خوجة لـ«الشرق الأوسط»: التدخل العربي كان ضروريًا.. واليوم أصبح مصيريًا

تركيا تتأهب بعد اقتراب النار من حدودها.. وتؤكد التعاون الوثيق مع «الحليف السعودي»

سوريون فارون من القتال في ريف حلب أمس (أ.ف.ب) وفي الاطار خالد خوجة
سوريون فارون من القتال في ريف حلب أمس (أ.ف.ب) وفي الاطار خالد خوجة
TT

خوجة لـ«الشرق الأوسط»: التدخل العربي كان ضروريًا.. واليوم أصبح مصيريًا

سوريون فارون من القتال في ريف حلب أمس (أ.ف.ب) وفي الاطار خالد خوجة
سوريون فارون من القتال في ريف حلب أمس (أ.ف.ب) وفي الاطار خالد خوجة

بعد التقدم الذي يحققه النظام السوري وحلفاؤه على الأرض بتغطية جوية وسياسية روسية، لم يعد السؤال المطروح في أنقرة: هل ستتدخل تركيا في سوريا، بل متى ستتدخل؟
فالمتابع للملف السوري في تداعياته الأخيرة يدرك أنه لا بد من أن تقوم أنقرة بشيء ما لنجدة حلفائها في المعارضة السورية الذين يعانون من هجمة عسكرية غير مسبوقة. وإذا كان الوجود العسكري الروسي يعقد الأمور، إلا أنه لا يمنع تحركا تركيا ما، مباشرا أو غير مباشر بعد أن أصبحت اللعبة أكبر من لعبة نظام ومعارضة، كما يقول أحد المعارضين السوريين في إسطنبول.
ويرى مدير مركز «جسور» السوري المتخصص محمد سرميني أن من الواضح أن هناك محاولة لإغلاق الحدود التركية السورية وعزل المدن عن بعضها، ثم إسقاطها تدريجيًا ابتداءً بحلب ومن ثم إدلب، وبعدها حماه ثم لاحقا ما تبقى في ريف اللاذقية والمناطق المحيطة بها. ويقول سرميني لـ«الشرق الأوسط» إن معالم الخطة الروسية تتضح أولا من خلال السعي لقطع طرق الإمداد لمدينة حلب من بلدتي نبل والزهراء، فيما أن الطريق الطويل المؤدي إلى باب الهوى مستهدف من الطيران الروسي، وثانيا التخطيط للوصول إلى عفرين وتطويق حلب مع الفصائل التابعة لحزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي من الشمال والشرق. وثالثا يتم التقدم من مطار كويرس ومنطقة الشيخ نجار باتجاه المحطة الحرارية وتطويق حلب من جهة الشرق الجنوبي، ورابعا التقدم من مطار كويرس باتجاه سد تشرين، والالتقاء مع فصائل قوات سوريا الديمقراطية التابعة للاتحاد الديمقراطي للإطباق لاحقًا مع غطاء جوي روسي على مناطق منبج، جرابلس، والانتقال لمعركة الرقة لاحقًا. كما يعتقد أن تقدم روسيا للهجوم على جبل الأكراد جهة كنسابا لإغلاق الحدود التركية من هذه الجبهة في محافظة اللاذقية، من بعد عزل الشمال ستتجه روسيا لعزل المحافظات عن بعضها البعض، حلب، إدلب، حماه، ثم تتجه إلى الرستن وتقسيم حمص إلى قسمين من ثم إسقاطها تدريجيًا.
ويشير سرميني إلى أن معركة قطع طرق الإمداد في الجنوب مستمرة على محور درعا وعتمان ما بعد الشيخ مسكين. وهكذا تكون روسيا قد فصلت المناطق المحررة بعضها عن بعض ثم تعمل على إسقاطها تدريجيًا.
ورغم أن الأتراك حاولوا التقليل من أهمية التصريحات الروسية، فإن مراقبين للوضع القائم يؤشرون إلى حتمية قيام أنقرة بتحرك ما لم تتحدد ماهيته حتى الساعة. خصوصا أن الموقف الأميركي «ليس مشجعا» وفقما أكد مصدر شارك في الاجتماع الوزاري للدول الصديقة للشعب السوري مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وأشار المصدر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كيري لا يؤيد «التدخل العسكري في سوريا». وقال المصدر إن الوزراء سمعوا من نظيرهم الأميركي أنه كان توصل إلى تفاهم مع نظيره الروسي سيرغي لافروف حول وقف لإطلاق النار في سوريا، وحمل الوزير الأميركي - وفق المصادر - المعارضة السورية مسؤولية إفشال هذا الاتفاق. وأبلغ كيري الوزراء أن الولايات المتحدة تريد التعاون مع روسيا في عملية إسقاط المساعدات الإنسانية من الجو.
ويرفض مسؤول في مكتب رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو التعليق المباشر على إمكانية قيام تحرك سعودي - تركي عبر الأراضي التركية، لكنه يشير لـ«الشرق الأوسط» إلى تعاون وثيق بين الجانبين من أجل مصلحة الشعب السوري واتفاق على عدم تركه وحيدا في مواجهة آلة القتل. ويشير المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه إلى أن رئيس الأركان التركي كان جزءا من الوفد التركي الذي زار المملكة العربية السعودي مؤخرا، مدللا بذلك على «التفاهم الكبير» حول كل الخطوات.
وأكد المسؤول التركي أن الحشود التي يتحدث عنها الروس قرب الحدود السورية هي «حشود دفاعية» وهي موجودة عند الحدود منذ فترة طويلة، بسبب المواجهات مع تنظيم داعش المتطرف وبسبب اقتراب المواجهات من الحدود وتدفق النازحين، معتبرا أن من حق تركيا أن تحافظ على أمنها القومي، وهي تنشر قواتها داخل أراضيها، ولم تقطع آلاف الأميال لدعم ديكتاتور ضد شعبه» في إشارة واضحة إلى روسيا.
ويستبعد أونال طانق رئيس تحرير موقع «روتا خبر» التركي أن تدخل بلاده في مواجهة مع روسيا، معتبرا أن المعطيات واضحة جدا، فبعد أن أسقطت المقاتلات التركية الطائرة الروسية وقتل الطيار تحاول تركيا بقدر المستطاع أن تتحاشى أي صدام سواء كان سياسي أو عسكري مع روسيا، إلى درجة أن تركيا أصبحت تحلق بطائراتنا بعيدا عن الحدود السورية بـ12 ميلا جويا تحسبا لوقوع أي مواجهات مع الطيران الروسي أو تدخل الطائرات التركية المجال السوري بالخطأ لأنها تعلم بأن روسيا تتربص لأي خرق لطائراتنا لإسقاطها. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «العالم يشاهد ما يفعله الجيش الروسي، هؤلاء لا يوجد بقلوبهم أي رحمة يدمرون الحجر والبشر، ففي سوريا مشاهد القصف تقشعر لها».
ويرى رئيس الائتلاف الوطني السوري خالد خوجة أن التدخل من قبل الأصدقاء، خاصة العرب، لدعم المقاومة السورية و«الجيش الحر» كان ضروريا منذ بدأت المواجهات المباشرة بين الجيش الحر مع الميليشيات الشيعية من جهة ومع تنظيم داعش من جهة أخرى، أما بعد التدخل الروسي، فقد أصبح هذا الأمر مصيريا.
وقال خوجة لـ«الشرق الأوسط» إن الدعم ممكن عبر زيادة جرعات الدعم النوعي للمعارضة، وخصوصا الأسلحة المضادة للطائرات، وإما عن طريق التحالف المباشر بين دول التحالف ومن بينها المملكة العربية السعودية وتركيا مع الجيش الحر، كما حصل في العراق من خلال الدعم الأميركي، مستغربا كيف أن الأميركيين ذهبوا في سوريا إلى تشكيل تحالفهم الخاص مع جماعة يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي (قوات سوريا الديمقراطية) ما عزز مشروع الكانتون الذي يرديه الحزب (الكردي). وشدد خوجة على أن التدخل البري أصبح ضرورة لوقف التهجير الحاصل لسكان حلب ولمنع الفرز الديمغرافي كما حصل عند الحدود مع لبنان
إلى ذلك، رأى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ «ادعاءات روسيا حيال قيام تركيا بتحضيرات عسكرية، لاقتحام الأراضي السورية، مثيرة للضحك». وقال الرئيس التركي إنّه ينبغي محاسبة روسيا على أعمال القتل، التي ارتكبتها بالتعاون مع النظام السوري، داخل سوريا، والتي راح ضحيتها 400 ألف سوري.
واعتبر إردوغان الوجود الروسي داخل سوريا، احتلالاً لأراضي هذا البلد. وأشار إلى أن مشاركة روسيا في الحرب السورية، باستخدام قواعدها البحرية في محافظة طرطوس وقاعدتها الجوية في اللاذقية، تندرج ضمن سعي موسكو لإقامة دويلة صغيرة للأسد، مُعللاً ذلك بأنّ الأسد قد انتهى، وأنّ التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش»، تتقاسم الأراضي السورية.
وتساءل إردوغان عن سبب وجود الروس والإيرانيين في سوريا، قائلاً: «بالنسبة لتركيا، فإنّ دولتنا تتعرض في هذه الآونة للتهديد، لدينا حدود بطول 911 كيلومترا مع سوريا، فهل لروسيا حدود مع هذه الدولة، وهل لإيران حدود مشتركة مع سوريا، ماذا تفعلان في هذا البلد، المبرر الوحيد الذي تقدمه موسكو وطهران، هو أنّهما تقومان بتلبية دعوة الأسد، لا يجوز الاستجابة لكل دعوة، لأن الأسد يقوم بممارسة إرهاب الدّولة، وهو ظالم وقاتل، والذين يقدّمون الدعم له، يشتركون معه في الجريمة».
وانتقد الناطق الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم عمر تشيليك موقف المجتمع الدولي المتقلّب حيال القضية السورية، معتبرًا أنّ العالم غيّر من موقفه بخصوص مستقبل سوريا من رفضه لمشاركة الأسد، إلى قبوله لتشكيل حكومة انتقالية بقيادة الأسد.
وأشار جيليك إلى أنّ قبول تشكيل حكومة انتقالية بقيادة الأسد في سوريا، يعتبر بمثابة صبغ كل الجرائم التي قام بها النظام، بالصبغة الشرعية.



تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».


جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
TT

جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)

في خطوة تعكس اشتداد القبضة الحوثية على الحليف الشكلي لها داخل صنعاء، بدأت الجماعة خلال الأيام الماضية الترويج لقيادي في جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» لترؤس حكومتها المقبلة، في وقت أبدت فيه قيادة ذلك الجناح رضوخاً جزئياً لشروط الحوثيين، وعلى رأسها إقالة أمينه العام غازي الأحول من منصبه، بعد اعتقاله واتهامه بالتواصل مع قيادة الحزب المقيمة خارج اليمن.

وكانت أجهزة الأمن الحوثية قد اعترضت في 20 من أغسطس (آب) الماضي سيارة الأمين العام لفرع «المؤتمر» في مناطق سيطرتها، واقتادته إلى المعتقل ومرافقيه مع عدد من القيادات الوسطية، متهمةً إياهم بالتواصل المباشر مع قيادة الحزب في الخارج والتخطيط لإثارة الفوضى داخل تلك المناطق.

وبعد أيام من الاحتجاز، اشترط الحوثيون لعقد أي تسوية عزل الأحول وتعيين القيادي الموالي لهم حسين حازب بديلاً عنه، وهو اسم يلقى معارضة واسعة داخل قواعد الحزب، ويتهمه الكثيرون بالتنكر لمبادئ الحزب ومؤسسه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، خصوصاً بعد مقتله برصاص الحوثيين نهاية عام 2017.

الحوثيون اشترطوا عزل الأحول من موقعه بصفته أميناً عاماً لجناح حزب «المؤتمر» (إعلام محلي)

وقد سمح الحوثيون لأسرة الأحول بزيارته لأول مرة قبل أيام، غير أنهم تجاهلوا تماماً مطالب الجناح المحسوب على «المؤتمر» بالإفراج عنه أو وقف ملاحقة قياداته. ويشارك هذا الجناح فيما يسمى «المجلس السياسي الأعلى» بثلاثة ممثلين، إلا أن دوره ظل شكلياً، بينما تحرص الجماعة على اختيار رؤساء الحكومات المتعاقبين من شخصيات تنتمي إلى هذا الجناح لكنها تدين لها بولاء كامل.

ومع استمرار ضغوط الحوثيين، أصدر رئيس فرع «المؤتمر» في صنعاء صادق أبو رأس قراراً بتكليف يحيى الراعي أميناً عاماً للحزب إلى جانب موقعه نائب رئيس الحزب، في خطوة عُدت استجابة جزئية لمطالب الجماعة. إلا أن الحوثيين ردوا على هذه الخطوة بفرض حصار محكم على منزل أبو رأس في صنعاء، ما زال مستمراً منذ خمسة أيام، وفق مصادر محلية تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

وتشير مصادر سياسية في صنعاء إلى أن الجناح «المؤتمري» رضخ لهذه الخطوة أملاً في إطلاق سراح الأحول ومرافقيه، إلا أن الجماعة لم تُظهر أي تجاوب، بل صعّدت من قيودها على قيادة الحزب بهدف استكمال السيطرة على هذا الجناح الذي قدّم تنازلات كبيرة ومتتالية منذ مقتل صالح.

تصعيد وضغوط متواصلة

اللجنة العامة، وهي بمثابة المكتب السياسي للحزب في جناحه الخاضع للحوثيين، عقدت اجتماعاً برئاسة الراعي، خُصص لمناقشة الأوضاع الداخلية وتطورات المشهد السياسي. وخلاله جدد الراعي التزام الجناح بوحدة الجبهة الداخلية وتماسكها مع الحوثيين لمواجهة «المؤامرات التي تستهدف استقرار البلاد»، حسب ما أورده الموقع الرسمي للحزب.

وأيدت اللجنة العامة بالإجماع قرار تعيين الراعي أميناً عاماً، مؤكدة تمسكها بوحدة الحزب وضرورة الالتفاف خلف قيادته التنظيمية والسياسية. غير أن اللافت كان غياب رئيس الحزب أبو رأس عن الاجتماع، في ظل استمرار فرض طوق أمني حول منزله، ما يعكس حجم الضغط الذي تمارسه الجماعة لإجبار الجناح على قبول بقية شروطها.

وتشير المصادر إلى أن قيادة «المؤتمر» لا تزال تراهن على إقناع الحوثيين بالاكتفاء بإقالة الأحول، وعدم فرض تغيير كامل في تركيبة القيادة، رغم أن الجماعة لم تُبد أي مرونة حتى الآن، وتواصل استغلال الانقسام الداخلي للحزب لإعادة تشكيله وفق متطلبات مشروعها السياسي.

إعادة إبراز لبوزة

تزامنت هذه التطورات مع تحركات حوثية متسارعة لتسمية رئيس جديد لحكومتهم غير المعترف بها، بعد مقتل رئيس الحكومة السابق أحمد الرهوي وتسعة من وزرائه في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً لهم قبل أسابيع.

ولاحظ مراقبون قيام الجماعة بإعادة إظهار القيادي المؤتمري قاسم لبوزة، الذي يشغل موقع «نائب رئيس المجلس السياسي» بصفة رمزية، بعد تغييب إعلامي دام عاماً ونصف العام.

وخلال الأيام الماضية، كثّف لبوزة من زياراته للوزراء الناجين من الغارة، بينما نشطت حسابات حوثية في الإشادة بـ«قدراته ومواقفه»، في خطوة يرى فيها البعض تمهيداً لتسميته رئيساً للحكومة الجديدة.

الحوثيون أعادوا إظهار لبوزة وتغطية تحركاته بعد عام ونصف العام من التجاهل (إعلام محلي)

وتقول مصادر سياسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن عودة ظهور لبوزة ليست مصادفة، بل هي مؤشر واضح على اختياره من قبل قيادة الجماعة لتولي رئاسة الحكومة، خصوصاً أنه كان أحد أبرز المرشحين للمنصب ذاته قبل تشكيل الحكومة السابقة.

كما أن الجماعة تحرص على استقطاب قيادات جنوبية ضمن جناح «المؤتمر» لتغطية طبيعة الحكومة المقبلة والظهور بمظهر التنوع المناطقي، رغم أن السلطة الفعلية تبقى في يد الجماعة حصراً.

ويرى المراقبون أن إعادة تدوير القيادات الموالية للجماعة داخل «المؤتمر»، ومنحها واجهات سياسية جديدة، يعكس أن الحوثيين ماضون في إحكام السيطرة على ما تبقى من الحزب، وتحويله إلى واجهة شكلية تبرر خياراتهم السياسية والعسكرية، خصوصاً مع ازدياد عزلة سلطة الجماعة داخلياً وخارجياً.


هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
TT

هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)
بوابة جامعة صنعاء كبرى الجامعات اليمنية (إعلام محلي)

لجأ عناصر وقادة حوثيون إلى ممارسة الابتزاز، والمساومة للحصول على شهادات الماجستير، والدكتوراه، في ظل تنافس أجنحة الجماعة على المناصب، والموارد، بينما يغرق التعليم الأكاديمي بالتمييز، والتطييف، واستغلال مؤسساته، وموارده لتقوية شبكات الولاء، والسيطرة على المجتمع.

ويساوم الحوثيون الملتحقون ببرامج الماجستير والدكتوراه طلاباً حاليين، وسابقين، لمساعدتهم في إعداد رسائلهم، من خلال إجراء البحوث، والدراسات، ويساهم القادة المعينون في مواقع قيادية في تلك الجامعات في عمليات الابتزاز من خلال اختيار الطلاب المتفوقين، والتنسيق بينهم، والقادة الساعين للحصول على المساعدة.

وكشف أحد الطلاب الملتحقين بدراسة برنامج للماجستير في كلية الآداب في جامعة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن منعه من دخول الحرم الجامعي بعد رفضه الاستجابة لضغوط شديدة، وإغراءات للقبول بمساعدة اثنين من القادة الحوثيين في إعداد الدراسات والأبحاث الخاصة بهما، وتضمنت الإغراءات إعفاءه من بعض الرسوم المطلوبة، ووعود بتوظيفه عند الانتهاء من الدراسة.

وأضاف الطالب الذي طلب التحفظ على هويته، حفاظاً على سلامته، أن عدداً من زملائه وافقوا على إعداد رسائل الماجستير لقادة وعناصر حوثيين مقابل حصولهم على بعض الامتيازات، والمكافآت المالية، في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها السكان في مناطق سيطرة الجماعة.

طالبات في جامعة صنعاء خلال حفل تخرج (غيتي)

وأكّد أن إقبال عناصر الجماعة على الالتحاق بالجامعات للحصول على مختلف الشهادات الجامعية أصبح ظاهرة ملحوظة في جامعة صنعاء، واصفاً ذلك بالتهافت، والذي يرى أنه يأتي في سياق التنافس على المناصب في المؤسسات العمومية التي تسيطر عليها الجماعة.

اختراق المجتمع

تسعى الجماعة الحوثية، وفقاً لمصادر أكاديمية، إلى نفي تهمة العبث بالتعليم الأكاديمي، بإلزام عناصرها وقياداتها الملتحقين بالدراسة في مختلف الجامعات بالحصول على شهادات أكاديمية من خلال إعداد دراسات وأبحاث حقيقية وفقاً للمعايير العلمية، بعد أن تعرضت، خلال الفترة الماضية، للتهكم، بسبب حصول عدد من قادتها على شهادات عليا بسبب نفوذهم، وتحت عناوين تفتقر لتلك المعايير.

وأعلنت الجماعة الحوثية، في فبراير (شباط) الماضي، حصول مهدي المشاط، رئيس مجلس الحكم الحوثي الانقلابي، على درجة الماجستير، في واقعة أثارت استنكاراً واسعاً، وكثفت من الاتهامات لها بالعبث بالتعليم العالي، والإساءة للجامعات اليمنية.

الجماعة الحوثية منحت مهدي المشاط رئيس مجلس حكمها شهادة الماجستير (إعلام حوثي)

وتتنافس تيارات وأجنحة داخل الجماعة الحوثية للسيطرة على القطاعات الإيرادية بمختلف الوسائل، ويسعى قادة تلك الأجنحة إلى بسط نفوذهم من خلال تعيين الموالين لهم في مختلف إداراتها.

وتقول المصادر الأكاديمية لـ«الشرق الأوسط» إنه بسبب هذا التنافس بين هذه الأجنحة لجأ عدد من القادة الحوثيين إلى إطلاق معايير مختلفة للتعيينات، ولم يعد الولاء لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي حكراً على أحد داخلها، وتراجع معيار تقديم التضحيات من خلال القتال في الجبهات، أو إرسال الأبناء والأقارب إليها، بعد توقف المواجهات العسكرية مع الحكومة الشرعية.

ولجأ قادة الجماعة إلى المزايدة على بعضهم بالشهادات الجامعية التي حصلوا عليها، وتبرير استحقاقهم للمناصب بما يملكون من مؤهلات علمية، خصوصاً أن غالبيتهم لم يتلقوا تعليماً بسبب انتمائهم للجماعة، وانشغالهم بالقتال في صفوفها، إلى جانب أن العديد من العناصر التحقوا بها للحصول على النفوذ، وتعويض حرمانهم من التعليم.

وتطلب الجماعة من عناصرها الالتحاق بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية المستحدثة، للحصول على شهادة البكالوريوس تحت مبررات مختلفة، منها تعزيز «الهوية الإيمانية» لهم، وتأهيلهم في مواجهة «الغزو الفكري».

احتفالية حوثية في جامعة صنعاء في الذكرى السنوية لقتلاها (إعلام حوثي)

ويرى أكاديميون يمنيون أن الغرض من إنشاء هذه الجامعة وإلحاق آلاف العناصر الحوثية بها هو تطييف التعليم، واستغلال مخرجاته في تمكين الجماعة من إغراق المؤسسات العامة بعناصر موالية لها لإدارة شؤون المجتمع بالمنهج الطائفي، وتبرير منحهم المناصب القيادية العليا في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية الخاضعة لسيطرتها.

تمييز وفساد

يتلقى الطلاب في جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية التابعة للجماعة الحوثية، بحسب مصادر مطلعة، تلقيناً حول إدارة المجتمع بمنهجية مستمدة مما يعرف بـ«ملازم حسين الحوثي»، وهي مجموعة من الخطب والمحاضرات التي ألقاها مؤسس الجماعة، وتعدّ مرجعاً لتوجيه الأتباع، وغرس أفكارها في المجتمع.

في غضون ذلك، أبدى عدد من طلاب جامعة صنعاء استياءهم من الفساد التعليمي، والتمييز الذي تمارسه الجماعة، بمنح المنتمين إليها درجات عالية في مختلف المواد والمقررات الدراسية رغم عدم حضورهم، أو تلقي الدروس، والاكتفاء بحضور الامتحانات.

أساتذة في جامعة صنعاء انتفضوا سابقاً ضد الممارسات الحوثية وتعرضوا للإقصاء (إعلام محلي)

وبَيَّن عدد من الطلاب لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة خصصت 10 درجات في كل مادة لكل طالب يشارك في فعالياتها التعبوية، وكلفت بعض الموالين لها من زملائهم بإعداد كشوفات لتسجيل حضور ومشاركة الطلاب في تلك الفعاليات.

وطبقاً لهؤلاء الطلاب، فإن المكلفين بمراقبة الحضور والمشاركة في الفعاليات لا يحضرون إلى قاعات الدراسة، ولا يشاركون في الدروس العملية، ولا يمكن مشاهدتهم إلا خلال فعاليات التعبئة.

وبسبب هذا التمييز والفساد يضطر عدد من الطلاب إلى الانضمام للجماعة للحصول على تلك الامتيازات، وضمان النجاح دون مجهود دراسي، والحصول مستقبلاً على وظيفة دون عناء.