جددت تركيا، أمس، مطالبها بإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، وقلصت مطالبها السابقة إلى رقعة جغرافية تمتد إلى عمق 10 كيلومترات من الحدود التركية إلى داخل الأراضي السوري، وتشمل منطقة أعزاز في ريف حلب الشمالي، وهو ما تراه المعارضة السورية ممكنًا، إثر الضغوط الأوروبية لمنع تدفق اللاجئين إلى أوروبا، رغم أن المقترح الجديد «لا يراعي مسائل الأمن القومي التركي».
والتقى المطلب التركي، مع تأييد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لإقامة منطقة حظر جوي في سوريا، في وقت أعلن فيه نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيليوف أنه لا يمكن «إقامة منطقة حظر طيران في سوريا دون موافقة الحكومة السورية والأمم المتحدة».
وفعّلت تركيا مطلبها، إثر تطورات عسكرية في ريف حلب الشمالي، دفعت بعشرات آلاف النازحين إلى الحدود التركية. وقال نائب رئيس الوزراء يالتشين أكدوغان في مقابلة لتلفزيون «آه هابر»: «نريد إقامة منطقة آمنة بعمق 10 كلم داخل سوريا تشمل أعزاز»، في وقت تستهدف فيه المدفعية التركية، منذ السبت الماضي، مواقع تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي التي استفادت من الهجوم الواسع النطاق الذي يشنه النظام السوري بإسناد جوي روسي في منطقة حلب (شمال) للتقدم إلى محيط أعزاز.
وكانت مصادر (قوات سوريا الديمقراطية)، أكدت عبر «الشرق الأوسط» على مدى اليومين الماضيين، أنها لن تتقدم باتجاه أعزاز، وأنها تسعى للوصول إلى مناطق سيطرة «داعش» شرقًا في شمال حلب.
وأمام تلك التطورات والمطالبات والتصريحات الكردية، ترى المعارضة السورية أن احتمال تنفيذ المنطقة الآمنة في شكلها الحالي، أي حول أعزاز بعمق 10 كيلومترات «قابلة للتحقق». وقال المعارض السوري عبد الرحمن الحاج لـ«الشرق الأوسط»، إن «المطلب التركي كان في السابق مرتبطًا بالأمن القومي التركي، أما الآن فقد بات مقتصرًا على حل أزمة اللاجئين ووقف تدفقهم إلى الداخل التركي»، مشيرًا إلى أنه بعد تقلص المساحة التي كانت ضمن المقترح السابق للمنطقة الآمنة «لم يعد الاقتراح على مستوى حماية الأمن القومي التركي، رغم أنه يقطع في الكيلومترات العشرة المقترحة، امتداد المنطقة الكردية من تل أبيض شرقًا، إلى عفرين غربًا»، موضحًا أن «إمكانية إقامتها بهذا التوازن ممكنة خصوصا بعد تفاقم أزمة اللاجئين، وهو ما يشكل ضغطًا على أوروبا».
وأعرب الحاج عن اعتقاده بوجود «ضغط أوروبي على الولايات المتحدة الأميركية للقبول بالاقتراح»، معتبرًا أن هذا الضغط «سيكون جيدًا لجهة احتضان آلاف النازحين من ريف حلب من جهة، كما أن هذا الإنجاز، لو تحقق، يمكن أن يساعد القوى الثورية على إعادة تأهيل نفسها وتكون المنطقة ملاذًا آمنًا وإعادة تأهيل نفسها»، رغم وجود شكوك من أن تكون هناك «شروط مرتبطة بهذا الموضوع من الجانب الأميركي أو القوى المنخرطة في الصراع إلى جانب النظام وفي مقدمهم روسيا».
وكان المقترح السابق لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، حدد مناطق امتدادها من جرابلس شمال شرقي حلب، حتى أعزاز غربًا، أي بطول 50 كيلومترًا، وبعمق يمتد إلى أربعين كيلومترًا داخل الأراضي السورية. وانتهى المشروع إثر التدخل الروسي في الميدان السوري، الذي أعاد خلط الأوراق مجددًا.
وإضافة إلى الانخراط العسكري الروسي، ترى المعارضة أن هناك عاملاً حال دون قيام المنطقة الآمنة وفق المقترح السابق، تمثل في تباين الموقف الأميركي تجاه المنطقة الآمنة، على ضوء المطلب التركي، ورفض حلفائها الأكراد في شمال سوريا.
ويقول المعارض السوري وعضو «الائتلاف الوطني» نصر الحريري لـ«الشرق الأوسط»، إنه «من أحد أهم أسباب التدخل الروسي، إضافة إلى تمكين قوات الأسد بعد انهياراتها، كان منع نشوء المنطقة الآمنة التي تم الحديث عنها، وهي مطلب سوري للمعارضة أساسًا، لأنها تؤسس لخطوة إزاحة (الرئيس السوري) بشار الأسد عن السلطة»، فضلاً عن «عدم الحماسة الأميركية لتنفيذ منطقة مشابهة». وأضاف: «بتصوري اليوم، سنعود إلى العائق نفسه، وهو الموافقة الأميركية. نرى اليوم أن واشنطن تتخلى عن أي خطوة من شأنها أن تمكن المعارضة»، شارحًا أن المنطقة الآمنة «ستكون مقرًا لعشرات آلاف اللاجئين المحميين من القصف الجوي السوري والروسي، كما أنها ستكون فرصة لتنظيم القوات العسكرية والقوى الثورية نفسها لمحاربة داعش والنظام».
وإذ رأى أن الموضوع «مرهون بالإرادة الأميركية أولاً وأخيرًا»، قال: «أعتقد أن العائق لا يزال أميركيًا، فقد وصلت الدول الغربية الصديقة للشعب السوري إلى حال من عدم القدرة على اتخاذ قرارات شجاعة، رغم أن التطورات اليوم تهدد الأمن القومي العربي والأمن التركي». وأضاف: «من الواضح أن هناك اتفاقا أميركيًا – روسيًا على عد تنفيذ مشروع مشابه، لذلك هناك فرصة لأن يتبنى التحالف الإسلامي المشروع ويقوم بخطوات على الأرض مشابهة لما حققته المملكة العربية السعودية في اليمن، وخصوصًا أن المنطقة الآمنة المقترحة الآن هي منطقة صغيرة جدًا وقابلة للتحقق».
تركيا تقلص مقترحها للمنطقة الآمنة إلى 10 كلم.. والعائق لا يزال أميركيًا
معارضون: المطلب التركي لم يعد مرتبطًا بالأمن القومي
تركيا تقلص مقترحها للمنطقة الآمنة إلى 10 كلم.. والعائق لا يزال أميركيًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة