الارتباك الأمني وملف حقوق الإنسان يوتران علاقة مصر بدول حليفة

السيسي هاتف رئيس وزراء إيطاليا.. وناشطة تناشد الأجانب بعدم السفر لبلادها

صورة تعود إلى 2015 لبعض أفراد القوات الخاصة المصرية في حراسة مطار شرم الشيخ (أ.ف.ب)
صورة تعود إلى 2015 لبعض أفراد القوات الخاصة المصرية في حراسة مطار شرم الشيخ (أ.ف.ب)
TT

الارتباك الأمني وملف حقوق الإنسان يوتران علاقة مصر بدول حليفة

صورة تعود إلى 2015 لبعض أفراد القوات الخاصة المصرية في حراسة مطار شرم الشيخ (أ.ف.ب)
صورة تعود إلى 2015 لبعض أفراد القوات الخاصة المصرية في حراسة مطار شرم الشيخ (أ.ف.ب)

في وقت سعى فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للحد من التداعيات السياسية لحادث مقتل باحث إيطالي شاب في ظروف غامضة، خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإيطالي مساء أول من أمس، دعت الناشطة المصرية البارزة منى سيف، الأجانب لعدم زيارة بلادها على خلفية الحادث الذي يعكس بحسب مراقبين «ارتباكًا أمنيًا» يهدد علاقات القاهرة بدول حليفة، ويراكم تحديات أمام بلد ملفها الحقوقي مثير للجدل.
ويعيد حادث مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني للأذهان حادثي تفجير الطائرة الروسية في سيناء أواخر العام الماضي، ومقتل سائحين مكسيكيين، في منطقة عمليات للجيش في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه. وألقت تلك الحوادث بظلال كثيفة على علاقات مصر بحلفاء رئيسيين مثل روسيا وإيطاليا التي دعمت الدبلوماسية المصرية في أوروبا خلال شهور من الغموض أعقبت عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في يوليو (تموز) 2013. وأجرى الرئيس السيسي اتصالاً هاتفيًا مع رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي، حيث قدم العزاء في وفاة الطالب الإيطالي ريجيني الذي عثر على جثته وعليها آثار تعذيب، بحسب مسؤولين في النيابة العامة.
وكان الطالب الإيطالي قد اختفى يوم 25 يناير (كانون الثاني) الذي وافق الذكرى الخامسة لثورة يناير، في ظل تشديد أمني ملحوظ. وعثر على جثته ملقاة في الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية مساء الأربعاء الماضي. وأكد الرئيس السيسي خلال اتصاله برئيس الوزراء الإيطالي أن الحادث يحظى باهتمام بالغ من قبل الجهات المصرية المعنية، مشيرًا إلى توجيهاته للداخلية بمواصلة جهودها بالتعاون مع النيابة العامة من أجل كشف غموض الحادث والوقوف على ملابساته.
وفور الإعلان عن العثور على جثة الطالب الإيطالي، بدأت أجواء التوتر في الظهور من الجانب الإيطالي، حيث قطعت وزيرة الصناعة فيدريكا جيدي زيارتها لمصر، وغادرت البلاد برفقة وفد من رجال الأعمال الإيطاليين. وقال مكتبها الإعلامي إنها طلبت من مصر بالنيابة عن الحكومة الإيطالية التحقيق في وفاة ريجيني قبل عودتها إلى روما.
وكانت روسيا قد علقت رحلاتها إلى منتجعات مصرية رئيسية بعد تحطم طائرة روسية فوق شبه جزيرة سيناء في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ورغم أن السلطات المصرية لا تزال تجري تحقيقات في الحادث قالت روسيا ودول غربية أخرى إن لديها معلومات استخباراتية دقيقة عن تعرض الطائرة للتفجير.
وشدد السيسي، بحسب بيان صدر عن الرئاسة حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، على أن الجانب الإيطالي سيجد «تعاونا بناء» من قبل السلطات المصرية المعنية بشأن هذا الحادث.
كان رينتسي طلب أمس سرعة إعادة جثمان القتيل، مطالبًا أن تتيح القاهرة لممثلي الحكومة الإيطالية متابعة التطورات في التحقيق أولا بأول والتوصل إلى المسؤولين عن هذه الجريمة.
وقال مراقبون إن الحادث يضر بالجهود المصرية الساعية لرسم صورة البلد المستقر أمام العالم، لجذب الاستثمارات الأجنبية والسياحة بعد سنوات من الاضطرابات والأعمال الإرهابية.
وأثار الحادث استياءً واسعًا في الأوساط المصرية، ودشن أصدقاء مصريون للباحث الإيطالي حملة تحت شعار «نريد معرفة الحقيقة»، فيما دعت منى سيف، شقيقة الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح الذي يقضي عقوبة بالسجن لخرقه قانون التظاهر الأجانب لتجنب زيارة بلدها قائلة: «نحن غير قادرين على منحك الحد الأدنى من السلامة أو المعاملة المناسبة سواء من الشعب أو السلطات». وأشارت سيف المهتمة بملف حقوق الإنسان إلى إدراكها للاتهامات التي ستواجهها بسبب رسالتها، لكنها ناشدت الأجانب قائلة: «إذا كنت أجنبيا، فمن فضلك، من فضلك، لا تأتي إلى مصر».
وأوضحت: «ليس في الوقت الذي تحرض فيه وسائل الإعلام الناس وتدفعهم إلى الشك في أي أجنبي في الشارع، كأنه جاسوس محتمل يريد تدمير بلادهم، وليس في الوقت الذي يشعر فيه ضباط البوليس من جميع الرتب بالحق في احتجاز أو تعذيب أي شخص يمشي في الشارع لمدة ولأي سبب كان»، بحسب الرسالة.
ويشكو نشطاء مصريون مما قالوا إنه «تضييق على حرية التعبير»، وممارسات «غير دستورية» من رجال الشرطة، الأمر الذي يرفع درجة التوتر في علاقة القاهرة بعواصم غربية.
وفي سياق متصل، قال الناشط الحقوقي جمال عيد إنه منع من السفر مساء الخميس الماضي، لوجود اسمه على قوائم الممنوعين من السفر تنفيذا لقرار النائب العام.
وأشار عيد، وهو مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، في تعليق كتبه عبر صفحته الشخصية على «فيسبوك» إلى أنه علم بالقرار أثناء وجوده بالمطار قبل المغادرة، وقال: «صدر القرار متأخرًا، لكن صدر. تم منعي من السفر وراجع من المطار! دولة القانون».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».