من التاريخ: الثورة الصناعية الثانية والنظام الدولي

ألكسندر غراهام بل
ألكسندر غراهام بل
TT

من التاريخ: الثورة الصناعية الثانية والنظام الدولي

ألكسندر غراهام بل
ألكسندر غراهام بل

إذا كانت الثورة الصناعية الأولى قد أتت بمتغيرات في وسائل الإنتاج من خلال استخدام ماكينات البخار وبعض الاكتشافات الكهرومغناطيسية التي سمحت بظهور التراسل، وغيرها من الاختراعات لمدة مائة سنة منذ منتصف القرن الثامن عشر، فإن الثورة الصناعية الثانية التي اندلعت من منتصف القرن التاسع عشر لمدة قرابة مائة سنة قد أتت بمتغيرات أكثر أهمية، حيث غيرت تمامًا حياة الإنسان على وجه الأرض.
وإلى هذه الثورة الصناعية الثانية يُنسب شكل النظام الاقتصادي الدولي الذي نعيشه اليوم، فهي التي وضعت الأسس العلمية التي كفلت لنا حياة مختلفة تمامًا عن قرن ونصف القرن مضيا.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن هذه الثورة بدأت في حدود عام 1860 تقريبًا في بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا فيما بعد، ثم انتشرت في كل أوروبا بحلول العقود الأولى من القرن العشرين ثم إلى باقي العالم. ويمكن إدراج أهم ملامح هذه الثورة في اختراع وتطوير صناعة الصلب واختراع الموتورات المبنية على فكرة «الاحتراق الداخلي» Internal Combustion، واختراع الدينامو والتطورات الهائلة في المجال الكهرومغناطيسي والكهرباء.
لقد بدأت الثورة الصناعية الثانية من خلال عدد من الاختراعات التي سمحت بالتوسع في صناعات الصلب (الفولاذ) بدلاً من التركيز على الحديد فقط بعد تطويرها من خلال اكتشاف ضخ هواء نقي في الأفران لتنقية الحديد مهما كانت نوعيته ليتحول إلى صلب. هذا ساهم بشكل كبير في توسيع عمليات البناء في الغرب.
ثم جاء بعد ذلك مباشرة اختراع الدينامو، الذي بفضله استطاع العلماء تحويل الطاقة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية. وعلى الرغم من أن فكرته ترجع إلى عام 1831 فإن تطبيقاته لم تدخل حيّز التنفيذ إلا في أواخر القرن نفسه، وهو ما سمح بالاستخدام الواسع للكهرباء باعتبارها مصدرا للطاقة التي باتت تدريجيًا أساسًا لأغلب إنتاج الطاقة في الدول الأوروبية بحلول القرن العشرين.
ولعل أهم إنجاز بعد استخدام الكهرباء كان اختراع أول محرّك (موتور) في عام 1876 يعمل على أساس الاحتراق الداخلي، وهو ما فتح المجال أمام صناعة السيارات والقطارات. ومن ثم أدخل العالم في «عصر الموتور» باستخدام منتجات البترول، باعتبارها أهم وسيلة للطاقة ولتوليد الكهرباء في الوقت الذي كانت استخدامات البترول فيه محدودة على استخراج الكيروسين للإنارة فقط. وينسب إلى ألمانيا هذا الاختراع من خلال سلسلة من العلماء ترتبط في حاضرنا اليوم بنوعيات السيارات التي نُسبت إليهم، فقد وضع غوتليب ديملر Daimler أول هذه المحركات، بينما اخترع كارل بنز Benz فكرة الشرارة الكهربائية، وينسب إلى فيلهلم مايباخ Maybach اختراع المفحم (الكاربُراتير)، وهو ما سمح بإنشاء أول سيارة تسير على أساس الاحتراق الداخلي، وقد طوّر بعد ذلك العالم الألماني رودولف ديزل Diesel فكرة الاحتراق الداخلي من خلال استخدام الخام الطبيعي - أو المازوت - الذي سرعان ما انتشر خصوصا في السفن التجارية، وإليه ينسب اسم «الديزل» أحد مشتقات البترول التي نعرفها اليوم.
وقد استمرت الثورة الصناعية في اختراعاتها تدريجيًا، فدخل العالم عصر الميكنة بشكل موسع للغاية، خصوصا بعد اكتشاف الخلايا الضوئية، وهو ما سهل عملية الإنتاج. وينسب إلى المستثمر والصناعي الأميركي هنري فورد فكرة حركة المصانع بوضع خطوط للإنتاج على أحزمة تتحرك عليها المعدات ويجري تركيبها من خلال العمال، ولقد انتقلت هذه الفكرة فيما بعد إلى خطوط إنتاج السيارات، حيث تم تجميع أول محرك سيارة في قرابة 93 دقيقة فقط، وهو ما سرّع من حركة الإنتاج بعد تطبيقه على كثير من الصناعات.
وصاحب هذا التقدم أيضًا دخول العلم بشكل كثيف في عملية التصنيع، خصوصا بعد تطور علوم الطبيعة والكيمياء، وأثرهما المباشر علي تصنيع منتجات الألياف والمطاط وغيرهما، كما صاحب هذه الفترة طفرة كبيرة في الصناعات الغذائية المصنعة فضلاً عن الحرير الطبيعي.
لعل أكثر الاختراعات التي أثرت على عالمنا اليوم كان اختراع اللاسلكي الذي استند إلى كثير من اختراعات الثورة الصناعية الأولى، لكن تطبيقاته تنسب إلى الإيطالي غوليلمو ماركوني Marconi الذي استند إلى اكتشافات هاينريش هيرتز Hertz - الذي ينسب إليه اسم الموجات المستخدمة في الراديو واللاسلكي اليوم - فقام بتصنيع أول لاسلكي. وكانت الفكرة الأساسية له تستند إلى إطلاق موجات كهرومغناطيسية واستقبالها من خلال أجهزة محددة، وقد استطاع ماركوني إجراء أول تجربة له لنقل رسالة من بريطانيا عبر بحر المانش إلى القارة الأوروبية، وطبقت التجربة ذاتها عبر المحيط الأطلسي عام 1901. ثم كان أول استخدام تجاري لها من خلال اختراع الراديو عام 1920، وتم تطبيق الفكرة نفسها على اختراع جديد هو التلفزيون في أربعينات القرن الماضي. وسرعان ما انتقل العلم لاختراع التليفون الذي سجلت براءته المخترع البريطاني ألكسندر غراهام بل Bell من خلال تطبيق مبادئ مشابهة لتسهيل الاتصالات عبر السلوك.
ولعل أكثر الاختراعات تأثيرا على المجتمعات كانت أيضًا الإنارة الكهربائية للبيوت والمصانع بدلاً من الشموع. وعلى الرغم من أن فكرتها ولدت في عام 1820، إلا أن تطبيقاتها العملية والتجارية بدأت في عام 1879 على أيدي المخترع الأميركي الشهير توماس إديسون Edison الذي اخترع اللمبة أداة للإنارة باستخدام الكهرباء.
لقد أدت الثورة الصناعية الأولى إلى كثير من النتائج المبهرة التي غيّرت أسلوب حياة كل المواطنين في العالم، ولا يوجد على كوكب الأرض من لم يستفد من هذه الاختراعات في حياته. ولكن هذه الثورة كانت لها آثارها الكبيرة على النظام الاقتصادي على المستوى القطري والدولي، فقد أدت إلى ظهور مفهوم «الرأسمالية الصناعية» بشكله الحالي، حيث وجهت استثمارات هائلة من إنتاج هذه الاختراعات على مستوى واسع وكبير. كذلك أدت هذه الثورة إلى هيكلة عملية التصنيع على الشاكلة التي هي عليها اليوم، وأسفرت عن إنشاء كيانات كبرى للغاية من خلال التوسع في إنشاء الشركات المساهمة، التي قامت بدورها بعملية مهمة للغاية في فصل الإدارة عن الملكية. إذ كانت ملكية هذه الشركات للمساهمين، بينما كانت الإدارة الفعلية في أيدي نخب معينة لإدارتها. وأسفرت هذه المتغيرات عن بزوغ نوعية جديدة من الممارسات التي كثيرًا ما يطلق عليها «الكارتل» التي كانت تهدف إلى التعاون بين مجموعة من الشركات المتخصصة في إنتاج منتج محددة لضرب المنافسة في الأسواق. وبدأ هذا المفهوم داخل الاقتصاد الواحد، ثم تحول مع مرور الوقت، ليصبح على المستوى الدولي عندما تحالفت شركات بعينها في دول مختلفة لضرب أي منافسة مستقبلية من خلال التحكم في أسعار المنتجات وأسرار التصنيع.
وأدت هذه التحولات المذهلة إلى متغيرات اجتماعية واسعة النطاق في النظم الرأسمالية، فعند تحوّل النظم الاقتصادية من الزراعة إلى الصناعة كان الأثر الاجتماعي الأول هو ظاهرة التحضّر التي أدت إلى ظهور طبقة العمال في كل الدول الصناعية، وذلك مقابل الطبقة الرأسمالية التي كانت تسيطر على وسائل الإنتاج. ومن هنا بدأت النظريات الاقتصادية الكلاسيكية لوضع أنماط التعامل الاقتصادي والاجتماعي بين هذه الفئات المختلفة، وعلى رأسها النظرية الماركسية التي هدفت إلى تمليك طبقة رجال الأعمال أدوات الإنتاج.
واقع الأمر أننا يمكن اعتبار الثورة الصناعية الثانية هي اللبنة التي وضعت الأرضية لشكل النظم الاقتصادية على مستوى العالم. وكل محاولات تغيير هذا المصير الرأسمالي باءت بالفشل الكامل، خصوصا بعد انهيار النظرية الاشتراكية أمام المتغيرات الدولية التي واكبت انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، .
وتعد الثورة الصناعية الثانية ونتائجها هي أساس النظام الاقتصادي الذي نعيش فيه اليوم وتمثل جذوره الحاضرة، فحتى مع ظهور الثورة الصناعية الثالثة في خمسينات القرن الماضي التي تمثلت في «الثورة الرقمية Digital Age»، فإن أسس قاعدة الإنتاج وأدواتها تنسب إلى عصر الثورة الصناعية الثانية التي أدت إلى متغيرات واسعة كما سنرى.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».