التمسك بالمواقف الصلبة يرغم قادة أوروبا على تمديد قمتهم في بروكسل

بهدف إتاحة فرصة أكبر لمناقشة الإصلاحات التي تطالب بريطانيا بإدخالها على الاتحاد

رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أثناء قدومه لحضور القمة الأوروبية في يومها الثاني ببروكسل (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أثناء قدومه لحضور القمة الأوروبية في يومها الثاني ببروكسل (إ.ب.أ)
TT

التمسك بالمواقف الصلبة يرغم قادة أوروبا على تمديد قمتهم في بروكسل

رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أثناء قدومه لحضور القمة الأوروبية في يومها الثاني ببروكسل (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أثناء قدومه لحضور القمة الأوروبية في يومها الثاني ببروكسل (إ.ب.أ)

قرر الزعماء الأوروبيون تمديد أجل القمة الأوروبية المنعقدة في بروكسل يوما ثالثا، بعد أن كان مخططا انعقادها في أجل يومين فقط، لتختتم أعمالها اليوم السبت، وذلك لإتاحة فرصة أكبر لمناقشة
حزمة الإصلاحات التي تطالب بريطانيا بإدخالها على الاتحاد الأوروبي.
وقال أحد الدبلوماسيين، رفض الكشف عن اسمه، إن معظم الموضوعات التي تثير النزاع شهدت تقدما إلى حد ما، لكنه أوضح أنه «يتعين علينا أن نواصل الجهود.. والمشاورات ينبغي أن تختتم خلال العشاء إذا كان ذلك ممكنا، ولن يكون هناك اتفاق حول أي
موضوع إلا إذا تم الاتفاق على كل شيء».
وتردد على هامش المؤتمر أنه ما تزال هناك فرصة للتوصل إلى حل وسط بين الزعماء الأوروبيين. كما تردد حديث حول إجراء مشاورات عدة داخل مجموعات صغيرة من أجل إيجاد إمكانيات حلول وسط في القضايا الخلافية، يشارك فيها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. وتتعلق هذه المشاورات بقضايا منها تقليص المساعدات الاجتماعية التي تقدمها دول الاتحاد للمهاجرين من خارج أعضائه.
في وقت يهدف فيه الاتحاد الأوروبي بإقراره حزمة الإصلاحات إلى وضع أساس للإبقاء على بريطانيا عضوا بالاتحاد.
وخلال محادثات أمس جرى الاتفاق على عقد قمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا مطلع الشهر القادم، وذلك لتقييم إجراءات تنفيذ خطة عمل مشتركة تهدف إلى مواجهة أزمة الهجرة واللاجئين، والترحيب بقرار حلف الناتو تقديم الدعم في مجال ملاحقة شبكات تهريب البشر والمهاجرين غير الشرعيين، والتخطيط للتعاون المشترك بين الناتو ووكالة مراقبة الحدود الأوروبية «فرونتكس»، لمحاولة حل أزمة الهجرة واللاجئين.
أما بخصوص المطالب البريطانية فقد ظهر تصلب واضح من قبل رئيس الوزراء البريطاني، حيث أعلن بمجرد وصوله إلى مقر اجتماعات قمة بروكسل أمس أنه «لن يوافق على أي اتفاق لا يتضمن مطالب بريطانيا»، وهو ما شكل رسالة واضحة لجميع الحاضرين في مؤسسات الاتحاد بأن الأمور ستزداد تعقيدا بين الجانبين قبل التوصل إلى اتفاق بشأن بقاء بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق لمح رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي إلى عدم حدوث أي تقدم في المناقشات حول ملف بريطانيا، خاصة أن بريطانيا تقدمت بمطالب جديدة حول المساعدات الاجتماعية المخصصة للاجئين والمهاجرين، مما جعل المفاوضات أكثر صعوبة.
وبخصوص ملف كيفية تعامل أوروبا مع أزمة الهجرة واللاجئين، اتفق قادة الاتحاد الأوروبي على عقد قمة مشتركة مع تركيا مطلع مارس (آذار) المقبل، بهدف تقييم ما جرى تنفيذه من إجراءات تم التوصل إلى اتفاق بشأنها من قبل، مع استبعاد أي خطط جديدة في الوقت الحالي، وقد كان من المقرر أن يشارك رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في أعمال القمة، لكنه اعتذر بسبب تطورات أمنية تشهدها تركيا.
وفي هذا السياق، اعتبر عدد من المراقبين في بروكسل أن ما جرى التوصل إليه بخصوص إشكالية الهجرة يعتبر حلا وسطا لإعطاء الفرصة لعدد من الدول حتى تعيد النظر في تصرفاتها، التي يعتبرها البعض داخل الاتحاد أحادية، خاصة أن هناك قناعة أوروبية بأن حل الأزمة يتطلب تحركا جماعيا، سواء في مجال إعادة التوزيع أو إعادة التوطين، أو إعادة القبول. وحول هذه النقطة بالذات أجمع كل من رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، في مؤتمر صحافي عقداه فجر أمس على ضرورة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقًا، خاصة لجهة التعاون مع تركيا، وضرورة «تفادي أي توجه نحو خطط بديلة»، حسب توسك. أما يونكر فكان أكثر وضوحًا حول هذا الموضوع بقوله إنه «لا بديل عن وجود تعاون ذكي وحكيم مع تركيا».
وينصب غضب غالبية الأوروبيين حاليًا على النمسا لأنها قررت تحديد عدد اللاجئين الذين يستطيعون الدخول يوميًا إلى أراضيها، وإغلاق حدودها مع الدول المجاورة، رغم الاعتراف بأن هذه الدولة بذلت ما بوسعها، بحجة عدم قيام الآخرين بما يتوجب عليهم، وفي هذا السياق أشار ماتيو رينزي، رئيس وزراء إيطاليا، إلى أن «بلدان أوروبا الشرقية التي لا ترغب في استقبال اللاجئين لن تتمتع كما تفعل الآن بكرم الدول التي تساهم أكثر من غيرها بأموال الاتحاد الأوروبي»، وأضاف موجها تحذيره إلى هذه البلدان بالقول إنه «حان الوقت للكف عن التلاعب.. فـمشكلة اللاجئين ترتبط بجميع دول الاتحاد الأوروبي، وهو المفهوم الذي نكرره منذ أكثر من عام.. والتضامن الأوروبي يجب أن يكون ثنائي الاتجاه»، على حد تعبيره، وذلك في إشارة إلى تلقي الكثير من دول أوروبا الشرقية تمويلا كبيرا من الاتحاد الأوروبي، لكنها ترفض استقبال المهاجرين.
من جانبه عبر رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز أمس عن قناعته بأن استمرار أزمة اللاجئين تعود بالأساس إلى إهمال بعض الدول لواجباتها وتعهداتها التي قبلتها خلال القمم الأوروبية الماضية، والتي أقرت الاستراتيجية الأوروبية لإدارة هذه الأزمة.
ووجه شولتز انتقادات لاذعة للدول التي «تدير ظهرها لأزمة اللاجئين»، وتعتبر أن المساهمة في إدارة الأزمة «أمرا لا يعنيها، وتعود في الوقت نفسه، للإلقاء اللوم عل مؤسسات الاتحاد».
ويبقى القاسم المشترك في ملف بريطانيا أمس هو تصريحات القادة الأوروبيين بعزمهم على بذل الجهود من أجل بقاء المملكة المتحدة في التكتل الأوروبي الموحد، إلا أن الشروط الموضوعة من قبل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، والتفاهمات التي توصل إليها مع رئيس الاتحاد قبل أيام لا تروق لكافة قادة الدول، حيث عبرت كل من فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ عن معارضتها لإعطاء الدول غير الأعضاء في منطقة العملة الموحدة (اليورو) بريطانيا خصوصًا، حق النظر في قرارات 19 دولة أخرى تتبنى هذه العملة، كما تعترض هذه الدول على كل ما من شأنه أن يعرقل المزيد من الاندماج الاقتصادي والمالي الأوروبي، في حين تريد بريطانيا الاستفادة من امتيازات السوق الأوروبية الموحدة، دون «التورط» بالالتزامات المرتبطة بها.
وحول هذه المفاوضات قال رئيس وزراء بريطانيا أمس «لقد حصل تقدم في المفاوضات، لكن لا اتفاق بعد، وسبق أن أعلنا أن الاتفاق منوط بحصول بريطانيا على طلباتها».
ولم تستبعد مصادر دبلوماسية مطلعة أن يعلن الزعماء عن موعد آخر، قد يكون قريبًا، لاستئناف النقاش حول بريطانيا، مؤكدة أن الأوروبيين لا يريدون أزمة جديدة، ولكنهم لا يرغبون في مزيد من التنازلات التي ستعطي نوعًا من «التفوق» لبعض التيارات المتشككة بمستقبل أوروبا: «مهما كانت النتيجة، فهي لن تكون لصالح الاتحاد»، وفق كلام نقلته المصادر عن عدة زعماء أوروبيين.



روسيا تشيد بمواقف ترمب وتَحمِل على أوروبا

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)
TT

روسيا تشيد بمواقف ترمب وتَحمِل على أوروبا

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)

أشاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأحد، بهدف الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، «المنطقي» لإنهاء الحرب في أوكرانيا، لكنه حَمَل على القوى الأوروبية التي احتشدت حول كييف، واتهمها بالسعي إلى إطالة أمد الصراع.

وقال لافروف إن الولايات المتحدة لا تزال تريد أن تكون الدولة الأكبر قوة في العالم، وإن واشنطن وموسكو «لن تتفقا أبداً على كل شيء، لكنهما تتفقان على التحلي بالنهج العملي حينما تتطابق المصالح». وذكر لافروف أن نموذج العلاقة بين الولايات المتحدة والصين هو النموذج الذي ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين موسكو وواشنطن لإنجاز كثير من «الأمور ذات المنفعة المشتركة» دون السماح للخلافات بالتحول إلى حرب. وأضاف لصحيفة «كراسنايا زفيزدا» العسكرية الروسية، وفقاً لنص نشرته وزارة الخارجية: «دونالد ترمب براغماتي (شخص عملي)... شعاره هو المنطق السليم. وهذا يعني، كما يمكن للجميع أن يروا، التحول إلى طريقة مختلفة لإنجاز الأمور». وتابع قائلاً: «لكن الهدف لا يزال جعل (أميركا عظيمة مرة أخرى)»، في إشارة إلى الشعار السياسي لترمب، مضيفاً: «هذا يعطي طابعاً حيوياً وإنسانياً للسياسة. ولهذا السبب من المثير للاهتمام العمل معه».

طفل يجلس على دبابة روسية مدمرة وسط العاصمة الأوكرانية كييف الأحد (أ.ب)

أوروبا «وراء مآسي العالم»

وكانت روسيا قد غزت أوكرانيا في 2022 بآلاف القوات؛ مما تسبب في أكبر مواجهة بين روسيا والغرب منذ الحرب الباردة.

وتحدث ترمب إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 12 فبراير (شباط) الماضي، وقال إنه يريد أن يذكره التاريخ بوصفه «صانع السلام»، لكنه غيّر تماماً السياسة الأميركية بشأن حرب أوكرانيا. وقال لافروف إن المكالمة مع بوتين كانت بمبادرة من ترمب. وقال ترمب الأسبوع الماضي إن الصراع قد يتحول إلى حرب عالمية ثالثة، مشيراً إلى أنه تحدث إلى بوتين في «مناسبات عدة» وأنه يعتقد أنه سيكون هناك اتفاق سلام في أوكرانيا.

ودخل ترمب يوم الجمعة هو ونائبه جي. دي. فانس في مشادة كلامية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي داخل المكتب البيضاوي. واتهم ترمب زيلينسكي بعدم احترام الولايات المتحدة، وقال إنه يخسر الحرب وإنه لم تتبقَّ لديه أي أوراق. وسارع زعماء أوروبيون إلى الدفاع عن زيلينسكي.

لكن لافروف انتقد أوروبا، قائلاً إنه على مدى 500 عام مضت، كانت أوروبا هي المحرك لـ«كل مآسي العالم» سواء «الاستعمار، والحروب، والحملات الصليبية، وحرب القرم، ونابليون بونابرت، والحرب العالمية الأولى، وأدولف هتلر». وأضاف لافروف: «والآن، بعد ولاية (الرئيس الأميركي السابق جو) بايدن، جاء أشخاص يريدون الاسترشاد بالمنطق السليم... يقولون بشكل مباشر إنهم يريدون إنهاء جميع الحروب، ويريدون السلام».

كما رفض لافروف المقترحات الأوروبية لإرسال فرقة من قوات حفظ السلام الأوروبية، وقال إن روسيا ليست لديها ثقة بأوكرانيا بعد انهيار «اتفاقيات مينسك»، التي كانت تستهدف إنهاء حرب انفصالية من قبل الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا. وقال لافروف إن الأوروبيين لا يستطيعون توضيح الحقوق التي سيتمتع بها الناطقون بالروسية بموجب خطط قوات حفظ السلام الأوروبية، مضيفاً أن روسيا لا تحب فكرة دعم الأوروبيين زيلينسكي. وتابع: «الآن يريدون أيضاً دعمه بحرابهم في شكل وحدات حفظ سلام. وهذا يعني أن الأسباب الجذرية لن تختفي».

«انسجام مع رؤيتنا»

كما قال الكرملين، في تصريحات بُثت الأحد، إن التحول الكبير الذي شهدته السياسة الخارجية الأميركية تجاه روسيا تماشى إلى حد كبير مع رؤيته. وأكد المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، لمراسل من التلفزيون الرسمي في مقابلة مسجلة: «الإدارة الجديدة تغير بسرعة جميع إعدادات السياسة الخارجية. وهذا ينسجم إلى حد كبير مع رؤيتنا». وأضاف: «لا تزال الطريق طويلة؛ لأن هناك أضراراً جسيمة لحقت بالعلاقات الثنائية بأكملها. لكن إذا تواصلت الإرادة السياسية، للرئيس بوتين والرئيس ترمب، فإن هذا المسار يمكن أن يكون سريعاً وناجحاً للغاية». وأدلى بيسكوف بهذه التصريحات الأربعاء، لكنها نُشرت الأحد.