«الاستراحات».. حيث تتناغم العمارة الجميلة مع متعة تذوق الأطعمة الشامية الريفية

الحرب دمرت أبنية بعضها وتغير مفهوم الأكل قضى على بعضها الآخر

استراحة بوابة حمص قرب مدينة حمص السورية  على طريق دمشق الدولي
استراحة بوابة حمص قرب مدينة حمص السورية على طريق دمشق الدولي
TT

«الاستراحات».. حيث تتناغم العمارة الجميلة مع متعة تذوق الأطعمة الشامية الريفية

استراحة بوابة حمص قرب مدينة حمص السورية  على طريق دمشق الدولي
استراحة بوابة حمص قرب مدينة حمص السورية على طريق دمشق الدولي

انتشرت في النصف الثاني من القرن العشرين الماضي على الطرق الدولية الرئيسية التي تربط العاصمة السورية دمشق بالمحافظات عدد من الاستراحات التي تخدّم المسافرين، وكانت في البداية عبارة عن استراحات بسيطة بإمكانيات محدودة، ولكن ومع ازدياد الحركة المسافرين في السنوات العشرين الأخيرة ظهرت على هذه الطرق استراحات كبيرة بأبنية معمارية جميلة وأخذت تصنيفات سياحية كمطاعم بنجوم متعددة تبدأ من النجمة الواحدة وحتى الثلاثة نجوم حيث تنافس أصحابها على تقديمها بشكل رائع مع خدمات كثيرة ومتنوعة، وكان من أبرزها الاستراحات الموجودة على طريق دمشق حمص خاصة في مناطق النبك ودير عطية وقارة والبريج كاستراحات الطيبة والجلاب وبحبوح والفرسان وكان أحدث هذه الاستراحات سنابل الخير التي افتتحت قبل أشهر قليلة من بدء الأزمة السورية قبل خمس سنوات، وفي مدخل مدينة حمص انتشرت استراحات متنوعة ظهرت بشكل كبير في السنوات العشرين الأخيرة مع ازدياد عدد شركات النقل السياحي في سوريا كالربيع وبوابة حمص والبحر والملك والموعد وقصر بعلبك والعاصي والبدر والصفا والفهد وغيرها، وكذلك الحال على طريق حلب حمص الدولي والتي وجودت استراحات جميلة وواسعة في منطقة معرة النعمان والحال نفسه في استراحات طريق حمص اللاذقية الدولي ودمشق وتدمر ودير والزور وغيرها.
ومنذ بدء الأزمة والحرب السورية توقف الكثير من هذه الاستراحات عن العمل ومنها ما تعرض للتهدم بسبب وقوع اشتباكات ومعارك بجوارها، وخصوصًا استراحات الطرق التي تربط العاصمة دمشق بالمنطقة الشمالية والشرقية فغابت خدماتها عن المسافرين الذين بدورهم كان همّهم الأول الوصول بسرعة إلى مناطقهم بسبب الأحداث والحرب.
والجميل في هذه الاستراحات أنه في السنوات ما قبل الأزمة والحرب أسست لنفسها عادات وتقاليد ومعايير للجودة الدائمة فهي لم تتنافس فقط على إبراز جماليات أبنيتها المعمارية بل أيضًا على ما تقدمّه من مأكولات لذيذة للمسافرين - يقول نبيل حسين أحد المهتمين والمتابعين والذي كما يقول بحكم عمله كان يسافر بشكل أسبوعي على هذه الطرق وكان في كل مرّة يستريح في واحدة من هذه الاستراحات ليستمتع بخصوصية كل واحدة منها - يتنهد نبيل: «إنها متعة حقيقية أن تستريح بهذه المباني الجميلة ولو لربع أو نصف ساعة حتى ولو لم تكن قد قطعت أكثر من ساعة ونصف بالسيارة، ففي استراحات منطقة القلمون كنا نستمتع بجلسة جميلة في هذه الاستراحات مع عشرات المسافرين في مناطق جبلية يعبرها الطريق الدولي فمثلاً في إحدى الاستراحات الكبيرة، التي تضم أقسامًا متعددة ومنها ما هو خاص بالعائلات وبهو كبير وركن لبيع الصحف والمجلات وآخر لبيع الحلويات كانت تقدّم ألذ وأفضل المأكولات وخصوصا اللحمة بالصينية الخارجة للتو من فرن الاستراحة وفطائر اللحمة (الصفيحة) ومناقيش الزعتر والجبنة وغير ذلك حتى أنّ الكثير من المسافرين كانوا يشترون منها ما يلزمهم من لحم الغنم ويأخذونها معهم لمنازلهم، والشيء الذي كان يميّزها أيضًا أنها كانت تقدم كؤوس الشاي مجانًا لروادها من المسافرين المستريحين بها، ويمكنه أن يشرب ما يشاء من الشاي ومجانًا. استراحة أخرى كان لها روادها الذين يحرصون على تناول الفطور الصباحي فيها حيث اشتهرت بتقديم ألذ وأطيب أطباق الفول والمسبحة (الحمّص الناعم) مع ألذ أنواع المخللات التي يحضّرها عمال الاستراحة كذلك المميز في هذه الاستراحة تقديمها لحلويات وأنواع من الكعك المشغول بشكل متقن ولذيذ يتفوق على المشغول في مخابز دمشق، كذلك حرص أصحاب هذه الاستراحة على توسيعها لتضم قاعة استقبال بطراز عربي تقليدي يمكن للمسافر أن يستريح بها لبعض الوقت إذا كان السفر قد أنهكه، مع تقديم مفردات الضيافة العربية كالقهوة المرة وحبات التمر وغير ذلك، في استراحات أخرى يمكن أيضًا أن تتناول ألذ الوجبات الشامية التقليدية ولكن هناك لا بد من أن تحرص على شرب فنجان قهوة الذي يحضّر بطريقة متميزة».
استراحات أخرى في القلمون على الطريق الدولي دمشق - حمص قد تكون صغيرة بمبانيها ولكنك لا بد وأنت مسافر أن تجربها فهناك من يعلن عن وجود أطيب أنواع الهريسة النبكاوية، والهريسة أو «النمورة»، كما يطلق عليها البعض حلوى سورية شعبية اشتهرت مدينة النبك كبرى مدن منطقة القلمون بتحضيرها، كذلك في إحدى الاستراحات بمنطقة البريج حرص أصحابها على تقديم أشكال أخرى متميزة من وجبات الفطور وهي الشنكليش المضاف له الزبدة البلدية (الغنم أو الأبقار) التي يحضرها مزارعو منطقتهم بشكلها الطبيعي والمباشر دون المرور بورش ومصانع تحضير وتغليف الزبدة ولا ينسى هؤلاء والاستراحات الأخرى على تقديم الخبز البلدي القروي المحضّر في تنانير تراثية وأفران بسيطة في هذه الاستراحات أو بجانبها والمناقيش المشغولة على أفران تسمى «الصاج»، وكذلك على بيع المنتجات الغذائية الريفية كالكشك والسمن البلدي والبرغل والدبس والعسل وغيرها.
والأمر نفسه في الطريقين الجبليين المتجهين نحو مدينة اللاذقية من وسط البلاد حيث الأول ينطلق من مدينة حمص نحو بلدتي القدموس وبانياس في المرتفعات الجبلية والآخر من مدينة حماه نحو بلدتي محردة وجبلة مرتفعًا في الجبال الساحلية حتى يصل إلى الطريق الدولي السريع في اللاذقية، هنا تنتشر الاستراحات الريفية حيث يمكن تناول ألذ الوجبات القروية الجبلية كالمربيات (المعقود) بمختلف أنواعها المحضرة منزليًا مع الجبنة البيضاء البلدية ويمكن أن يتناول المسافر خلال نصف ساعة فطورًا قرويًا لذيذًا حيث البيض البلدي المسلوق واللبنة مع الزعتر البري وزيت الزيتون والباذنجان المسلوق المحشي بالجوز (المكدوس) والزيتون والعطون (الزيتون الأسود)، وكل ذلك مع أرغفة الخبز الشهية الساخنة الخارجة للتو من تنور قديم بجانب الاستراحات الجبلية، والتي تأثرت هي الأخرى بالحرب والأزمة فتوقف الكثير منها عن العمل على أمل أن تستقر الأمور وتعود لعشاقها من المسافرين هواة تذوق الوجبات القروية.
منافسة من نوع آخر وتحولت لتقليد دائم أيضًا بين العديد من الاستراحات وهي إغراء سائقي حافلات النقل العامة على الاستراحة لديهم، فكل واحدة منها يتنافس على تقديم مغريات للسائق ومرافقه من خلال تقديم وجبات مجانية لهما مع السجائر والمشروب الساخن أو البارد، وبالتالي يضمن أصحاب هذه الاستراحات نزول ركاب هذه الحافلات لديهم وتناول وشراء ما يحتاجونه في استراحته، ولكن هذه العروض تقدّم فقط للحافلات الشعبية المسماة «هوب هوب» وتلك الصغيرة نسبيًا المسماة «نص بولمان»، بينما شركات النقل السياحية التي تتميز بحافلات حديثة ومواصفات خاصة وأجور نقل أعلى من الأولى فلها استراحاتها الخاصة على هذه الطرق حيث توجد مكاتب لهذه الشركات في هذه الاستراحات، وهي غالبًا توجد بنهاية طريق دمشق حمص قبل الدخول لمدينة حمص أو الانعطاف يمينًا نحو الطرق المؤدية للمحافظات الأخرى كحماه وحلب واللاذقية كون هذه الاستراحات ومدينة حمص تتوسط المدن السورية.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».