هولاند والعاهل المغربي يسعيان لإعطاء العلاقات الثنائية دفعة جديدة

بحثا مجالات توثيق التعاون الأمني.. وجددا دعوتهما للبرلمان الليبي بمنح الثقة للحكومة

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والعاهل المغربي الملك محمد السادس عند مغادرته  قصر الإليزيه أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والعاهل المغربي الملك محمد السادس عند مغادرته قصر الإليزيه أمس (إ.ب.أ)
TT

هولاند والعاهل المغربي يسعيان لإعطاء العلاقات الثنائية دفعة جديدة

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والعاهل المغربي الملك محمد السادس عند مغادرته  قصر الإليزيه أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والعاهل المغربي الملك محمد السادس عند مغادرته قصر الإليزيه أمس (إ.ب.أ)

«شهر عسل جديد» أصبحت تعيشه العلاقات الفرنسية - المغربية، وذلك بعد شهور من النزاع الصامت، الذي ميز سنة 2014 بسبب سوء تصرف السلطات القضائية الفرنسية وردود الفعل المغربية.
أما اليوم فقد أصبح البلدان يسيران يدا بيد، سواء فيما يخص علاقاتهما الثنائية السياسية والاقتصادية والأمنية، أو في ما يتعلق بمجالات التعاون بينهما في الحرب على الإرهاب، والقضايا الإقليمية الساخنة.
وجاءت زيارة «العمل والصداقة»، التي يقوم بها العاهل المغربي إلى باريس لتؤكد مجددا المسار الجديد لهذه العلاقات، حيث التقى الملك محمد السادس أمس في قصر الإليزيه الرئيس فرنسوا هولاند، محاطا بكل التشريفات البروتوكولية. وبعد ذلك زار رئيسا الدولتين معا معهد العالم العربي، وسط إجراءات أمنية استثنائية، وحضور سياسي ودبلوماسي وإعلامي بارز، بهدف الاطلاع على مشروع بناء مركز ثقافي مغربي في العاصمة الفرنسية. وفي هذا السياق قالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط»، إن مرافقة الرئيس هولاند لملك المغرب «دليل آخر» على متانة العلاقة الشخصية التي أخذت تجمع الرجلين، بالتوازي مع عودة النقاء لعلاقات البلدين.
وأصدر قصر الإليزيه عصر أمس بيانا مطولا عن الزيارة، جاء فيه أن رئيسي البلدين «عبرا عن ارتياحهما للتميز الذي يطبع العلاقات الثنائية، وكثافة الشراكة التي تجمعهما في كل الميادين». وبحسب البيان فإن رئيسي الدولتين عقدا «لقاء مغلقا» في البداية، وبعد ذلك انضم إليه وزيرا خارجيتهما من أجل تناول المسائل الإقليمية، وتحديدا الملف الليبي الذي «يطرح تحديات بالنسبة لأمن المنطقة المغاربية والمتوسط الغربي».
وليس سرا أن باريس تعبر عن قلقها الشديد من تجذر تنظيم «داعش» في ليبيا، لما يمثله من تهديد لبلدان صديقة لفرنسا، مثل تونس والجزائر ومالي والنيجر، وبلدان أخرى من دول الساحل التي ترابط فيها قوات فرنسية، أعيد انتشارها للرد على التهديدات الإرهابية في المنطقة. ولم يفت هولاند الإشادة، وفق البيان بـ«الدور الأساسي» الذي لعبه المغرب في دعم المسار الليبي الحالي بوساطة الأمم المتحدة، الأمر الذي أفضى إلى اتفاق الصخيرات، وتشكيل حكومة اتحاد وطني ما زالت تنتظر موافقة البرلمان الليبي عليها.
وتربط باريس أي تحرك دولي في ليبيا بانطلاق حكومة الاتحاد الوطني، التي ستكون ممثلة الشرعية الجديدة. ولذلك دعا الرئيس هولاند والملك محمد السادس برلمان طبرق إلى الإسراع في منحها الثقة.
أما على الصعيد الثنائي، فإن الطرفين عبرا عن رضاهما عن التقدم الذي أحرزته مشاريع التعاون الاقتصادية والثقافية، وعن رغبتهما في توفير «دفعة جديدة» لعلاقاتهما الثنائية، وتعميق التشاور بينهما. بيد أن الأهم من ذلك، من وجهة فرنسية بحسب بيان الإليزيه، هو التعاون الأمني «الوثيق» القائم بين باريس والرباط، والذي مكن في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قوات الأمن الفرنسية من اعتقال جزء من المجموعة الإرهابية التي ارتكبت مجزرة العاصمة الفرنسية في 13 من الشهر المذكور. وأكد البيان الرسمي الفرنسي أن الطرفين «ينظران في مجالات جديدة لتوثيق التعاون بينهما» في الميدان الأمني.
وكان الملك محمد السادس قد زار باريس نهاية نوفمبر الماضي للتعبير عن تضامن المغرب مع فرنسا بعد العمليات الإرهابية الدامية، التي ضربت قلب العاصمة، وأوقعت 130 قتيلا و350 جريحا. وبحسب مصادر أمنية، فإن الأجهزة المغربية هي التي وفرت المعلومة التي قادت القوى الأمنية الفرنسية إلى مخبأ الإرهابي عبد الحميد أبا عود، الذي شارك في هجمات باريس، ولجأ بمساعدة قريبة له إلى ضاحية سان دوني الواقعة شمال باريس، حيث قتل مع حسينة وشخص ثالث، علما بأن أبا عود وهو مواطن مغربي بلجيكي، يعد العقل المدبر لعمليات باريس الإرهابية. ويشدد الطرفان على الحاجة إلى تبادل المعلومات الاستخبارية الخاصة بالملف الإرهابي بين الأجهزة الأمنية في البلدين.
وفي سياق آخر، وبالنظر لكون رئاسة قمة المناخ الـ22 ستنتقل إلى المغرب من فرنسا في نوفمبر المقبل، فإن محادثات محمد السادس وهولاند تناولت هذا الجانب، حيث شكر هولاند ملك المغرب لالتزامه «الشخصي» في موضوع البيئة، ما ساعد على إنجاح القمة التي استضافتها باريس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقد اتفق هولاند وملك المغرب على مزيد من التنسيق من أجل حث الدول على المصادقة على اتفاق باريس، وهو ما سيبدأ به في شهر أبريل (نيسان) المقبل في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
وفي معهد العالم العربي، اطلع رئيسا الدولتين على مجسم لبناء المركز الثقافي المغربي في باريس، الذي سيشيد في الدائرة الخامسة قريبا من حديقة لوكسمبروغ ومجلس الشيوخ، وينتظر أن يتم الانتهاء من المشروع بعد عامين. وقد تزاحم المدعوون في الطابق التاسع للمعهد، الذي غص بشخصيات وزراية وسياسية وإعلامية واجتماعية، وقد تم التوقيع على اتفاق بين السفارة المغربية في باريس وقصر الأنفاليد لاستضافة معرض مغربي في الأشهر القادمة. كما اغتنم قائدا البلدين المناسبة لزيارة معرض أوزيريس الذي يستضيفه المعهد برفقة رئيسه جاك لانغ.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.