الهدنة السورية صامدة رغم خروقات النظام.. والمعارضة تعد لـ«توجيه شكوى» للأمم المتحدة

لجان محلية لتوثيق الخروقات.. وداريا تدخل «عمليًا» ضمن الهدنة

عناصر من «لواء فيلق الرحمن» المعارض في لحظة استراحة داخل مبنى على الخطوط الأمامية في بلدة بالا في الغوطة الشرقية لدمشق (أ.ف.ب)
عناصر من «لواء فيلق الرحمن» المعارض في لحظة استراحة داخل مبنى على الخطوط الأمامية في بلدة بالا في الغوطة الشرقية لدمشق (أ.ف.ب)
TT

الهدنة السورية صامدة رغم خروقات النظام.. والمعارضة تعد لـ«توجيه شكوى» للأمم المتحدة

عناصر من «لواء فيلق الرحمن» المعارض في لحظة استراحة داخل مبنى على الخطوط الأمامية في بلدة بالا في الغوطة الشرقية لدمشق (أ.ف.ب)
عناصر من «لواء فيلق الرحمن» المعارض في لحظة استراحة داخل مبنى على الخطوط الأمامية في بلدة بالا في الغوطة الشرقية لدمشق (أ.ف.ب)

سجلت، أمس، خروقات محدودة لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، تمثلت في «طلعات جوية» وقصف «مدفعي وإطلاق نار بالرشاشات الثقيلة»، رغم صمود الهدنة لليوم الثاني على التوالي، بالتزامن مع غارات جوية عنيفة استهدفت مناطق عدة تحت سيطرة الفصائل المعارضة في شمال سوريا.
وبادرت المعارضة السورية إلى إنشاء مراكز لرصد الخروقات في مناطق سيطرتها، بدأت من مدينة داريا بريف دمشق الغربي، وامتدت إلى مواقع أخرى في المحافظات السورية. وبحسب عضو مجلس قيادة الثورة بريف دمشق إسماعيل الداراني، فإن هذه اللجان «تأخذ على عاتقها مهمة رصد الخروقات، وإيصالها إلى الهيئة العليا للمفاوضات التي بدورها تنقلها إلى الجهات الدولية».
وأوضح الداراني لـ«الشرق الأوسط» أن لجان توثيق الخروقات «تتألف من عضو من الجيش السوري الحر، وعضو من المجلس المحلي في كل منطقة، وعضو آخر من الجهات الإعلامية المعارضة الموجودة في المناطق»، مشيرًا إلى أن هؤلاء «يعدون التقارير ويرسلونها إلى الجهات السياسية في المعارضة».
وأشار الداراني إلى رصد خروقات في ريف دمشق «تمثلت في (استشهاد) مقاتلين اثنين من لواء سيف الشام التابع للجيش السوري الحر في خان الشيح بريف دمشق الغربي، حين أطلقت قوات النظام النار عليهما أثناء رفع ساتر ترابي في المنطقة»، مشيرًا إلى خروقات عدة تمثلت في إطلاق نيران رشاشة في عدة محافظات، فضلاً عن خرق الهدنة بتحليق مكثف للطائرات الحربية.
وكان النظام السوري، لوّح قبل دخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ، بأن داريا ليست ضمن الاتفاق، لكن المدينة «دخلت عمليًا ضمن الاتفاق بعد تهديد الجيش السوري الحر والإصرار على ضمها»، بحسب ما قال الداراني، مشيرًا إلى أن الجبهة «شهدت هدوءًا خلال اليومين الماضيين».
وتنضم تلك المبادرات، إلى آليات المعارضة لتوثيق الخروقات. وأكد نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري هشام مروة لـ«الشرق الأوسط»، أن المعارضة أنشأت لجنة يرأسها أحمد الحريري لمتابعة الخروقات وتوثيقها، مشيرًا إلى وجود غرف رصد وتوثيق في جميع المواقع الميدانية لتوثيق الخروقات، تعتمد المعايير المهنية في عملها. ولفت إلى أن التقارير بالخروقات ترسل بعد ذلك إلى لجنة تابعة للأمم المتحدة.
في المقابل، تداولت معلومات عن أن موسكو خصصت 70 طائرة استطلاع لمراقبة تنفيذ الهدنة.
في هذا الوقت، تفاوتت التقديرات حول خروق اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا والنظام السوري من جهة، والمعارضة السورية من جهة أخرى، وتبادلا الاتهامات بخرق الهدنة. ففي حين سجلت الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة السورية 15 انتهاكًا من قبل قوات النظام وحلفائها في اليوم الأول من وقف الأعمال العدائية، بموجب الاتفاق الأميركي الروسي المدعوم من الأمم المتحدة، أعلنت موسكو رصد 9 حالات لخرقه خلال 24 ساعة. ويعود التفاوت في الأرقام، بحسب مصدر سوري معارض بارز، إلى المناطق التي تعتبر موسكو أنها تتضمن «إرهابيين»، في مقابل تأكيد المعارضة أنها لا تتضمن أشخاصًا من تنظيم داعش أو جبهة النصرة.
وأوضح مصدر معارض لـ«الشرق الأوسط» أن بلدة حربنفسه بريف حمص الشمالي مثلاً «لا تتضمن قوات تابعة لـ(النصرة) أو (داعش)»، مشددًا على أن جميع المقاتلين في ريف حمص الشمالي «هم من المقاتلين التابعين للجيش السوري الحر»، كذلك «بلدة تلبيسة وقرى ريف اللاذقية» التي شهدت طلعات جوية روسية، وتحديدًا في جبل الأكراد وعين الحور.
ويستثني الاتفاق الأميركي الروسي تنظيم داعش وجبهة النصرة من اتفاق وقف إطلاق النار، لتقتصر المناطق المعنية بالهدنة عمليا على الجزء الأكبر من ريف دمشق، ومحافظة درعا جنوبا، وريف حمص الشمالي (وسط) وريف حماه الشمالي، ومدينة حلب وبعض مناطق ريفها الغربي.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط إعلانه أن «قوات النظام ارتكبت 15 انتهاكًا لوقف إطلاق النار في اليوم الأول من تطبيق الهدنة، بينهم اثنان من قبل حزب الله اللبناني في منطقة الزبداني غرب دمشق والحدودية مع لبنان».
وأوضح أن الهيئة العليا بصدد «توجيه رسالة شكوى رسمية» إلى موفد الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزراء خارجية مجموعة الدعم الدولية لسوريا.
هذا، ووثقت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» 14 خرقًا من قبل القوات الحكومية في اليوم الأول للهدنة، وتقع الخروقات في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، وسُجّل خرقان في إدلب، وأربعة في ريف دمشق، واثنان في حمص، وخرق واحد في اللاذقية، وأربعة في درعا، وآخر في العاصمة السورية. وتسببت الخروق، بحسب الشبكة، في مقتل 15 شخصًا، هم مدنيان و13 من مقاتلي المعارضة المسلحة.
ميدانيًا، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بـ«تنفيذ طائرات حربية لم يعرف إذا كانت روسية أم تابعة لقوات النظام غارات عدة على ست بلدات، أبرزها دارة عزة وحريتان وعندان وكفرحمرة» في ريف حلب الشمالي والغربي، أدت إلى مقتل شخص وإصابة آخرين بجروح. كما أشار إلى ثماني غارات استهدفت بلدة حربنفسه في ريف حماه الجنوبي. وبحسب المرصد، تسيطر فصائل مقاتلة وإسلامية على معظم هذه البلدات فيما يقتصر وجود جبهة النصرة (ذراع تنظيم القاعدة في سوريا) المستثناة من وقف إطلاق النار على بلدة كفرحمرة وأطراف بعض هذه البلدات.
وقال مأمون الخطيب، الناشط في ريف حلب الشمالي ومدير وكالة «شهبا برس» المحلية للأنباء، إن «الغارات شنتها طائرات روسية واستهدفت مناطق مدنية». وأضاف: «طال القصف الجوي فرنا في بلدة دارة عزة عند الصباح»، متسائلاً: «ماذا سيفعل مقاتلو (النصرة) في الفرن؟». وشدد على أن «القصف الروسي يعد خرقًا للهدنة التي لم نكن نتوقع نجاحها بحجة أن الروس سيواصلون التذرع بوجود جبهة النصرة أو تنظيم داعش لقصف أهداف مدنية ومواقع الثوار».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».