«بروفيسور الفقراء» في الهند وقصة نجاح «سوبر 30»

برنامج سنوي مجاني لتعليم الموهوبين وتنمية المجتمع

عالم الرياضيات أناند كومار بين طلابه
عالم الرياضيات أناند كومار بين طلابه
TT

«بروفيسور الفقراء» في الهند وقصة نجاح «سوبر 30»

عالم الرياضيات أناند كومار بين طلابه
عالم الرياضيات أناند كومار بين طلابه

هو أحد علماء الرياضيات المشهود لهم عالميا، والذي فشل ذات مرة في الاستفادة من فرصة الدراسة في جامعة كمبردج العريقة بسبب فقره. واليوم، أناند كومار، الذي تأتيه العروض المفتوحة للعمل في مختلف الجامعات الأميركية والأوروبية والأسترالية يملك إنجازا نادرا - «سوبر 30»، وهي مجموعة من 30 موهبة من المواهب المتفردة في كل من القطاعات المتخلفة اقتصاديا في المجتمع الذين هم على استعداد كل عام للخدمة بصورة مجانية في أكثر المعاهد العلمية المرموقة في الهند - المعهد الهندي للتكنولوجيا.
خلال هذا البرنامج يتلقى الطلاب التدريبات، والإقامة، والإعاشة المجانية. ولقد استقبل المعهد أطفال الطبقة المتواضعة من المجتمع، من أبناء عامل البناء، والإسكافي، وسائق عربات اليد، والمزارع المعدم، والباعة الجائلين، ليكونوا من تكنوقراط الطبقة العليا من المجتمع. يضم المعهد الهندي للتكنولوجيا 23 كلية مستقلة لمختلف علوم الهندسة والمنتشرة في مختلف أرجاء البلاد، وهي في مجموعها، تعتبر أبرز المؤسسات التعليمية النخبوية في العالم. ومنذ عام 2002، تتصدر معدلات النجاح لمجموعة «سوبر 30» عناوين الصحف والأنباء في كل عام. وبعد النتائج النهائية المحققة (30-30) لثلاثة أعوام متتالية بين عامي 2008 و2010، تمكن 24 طالبا من أصل 30 طالبا من النجاح في اختبارات القبول المشتركة في المعهد الهندي للتكنولوجيا.
وفي عام 2012، تمكن 27 طالبا من أصل 30 من النجاح فيها، وفي عام 2013، نجح في الاختبارات 28 طالبا من أصل 30 طالبا، وفي عام 2014 بلغ العدد 27 طالبا من أصل 30 طالبا، وفي عام 2015 كان العدد 25 طالبا من 30 طالبا قد نجحوا في اختبارات القبول المشتركة بالمعهد. وبحلول عام 2015، تمكن 333 طالبا من أصل 390 طالبا من الالتحاق بمختلف كليات المعهد الهندي للتكنولوجيا.
* ما الذي دفع كومار لتشكيل مجموعة «سوبر 30»؟
- تميز السيد كومار، نجل موظف البريد، في الرياضيات رغم دراسته في المدارس الأقل حظا، ولقد حصل أناند على فرصة لتغيير حياته بالقبول في جامعة كمبردج البريطانية، ولكن حال الفقر الحاد لأسرته دون التحاقه بالجامعة المرموقة، إضافة إلى الوفاة المفاجئة لوالده التي حرمته من فرصته لتحقيق حلم حياته. ولقد تدهورت ظروفه المالية لأكثر من ذلك، ولم تترك له من خيار سوى إعالة أسرته. وكان يقضي وقت فراغه في دراسة الرياضيات ويبيع حلوى البابادوم التي كانت تصنعها والدته في المنزل إلى المتاجر والمنازل لإعالة الأسرة. ويقول متذكرا تلك الأيام بوجه مفعم بالأسى: «كان بيع تلك الحلوى هو السبيل الوحيد لإعاشتنا».
تقدم بأطروحته حول نظرية الأرقام كطالب للدراسات العليا والتي نشرت في دورية الرياضيات (وهي مؤسسة بحثية غير ربحية تعمل في علوم الرياضيات ومقرها في المملكة المتحدة)، ودورية طيف الرياضيات (وهي جمعية للمحترفين تعمل في مجال الرياضيات التعليمية ومقرها في المملكة المتحدة). وحيث إن مكتبة جامعة باتنا، مسقط رأسه، لم يكن فيها دوريات علمية أجنبية تساعده في دراسته، كان عليه السفر في نهاية كل أسبوع في رحلة تمتد لست ساعات بالقطار إلى فاراناسي، حيث يعيش شقيقه الأصغر، الذي يتعلم العزف على آلة الكمان، ويعيش في نزل للشباب. وكان يقضي هناك يومي السبت والأحد من كل أسبوع في المكتبة المركزية لجامعة باناراس الهندوسية ثم يعود إلى باتنا صباح يوم الاثنين.
بدأ كومار تعليم الأطفال الفقراء في شقة صغيرة مستأجرة في مساكن عشوائية متواضعة، التي أطلق عليها اسم مدرسة رامانوجان للرياضيات، وهو اسم عالم رياضيات هندي بارز من المعروفين على مستوى العالم.
كانت فصوله الدراسية مجانية في أول الأمر، ولكنه طلب من تلامذته في نهاية المطاف أن يسددوا رسوما بقيمة 500 روبية، أو ما يعادل 10 دولارات في العام، وذلك حتى يتمكن من تحمل تكاليف تشغيل المدرسة بدوام كامل. ولقد وافق أغلب الطلاب على ذلك، ولكن أحد ألمع الطلاب لديه سأله إن كان يمكن أن يسدد له المصروفات على أقساط. ولقد سأله كومار، متحيرا، لماذا؟ فأجاب الطالب أن الأمر يستغرق من والده وقتا حتى يجمعا المال سويا. فما كان من كومار إلا أن تتبع الطالب حتى منزله في تلك الليلة، واكتشف أنه يعمل في خدمة البيوت، وينام تحت درج السلم، ولا يستذكر دروسه إلا على بعض الإضاءة الخافتة التي يستطيع الحصول عليها في المساء.
ومن هنا جاء الحافز والدافع لدى كومار ليبدأ برنامج «سوبر 30». ولكن من أين له بالأموال اللازمة لذلك؟ ولقد قال معترفا: «في بادئ الأمر، لم يكن ترتيب الأمور لأجل 30 طالبا من السهولة بمكان. ولكنني تمكنت من تأمين الأموال من خلال تعليم الطلاب في المدارس الأخرى، بينما كانت والدتي، جايانتي ديفي، تطهو الطعام لهم يوميا». وبالنسبة للطلاب أنفسهم، رغم كل شيء، كان هناك هدف وحيد أمامهم - ألا وهو الاستذكار بكل جدية واجتهاد. وفي كل عام في شهر مايو (أيار)، ومنذ عام 2002، كانت مدرسة رامانوجان للرياضيات تعقد اختبارا تنافسيا لاختيار 30 طالبا للانضمام إلى مجموعة «سوبر 30». كان الكثير من الطلاب يتقدمون لذلك الاختبار، ولا يقبل منهم إلا أذكى 30 طالبا من سكان القطاعات المتخلفة اقتصاديا في المجتمع، ويعمل على تعليمهم، ويوفر لهم الإقامة والإعاشة لمدة عام كامل.
وعلى مدار سبعة أشهر، كان يُعلم، ويُدرس، ويُرشد، ويُربي، ويُلقن، بقدر ما يستطيع ويُعد أدمغتهم الظمأى استعدادا لاختبارات المعهد الهندي للتكنولوجيا.
يقول كومار: «أريد أن أؤكد أنه إذا كانت لديك قوة الإرادة، فلست في حاجة إلى البنية التحتية أو إلى الأموال، بل يكفيك المعلمون المخلصون».
وعندما زارت مراسلة «الشرق الأوسط» المدرسة، كانت هناك مئات الدراجات مصفوفة في الخارج، وفي داخل الفصل كان صوته الوحيد ينطلق إلى الطلاب من الميكروفون المعلق في قميصه وهو واقف أمام السبورة ليدرس لأكثر من 500 طالب في دفعة واحدة، ثلاث مرات في الأسبوع، حيث تمتد المرة الواحدة إلى ثلاث ساعات ونصف الساعة. ويبلغ العدد الإجمالي للطلاب 2000 طالب. وبالنسبة لبقية فصول المدرسة، كان يُعلم طلاب الطبقتين المتوسطة والغنية لقاء 200 دولار للدورة الواحدة في العام الواحد - وهو أقل بكثير من المعدل المطلوب للمصروفات الدراسية للنخبة الثرية من الطلاب، ويكفيه شرف المساواة بينهم في التعليم من حيث إدارة مجموعة «سوبر 30». إنه ينثر الرياضيات نثرا من خلال دروسه التحفيزية، مذكرا طلابه أن خلفيتهم الاقتصادية لا أهمية لها، وأنهم أذكياء بما فيه الكفاية لدخول أي اختبار، وأن كل ما يحتاجونه هو العمل والإيمان بأنهم يمكنهم فعل ذلك.
ينتظر كومار من طلابه الالتزام الكامل. حيث يقول لطلابه «لا تنم!»، ويمسح وجهه بمنديله الخاص ويقول: «اعمل بجد! استذكر دروسك 14 أو 16 ساعة في كل 24 ساعة. لا وقت للتلفاز! ولا وقت للرياضة! ولا وقت للألعاب! عليكم المذاكرة، ثم المذاكرة، ثم المذاكرة!».
* قصص نجاح وكفاح:
كان أمرا مبهجا أن ترى مسؤولي البنوك يتابعون هؤلاء الطلاب بمختلف عروض قروض التعليم. إن النجاح في اختبارات القبول المشتركة بالمعهد الهندي للتكنولوجيا قد فتح أبوابا جديدة أمامهم وبدا المستقبل مؤمنا لهم. ويأتي معظم الطلاب من خلفيات ريفية متواضعة ولديهم ضعف واضح في اللغة الإنجليزية، مما يعتبر عائقا يحاول أناند تجاوزه معهم. ولكن باستثناء تلك النقطة، وكما يصر أناند، فإن الطلاب رائعون وأذكياء.
يعرف أناند ذلك جيدا لصعوبات واجهها بنفسه في التواصل باللغة الإنجليزية في أحد الأوقات.
ولقد التقت «الشرق الأوسط» مع سودهير، وهو نجل الإسكافي الذي اجتاز اختبارات المعهد الهندي للتكنولوجيا من بين مجموعة «سوبر 30». وقال حاكيا قصته: «ذات يوم، مسحت حذاء رجل وعندما طلبت منه المال، أساء معاملتي وانصرف. كنت غاضبا للغاية، ولكن والدي أمرني أن التزم الهدوء وقال لي إن أفضل طريقة للانتقام هي الحصول على القوة الحقيقية من خلال التعليم».
وقال بصوت مفعم بالعاطفة الجياشة: «اليوم، أشعر بسعادة بالغة لنجاحي في اختبارات المعهد. كيف يمكنني شكر السيد أناند لكل ما فعله لأجلي؟».
وطالب آخر يدعى محمد ساداب عزام، وكان والده يعمل عاملا في مزرعة، ويقول إنه لم يحلم قط بأن ينجح في اجتياز اختبارات هذا المعهد المرموق. كان للفتى زوج من الملابس طيلة العام، ويأمل الآن في أن يستطيع تغيير مصير وحياة أسرته، كما أنه يعرف ما الذي ينتوي فعله تماما، بمجرد حصوله على أول راتب يستحقه. ويستطرد قائلا: «سوف أعمل على بناء مدرسة في القرية وسوف أساعد في مدرسة رامانوجان بكل طريقة ممكنة».
ولكن، كاد النجاح الذي حققه أناند أن يودي بحياته مرتين في هجمات للمافيا الهندية حيث لم يكن الجميع سعداء بهكذا نجاح. سرعان ما تلقى تهديدات بالقتل من العصابات والقتلة المأجورين الذين يستخدمونهم من يصفهم بـ«مافيا التعليم»، وهم أصحاب مراكز التعليم الهادفة للربح، الذين لم يكن يروق لهم أسعاره المتدنية في تعليم الطلاب ولا معدلات النجاح المرتفعة التي يحققها معهم. ولقد عينت الشرطة المحلية اثنين من الحراس يرافقانه أينما ذهب.
وأفضل شيء في هذا المعلم المنفق بسخاء هو الوقت الذي يقتطعه لدراسته الخاصة. وذات مرة، كان يقضي وقتا من السابعة صباحا وحتى الظهيرة في الدروس والطلاب، وكان المساء يخصص لدراساته الخاصة وقراءاته وكتاباته. حيث يقول أناند كومار في بساطة وتواضع أخاذ: «أحاول كتابة مقالة واحدة على الأقل في كل شهر حول الرياضيات للدوريات الأجنبية».
واليوم تمكن من الوصول إلى منصب في الخارج لم يكن في يوم من الأيام من بين طموحاته. ويقول في حزن واضح: «أحب العمل الذي يجري في الجامعات الأميركية وأفضل الموارد التي لديهم. كما أنني أميل إلى مغادرة البلاد بالكلية».
وما يمنعه عن مواصلة حلمه هو: «لم أعثر بعد على المعلم الذي يمكنه تحمل المسؤولية بدلا مني ويمضي بالمسؤولية قدما حتى النهاية».
ودائما ما يفضل كومار ارتداء سراويل الجينز مع القمصان ذات الأزرار المفتوحة، والتي تمنحه وجاهة ووسامة ملحوظة، ويضيف قائلا في خجل لطيف «أحاول البحث عن شريكة حياتي».
بعد نجاح المجموعة «سوبر 30» وشهرتها المتنامية، تلقى الكثير من العروض من شركات خاصة محلية ودولية إلى جانب عروض من الحكومة للحصول على مساعدات مالية، ولكنه كان دوما ما يرفضها. فهو يريد استدامة المجموعة «سوبر 30» من خلال جهوده الذاتية. ولا يقبل السيد أناند كومار التبرعات للبرنامج خاصته. ويحاول فريقه تأمين الأموال من خلال تنظيم الفصول الدراسية المسائية في باتنا.
ولقد حضر مؤتمرا الشهر الماضي في الدوحة، حيث تحدث أناند كومار عن افتتاح مدرسة على غرار المجموعة «سوبر 30» لفئة الفصل الدراسي السادس وما بعدها، حيث يجري تدريب الطلاب ليس فقط على اجتياز الاختبارات للمعهد الهندي للتكنولوجيا، ولكن لأولمبياد الرياضيات الدولية كذلك، وغيرها من المنافسات الدولية.
* الإنجازات والتقدير:
وصفه الكثيرون بأنه «إحدى الشخصيات العالمية ممن لديهم المقدرة على تشكيل الموهوبين بصورة استثنائية» من قبل مجلة «Focus» الأوروبية. ولقد ورد اسمه ضمن قائمة المعلمين الرواد في العالم من قبل مجلة «مونوكل» البريطانية، وتلقى المكافأة من قبل حكومة بريتيش كولومبيا الكندية، وأخيرا ألمانيا.
ولقد كان أصغر متحدث في أتلانتا، حيث كان مدعوا للحديث في اجتماع مشترك للرياضيات، وهو مؤتمر سنوي منظم بواسطة جمعية الرياضيات الأميركية والرابطة الأميركية للرياضيات.
وفي عام 2009 عرضت قناة ديسكفري برنامجا حول مجموعة «سوبر 30». ثم خصصت صحيفة «نيويورك تايمز» نصف صفحة حول السيد أناند كومار. وتمت دعوته من قبل معهد ماساشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد للحديث عن مجهوداته المشهود لها عالميا لتعليم الطلاب المعوزين، بالإضافة إلى جامعات طوكيو وستانفورد.
ولقد أنتجت الممثلة اليابانية الشهيرة نوريكا فوجيوارا فيلما وثائقيا حول مبادرات السيد كومار. ولقد برز أناند كومار في برامج من إنتاج هيئة الإذاعة البريطانية. واختارت مجلة تايمز مجموعة «سوبر 30» الخاصة بالسيد كومار على قائمة «الأفضل في آسيا» لعام 2010، ثم تلقت مجموعة «سوبر 30» الإشادة من السيد رشاد حسين المبعوث الخاص للرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي وصف المجموعة بأنها «أفضل» معهد في البلاد. وفي أبريل (نيسان) عام 2011. ألف الطبيب النفسي بيجو ماثيو، وهو هندي مقيم في كندا، كتابا حول القصة الملهمة لمعهد باتنا الذي أسسه السيد أناند كومار. ولسوف تعمل دار نشر «بنغوين وراندوم هاوس» على نشر الكتاب المذكور.



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.