تلسقف المحاذية لـ«داعش».. بيوت خاوية وشوارع مفخخة وقتال مستمر لدحر المتطرفين شمال الموصل

«الشرق الأوسط» تتجول في شوارع المدينة المستهدفة من التنظيم

مقاتلون من قوة سهل نينوى أثناء تجولهم  في أحد أحياء بلدة تلسقف شمال الموصل («الشرق الأوسط») - جانب من سوق بلدة تلسقف ويظهر خلوها من السكان («الشرق الأوسط»)
مقاتلون من قوة سهل نينوى أثناء تجولهم في أحد أحياء بلدة تلسقف شمال الموصل («الشرق الأوسط») - جانب من سوق بلدة تلسقف ويظهر خلوها من السكان («الشرق الأوسط»)
TT

تلسقف المحاذية لـ«داعش».. بيوت خاوية وشوارع مفخخة وقتال مستمر لدحر المتطرفين شمال الموصل

مقاتلون من قوة سهل نينوى أثناء تجولهم  في أحد أحياء بلدة تلسقف شمال الموصل («الشرق الأوسط») - جانب من سوق بلدة تلسقف ويظهر خلوها من السكان («الشرق الأوسط»)
مقاتلون من قوة سهل نينوى أثناء تجولهم في أحد أحياء بلدة تلسقف شمال الموصل («الشرق الأوسط») - جانب من سوق بلدة تلسقف ويظهر خلوها من السكان («الشرق الأوسط»)

على بعد نحو أربعة كيلومترات من المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش شمال الموصل، وفي بلدة تلسقف ذات الغالبية المسيحية تتمركز قوة سهل نينوى التابعة لوزارة البيشمركة والمتألفة من مقاتلين مسيحيين أنهوا قبل أشهر تدريبات عسكرية على يد مدربين من البيشمركة ليكونوا جاهزين لخوض المعارك ضد التنظيم لتحرير مناطقهم ومسك الأرض بعد تحريرها.
«الشرق الأوسط»، حاضرة في بلدة تلسقف التي أصبحت خالية من سكنها الذين هربوا منها صيف 2014 إثر مهاجمة تنظيم داعش لكل المدن والبلدات في سهل نينوى، ورغم تحرير البلدة من قبل البيشمركة بعد 11 يوما من احتلالها من قبل «داعش» فإن سكانها لم يعودوا لها حتى الآن لقربها من خط المواجهة مع التنظيم واستهدافها من قبل «داعش» بعشرات القذائف والصواريخ يوميا، بينما تظهر آثار القصف الجوي وقصف «داعش» على مباني وشوارع البلدة.
ويقول قائد قوة سهل نينوى، صفاء إلياس ججو، لـ«الشرق الأوسط»: «أنهينا تدريباتنا العسكرية قبل نحو عام على يد قوات البيشمركة، وتدربنا على مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة إلى جانب التدريبات البدنية وتدريبات خاصة باقتحام الأبنية وإبطال الألغام والعبوات الناسفة وحرب الشوارع والمدن، وسنلتحق قريبا بدورة خاصة بحرب المدن، يبلغ قوام القوة 600 مقاتل، التحق نحو 285 مقاتلا منهم بجبهات القتال فيما ينتظر الباقون الانتهاء من معاملاتهم في وزارة البيشمركة ليلتحقوا بأقرانهم قريبا، وزارة البيشمركة هي التي تزودنا بالرواتب والأسلحة والأعتدة كأي فوج من الأفواج التابعة لها»، ودعا ججو وزارة البيشمركة إلى منحهم فرصة ثانية لتشكيل لواء خاص من المسيحيين لحماية المناطق المسيحية في سهل نينوى، مشيرا إلى أن تلك المناطق واسعة وتحتاج إلى عدد كبير من المقاتلين. وتابع قائد قوة سهل نينوى: «مهام قواتنا تتمثل في المساهمة إلى جانب قوات البيشمركة في معارك تحرير سهل نينوى، بالإضافة إلى مسك الأرض وحفظ الأمن والاستقرار في المناطق المحررة».
ويسيطر تنظيم داعش على عدة مناطق من سهل نينوى، منها القرى والبلدات والأقضية ذات الغالبية المسيحية كقرية باطنايا وقضاء تلكيف وناحية برطلة وقرية كرمليس وقضاء قرقوش.
وعما إذا خاضت قوة سهل نينوى معارك فعلية ضد التنظيم في جبهات القتال حتى الآن، بين قائد القوة بالقول: «خاضت قواتنا منذ نشرها في جبهات القتال حتى الآن عدة معارك إلى جانب قوات البيشمركة ضد (داعش)، كانت أبرزها مشاركة قوات البيشمركة في صد هجوم للتنظيم على جبهة تلسقف في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي».
وأضاف ججو بالقول: «تلسقف قريبة جدا من المناطق التي يسيطر عليها مسلحو (داعش)، الأمر الذي جعلها في مرمى قذائف التنظيم، وحال هذا دون عودة سكانها حتى الآن فهي منطقة تماس مع التنظيم وتتعرض يوميا لقصف (داعش)».
نور، شاب مسيحي اضطر إلى ترك الدراسة بعد نزوح عائلته من قضاء قرقوش، واختار هذا الشاب الالتحاق بقوة سهل نينوى للمشاركة في تحرير منطقته، نور رافق «الشرق الأوسط» في جولتها داخل بلدة تلسقف، وتحدث عن الأوضاع في هذه البلدة والمعارك ضد «داعش»، وأضاف بالقول: «تنظيم داعش يقصف هذه البلدة يوميا بالعشرات من قذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا وبالمدفعية الثقيلة، ويشن قصفه من مناطق تلكيف وباطنايا والمناطق الأخرى الخاضعة له، وغالبية الصواريخ التي يستخدمها في القصف هي صواريخ مصنوعة محليا، التنظيم لا يجرؤ على مواجهة قوات البيشمركة بشكل مباشر؛ لذا يتوجه إلى قصف هذه المناطق»، مبينا أن تلسقف لا تحتاج إلى جهود كبيرة لإعادة إعمارها، وهي جاهزة لعودة السكان إليها بمجرد زوال خطر التنظيم عنها.
بدوره قال العريف ستيفن نوروز صليوه، أحد مقاتلي قوات سهل نينوى: «معنوياتنا عالية جدا، ونحن مستعدون للمشاركة مع قوات البيشمركة في تحرير مناطقنا من (داعش)، والعودة إليها بعد أن اضطررنا إلى تركها إثر هجوم داعش عليها»، وطالب صليوه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية إلى تقديم الأسلحة الثقيلة والمتطورة والأعتدة والمستلزمات العسكرية الضرورية لقوات البيشمركة للقضاء على (داعش) وتحرير ما تبقى من المناطق.
بحسب مصادر البيشمركة زرع تنظيم داعش قبل فراره من تلسقف مئات العبوات الناسفة وفخخ إلى جانب الشوارع والطرق عشرات المنازل والأبنية فيها، لكن كتيبة الهندسة العسكرية التابعة للبيشمركة تمكنت من تطهير هذه الطرق والأبنية، بينما تواصل قوات البيشمركة حماية منازل المواطنين ومحلاتهم التجارية وممتلكاتهم، حيث لا يكاد يخلو شارع أو حي من البلدة وسوقها من وجود مجموعة من مقاتلي البيشمركة الذي أخذوا على عاتقهم حمايتها من أي اعتداء ورصد أي حركة تحاول إلحاق الضرر بالبلدة لحين عودة سكانها إليها.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.