إنها المكان الذي يجب عليك زيارته مرة واحدة على الأقل في حياتك، فهي نافذة حقيقية على الحياة البرية، إنها الغابة الملكية في الهند.
الكثير من القراء العرب قد انطلقوا في رحلات للسفاري لمشاهدة حياة الأسود على الطبيعة، ولكن الأسود الآسيوية التي لا تعيش إلا في الهند لديها تراث خاص للتواصل مع الناس من شبه الجزيرة العربية.
وقد يجد الكثير منكم في الوقت الحالي صعوبة بالغة في تخيل شبه الجزيرة العربية وهي تسرح فيها الأسود والنمور، حيث ظلت تلك المخلوقات مألوفة لدى سكان شبه الجزيرة العربية حتى بدايات القرن العشرين.
المجد المفقود
انقرض الأسد الفارسي الآن في شبه الجزيرة العربية، ولكن يُعتقد أن الأسود التي ما زالت تعيش في الهند هي نفس فصيلة الأسود التي كانت تعيش ذات مرة في إيران.
وتقول إحدى الروايات إن آخر الأسود الإيرانية قتل على يد ظل السلطان نجل ناصر الدين شاه (قبل عام 1919)، ولكن من ناحية أخرى فإن آخر التقارير المعول عليها حول وجود الأسود في إيران يرجع إلى عام 1942 حيث شوهد زوج منهما بالقرب من دزفول، بواسطة المهندسين الأميركيين الذين كانوا يعملون في بناء خط السكك الحديدية (هيني 1943، هارينتغون 1977:72).
كان الأسد ضمن فئة ألعاب الملوك أو مجرد الصيد من أجل المتعة، وذلك أحد الأسباب الرئيسية وراء انقراض هذا الحيوان.
لذا، إذا ما أردت البحث عن الإرث المفقود - فإن حديقة غير الوطنية الهندية هي وجهتك الأولى، وهي بقعة زاهية ونادرة للقطط الفارسية القديمة.
في العقود الأخيرة، تمكنت الهند من إنقاذ الأسد الآسيوي من حافة الانقراض من خلال محمية طبيعية واحدة. ومع بداية القرن العشرين، كان هناك بضع عشرات من تلك الأسود في حديقة غير الوطنية. ولقد اختفت تلك الأنواع من الأسود عمليا من كافة المناطق الأخرى في شبه الجزيرة العربية وآسيا.
التراث
تعتبر الأسود الآسيوية في حديقة غير من تراث آخر مهراجا لولاية غوجارات، وكان يُدعى نواب جوناغاد (حيث الاسم الأخير يعود للإمارة الهندية الأخيرة خلال الحكم البريطاني للهند). وكان المهراجا قد وضع مساحة كبيرة من منطقة غير تحت الحماية وحظر اصطياد الأسود، وبالتالي ضمان نجاة تلك الوحوش في البرية. وأقامت الحكومة الهندية، بعد إلغاء النظام الأميري في البلاد، حديقة ساسان غير الوطنية في عام 1965 بهدف حماية وزيادة تعداد الأسود في الحديقة، الذي وصل اليوم إلى 530 أسدا.
كيفية وميعاد الوصول
يمكن الوصول إلى حديقة غير الوطنية من المدن الهندية التالية: نيودلهي، ومومباي، أو أحمد آباد. وفي البداية، يمكن استقلال الطائرة أو القطار. ولكن الوصول النهائي لا بد أن يكون من خلال الطريق للوصول إلى ساسان، وهو المعسكر الرئيسي.
أكثر الأوقات شعبية لزيارة حديقة غير الوطنية يكون بين شهر ديسمبر (كانون الأول) إلى مارس (آذار). ومن المرجح أن ترى الحياة البرية، مثل الأسود، عندما يكون الطقس حارا من مارس (آذار) وحتى مايو (أيار)، عندما يأتون للحصول على المياه.
وأروع رحلات السفاري تلك التي تبدأ في الصباح الباكر، عندما تكون الأسود في قمة نشاطها. حيث تميل الأسود للنوم بقية اليوم ولا تتحرك كثيرا. ينبغي تجنب عطلات نهاية الأسبوع والإجازات بسبب الازدحام ورسوم الدخول المرتفعة.
رحلات سفاري الأسود
تحققت رغبتي في رؤية هذا الحيوان المفترس المهيب لما رافقت فريقا من باحثي الحياة البرية إلى حديقة غير. بعد عدة أيام من القلق وقبل يوم واحد من وصولنا إلى المكان جاءنا تأكيد للحجز لدى سينه سادان، ويمكن القول بأنه أكثر الأماكن زيارة في حديقة غير بالنسبة لمسافري الدرجة الاقتصادية. وحصلنا على أفضلية الاستفادة من رحلات السفاري المتعددة خلال اليوم والليلة الواحدة إلى جانب لمسة شخصية طيبة من قبل سلطات المحمية المتحفظة بشأن زيارتنا للمحمية.
كانت الإقامة تضم كافة وسائل الراحة الحديثة مثل المياه الباردة والساخنة والمطبخ الذي يقدم المأكولات الرائعة. وبعد قضاء ليلة مريحة هناك، كنت مستعدة جدا ليوم حافل مليء بالمغامرة والإثارة. تخيرت سيارة جيب لرحلات السفاري حيث إنها أفضل السيارات لاستكشاف الحياة البرية للأسود المهيبة.
أقيمت منطقة للمعلومات داخل حديقة غير الوطنية حيث يُسمح للسياح بالزيارة انطلاقا منها. يتم تنظيم عروض الأسود في يوم الأحد من كل أسبوع، حيث يمكن للمهتمين بالحياة البرية الاستمتاع بمشاهدة الأسود أثناء الصيد.
انطلقنا إلى الحديقة في صباح اليوم التالي وشاهدنا أحد طيور الطاووس مستعرضا بكامل ريشه البهي كما لو كانت تحية لطيفة للحاضرين من على رؤوس الأشجار، حيث كان ذيله الملكي زاهيا بألوانه الجميلة.
بعد دقائق من دخول حديقة غير الوطنية، كنت أنتظر بفارغ الصبر رؤية الأسد الكبير. وبعد فترة قصيرة، شاهدنا أسدا في منتصف العمر يسترخي في شمس الصباح. كان جالسا على قدميه ويبدو في منظر رائع، كان شعره بلون ذهبي لامع، وتعبر مخالبه المسترخية عن قوة هائلة ولكنها كامنة. وأثناء إعجابنا بذلك الأسد، ظهر أسد صغير آخر من خلف الأكمة. وجلس بجانب رفيقه في مشهد تحية للزوار السعداء متخذين مواضع رائعة تبهر كاميرات التصوير لدينا. يوجد هناك الآن ما لا يقل عن عشر سيارات محملة بالزوار ومتوقفة في مختلف الأماكن حول الأسود، ولكنها تبدو غافلة ولاهية، وفي حالة استرخاء تام حيال الزوار من البشر.
انطلقنا إلى عمق الغابة نحو بركة للمياه تمتد عبر مساحة كبيرة من أوراق الأشجار الميتة، حيث كانت إحدى إناث الأسود مستلقية في كسل تحت أشعة الشمس. ثم اكتشفنا أن الأسد قد قتل أحد حيوانات الجاموس ثم انتقل إلى حيث يرقد. ولقد كان جالس بشموخ على عرش من الأوراق الذابلة، كان ملك الغابة يلحظ اقترابنا منه في هدوء. كانت أشباله تلعب وتعبث بالقرب من قدميه في حين كانت أمهم تراقبهم عن كثب. وفي ذات الوقت، استمر الأسد في تناول وجبته الملكية في حين كانت إناث الأسد الأخريات تتجه في تؤدة نحو الحيوان المذبوح. وأثناء مرورها أمامنا، بقينا متجمدين في أماكننا وتسري الرعشات والرجفات في أجسادنا. في ذلك الوقت، كان الأسد الذي يبدو سعيدا بوجبته يتنحى جانبا ليسمح للإناث بتناول وجبتهن. كانت الشجرة التي يستقر الأسد أسفلها تحمل علامات من مخالبه القوية، وهي بمثابة تحذير علني بأن المتجاوزين لحدود مملكته سوف يلقون جزاء عسيرا.
عبر الأيام الثلاثة التي قضيناها في رحلات السفاري داخل حديقة غير الوطنية، كنا محظوظين بدرجة كافية لرؤية الأسود كل يوم - وفي أكثر من مناسبة شاهدناهم جميعا بأنفسنا. وفي صباح اليوم التالي، شاهدنا أحد الأسود وزوجته يمشيان على مسافة قريبة من السيارة، مما أصابني تقريبا بنوبة قلبية. وكان ذلك على الطريق الرئيسي في المعسكر. لا يجب أبدا العبث مع هذه القطط الكبيرة، فكلنا ندرك تماما قوتها الحقيقية، والخطر الكامن وعدم القدرة على التنبؤ بأفعالها حين الاقتراب منها. وحتى ذلك الوقت، كانت الإثارة في مشاهدة تلك الحيوانات تفوق كل الحذر.
كنت عالقة تماما بمشاهدة تلك العائلة الملكية ولم أتمكن من تحويل ناظري عنها، فلقد كانت متعة رائعة لعيني. كانت الأشبال تخوض في برك المياه بينما كان صاحب الجلالة وقرينته يستمتعان بالنظر في منتهى الكبرياء والفخار. لم أر وحشا بمثل تلك المهابة والفخار من قبل. إنها لتجربة مذهلة أن تلتقط الصور لمختلف حالات الأسد المزاجية في يوم واحد.
بالنسبة لأولئك الذين لم يحالفهم الحظ لرؤية الأسد في رحلات السفاري، فإن إدارة الغابات تنظم عرض الأسود يوم الأحد من كل أسبوع، حيث يمكن للزائر الاقتراب من الوحوش التي تجوب البرية في لامبالاة في الغابات الشجرية ويمكن مشاهدة الأسود أثناء رحلات الصيد. إن تركيز حراس الغابات على عرض الأسود هو المسؤول جزئيا عن عدم رؤية أحدها في وقت آخر.
موطن القبائل
في المساء، ومع انتهاء رحلات السفاري، ومن خلال الغبار أرى خيال أحد الرجال الذي يرتدي ملابس بيضاء، ويتمشى عبر الغابة مع قطيع من الجاموس. من العجيب للغاية أن نراه يسير في هدوء خلال الغابة المليئة بالأسود - وخصوصا عندما تلقينا تعليمات صارمة بعدم مغادرة السيارات أبدا. ولكن بدا أنه من «أهل الأسود»، وهما قبيلتان من الهنود، قبيلة مالداريس الهندوسية وقبيلة سيديس المسلمة، اللتان تشتركان مع الأسود في نفس الغابة. ومن الطبيعي تماما لأولئك القوم أن يعبروا أراضي الأسود في هدوء وسلام.
يمكنك أيضا زيارة المستوطنات القبلية داخل وحول الحديقة الوطنية. وتعود أصول القبيلة المسلمة إلى أفريقيا، وظلوا يسكنون تلك الغابات لأكثر من 14 قرنا. تعود قبائل السيديس إلى شمال أفريقيا، ولقد جاء بهم إلى الهند المهراجا جوناغاد، من أجل رعاية الأسود في إمارته. وتشير روايات أخرى إلى أنهم جيء بهم كعبيد للعمل في خط السكك الحديدية الذي يمر عبر إمارة جوناغاد. وبصرف النظر عن القصة الحقيقية، تتكلم قبيلة سيديس اليوم بلغة ولاية غوجارات وتتبنى طريقة الحياة ذاتها هناك، ولا يُعبر عن أصولهم الأفريقية إلا عن طريق رقصات الدارمر والهامتشي. بمعنى، إن أولئك الناس هم مثال حي على الحياة في أحضان الطبيعة.
عندما نعود إلى الفندق، فإن إحدى الفعاليات الثقافية المنظمة هناك للترفيه عنا هي «رقصة قبلية من قبيلة سيديس». ومع قرع الطبول ورقص أفراد القبيلة على المسرح، فإن وجوههم الملونة بالأبيض كانت ترسم لوحة رائعة في الليل البهيم، وإنه لمنظر يصعب نسيانه. ولكن الأكثر من الرقصات نفسها، كان تاريخهم هو أكثر ما أبهرني.
حان وقت رحيلنا عن الحديقة عندما أصر المرشد الخاص لنا على نحو مفاجئ أن نتحرك بالسيارات إلى إحدى الأشجار المعينة هناك، التي يوجد على فرعها ثعبان ملفوف. وبنظرة مفاجئة اكتشفنا وجود أحد الأسود برفقة زوجته. وشاهدناها وهي تتودد إليه بمحبة وعطف بينما كان يركز ناظريه علينا. وعلى العكس من النمور، التي تعيش في عزلة ويصعب رؤيتها في مجموعات، من السهل مشاهدة الأسود في مجموعات أو مع العائلة. والأسود من الحيوانات الاجتماعية، حيث يمكن لاثنين من الأشقاء الذكور العيش سويا، والمشاركة في الإناث والأراضي.
تتميز النباتات والحيوانات في حديقة غير الوطنية بالتنوع والكثرة، كما أدت إلى نشوء النظم البيئية للمحافظة عليها، وبسبب ذلك تم الإعلان عنها بأنها منطقة محميات طبيعية. وبعد انقضاء العرض، غادرت في حسرة وألم. كل تلك الساعات من التجوال في حلقات مفرغة، على الأراضي المتربة، والطرق الوعرة، انطلاقا في الفضاء الفسيح بالمحمية مع سيارات تحمل أناس آخرين، كانت أكثر مما تستحق. وكان الاقتراب من ملك الغابة ومشاهدة تلك اللحظات الحميمة في حياة تلك الحيوانات لا يمكن أن يكون متاحا إلا في ذلك المكان.