الناجية الإيزيدية «نادية»: نموت كل يوم والعالم صامت عما حل بنا

دعت من لندن المجتمع الدولي إلى الاتحاد للقضاء على «داعش»

نادية مراد تتحدث عن معاناة الإيزيديين في مقر اتحاد النقابات في لندن ويبدو كاوه بيساراني منسق العلاقات الخارجية للحركة الديمقراطية العراقية (تصوير: جيمس حنا)
نادية مراد تتحدث عن معاناة الإيزيديين في مقر اتحاد النقابات في لندن ويبدو كاوه بيساراني منسق العلاقات الخارجية للحركة الديمقراطية العراقية (تصوير: جيمس حنا)
TT

الناجية الإيزيدية «نادية»: نموت كل يوم والعالم صامت عما حل بنا

نادية مراد تتحدث عن معاناة الإيزيديين في مقر اتحاد النقابات في لندن ويبدو كاوه بيساراني منسق العلاقات الخارجية للحركة الديمقراطية العراقية (تصوير: جيمس حنا)
نادية مراد تتحدث عن معاناة الإيزيديين في مقر اتحاد النقابات في لندن ويبدو كاوه بيساراني منسق العلاقات الخارجية للحركة الديمقراطية العراقية (تصوير: جيمس حنا)

نظمت الحركة الديمقراطية العراقية وبالتنسيق مع اتحاد النقابات البريطانية (الذي يمثل 12 مليون عضو في بريطانيا) جلسة حوارية للفتاة الكردية الناجية من «داعش» نادية مراد المرشحة لنيل جائزة «نوبل للسلام» في مقر اتحاد النقابات في العاصمة البريطانية لندن، وروت نادية مراد خلال الجلسة الكارثة التي حلت بالإيزيديين على يد «داعش» والجرائم التي ارتكبها التنظيم ضد الإيزيديين ونسائهم وأطفالهم.
وقال الناشط المدني ومنسق العلاقات الخارجية للحركة الديمقراطية العراقية، كاوه بيساراني الذي أدار الجلسة التي حضرتها «الشرق الأوسط»: منذ يومين، وأثناء اجتماع اتحاد المحامين المعنيين بحقوق الإنسان داخل إنجلترا وويلز، طرح أحد المحامين السؤال التالي على نادية: من أين تستقون هذه القوة؟ إنه من الألم الذي مر به شعبها، والألم الذي عايشته الآلاف من الفتيات والنساء الإيزيديات اللائي ما زلن في أيدي تنظيم داعش، والألم من حفر كل هذا الكم الضخم من القبور لكثير من الأبرياء، ومع ذلك لم يحفل أحد بعد بالأمر، الألم الذي شعرت به النساء الإيزيديات والأطفال الذين تركوا داخل معسكرات اللاجئين لمواجهة قسوة البرد ومستقبل يكتنفه الغموض. من ألم الأيام التي عاشتها في ظلال العلم الأسود الذي يرمز للوباء الأسود المعروف باسم «داعش»، الألم والخوف من تعرض أهلها للإبادة والسحق. نادية تحمل على كاهلها جميع هذه الآلام من بلد لآخر، ومن حكومة لأخرى. وتطرق أبواب السياسيين ورجال الدين لتخبرهم قصتها وتسألهم: لماذا تركوا بأيدي «داعش»؟ لماذا لم يحاكم أحد عن هذه الجرائم بعد؟ لماذا لا يزال هناك صمت حول الأمر؟ من سيعيد لنا أرضنا؟ من سيحمينا؟ أين مستقبلنا؟
في خضم كل هذه الآلام، نسيت نادية آلامها الشخصية - آلام فقدان ستة أشقاء! آلام العجز عن معرفة أين يمكنها العثور على جثمان والدتها! من إذن يستحق جائزة «نوبل» أكثر من نادية مراد؟
دعونا نستمع لهذه الفتاة الشجاعة ولقصتها القوية وصمودها وقوتها التي تجعل منها شخصية تستحوذ على إعجاب الملايين أينما ذهبت.
وبدأت الفتاة الناجية من «داعش» نادية مراد برواية قصتها التي تمثل آلام الآلاف من الإيزيديين، وقالت: «أعتقد أن الجميع عرفوا قصتي وسمعوا بها، لا أستطيع إخباركم القصة بالكامل من بدايتها لأنني تكلمت عنها في كثير من الأماكن، عندما قررت أن أتكلم لم تكن قصتي عن اسمي أو اسم قبيلتي وعائلتي ومجتمعي فقط، بل باسم كل امرأة وكل طفل في العالم في الدول التي فيها حرب وتعاني من هذه المشكلات. مر شهران على ما بدأت به، العالم وليس الإيزيديون فقط الذين تشردوا من بيوتهم، والناس الذين كانوا ضحايا الإرهاب، فرحوا جميعا بما أفعله، رغم أنني لم أتلق أي رد للمطالب التي طالبت بها المجتمع الدولي لكن الناس فرحوا لأنها تمثل معاناة جميع الذين ظُلموا».
ومضت نادية مراد تروي قصتها للحاضرين: «تعرضت نحو 5800 امرأة وطفل إيزيدي إلى السبي من قبل تنظيم داعش. التنظيم قتل كثيرا من الناس في سوريا والعراق وأسفرت هجماته عن تشرد ملايين الناس من بيوتهم، لكن عندما هاجمونا نحن الإيزيديين قتلوا رجالنا وأخذوا الفتيات والنساء والأطفال سبايا. كانوا يبيعون الفتيات ويؤجروهن في جميع مقراتهم في سوريا والعراق وأخذوا الأطفال إلى معسكرات التدريب. وكانوا ينفذون جرائمهم كافة من قتل واغتصاب وتشريد وهتك أعراض الناس باسم الدين الإسلامي».
وأضافت مراد: «يعتقد كثير من الناس الذين سمعوا قصتي أنها صعبة لكن هناك فتيات قصتهن أصعب من قصتي. تنظيم داعش قتل ستة من إخواني لكن هناك عوائل قُتل عشرة من أبنائها، وحتى هذه اللحظة هناك 3400 امرأة وطفل إيزيدي في أيدي (داعش)، وكل ما نطلبه هو تحرير فتياتنا، صحيح أن سنجار تحررت، لكن هناك 40 في المائة من مناطقنا ما زالت تحت سيطرة (داعش)، أما بالنسبة للمقابر الجماعية، فاكتشفت حتى الآن أكثر من 27 مقبرة جماعية في المناطق المحررة لم تفتح منها أي مقبرة. الإيزيديون وكل المجتمعات الأخرى التي تضررت كل ما يريدونه من هذا العالم وما أطلبه أنا أن يتوحد العالم ويقفوا معنا وقفة إنسانية كي ينهوا (داعش). (داعش) يمثل خطرا على شعوب المنطقة كافة، ليس على العراق وسوريا فقط، فهناك كثيرون من دول العالم الأخرى انضموا لـ(داعش). أتمنى من له القدرة على المساعدة حتى ولو بقول كلمة الناس الذين تأذوا في هذه الحرب أن يقدم مساعدته».
وأردفت مراد بالقول: «مر عام ونصف على الكارثة التي حلت بنا والإبادة ما زالت مستمرة بحق الإيزيديين، نموت كل يوم عندما نرى العالم صامتا عما حل بنا. لن أنسى اللحظة التي قتلوا فيها رجال القرية وكان من بينهم ستة من إخواني وقبل قتلهم لأمي قالت سوف أخسر أبنائي، حيث قتلوها في اليوم نفسه الذي قتلوا فيها إخواني، مع 80 امرأة أخرى بعد تبديل موقعنا. لقد كنت يتيمة لا أملك سوى أمي لكن عندما أخذوني إلى الموصل وباعوني وأجروني مع بقية الفتيات نسيت أمي وإخواني، لأن ما واجهته وتواجهه الفتيات المختطفات من قبل (داعش) كان أصعب من الموت. تصوروا ولهذه اللحظة تباع وتؤجر الفتيات من عمر التاسعة ويُسبين. لقد قتلوا الإيزيديين وهاجموا منازلهم وسرقوا أموالهم وأخذوا بناتهم».
واختتمت مراد حديثها بالقول: «رغم تحرير سنجار لكن لم يعُد إليها الإيزيديون حتى الآن ليس لعدم توفر الخدمات فيها أو للحطام، بل لأننا فقدنا الثقة ولا نعلم فيما إذا سوف يتكرر هذا الأمر أم لا. فقدنا الثقة في الحكومات ولا نستطيع أن نرجع إلى مناطقنا إلا إذا توفرت لنا حماية دولية. الناس جميعها تهاجر وليس الإيزيديون فقط، لأنه من الصعب تحمل إعادة ما يجري كل عدة سنين، حيث تعرض الإيزيديون إلى هذه الهجمات نفسها منذ عدة قرون مضت».
وفي معرض ردها على سؤال من قبل أحد الحاضرين أهمية جائزة «نوبل» لديها، شددت نادية بالقول: «لا تهمني جائزة (نوبل) بقدر ما يهمني إنقاذ شعبي من (داعش) وإنهاء التنظيم وإنقاذ الإيزيديين والإيزيديات المختطفات لدى داعش».
وشهدت الجلسة حضورا كبيرا لاتحاد النقابات البريطانية والسفارة العراقية في بريطانيا والكنائس ومنظمات المجتمع المدني وجمع غفير من المثقفين والكتاب والناشطين العرب من مختلف الدول العربية، بينما رافق نادية مراد في الجلسة، مراد إسماعيل، مساعدها الشخصي في حملتها العالمية، والعضو المؤسس ومدير منظمة «YAZDA».
وتعرضت المدن والبلدات ذات الغالبية الإيزيدية في سهل نينوى في أغسطس (آب) من عام 2014 إلى هجوم موسع من قبل تنظيم داعش، الذي قتل آلاف الشباب والرجال الإيزيديين وسبا نساءهم وفتياتهم وأطفالهم، الذين عرضهم التنظيم فيما بعد في أسواق النخاسة التي افتتحها لذلك في الموصل والفلوجة وفي الرقة ودير الزور وكل المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم في العراق وسوريا، وبحسب الفتيات الناجيات من «داعش» فإنهن تعرضن للاغتصاب والاعتداء من قبل مسلحي التنظيم وحُرمن من الطعام ومياه الشرب.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.