظيم داعش بمدينة درنة في شرق ليبيا، إلى العاصمة طرابلس في غرب البلاد، نحو 25 ألف دولار أميركي عن طريق البر المحفوف بالمخاطر، بينما يزيد السعر إلى أكثر من 30 ألف دولار إذا كانت عملية النقل تجري عبر المراكب الصغيرة في البحر. ومن دون تفاوض، تبلغ كلفة نقل شحنة من السلاح من ميناء طرابلس إلى ميناء درنة 50 ألف دولار. ولكن، مع تآكل الحواضن الشعبية للدواعش الأجانب في درنة، وتعرّض الدواعش التونسيين في صبراتة للقصف من الطائرات الأميركية، تغيّرت وجهة عناصر التنظيم المتطرّف، من غير الليبيين، إلى طرابلس، وارتفعت أسعار نقل المقاتلين، وتحوّلت إلى تجارة رائجة بين محترفي التهريب عبر البر والبحر.
أحمد إسماعيل، أحد القيادات الشعبية في مدينة درنة، بشمال شرقي ليبيا، الذي نزح شرقًا إلى مدينة طبرق بسبب الاقتتال في المدينة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأهالي تمكنوا في نهاية المطاف، وبعد نحو أربع سنوات من سيطرة المتطرفين الغرباء على درنة، من طردهم خارج الأسوار. وأردف إسماعيل: «بعض العناصر من العرب والأجانب التحق بالقتال في بنغازي وسرت، والبعض الآخر رحل إلى طرابلس»، لكنه عاد فحذّر من استمرار الخطر بسبب لجوء المتطرّفين المحليين في البلدة الواقعة على البحر، إلى الجبال والوديان التي تحيط بها من ثلاث جهات.
القائد الأول لـ«داعش» في ليبيا اسمه محمد المدهوني، وهو على اتصال مباشر برجل يقيم في مقر الخليفة المزعوم أبو بكر البغدادي في العراق، واسمه ياسين. وحسب المعلومات، ينفق المدهوني، الذي انتقل من بلدته الأصلية صبراتة، للإقامة في طرابلس، أموالا طائلة على تحريك المقاتلين وشحنات الأسلحة عبر البلاد. ويتعاون معه في هذا المجال قيادات من جماعة الإخوان المسلمين ومن «الجماعة الليبية المقاتلة»، وفقا لوثائق تحقيقات اطّلعت عليها «الشرق الأوسط»، إلا أن هذا لا يخفي وجود ارتباك وتضارب في المصالح بشأن مستقبل التنظيمات المتطرفة في ليبيا، وتُعد مدينتا درنة وصبراتة أبرز مثالين على هذا التناقض الذي يبدو أن من تسبب فيه هم المقاتلون الأجانب.
في العلن تؤكد قيادات في جماعة الإخوان و«الجماعة الليبية المقاتلة» أنها ضد المتطرفين وضد داعش، إلا أنه وفق المخابرات الليبية فإن الصورة على الأرض تبدو مغايرة، إذ قال ضابط في جهاز المخابرات الليبي إن مسارات تحرّك المتشددين، بمن فيهم الدواعش، ومسارات انتقال الأسلحة، تقع تحت نفوذ الإخوان و«الجماعة المقاتلة». وما زال الرجال الأقوياء في هاتين الجماعتين يُطلقون على مجالس المتطرفين في درنة وصبراتة وغيرها اسم «مجالس الثوار»، ويزعمون أن محاربة الجيش الوطني الليبي لهذه المجالس تعد حربا ضد الثورة وانقلابا عليها.
للوصول سريعًا إلى مواقع التشقّقات داخل صفوف المتطرّفين لا بد من العودة إلى الأيام الأولى من سقوط نظام معمّر القذافي عام 2011. في ذلك الوقت تشكَّل في كثير من المدن الليبية ما يعرف بـ«المجالس العسكرية»، أو بـ«مجالس الثوار»، أي مجلس عسكري لكل مدينة يضم المقاتلين الذين كانوا يحاربون قوات النظام السابق. وتشكّل في كل من درنة وصبراتة مجلس للثوار مهمته، مثل مجالس المدن الأخرى في طرابلس وبنغازي وغيرهما، الحفاظ على ثورة 17 فبراير (شباط)، وإدارة شؤون المجتمع المحلي.
وبمرور الوقت أخذت التيارات المتطرّفة تهيمن على كثير من مجالس الثوار والمجالس العسكرية، مع إقصاء ممثلي التيارات المدنية والعلمانية والقيادات الداعية لإعادة تأسيس الجيش وبناء وزارة الداخلية. وبحلول منتصف عام 2014، أي بعد حرب الصيف حول مطار طرابلس الدولي، وانتخاب الليبيين برلمانًا جديدًا متحررًا من هيمنة القيادات الدينية المتطرّفة، حدث الانقسام الكبير. وأصبحت توجد في ليبيا مجالس موالية بشكل تام لزعماء التطرف وتستعين بخليط من المقاتلين القادمين من دول مختلفة، وأخرى تحارب مع الجيش لبناء الدولة.
ومن ثم، بدأ التنافس داخل مجالس المدن الواقعة تحت يدي المتطرّفين، بين القيادات العليا التي تتحكّم في هذه المجالس انطلاقا من العاصمة طرابلس. وهو تنافسٌ محموم بين قادة الإخوان وقادة «الجماعة المقاتلة». وفي هذه الأثناء كان كل فريق يعزّز من مواقفه من خلال جلب المتطرفين والأسلحة من الدول العربية والأجنبية، بغرض زيادة قوته وهيمنته داخل مجالس المدن.
وحول هذا الوضع ذكر أحد المصادر الأمنية أن «البداية كانت في درنة، ثم في صبراتة.. كثرة الوجوه الغريبة أصابت سكان هذه المدن بالإحباط، ما معنى أن تجد نقطة أمنية في مدخل المدينة يديرها أفغان أو توانسة». وأضاف أن أحد الأسباب التي أدت لاندماج المقاتلين الأجانب مع المتطرفين المحليين، يرجع إلى الأرضية القديمة للتطرف في المدينتين، حيث خرج من درنة عدة مئات من الشباب في ثمانينات القرن الماضي لـ«الجهاد» في أفغانستان، ثم بعد ذلك في عدة بلدان أخرى مثل البوسنة والشيشان والعراق، و«لهذا كان من السهل استيعاب المتطرّفين من الوافدين العرب الأجانب، من أفغانستان وباكستان واليمن ومصر وغيرها، في صفوف المتطرّفين المحليين».
أما صبراتة، وبحكم موقعها القريب من تونس، فلها علاقة وثيقة منذ زمن بقيادات متطرّفة في ذلك البلد، وانخرط عدد من شبانها في حروب خارجية مماثلة. وحين وصل قادة من باكستان والشيشان وجدوا رفاقًا ليبيين وتونسيين في صبراتة كانوا يحاربون معهم في الجبال الآسيوية.
أول إعلان عن وجود تنظيم داعش في ليبيا كان انطلاقا من درنة، وذلك بعدما تحوّل قسم كبير من جماعة أنصار الشريعة في المدينة إلى موالاة الخليفة المزعوم في العراق والشام. واستغل التحالف بين المتطرفين المحليين والوافدين ضعف البنية القبلية للمدينة، مقارنةً بمدن أخرى مثل البيضاء وشحّات، المجاورتين، وبدأ هذا التحالف في إرهاب الأهالي، وتنفيذ عمليات الذبح والقتل علانيةً في الساحات والشوارع.
وجدير بالذكر أنه يعيش في درنة، التي كانت تشتهر قديما بالفنون والطرب، خليطٌ من ذوي الأصول العربية والبربرية (الأمازيغية) وغيرها. وبسبب موقعها الفريد على البحر وشواطئها الهادئة وغاباتها الخلابة، وحدودها الجبلية الوعرة، اكتسبت المدينة طابعًا حضاريًا. وفي المقابل، ومنذ بداية ثمانينات القرن الماضي، لجأ قطاع من الشباب إلى العزلة والتشدّد الديني ضمن موجة ضربت العالم العربي في ذلك الوقت. ومن المعروف أن محمد الزهاوي، قائد تنظيم «أنصار الشريعة» الذي قتل في معارك مطار بنينا ضد الجيش قرب بنغازي كان عازف إيقاع في فرقة درنة الموسيقية، قبل أن يختار «طريق الجهاد»، كما يقول أحد أقاربه.
وهنا شرح الشيخ حسين عبد الله، العضو في لجنة المصالحة القبلية في شرق البلاد، أن «ليبيا تحكمها القبيلة.. وكلما تعددت القبائل في مدينة معينة، أصبحت المدينة هشة، وتحوّلت إلى لقمة سائغة للمتطرفين والغرباء. وبما يخص درنة لا يمكن أن تقول إنه توجد في درنة قبيلة قائدة أو قبيلة ذات أغلبية، بل يعيش فيها أبناء لعشرات القبائل المختلفة، بالإضافة إلى عائلات صغيرة ليست لها قبائل معروفة. وكانت هذه ميزة لتقدم المدينة في وقت ما في السابق، ولكن حين ظهرت التنظيمات المتطرفة، بات من السهل أن تجد لها موضع قدم فيها».
ومن جانبه، أوضح محمد الزبيدي، الرئيس السابق للجنة القانونية لمؤتمر القبائل الليبية، إن أصول أكثر من 70 في المائة من سكان درنة تعود إلى مناطق مختلفة من ليبيا، من تاجوراء وطرابلس، ومن أصول يونانية وإيطالية.. «أي هي مدينة خليط ومتحضرة، والقبيلة ليس لها ثقل يذكر».
الأمر يختلف عن مدينة مثل طبرق أو البيضاء أو القبة، على سبيل المثال، التي لم تشهد أي منها نشاط يذكر للمتطرفين طيلة عقود. والسبب أن كل مدينة من هذه المدن توجد فيها قبائل حاكمة، أي قبائل رئيسية مثل القطعان والمنفة والعبيدات والبراعصة. وأبرز مثال على ارتباط الاستقرار في المدن الليبية بالقبيلة، يمكن أن تلاحظه في مدينة بني وليد، التي يقتصر الوجود السكاني فيها على قبيلة ورفلة.
وحسب الزبيدي فإن من مميزات درنة وصبراتة الإضافية التي تجعل المتطرفين ينشطون فيهما، خصوصا من الوافدين، هو أن كلا منهما قريبة من الحدود، بجانب ضعف الهوية القبلية في كل منهما أيضا.. «درنة قريبة من الأراضي المصرية وصبراتة قريبة من تونس. المتطرفون عادة يستقرون في المدن الحدودية. في الجنوب الغربي، مثلاً، يوجد دواعش جزائريون في بلدة تراغن، التي هي بلدة عبد الوهاب قائد العضو في المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، وشقيق أبو يحيى الليبي القيادي في تنظيم القاعدة (قتل في 2012)».
وأردف الزبيدي أن «تهريب السلاح ودخول المقاتلين أمر متيسر في كل من درنة وصبراتة. كما أن قبضة الدولة في مثل هذه الأماكن ليست قوية، إلى جانب حالة إنكار وجود تنظيمات متطرفة منذ البداية من جانب المسؤولين في البلاد». وتابع أن الحكّام الجدد في ليبيا بعد معمر القذافي «كانوا يرفضون الاعتراف بوجود هؤلاء المتطرفين مع أنهم كانوا ينشطون بالفعل في درنة منذ عام 2011، إلى أن تفجّرت عملية الكرامة التي يقوها الجيش الوطني الليبي ضد الإرهاب منذ عام 2014».
واستطرد الزبيدي شارحًا أن الأمر نفسه حدث في صبراتة، «حيث كان المتطرّفون ينشطون منذ عام 2011 بينما المسؤولون ظلوا ينكرون ذلك حتى الآن، بمن فيهم رئيس بلدية المدينة الذي قال (متهكمًا) إنه إذا كان يوجد دواعش هنا فأنا أمير الدواعش». وأضاف أن هذه التصرفات من جانب المسؤولين كانت تأتي في سياق «نوع من التغطية والتعمية على نشاط المتطرفين». ويبدو أن عملية الإنكار والتعمية ما زالت مستمرة حتى بعدما أعلن تنظيم داعش عن وجوده بقوة في ليبيا، سواء منذ البداية في درنة وصبراتة، أو في مناطق أخرى.
وحسب الزبيدي فإن الذين قتلوا في عملية صبراتة من جنسيات تونسية. وزاد أن هذا «لا يعني عدم وجود متطرفين ليبيين في المدينة، ولكن الليبيين، سواءً في صبراتة أو في درنة، يعرفون جغرافية المنطقة، ويختبئون وسط الناس أو في أماكن آمنة.. بينما المقاتلون القادمون من الخارج هم أجانب في نهاية المطاف، ولا يعرفون الدروب ولا الطرق. ولو لم تكن هناك حواضن لهم في درنة وصبراتة لما دخلوا أيا منهما منذ البداية».
وبعد التأكيد على أن ثمة مدنا ليبية يمكن أن تطلق عليها اسم «القبيلة المدينة» أي المدينة التي ترتبط بوجود قبيلة معينة فيها، قال الزبيدي إن «القبيلة المدينة يصعب على المجاميع المتطرفة الوجود فيها ويصعب ذلك حتى على الميليشيات. وهذا عكس المدن المختلطة مثل درنة وصبراتة، ومثل هذه المدن هي التي توفر حواضن للمتطرفين، ويتحركون فيها بحرية ودون قيود. في مدينة بني وليد على سبيل المثال حيث قبيلة ورفلة، لا يمكن لأي غريب أو متطرف أن ينشط أو يتحرك، لأن الأهالي سيقاومونه. وكذلك الأمر في مدن كطبرق والمرج.. المجتمع هناك متجانس».
في صبراتة، الوضع مختلف، إذ توجد فيها كثير من العائلات مثل الدبابشة التي ينتمي إليها مندوب ليبيا في الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي، والمدهوني، التي ينتسب إليها رئيس المجلس المحلي. ويبدو أن تحرّكات المقاتلين الأجانب بدأت هي الأخرى تتجه إلى التمركز في طرابلس، التي وصلها بالفعل، وفقا للمصادر الأمنية، قيادات داعشية من آسيا وأفريقيا.
مع هذا، تمكّن شباب من درنة وصبراتة من تخطي مشكلة ضعف التماسك القبلي في المدينتين، في بلاد تعاني أصلا من ضعف السلطة المركزية وهشاشة الحكومة منذ 2011 حتى الآن. ففي درنة، بعد سنوات من هيمنة المتطرفين على المدينة، تكوّنت مجموعات من الشباب لمقاومة المتطرفين الغرباء الذين غزوا المدينة من البر والبحر، واستعانوا في ذلك بمساعدة من الجيش الذي فرض حصارًا على المدينة منذ صيف 2014. وأمام هذا الضغط لجأ مئات من متطرّفي درنة الأجانب إلى عدة طرق، منها دفع أموال لمهرّبين محترفين لنقلهم إلى مناطق أقل خطرًا، خصوصا طرابلس. أما الدواعش المحليون فاختاروا التحصّن في مناطق جبلية محيطة بالمدينة.
ووفق أحد المصادر العسكرية فإنه لوحظ أن من لديهم قدرة على دفع أموال للانتقال إلى العاصمة، هم من قيادات «داعش» العرب والأجانب.. «لقد جرى رصد ثلاث قوافل لسيارات الدفع الرباعي تحمل أكثر من 70 من عناصر داعش. تحرّكوا إلى سرت، عبر الطريق البري، ومنها إلى طرابلس»، مشيرا إلى أن المتطرّفين المحللين من أبناء المدينة، فضلوا البقاء في الغابات والجبال خصوصا جنوب المدينة، وهو نفس المكان الذي اختبأ فيه متطرفو درنة في عهد القذافي حين اضطر لضربهم بالطيران في عام 1995».
أما عن خط الهروب من درنة إلى طرابلس من طريق البحر، فأشار المصدر نفسه إلى أن المراكب الصغيرة التي يطلق عليها الليبيون «جرافات»، تأتي من العاصمة بشحنات من الأسلحة وتسلّمها للمجموعات المحلية من المتطرفين، وتعود بمقاتلين من بينهم سوريون وسودانيون وأفغان وحتى من القادمين من بنغلاديش، معربا عن اعتقاده أن إعادة الانتشار يشرف عليها قائد «داعش» الليبي محمد المدهوني، الذي يتخذ من العاصمة مقرًا له، بعلم باقي قادة الميليشيات في طرابلس، سواءً من «الجماعة المقاتلة» أو جماعة الإخوان.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.