دير الزور المنسية إعلاميًا: النظام يحوّل المدنيين إلى دروع بشرية ويجبر الشباب على القتال

مصدر: مستودعات أسلحة للنظام استولى عليها «داعش» ولم يقصفها الطيران الروسي

المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي التقى الشهر الماضي عائلة لجأت من دير الزور شرق سوريا إلى مخيم سعد نايل بالبقاع اللبنانية (إ.ب.أ)
المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي التقى الشهر الماضي عائلة لجأت من دير الزور شرق سوريا إلى مخيم سعد نايل بالبقاع اللبنانية (إ.ب.أ)
TT

دير الزور المنسية إعلاميًا: النظام يحوّل المدنيين إلى دروع بشرية ويجبر الشباب على القتال

المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي التقى الشهر الماضي عائلة لجأت من دير الزور شرق سوريا إلى مخيم سعد نايل بالبقاع اللبنانية (إ.ب.أ)
المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي التقى الشهر الماضي عائلة لجأت من دير الزور شرق سوريا إلى مخيم سعد نايل بالبقاع اللبنانية (إ.ب.أ)

تدخل معركة مدينة دير الزور وأطرافها، في مواجهة مصيرية سواء بالنسبة للنظام السوري والقوات الموالية له ومن خلفهم روسيا، أو بالنسبة إلى تنظيم داعش الذي يحكم قبضته على معظم المدينة وريفها، وسط تعمّد وإصرار من الطرفين على تحويل المدنيين المحاصرين في مناطق المواجهات إلى دروع بشرية في معركتهما غير المعروفة الأفق.
ولم تتوقف العمليات العسكرية منذ أكثر من أسبوعين في مدينة دير الزور ومحيطها، لتؤدي الغارات الروسية بحياة ما يزيد على 250 مدنيًا حتى الآن، في ظل إصرار موسكو أنها تخوض معركة استراتيجية للحفاظ على مواقع قوات حليفها الرئيس السوري بشار الأسد، لأن خسارتها لدير الزور تعني في المفهوم العسكري تحويل الجبهة الشرقية إلى منطقة نفوذ أميركية إذا ما بدأت معركة تحرير الموصل من تنظيم داعش المتطرف.
رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، أكد أن «الروس يضعون كل قدراتهم العسكرية في سبيل الحفاظ على المواقع التابعة للنظام في دير الزور، لأن خسارتها تعد خسارة استراتيجية وهزيمة لهم، تفوق هزيمة النظام للرقة»، معتبرًا أن «نتائج معركة دير الزور ترسم مستقبل الجبهة الشرقية ككل».
وقال عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»: «إن أهمية دير الزور بالنسبة إلى النظام والروس، هي أنها ثاني أكبر محافظة سوريا بعد حمص، والأهم أنها متصلة جغرافيًا بمحافظة الأنبار وتلقائيًا بمدينة الموصل عاصمة تنظيم داعش، بخلاف الرقة التي تفصل بينها وبين العراق محافظتي الحسكة ودير الزور».
وعبّر رامي عبد الرحمن عن أسفه لأن «الإعلام الدولي يعتّم على ما يحصل في دير الزور المحاصرة من داعش من الخارج ومن النظام في الداخل»، كاشفًا عن أن النظام «يمنع المدنيين من النزوح إلى المناطق الأكثر أمنًا ويحولهم إلى دروع بشرية، تمامًا كما يفعل داعش في الرقة». وأشار إلى أن «النظام يستميت لإبقاء سيطرته على الـ5 في المائة من محافظة دير الزور على الرغم من قدراته القتالية المتواضعة، فهو يعتبرها ولايته الاقتصادية كونها تحوي آبار النفط ونهر الفرات والمناطق الزراعية الشاسعة». لكنه أوضح أن القوات النظامية «تعاني من معضلة أساسية، وهي أنها لا تستطيع تعويض أي جندي تخسره، ولذلك هي لجأت إلى جمع الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الـ25 و40 سنة، وساقتهم إلى الخدمة العسكرية بالقوة».
وفي المشهد الميداني تبدو الكفّة تميل لصالح تنظيم داعش على الأرض بعد سيطرته شبه الكاملة على بلدتي البغيلية وعياش وهو يتقدم نحو الرويشد، بحسب ما أفاد مهنّد الطلاع عضو المجلس العسكري في دير الزور، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن التنظيم «يركز هجومه الآن على اللواء 137 محاولاً السيطرة عليه». وقال: «كل الجبهات باتت مشتعلة والنظام يتراجع على الأرض أمام هجمات داعش، لكنه يعوض إخفاقاته الميدانية بنحو 30 غارة جوية للطيران الروسي وطيران النظام على المناطق الآهلة لإيقاع أكبر عدد من المدنيين».
وأوضح الطلاع أن «سلاح الجو الروسي يكثف قصفه لقرى الجنينة والحصان والحسنية والمحيمدية الفاصلة بين دير الزور والعراق، خوفًا من سقوط ما تبقى من الأحياء الواقعة تحت سيطرة النظام في دير الزور ووصل المدينة بالعراق»، لافتًا إلى أن «مستودعات الأسلحة والذخيرة التابعة للنظام على أطراف بلدة عياش استولى عليها داعش، وهناك صور تظهر تفريغه للأسلحة ونقلها في وضح النهار، من دون أن يقصفها الطيران الروسي». وأعلن أن «المحاصرين في حالة صعبة جدًا، مع تفشي الأمراض ونقص الدواء والجوع الذي يضرب الناس»، كاشفًا عن أن «المساعدات التي يلقيها الطيران الروسي تستولي عليها ميليشيات الجيش الوطني والشبيحة ولا يسمحون بوصولها إلى المحتاجين لها».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.