بشعار «الأدب.. حياة» انطلقت بداية الأسبوع الحالي فعاليات الدورة الثانية لمهرجان القاهرة الأدبي، الذي يستمر حتى 18 فبراير (شباط) الحالي. افتتح المهرجان وزير الثقافة المصري، حلمي النمنم، في حضور ثلاثين أديبًا من 15 دولة، منهم: الشاعر أحمد الشهاوي من مصر، ومايكل مارش من الولايات المتحدة، والشاعر جبار ياسين من العراق، وبيتر وجسن من الدنمارك، والشاعر فرانك بايس من جمهورية الدومينيكان، وطارق الطيب من السودان، والسورية رشا عمران، وإبراهيم عبد المجيد من مصر.
وأعرب النمنم عن سعادته بالمهرجان، قائلا إن «القائمين عليه عدد من الشباب المستقلين، خصوصا أن الثقافة المصرية والعربية ازدهرت بجهود أفراد قبل جهود المؤسسات»، مشيرا إلى أن تأسيس وزارة الثقافة كان منذ عام سنة 1958، لكن العمل الثقافي كان منذ مطلع القرن العشرين وقبل ذلك في القرن التاسع عشر بدأ بجهود فردية، وكان هناك كثير من المؤسسات الثقافية، ومنها جامعة القاهرة، قامت بدعوات من قاسم أمين وسعد زغلول». وأضاف: «أتمنى أن يأتي اليوم الذي يظل الدين في مكانه الرفيع والسامي في المجتمع، فإن للبيت والدين ربا يحميهما، لكن مصيرنا يجب أن نختاره نحن، نختاره بالعقل، وبالحرية وبالديمقراطية، فإن أي دولة بلا كرامة إنسان، تصبح سجنا وليست دولة، ونحن في منطقتنا نخرج من سجون صغيرة إلى سجون كبرى. والعالم العربي منذ عام 2003 يتم تدميره باسم الحرية».
وقال الشاعر أحمد الشهاوي، في تقديمه للأديب الليبي إبراهيم الكوني ضيف المهرجان، قائلا عنه إنه «ابن شرعي للشعر والفلسفة، مثل عادة الكبار في الثقافات والحضارات، إذ يفرح بالفلسفة وسؤالها، ليكتب سيرته، التي هي الرواية المعيشة، تلك الرواية التي هي اسم الصحراء، حيث يكون في اللامتناهي».
ثم ألقى الكوني كلمته، التي تحدث فيها عن الأدب باعتباره فعل مقاومة للموت، والإرهاب، والظلم، قائلا «أن يكون (الأدب حياة) هو الترجمة الأمينة لأن تكون قيمة الحياة هي رسالة كل أدب، في حين يستبسل منطق التورية، الذي هو هدية في كل مسلمة، لحجب الرؤية عن مريد الكنز. هذا الكنز الذي يسكن حرف الروتين الذي يجعلنا نألف رموز وجودنا، بحيث تغترب في الرموز فتنة الوجود». وطرح تساؤلا: «أين موقع الأدب في واقع محموم بروح المكيدة، مبلبل بالظمأ إلى الغنيمة، متنكر لهوية كانت فيه بالأمس قيمة؟».
ثم تحدث عن سلطة النص باعتباره «غنيمة سلطان مطلق الصلاحية، وخالد بطبيعته بوصفه طاقة وجدانية مجبولة ببصمة القداسة، مقابل حجة مخلوق عاجز، وفوق ذلك فانٍ، اسمه الشخص الذي أبدع النص». واستطرد: «بوسع صاحب النص أن ينزل ساحة النزال شخصًا أيضًا إذا شاء، كما فعل همنغواي في الحرب العالمية، أو في الحرب الأهلية الإسبانية، أو كما فعل أندريه مالرو في الحرب الأهلية الصينية، أو كما فعل شولوخوف في الحرب الوطنية ضد الفاشية، ولكن إذا حكمنا في المعادلة جناب النص، أو مفعول النص، بالمقارنة مع مبادرة الشخص بوصفه صاحب نص، فسوف نكتشف أن سلطان (لمن تُقرع الأجراس) أقوى مفعولاً من فعل (همنغواي) مثل شخص، و(قدر وجود الإنسان) عمل أعظم شأنًا من مآثر (أندريه مالرو) في حرب الصين، و(مصير إنسان)، في حال (شولوخوف)، وثيقة إدانة في حق الحروب، لكنها أقل شأنًا من (الدون الهادي) المستوحاة إلهامًا من الحرب الأهلية الروسية وليس مشاركةً، لأن ما يبقى من نشاط الإنسان، ليصير تاليًا غنيمة الأجيال، ليس الحرف، ولكن فحوى الحرف، أي الموقف من وجود لا خلود له، ولا حول له، ليتحول أمثولة متوارثة، إلا بروح الفعل المبثوث بطبيعته في النص، القادر أن يكون خليفةً بعد فناء الشخص. وهو ما لن ينفي عن الملحمة التجربة نفسها بالطبع، التي تُعلي شأن القيمة الأخلاقية، إلى جانب القيمة الجمالية، عملاً بالوصية القائلة بأن للشجعان فقط يبتسم الحظ».
وعن الأدب والآيديولوجيا، أكد الكوني «أن إرادة الحرية هي ما لا يهزم. تلك الحرية التي كانت منذ الأزل عصب الأدب، لكن أجرمت في حقها السياسة عندما اختزلتها في حرف ميت، ومعادٍ للحقيقة، مثل الآيديولوجيا. فالأدب، إذا كان السليل الشرعي للميثولوجيا، فإنه النقيض الحقيقي للآيديولوجيا. فمن روح الميثولوجيا لم يولد الأدب وحده، ولكن ولد اللاهوت أيضًا، وتدخل الآيديولوجيا هو ما زعزع اللاهوت دومًا ليحوله في حياتنا إلى طاغوت».
وتناولت كلمة صاحب «فرسان الأحلام القتيلة» الواقع المعيش اليوم عبر تساؤلات عميقة طرحها، هي: «هل كانت الآيديولوجيا لتفلح في مكيدتها ضد الحياة لتدخل الناس في دين الإرهاب أفواجًا لو لم تمهد لها السياسة السبيل يوم اعتمدت الأخيرة الحرف ناموسًا، لا لتحريف الديانات وحدها، ولكن لتحريف الوجود أيضًا؟ ألم تكن السياسة هي العون الذي هرع لنجدة الآيديولوجيا التي تتشدق بالدين يوم سخّرت لها تقنية المعلومات مطيةً، لتدنس مفهوم هذا الاختراع، المستعار أصلاً من كلمة يونانية تحمل مدلولاً مزدوجًا ليس البعد التقني فيه إلا فرعا من شجرة الجذر فيها هو الروح الشعرية التي تستخرج المستبطن، لتجسده كيانًا قائمًا في الظاهرة، وهو ما يعني الإبداع حرفيًا؟».
وخلص صاحب «نزيف الروح» في كلمته إلى أن «الأدب صار ضحية النزعة الآيديولوجية، مثل الدين تمامًا، لتغترب فيه روح الحقيقة: الحقيقة المعادية بالسليقة لنزعة مميتة مثل الاحتكار». وحول رؤيته للرواية العربية اليوم، قال إن «ما يحدث اليوم مع الرواية يعد استهتارًا بقوانينها، فلا يجوز أن يكتفي الروائي بالسرد الوجداني، أو يتناول تجربة ذاتية، ويقال عنها (رواية)، فإن الرواية دراما، فإذا ما قرر كاتب أن يكتب شخصية فيجب أن يخضع لقانون الدراما».
وتضمنت فعاليات المهرجان، إطلاق رواية الكاتب التشيكي مارتن فوبينيكا، «المدينة النائمة» بمكتبة «الكتب خان». أشار فوبينكا إلى أن «الترجمة للكاتب هي صوته الثاني، لذا فإن الكاتب المحظوظ هو من يعثر على المترجم المناسب الذي ينقل صوته إلى الشعوب الأخرى غير الناطقة بلغته». وأشار إلى أن روايته تنتمي إلى أدب الخيال العلمي، وتدور أحداثها حول مدينة كرالوف التشيكية التي غشي فيها النوم كل من أنجب أطفالا، وبقي الأطفال وحدهم دون والديهم يواجهون مصائرهم، لافتا إلى أن الرواية تخاطب الشباب، لذا فهي تعج بالعبارات التربوية والأخلاقية التي تأتي من أطفال.
وكانت قد نظمت أول من أمس (الاثنين)، أمسية شعرية موسيقية، بحضور الشاعر بيتر لاوجسن من الدنمارك، والشاعر المصري علاء خالد، بمصاحبة فرقة «الدور الأول»، كما ناقش الأديب المصري إبراهيم عبد المجيد مع الشاعر العراقي جبار ياسين «أدب المقاومة» في المركز الدولي للكتاب، التي تطرق فيها ياسين إلى ظاهرة «الأكثر مبيعا» بين الروايات العربية، مؤكدا أن تلك الروايات تحظى بشهرة كبيرة تنتفي عنها صفة الخلود، ولا يمكنها أن تدخل تاريخ الأدب، وعن شعر المقاومة، قال إن «الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، لم يصبح شاعر المقاومة، إلا بعدما هجر قصائدها، ولم يعد يكتب عنها مرة ثانية»، لافتًا إلى أن الديوان الحقيقي الأول لـ«درويش» ضمن قصائده عن المقاومة هو ديوان «أحد عشر كوكبًا»، على الرغم من أن هذا الديوان لم تذكر فيه كلمة فلسطين.
الكوني: الأدب ضحية النزعة الآيديولوجية كما الدين
افتتاح مهرجان القاهرة الأدبي الثاني بمشاركة 30 أديبًا من 15 دولة
الكوني: الأدب ضحية النزعة الآيديولوجية كما الدين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة