قال عبد القادر بلوش، وهو أول جنرال في الجيش الباكستاني من أصول بلوشية، يشغل منصب وزير شؤون المناطق الحدودية، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إن حركة طالبان أصبحت عاجزة عن تجنيد مقاتلين جدد ضمن صفوفها بسبب انقطاع مصادر تمويلها الدولية، والضغوط التي يمارسها الجيش الباكستاني عليها في المناطق الحدودية. وتوقّع الجنرال أن تشهد الفترة المقبلة اعتداءات جديدة، إلا أنها ستكون محدودة وتشكّل آخر حلقات العنف التي تقوم بها العناصر الإرهابية. وتحظى وزارة شؤون المناطق الحدودية بأهمية قصوى في باكستان، إذ إنها تشرف على السياسات الحكومية في كل المناطق الحدودية مع أفغانستان. أما الجنرال عبد القادر بلوش الذي يقودها، فيعدّ من أبرز الاستراتيجيين العسكريين والسياسيين الباكستانيين، وقدم استقالته من المؤسسة العسكرية احتجاجًا على اغتيال الجنرال برويز مشرف، الرئيس العسكري لباكستان في عام 2006، الزعيم القومي البلوشي، نواب أكبر بوغتي، بحجة قيادته حركة انفصالية عن باكستان. وتولى الجنرال عبد القادر بلوش مسؤولية الحاكم العسكري لإقليم بلوشستان، ومنصب حاكم الإقليم. وبعد انتخابات عام 2013، تم اختياره لتولي وزارة شؤون المناطق الحدودية لحساسيتها وأهميتها. وفيما يلي نص الحوار:
* بعد العملية الواسعة للجيش في وزيرستان، التي جاءت بعد الهجوم على مدرسة الجيش في بيشاور، فإن عمليات العنف التي تشنها طالبان والمسلحون تراجعت بشكل كبير. إلا أننا شهدنا أخيرا حادثة جامعة «باتشا خان»، وما ترتب عليها من ضحايا.. فهل تمكنت طالبان من استعادة قوتها وتجنيد مقاتلين جدد؟
- لا، الأمر ليس كذلك. أنت تعلم أن العملية العسكرية لقيت ترحيبًا من جميع الجهات، فقد بدأت بعد الهجوم الإرهابي على مدرسة تابعة للجيش في بيشاور. وقبل ذلك، كنا نشهد هجمات أسبوعية، وكلما نفّذت عملية ضدهم وتم تفريق تجمعات المسلحين، عادوا بعد شهر أو شهرين يعبثون في أمن واستقرار ولاية خيبر بختون خوا، وولاية بلوشستان. هذه المرحلة تشكل آخر حلقات عمل الإرهابيين، وهم يريدون الإيحاء بأنهم قادرون على مقاومة القوات المسلحة. لكن دعني أؤكد لك أن هذه هي آخر الأحداث.
لا أرى أي زيادة في عملياتهم، حيث دمّرنا بنيتهم التحتية وتنظيمهم. كما أنهم خسروا مراكز تدريبهم، وجفت مصادر تمويلهم الدولية التي كانت تصل من جميع أطراف العالم. إلى ذلك، دمّرنا نظام اتصالاتهم الذي كانوا يديرونه للتواصل مع أشخاص حول العالم أو في باكستان عبر الأراضي الأفغانية.
أما فيما يتعلّق باعتداء جامعة باتشا خان، فإن من نفذوه أربعة أشخاص فقط، اثنان منهم أفغان. وهذا يظهر عجز الحركة عن تجنيد أشخاص جدد، بسبب عملية الجيش المتواصلة في المناطق الحدودية. وكما تعلمون، فإن العملية العسكرية واسعة النطاق والمواجهات مع حركة طالبان في باكستان لا يمكن أن تنتهي بين عشية وضحاها. نحن نضع كل جهدنا لوقف العنف، ولكن علينا توقع حدوث عملية ما كل شهر أو شهرين هنا أو هناك. وأفضل ما نتج عن هذه العمليات ضد المسلحين، هو أن المواطنين الباكستانيين أدركوا أن هؤلاء المسلحين لا علاقة لهم بالدين ولا يخدمون الوطن.
* قبل أيام من زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى لاهور لحضور ذكرى ميلاد نواز شريف، كانت هناك هجمات على القنصلية الهندية في مزار شريف، وهجوم على قاعدة باثان كوت في الهند. وحمّلت الحكومتان الهندية والأفغانية عناصر في باكستان مسؤولية الاعتداءات، بينما الحكومة تحاول إقامة علاقات حسنة مع الهند وأفغانستان.. كيف تؤثر هذه الاتهامات على مساعي حكومة شريف في التهدئة؟
- سأكون واضحًا في هذه المسألة؛ خلال العقد الماضي، كانت العلاقات بين البلدين تتحسن عبر مسارات غير حكومية، إذ لدينا مشكلات كثيرة، منها قضية الكشمير، والهنود لديهم مشكلات ويتحدثون عن الكشمير التي تديرها باكستان على أنها محتلة. ونحن نرى أن القسم الذي تديره الهند من الكشمير هو المحتل. والهند لم تكن سعيدة بعمليات يقودها من يختارون التسلل والقيام بهذه الهجمات للضغط على الحكومة الهندية للخروج من كشمير وإعطاء الخيار للشعب الكشميري لتقرير مصيره، والهند تخشى من ذلك لوجود غالبية مسلمة في كشمير تريد الانضمام إلى باكستان، لذا تتهمنا الهند بالتدخل في شؤونها الداخلية. في المقابل، فإن الهند تتدخل في شؤوننا الداخلية في بلوشستان، حيث هوجم فريق الكريكيت السريلانكي في مدينة لاهور، والذين قاموا بالعملية كان لهم صلة بالمخابرات الهندية، ولدينا أدلة دامغة على ذلك. وقد تكون للمخابرات الهندية نشاطات كثيرة تهدف لزعزعة استقرار باكستان، وقد يكون لديهم أدلة في المقابل ضدنا. لكن قرّرت الدولتان أن تبذلا جهودًا لوقف جميع الجهات غير الرسمية عن العبث بعلاقات البلدين، ولن نسمح لأي جهة باستخدام أراضينا ضد أي دولة سواء الهند أو غيرها.. هذا قرار حكومتنا.
في المقابل، فإننا ننتظر من الهند التصرف بالمثل ضد من يسيء إلينا.. والأحداث المستقبلية هي التي ستثبت مصداقية الطرفين.
* الحكومة ترى أن الحوار الأفغاني يجب أن يكون أفغانيًا يقوده الأفغان، بينما يقتصر دور الحكومة الباكستانية وغيرها على تسهيل عملية الحوار. فكيف يمكن للحوار أن يكون ناجحًا وكيف يمكن إقناع طالبان بالحضور إلى طاولة المفاوضات؟
- هذا شيء صعب. دعني أقل لك إن كل ما يتعلق بمسألة الحوار بين الأفغان يجب أن يكون من الأفغان وللأفغان، وليس علينا أن نتدخل في المسألة. هذا ما يعتقده رئيس الوزراء نواز شريف والحكومة لأننا لا نريد أن نتدخل في المسألة أولاً. ثم ثانيًا، نحن نتأثر كثيرًا بوجود أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ أفغاني في باكستان، وأكثر من 1.6 مليون لاجئ غير مسجلين رسميًا. وغالبية هؤلاء من الولايات الأفغانية القريبة من الحدود مع باكستان. إنهم من القبائل نفسها التي تقطن باكستان، وتتشاطر السكن على الجانبين من الحدود، ويتشاركون اللغة والعادات والملابس والملامح ذاتها. وهم يدعون أنهم مواطنون في البلدين. وللأسف، فإن قيادات طالبان أفغانستان تقول إن كثيرًا من أتباعها من المناطق نفسها، ونحن قلنا للعالم كله وتحدث رئيس وزرائنا إلى الرئيس الأفغاني ورئيس السلطة التنفيذية في كابل بضرورة العمل على إعادة اللاجئين إلى ديارهم. وحين يعود اللاجئون إلى ديارهم، فإننا نُلام إن اجتاز أحد من باكستان الحدود بشكل غير قانوني للقيام بأعمال غير مشروعة في أفغانستان. لكن بوجود اللاجئين، فإن لهم الحق في العودة إلى ديارهم والتنقل إلى بلدهم. واللاجئون يقولون إن من حقهم الذهاب إلى بلدهم والقتال في أفغانستان.. نحن لسنا مسؤولين عن أي شخص. لم نقم بتدريبهم ولم نعطهم السلاح ولم نمولهم. لكن هناك حقيقة مقبولة دوليًا، وهي حق سكان أي بلد بالمشاركة في حركة المقاومة لرد أي اعتداء على بلدهم. هذا الحق كان قائمًا حين قاومت الجزائر الفرنسيين، وحين قاوم الفرنسيون الاحتلال الألماني وفي فيتنام وغيرها. لذا ودون الدخول في التفاصيل أكثر، وما إن كان لهم حق في المقاومة أم لا، فإننا لا نؤيدهم ولا ندعمهم. هم يقولون إن من حقهم المشاركة في المقاومة عند عودتهم إلى أفغانستان. ويمر من معبر «تشمن» في بلوشستان ما يقرب من ثلاثين ألف شخص يوميا، ومثله من معبر طورخم قرب بيشاور. وهذا يحدث منذ أكثر من 68 عامًا، لذا فالمشكلة متعلقة ببقاء اللاجئين الأفغان ونحن نريد منهم العودة إلى بلدهم، وإن عادوا وتسلل أحد من جانبنا بعدها فيمكن لومنا على ذلك، وعلى النقيض من ذلك، فإن الحكومة الأفغانية تحثنا وتسعى لدينا من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع طالبان، وتريد من باكستان المساعدة في ذلك.
ربما كانت باكستان تساعد طالبان قبل عشرين عامًا، لكن هذا أصبح من التاريخ. إننا لا نقدم الآن لحركة طالبان الأفغانية أي مساعدة، لدينا علاقة جيدة مع الحكومة الأفغانية (...) وسنوفر لها كل دعم ممكن. وكدليل على ذلك، فإن الرئيس الأفغاني حينما زار باكستان، فإنه زار القيادة العامة للقوات المسلحة وأعطى شرحًا مفصلاً عن الأوضاع. وقائد الجيش الباكستاني كان يهرع إلى كابل كلما حدث أمر يحتاج إلى توضيح موقف باكستان، ودعم القوات المسلحة فيها لعملية السلام الأفغانية.
* فيما يتعلّق باللاجئين والنازحين في المناطق القبلية، أنت الوزير المسؤول عن المناطق الحدودية.. فكيف يمكن لباكستان التعامل مع هذه القضية الحساسة، وما الرسالة التي توجهونها للمنظمات الإغاثية والمجتمع الدولي؟
- هذا محزن جدًا للأسف الشديد، وأنا مصاب بخيبة الأمل جراء موقف المجتمع الدولي، خصوصًا منه القوى الغربية. هؤلاء اللاجئون الأفغان جاءوا بسبب الحرب والغزو الروسي لأفغانستان ودعم الأميركيين لـ«المجاهدين». وكان هؤلاء (الأميركيون) يودّون الثأر من الروس بسبب ما حدث في حرب فيتنام، فدعموا (هم ودول الناتو) المجاهدين الأفغان للقتال ضد القوات السوفياتية بعد الغزو في عام 1979. ونتيجة للصراع بين القوى الكبرى، نزح أكثر من خمسة ملايين لاجئ أفغاني إلى التراب الباكستاني، والآن هناك ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين عادوا إلى ديارهم، بينما بقي في باكستان قرابة ثلاثة ملايين لاجئ آخرين. والعالم قلق جدًا من تدفق عدد محدود من اللاجئين من سوريا إلى الدول الغربية، والدول الغربية مجتمعة أعلنت أنها قد تستقبل كلها ما مجموعه 800 ألف لاجئ في عام واحد. هناك حوار وحديث في المجتمع الدولي حول اللاجئين المتدفقين إلى أوروبا، لكن لا أحد يتحدث عن اللاجئين الموجودين هنا، وهم يزيدون عن ثلاثة ملايين لاجئ منذ أكثر من خمسة وثلاثين عامًا. العالم نسي قضية هؤلاء اللاجئين. (...) وتوجّهنا إلى كل المؤسسات والمؤتمرات في باكستان وخارجها، لكن للأسف كلهم يعتقدون أن هذه القضية منسية، ولا أحد يريد المساعدة فيها. ونحن نناشد العالم كله، وخصوصًا الدول الإسلامية، في مساعدتنا على حل هذه القضية، ودعم الخطة التي وضعناها للعودة الطوعية العاجلة، وتأهيل اللاجئين.
* اتهمت الحكومة الأفغانية الاستخبارات الباكستانية بتجنيد اللاجئين للقيام بعمليات ضدها. فما الجهود التي تقوم بها الحكومة الباكستانية من أجل عودة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم؟
- قال الرئيس الأفغاني السابق كرزاي إنه غير مهتم باللاجئين الأفغان، وقال إن أرادوا العودة طواعية لبلدهم فأهلاً بهم، وإن لم يعودوا فهو يأسف لذلك. أمّا الرئيس أشرف غني، فشكّل لجنة من 15 وزارة أفغانية لبحث عودة اللاجئين الأفغان. هذه اللجنة تعمل في مجال الإعمار وبناء المساكن والمواصلات وفرص العمل والصحة والتعليم وإقامة مؤسسات في هذا المجال قادرة على استيعاب السكان واللاجئين إن عادوا. لكن هذه الجهود التي تقوم بها الحكومة الأفغانية ما زالت ضئيلة. وفي إحدى جلساتنا معهم، قالوا إنه لا يمكن للحكومة الأفغانية استيعاب أكثر من مائة ألف لاجئ عائد سنويا. وأبلغناهم أن هذا عدد ضئيل جدا، وأخيرا تم الاتفاق على استيعاب كل اللاجئين في وطنهم خلال فترة ثلاث سنوات فقط. لكننا نعمل من أجل عودتهم خلال عامين.. ونحن ننظر إلى المجتمع الدولي من أجل المساعدة في إعادة اللاجئين الأفغان. فأفغانستان بلد فقير نسبيا، والأفغان يطالبون بتعويضات مالية ومساعدات لتمكينهم من القيام بمشاريع إسكان ومياه وخدمات صحية.
وزير الحدود الباكستاني: دمرنا بنية طالبان التحتية وجففنا مصادر تمويلها
عبد القادر بلوش قال لـ «الشرق الأوسط» إن باكستان قد تكون ساعدت الحركة قبل 20 عامًا.. لكن ذلك أصبح من التاريخ
وزير الحدود الباكستاني: دمرنا بنية طالبان التحتية وجففنا مصادر تمويلها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة