«داعش ليبيا».. مرتزقة براميل النفط والفوضى

بوصلتهم مثبتة في اتجاه الذهب الأسود

«داعش ليبيا».. مرتزقة براميل النفط والفوضى
TT

«داعش ليبيا».. مرتزقة براميل النفط والفوضى

«داعش ليبيا».. مرتزقة براميل النفط والفوضى

يصف متابعو الوضع الأمني في ليبيا المتصل بتحركات الجماعات المتطرفة والإرهابية، وتحديدًا تنظيم داعش، ويشير هؤلاء بناء على معطيات الخبراء أن التنظيم المتطرف يعتمد الآن استراتيجية التوسع في الأراضي الليبية «بحثا عن براميل النفط والذهب الأسود، في أعقاب التضييق عليه واستهداف عناصره في العراق وسوريا». ويلفت الخبراء إلى أن أفعال «داعش» على أرض ليبيا تتسم بالفوضى والدموية، لإجبار الليبيين على التسليم والخضوع لإرادتهم وزرع الخوف في نفوسهم.
مع تزايد نشاطات تنظيم داعش المتطرف الإرهابي في ليبيا، وسعيه الواضح لفرض وجوده فيها ونهب ثرواتها الطبيعية، حذرت دار الإفتاء المصرية من سيطرة «داعش» على المناطق الغنية بالنفط بليبيا، لإيجاد بديل يوفر له الاحتياجات المادية للإنفاق على الأنشطة العسكرية وجلب العناصر المُقاتلة. وكشفت مشيخة الأزهر بالقاهرة عن أن عدد الإرهابيين المتطرفين الذين انضموا لصفوف تنظيم داعش في ليبيا يقرب اليوم من 7 آلاف مُقاتل و50 في المائة منهم من العناصر الأجنبية.
كذلك لفتت المشيخة إلى أن الضربات التي يشنها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد مقاتلي التنظيم في سوريا والعراق، دفع معظم مُقاتليه إلى الفرار إلى الدول المجاورة، وبالأخص إلى «أرض الجهاد الجديدة» ليبيا - على حد زعمهم - وذلك طبقا لاستراتيجية أمير تنظيم داعش المزعوم أبو بكر البغدادي.
وحسب الخبراء وفي السياق ذاته، فإن «داعش» يُحاول الآن السيطرة على حقول النفط في الكثير من المناطق الليبية واستغلال ثمن بيعها لشراء السلاح مع تهديد مصدر قوت الليبيين لإخضاعهم، وشراء الأسلحة من دول أفريقية كاتشاد ومالي والنيجر، ليصار لاحقًا إلى تمريرها لتونس عبر الحدود البرية، ثم محاولة إدخالها بحرا من تونس نحو ليبيا.
ويُشار إلى أنه في وقت سابق بايعت جماعة «مجلس شورى شباب الإسلام» في شرق ليبيا زعيم «داعش» في عام 2014. وعلى الأثر عزز «داعش» من قوى هذه الذراع كي تصبح طرابلس وفزان «جزءا لا يتجزأ» مما يسمونه «الخلافة». وأيضًا أعلنت جماعة «أنصار الشريعة» في ليبيا مبايعتها للبغدادي، وهي جماعة أسست في أوائل 2012 ويتزعمها محمد الزهاوي وكانت مرتبطة بتنظيم القاعدة. ويضاف إلى الجماعتين متقدمتي الذكر كتيبة «أبي محجن الطائفي» التابعة لتنظيم «القاعدة» التي أعلن أميرها مناصرته للبغدادي. أما التطورات الأخيرة فتأتي على خلفية تعرّض «داعش» لهزائم كبيرة الأشهر الماضية في سوريا والعراق.
تقرير مشيخة الأزهر قال: إن «ليبيا باتت محور تمركز رئيسي لداعش، خاصة مع عدم وجود استقرار أمني ووجود خلافات بين الكثير من الجماعات المتناحرة، فضلا عن انتشار الأسلحة بكثافة داخل الأراضي الليبية، وهو ما يسمح للتنظيم بالاستقرار في الأراضي الليبية دون أي مواجهة حقيقية».
وأضاف أنه «بعد استمرار التحالف الدولي في ضرب حقول النفط التي يسيطر عليها تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق، بدأ التنظيم بالسعي لزيادة موارده النفطية عبر الاستيلاء على نفط ليبيا، حيث يُعلن التنظيم كل يوم الاستيلاء على مدن جديدة في ليبيا»، لافتا إلى أن فقد «داعش» مناطق مثل بيجي وسنجار في العراق و«سد تشرين» في سوريا، حرمه من مصدر من مصادر الإيرادات الاستراتيجية... وبالنسبة لـ«داعش» الذي يدعي أنه دولة، فإن السيطرة على وسط المدن والبنية التحتية الأساسية، يعد أمرًا مهمًا بل حيويًا بالنسبة له..
جدير بالذكر أن تنظيم داعش صُنف كأغنى مُنظمة إرهابية في العالم عام 2015، وبلغت إيرادات إنتاج النفط التي كان بمقدوره الاستفادة منها نحو 500 مليون دولار؛ إلا أن الغارات الجوية التي يشنها التحالف الدولي على مصافي النفط التابعة للإرهابيين، ضعفت عائدات التنظيم النفطية.
ولفتت مشيخة الأزهر إلى أن «نتيجة تأثر داعش الإرهابي بنقص النفط، لجأ التنظيم إلى خفض رواتب مُقاتليه إلى النصف، فبعد أن كان المُقاتل يتقاضى 400 دولار أصبح يتقاضى 200 دولار شهريا»، مشيرة إلى أن الهجمات المُتعددة خلال أيام قليلة على المنشآت البترولية حول مصراتة تُنذر بخطر بالغ الأهمية، وتؤكد أن تنظيم داعش يطمح في السيطرة على شرق وغرب معقله في مدينة سرت، معربة عن قلقها من تمدد «داعش» في ليبيا، خاصة مع تزايد المخاوف من مخاطر التدخل العسكري الغربي داخل الأراضي الليبية.
في ذات السياق، قالت الإفتاء المصرية إن ليبيا باتت تمثل محور ارتكاز كبيرا للتنظيم الإرهابي؛ بل إن الظروف الأمنية وموازين القوى في ليبيا تمثل ميزة نسبية للتنظيم الذي يواجه معارك شرسة في سوريا والعراق، وهو ما لا يواجهه في ليبيا، في حين تحوي ليبيا الكثير من الفرص الاقتصادية التي تساعد التنظيم على الحصول على الدعم المادي اللازم، خاصة موارد بيع النفط الليبي.
ويتابع تقرير الأزهر مشيرًا إلى أهمية الموقع الجغرافي لليبيا، والقريب من دول نيجيريا والكاميرون وتشاد، حيث ينشط تنظيم متطرف وإرهابي آخر هو «بوكو حرام» التابع لـ«داعش». وهو ما يمثل ميزة إضافية لـ«داعش» توفر له الدعم العسكري والبشري اللازم لمواجهة الحكومة الشرعية في ليبيا، خاصة مع اتساع الحدود الليبية وامتدادها، وهذا الأمر حقًا يسهل توافد المُقاتلين من دول الغرب الأفريقي إلى المعقل الجديد للتنظيم، ويمثل حجر عثرة أمام الجهود الأمنية لملاحقة بؤر التنظيم وخطوط إمداده.
من ناحية ثانية، شددت دار الإفتاء في مصر على أن تحوّل ليبيا إلى معقل «داعشي» في الغرب الأفريقي يمثل تحديا خطيرا وتهديدا ملحا لدول الجوار الليبي بشكل عام. وهو ما يتطلب تحركًا لمواجهة التنظيم والحيلولة دون سيطرته على كل منابع النفط وموانئه الرئيسية، وقطع خطوط الإمداد والتمويل من الغرب الأفريقي وخاصة من نيجيريا والكاميرون، حيث تنشط حركة «بوكو حرام»، وإحباط مخطط التنظيم الرامي إلى استنساخ الحالة العراقية في ليبيا. وتابعت: «إن حرمان التنظيم من الدعم المادي الذي يسعى إليه جراء بيع النفط سيضعف كثيرا من قدرة التنظيم على البقاء والاستمرار في ليبيا، وسيحد من قدرته على جلب المقاتلين وشراء الأسلحة وممارسة أعماله الإجرامية في حق المجتمع الليبي، وهو ما يجب أن يحظى بأولوية قصوى».
من جانبه، قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، لـ«الشرق الأوسط»، إن تنظيم داعش الإرهابي «يتمدد بقوة في عدة مناطق في ليبيا، ويركز عملياته الإرهابية بشكل خاص على مناطق حقول البترول. ويحاول أعضاء التنظيم الالتفاف على الموانئ التي من خلالها يجري بيع وتصدير البترول الذي يمثل المورد المالي الأساسي لأنشطة داعش الإرهابية»، مشددًا على خطر انتشار مئات المقاتلين الأجانب التابعين لـ«داعش» في سرت والمناطق المجاورة لها، قدموا من تونس والسودان واليمن ونيجيريا ليتدربوا في الأراضي الليبية ويستعدون لتنفيذ هجمات في دول أخرى.
ما يستحق الذكر أن مدينة درنة ومحيطها كانا أول «إمارة» للإرهابيين والمتطرفين. فدرنة هي المدينة التي ذهب عدد من شبابها إبان حكم الرئيس الراحل مُعمر القذافي إلى أفغانستان والعراق للقتال تحت لواء المتشددين، قبل أن تسقط بعد «الثورة» التي أطاحت نظام القذافي عام 2011.
وهنا يفيدنا حامد المكاوي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، أن «داعش» يخوض معارك شرسة في العراق أسفرت عن مقتل 10 من قياداته فضلاً عن فرار زعيمه أبو بكر البغدادي إلى مدينة سرت الليبية، لافتا إلى أنه ما يقرب من 3567 من عناصر «داعش» بينهم 2000 مسلح غادروا الأراضي العراقية في اتجاه الرقة بليبيا للامتداد بطول ليبيا وتشكيل خطر شديد على الدول الأوروبية عبر سواحلها البحرية المُطلة على أوروبا.
وعن الطُرق التي ما زال يسلكها تنظيم داعش الإرهابي للوصول إلى ليبيا، رجّح المكاوي لـ«الشرق الأوسط» أنه يكون عبر مطاري طرابلس ومصراتة، أو عن طريق البر عبر الحدود التونسية «باعتبارها أكثر دولة مُصدرة للإرهابيين إلى ليبيا»، إضافة للحدود الجنوبية مع مالي أو عبر الحدود الجزائرية المشتركة مع ليبيا، مضيفا أن «داعش» يحاول السيطرة على حقول النفط في السدرة ورأس لانوف والهلال، واستغلال ثمن بيعها لشراء السلاح مع تهديد مصدر قوت الليبيين لإخضاعهم، وشراء الأسلحة من دول أفريقية كتشاد ومالي والنيجر ومن ثم تمريرها إلى تونس عبر الحدود البرية، ثم محاولة إدخالها بحرا من تونس نحو ليبيا.
أما الدكتور محمد أحمد الدش، مدرّس الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين والدعوة جامعة الأزهر بالمنوفية، فقال: إن التنظيم «لا يقنع بتحقيق هدف واحد بعملية واحدة؛ بل يخطط بشكل منظم يحقق له أهدافًا عدة بعملية واحدة.. ولن أقول من ضمن تلك الأهداف نشر الإسلام أو الدعوة إليه، فليس ثمة علاقة بين أفعال إجرامية إرهابية وأبسط قواعد الدعوة إلى الإسلام القائمة على الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن - حتى ولو تعالت صيحاتهم بأنهم داعون إلى الإسلام ويريدون قيام دولته وإعادة الخلافة».
ثم أضاف: «أقل ما توصف به أفعالهم في الأماكن التي احتلوها بصفة عامة، وفي أراضي ليبيا بصفة خاصة، من قطع رأس امرأة بالسيف علانية أمام الجموع، وقتل آخر رميا بالرصاص بتهمة التجسس، وقطع يد ليبي بتهمة السرقة، إنما توصف بالوحشية والدموية.. وهذا هو الهدف الأول. أما الهدف الثاني فهو محاولة إجبار المواطن الليبي على التسليم والخضوع لإرادتهم المتطرفة وزرع الجبن في نفسه إزاء ما يبيت ويصحو عليه من عمليات القتل والذبح الممنهجة».
وأردف الدش خلال حواره مع «الشرق الأوسط» أن الهدف الثالث هو «استغلال التناحر السياسي الدائر داخل الوطن الليبي، وغفلة بعض الساسة والمسؤولين عن ذلك الخطر الداهم والخراب المدمر الذي يحدثه وجود ذلك العدو داخل أراضيهم، وتعاميهم عن عملياتهم العسكرية المتوغلة في أرجائه، فضلا عن إحداث الفوضى الداخلية والعمل على الاستفادة منها في إحكام السيطرة ودعوة أرباب المناهج الفكرية التكفيرية الجهادية لمعاونتهم في ذلك».
واستطرد قائلا: «هناك هدف أخير هو السيطرة على مُقدرات ذلك الشعب الليبي ونهب ثرواته بالاستيلاء على آبار النفط وحقول البترول التي تسهم في بقائهم صامدين في مواجهة العالم الذي يرفض إرهابهم وجرائمهم، ثم الاستيلاء على بعض المواقع الاستراتيجية التي تعد بؤرا لخلايا داعش، ومن ثم تسهيل معاملاتهم التجارية داخليا وخارجيا. ويتطلب ذلك الأمر توسيع رقعتهم داخل الأراضي الليبية، وهذا أهم ما يسعون إلى تحقيقه، ولا يمكن دحض تلك المؤامرات؛ إلا بتوحيد الصف الداخلي للوطن الليبي وضرورة التعاون الدولي سياسيا وعسكريا لحل الخلاف وحسم النزاع بين الأطراف الليبية المتناحرة، وتوجيه أنظارهم إلى هذا العدو الذي يهدد كيان المنطقة بأسرها».
ومن جهته، ذكر الدكتور علي محمد الأزهـــري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، أن «التنظيم الداعشي» بات فعلاً يُسيطر على مناطق كثيرة في ليبيا، وكانت درنة أولى مناطق «التنظيم» في ليبيا في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2014، تلتها مدينة سرت. كذلك يسيطر «داعش» راهنًا على مواقع في منطقة الفتائح إلى الشرق من درنة ورأس الهلال غربي درنة، وأحياء سوق الحوت والصابري والليثي في مدينة بنغازي، وجنوب مدينة أجدابيا، ومدينة صبراتة إلى الغرب من العاصمة طرابلس، والطريق الرابط بين مدينتي هون وودان بجنوب ليبيا، وبلدة تازربو بالجنوب الشرقي الليبي.. وتوجد عناصر تابعة لتنظيم «أنصار الشريعة» الذي يدين بالولاء لتنظيم القاعدة في المغرب العربي، في منطقة القوارشة غربي مدينة بنغازي، مضيفا: لقد سيطر «داعش» على كثير من مناطق النفط في ليبيا.. فإنتاج ليبيا من النفط الخام أقل من ربع الإنتاج قديما في عام 2011. حيث بلغ الإنتاج وقتها 1.6 مليون برميل يوميا.
وأوضح الأزهري أنه في تطور جديد وبعيدا عن الصورة النمطية لتنظيم داعش من عمليات العنف والتفجير وقطع الرؤوس، التي كانت تنتشر بشكل كبير في لبيبا، يبث التنظيم من وقت لآخر مقاطع مُصورة يتبنى فيها طريقة جديدة في الدعاية عبر الإنترنت، يدعو من خلالها الراغبين في قضاء إجازة ممتعة فيما يسمى بـ«أرض الجهاد الجديدة» في ليبيا، لافتا إلى أنه من لا يمكن تجنيده من خلال القوة والترهيب التي يقوم بها عناصر التنظيم، ربما يتأثر بالصورة الحالمة التي يعكسها مثل هذه المقاطع، والتي تدل على أن الحياة في ظل هذا التنظيم ليست هي الصورة القاسية والفجة المتداولة في الإعلام.
وتابع لـ«الشرق الأوسط»، بالقول إن «داعش» لا يفوته استغلال برامج التواصل الحديثة لنشر أفكاره وتجنيد المزيد من الشباب والفتيات - خاصة في أوروبا - للانضمام لصفوفه في ليبيا، حيث الأرض الجديدة لتحقيق الشهرة والمجد التاريخي والزواج وتكوين الأسر، لافتا إلى أن المنتديات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«واتسآب» أدوات مهمة لـ«داعش» لضم المزيد من الأتباع الجُدد، ونشر أفكاره المُتطرفة.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.