الأنظار تتجه إلى نيويورك لإنقاذ المفاوضات السورية

مصادر فرنسية: المعارضة تركت جنيف بسبب التكلفة المرتفعة لمحادثات عقيمة

فريق الدفاع المدني يسحب طفلاً عالقًا في ركام مبنى قصفه الطيران الروسي أمس في مدينة حلب ({غيتي})
فريق الدفاع المدني يسحب طفلاً عالقًا في ركام مبنى قصفه الطيران الروسي أمس في مدينة حلب ({غيتي})
TT

الأنظار تتجه إلى نيويورك لإنقاذ المفاوضات السورية

فريق الدفاع المدني يسحب طفلاً عالقًا في ركام مبنى قصفه الطيران الروسي أمس في مدينة حلب ({غيتي})
فريق الدفاع المدني يسحب طفلاً عالقًا في ركام مبنى قصفه الطيران الروسي أمس في مدينة حلب ({غيتي})

بعد مؤتمر روما الذي خصص لمحاربة «داعش» والإرهاب الثلاثاء الماضي، ومؤتمر لندن لمساعدة اللاجئين السوريين الخميس الماضي، تتجه الأنظار اليوم إلى نيويورك، حيث سيعقد مجلس الأمن مشاورات حول سوريا بحضور المبعوث الدولي، خصوصا إلى مؤتمر ميونيخ لـ«مجموعة الدعم» لسوريا، الذي يلتئم يوم الخميس المقبل. وفي الحالتين، سيكون الغرض إنقاذ محادثات السلام بين الأفرقاء السوريين بعد أن رمى المبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا الكرة في ملعب مجلس الأمن وملعب «مجموعة الـ17».
بيد أن الأجواء التي رافقت أيام جنيف الستة الصعبة وتصلب المواقف، خصوصا موقف النظام المدعوم بالتطورات الميدانية وبتصلب الطرف الروسي، لا توحي بكثير من التفاؤل بإمكانية العودة إلى جنيف في الموعد الذي حدده دي ميستورا في 25 فبراير (شباط) الحالي. تقول مصادر دبلوماسية غربية واكبت عن قرب جهود دي ميستورا في محاولته تذليل العقبات الإجرائية، إن المبعوث الدولي «بسبب التسرع وعدم الاستعداد الكافي كان عاجزا عن اجتياز مرحلة الاتصالات الإجرائية التمهيدية». وتضيف هذه المصادر أن العملية السياسية «عادت إلى المربع الأول»؛ لا بل إنها تراجعت عنه. وما يمكن استخلاصه من التجربة الأخيرة الفاشلة هو أن «الإجماع الدولي» الذي تحقق بمناسبة صدور القرار رقم «2254» عن مجلس الأمن، قد «تداعى عند أول امتحان جدي» لحقيقة نيات الأطراف الفاعلة والمؤثرة على مجرى المحادثات، وبالتالي على العملية السياسية برمتها.
ومن بين ردود الفعل على تعليق المحادثات بسبب العمليات الجوية الروسية وتطويق حلب، جاء الرد الأقوى من باريس، حيث وجه وزير خارجيتها أصابع الاتهام للنظام السوري ولحليفه الأول، روسيا. واتهم لوران فابيوس، في تصريح أدلى به أمس على هامش اجتماع المانحين في لندن، النظام السوري وروسيا بـ«نسف» المفاوضات في جنيف بالاعتماد على الهجوم «الشرس» الذي قامت به قوات النظام بدعم من الطيران الروسي. وطالب فابيوس للمرة الثانية في أقل من 24 ساعة، بـ«احترام القانون الإنساني الدولي ورفع الحصار الذي يجوع المدنيين ووقف عمليات القصف». وتبنى وزير الخارجية الفرنسي بذلك مطالب المعارضة السورية التي ربطت عودتها إلى المحادثات غير المباشرة المفترض أن تفضي بدورها إلى مفاوضات غير مباشرة مع وفد النظام، بتحقيق مضمون الفقرتين «12» و«13» من القرار الدولي رقم «2254». وزاد على ذلك أن ما يطالب به لا يمكن اعتباره «تنازلا» من قبل النظام أو من الجهات التي تدعمه، بل «شرطا» لاستئناف العملية السياسية المتعثرة. وقبل ذلك، كان وزير الخارجية الفرنسي قد أصدر بيانا «يدين» هجوم قوات النظام بدعم روسي، معربا عن تأييده جهود المبعوث الدولي، ومتهما النظام السوري وحلفاءه بأنهم لم يرغبوا أبدا في تسهيل مهمته، وبالتالي: «أفشلوا جهود السلام».
وبعد أقل من أسبوع على زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى باريس وتوافق الطرفين على إقامة لجنة للحوار السياسي الدوري بينهما، لم يتردد فابيوس في انتقاد الدور السلبي الذي تلعبه إيران في الأزمة السورية بسبب دعمها النظام السوري. وفيما ترتفع أصوات من داخل أوساط اليمين الفرنسي تدعو لإعادة النظر في سياسة باريس، بموجب قاعدة البرغماتية، إزاء دمشق وفتح باب الحوار مع نظامها، لم يتردد الوزير الفرنسي من اتهام رئيس النظام السوري بأنه «مجرم الإنسانية».
وتربط المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» فشل «جنيف» بـ«حسابات سورية إيرانية روسية»، مفادها أن «زمن الحل السياسي لم يحن بعد» وأنه «من الأجدى بسبب التطورات الميدانية الإيجابية الانتظار لتحقيق مزيد من التقدم على الأرض»، الأمر الذي سيمكن النظام وحلفاءه من فرض شروطهم والتسوية التي تلائمهم. وتذهب هذه المصادر أبعد من ذلك؛ إذ تتساءل عما إذا كان النظام «نوى حقيقة البحث يوما ما عن حل سياسي»؟ وبرأيها أن كل الضجيج الذي حصل بمناسبة صدور اتفاق فيينا ثم قرار مجلس الأمن الدولي كان لكسب الوقت. ولذا، فإن باريس ترى أن المعارضة المنبثقة عن مؤتمر الرياض التي جاءت إلى جنيف بفعل الضغوط الدولية التي مورست عليها «لم يكن بإمكانها البقاء والاستمرار في محادثات عقيمة بسبب التكلفة السياسية» لخيار كهذا. ولذا، فإن الوزير فابيوس الذي التقى أمس بنظيريه الأميركي جون كيري والبريطاني فيليب هاموند، جعل من وقف عمليات القصف التي تستهدف المدنيين «شرطا» للعودة إلى المفاوضات.
بيد أن باريس لا تكتفي بتحميل المسؤولية للنظام وحلفائه، بل إنها تعد أن «التسرع» في الدعوة إلى المفاوضات قبل توفير شروط «الحد الأدنى» لنجاحها، ساهم كذلك في الإطاحة بها قبل أن تبدأ حقيقة. ويصيب هذا الانتقاد الطرف الأميركي أيضا لأن واشنطن كانت الجهة التي دفعت دي ميستورا دفعا للدعوة إلى «جنيف3»، بينما لم تكن قد حلت بعض الإشكاليات، مثل تحديد الوفود، وتوجيه الدعوات، والتوافق على أجندة عمل، وخلاف ذلك من الأساسيات، قبل دعوة الوفدين إلى مقر الأمم المتحدة في المدينة السويسرية. وفي أي حال، ترى هذه المصادر أن المحادثات كانت ستصل بأي حال إلى طريق مسدود لو نجح دي ميستورا في التغلب على الصعوبات الإجرائية التي لا تقارن بعقبات تصور المرحلة الانتقالية وتشكيل هيئة الحكم الجديدة وصلاحياتها وصلاحيات الرئيس الأسد.
بناء عليه، تتوقع باريس مراحل من «الصعود والهبوط» في المحادثات والمفاوضات التي ستكون على صلة بالتطورات الميدانية التي تبقى «الفيصل» في رسم صورة المرحلة المقبلة وصورة الحل.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.