قال السيد محمد علي الحسيني، الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان، إن ما فشلت في تحقيقه إيران في بعض دول الخليج من خلق الفتن، تمكنت منه في دول أخرى كالعراق ولبنان وسوريا واليمن، «وعملت بوسائلها المعهودة بإرسال رجال دين بذريعة الدعوة الإسلامية وتوحيد صفوف الشيعة في تلك البلدان وأنشأت أحزابا وتنظيمات مسلحة».
وأشار الحسيني، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إلى أن بعض الشيعة العرب ارتموا في أحضان مشروع ولاية الفقيه لغياب البديل، موضحا أن إيران بالتعاون مع النظام السوري أنشأت حزب الله وزودته بترسانة هائلة من الأسلحة والأموال الطائلة كي يحتكر المقاومة ويقدم نفسه بأنه منقذ الشيعة.
وأضاف أن إيران التي رفعت شعار الموت لأميركا، كانت أبرز المستفيدين من الوجود الأميركي في العراق لتحقيق مآربها، معتبرا في سياق متصل أن الربيع العربي، شكل ثورات حقيقية في دول عانت من أزمات معيشية وسياسية، لكن ثمة قوى - على حد قوله - ركبت تلك الثورات وحولتها عن مسارها، فإلى نص الحوار..
> كيف تقيمون الدور الذي يلعبه حزب الله في المنطقة؟
- لا يمكن الفصل بين دور حزب الله وسياسة ومشروع نظام ولاية الفقيه الإيراني في المنطقة، فالحزب ينفذ هذه السياسة، وهي كما بات معروفا للجميع عدائية تجاه العرب تتدخل في شؤونهم الداخلية، وتوسعية من خلال بناء الأذرع الأمنية لها في عدد من الدول. حزب الله هو أحد هذه الأذرع التنفيذية، وقد كلف بمهمة أولى هي الإمساك بلبنان الذي يمثل تنوعا وتعددا يحظى بدعم عربي وأوروبي وغربي، ومن ثم كلف بمهمة إنشاء نوع من القاعدة الإيرانية على حدود إسرائيل، لموازنة نفوذها الإقليمي بالنفوذ الإيراني، وعندما تحقق الأمران تم تكليف حزب الله بمهام قتالية في العراق واليمن وسوريا والكويت والبحرين والسعودية، خدمة لأنظمة أو قوى حليفة للولي الفقيه.
لا شك أن هذا الدور سلبي للغاية لأنه يستند إلى تجييش فئات من الشيعة العرب لإخراجهم من عروبتهم وزجهم في مشاريع ومغامرات لا تخدم مصلحتهم، بل تصب في صالح مشروع نظام ولاية الفقيه.
> كيف استغلت إيران بعض الشيعة لمحاولة تنفيذ مشروعها لتصدير الثورة؟
- رغم التبجح والادعاء فإن مشروع تصدير الثورة فشل فشلا ذريعا. لقد توجهت إيران مباشرة بعد تولي الخميني السلطة نحو هدفها الأول، أي دول الخليج العربي، ظنا منها أن وجود الشيعة في هذه الدول سيشكل رأس جسر تستخدمه لاختراق الأمن القومي العربي، وقد حصلت بعض الاضطرابات بالفعل، ولكنها لم تكن ثورات كما يشتهي ملالي طهران، وفي المحصلة تبين أن شيعة الخليج لم تستملهم دعوة الولي الفقيه الإيراني، وسرعان ما انتقلت طهران إلى الإرهاب، مثل استهداف الكويت بمحاولة اغتيال أميرها وسلسلة من التفجيرات في السعودية، فضلا عن تدريب وتمويل وتسليح بعض التيارات في البحرين، وكذلك في دول أخرى.
ولكن للأسف فإن ما فشلت في تحقيقه إيران في الخليج تمكنت منه في دول أخرى، مستفيدة من الأوضاع الخاصة لهذه الدول مثل لبنان والعراق واليمن وسوريا. وقد عملت بوسائلها المعهودة، أي بإرسال رجال دين بذريعة الدعوة الإسلامية وتوحيد صفوف الشيعة، بالإضافة إلى أموال طائلة لإنشاء أحزاب وتنظيمات مسلحة. لقد تم استغلال الشيعة في هذه الدول ليكونوا وقودا لمشروع تفتيتي تقسيمي، وحيث لا يوجد شيعة جرى العمل مع فئات أخرى.
> البعض يعتقد أن بعض الشيعة العرب ارتموا في حضن المشروع الإيراني وسعوا ليكونوا أداة له بينما اكتفى الآخرون بالصمت.. ما تعليقكم؟
- هذا لا يصح في كل الشيعة. نعم هناك فئات معينة في بعض الدول ارتمت في حضن الولي الفقيه الإيراني لغياب البديل، أو لظروف خاصة، وعلى سبيل المثال فلنتحدث عن لبنان، كان هناك الاحتلال الإسرائيلي وكان الشيعة الذين صودف أن مناطقهم هي المحتلة، أول من قاوم هذا الاحتلال قبل نشوء حزب الله، ثم جاءت إيران بالتعاون مع النظام السوري الذي كان وصيا على لبنان، فأنشأت حزب الله وزودته بترسانة هائلة من الأسلحة وأموال طائلة، ليحتكر المقاومة ويقدم نفسه على أنه منقذ الشيعة. طبعا كان الحزب قد مهد لذلك بالتعاون مع مخابرات النظام السوري بتصفية القيادات الحزبية والمجموعات المقاومة التابعة لها.
ويمكن أن نقول الأمر نفسه عن العراق، حيث وجد الشيعة أنفسهم بعد سقوط صدام حسين في حالة من الفوضى والإرباك لغياب المرجعية القادرة على جمعهم وتوجيههم، فاستغلت طهران الأمر أبشع الاستغلال، فأنشأت تنظيمات مسلحة بزعم الانتقام من السنة الذي ظلموهم أيام صدام، ومن جهة ثانية عملت على تغذية التيارات السنية المتطرفة مثل «القاعدة» لإشعال فتنة مذهبية. هذا ما مكنها من الاستيلاء على الحكم عبر دمى لها، من أمثال نوري المالكي. المفارقة هنا أن إيران التي ترفع شعار الموت لأميركا، كانت أبرز المستفيدين من الوجود الأميركي في هذا البلد لتحقيق مآربها.
ما أود التشديد عليه أنه حيث يعيش الشيعة العرب في مجتمعات مستقرة ودول آمنة فإنهم رفضوا الارتماء في الحضن الإيراني، وحيث وجدوا في أوضاع مضطربة ووجدت طهران الأساليب الملتوية من أجل جذبهم.
> ما تقييمكم للأوضاع الحالية في المنطقة، خصوصا الصراع المذهبي بين السنة والشيعة؟ وإلى أين يمكن أن يتفاقم العنف؟
- الأوضاع الحالية مأزومة للغاية ومن الصعب التفاؤل بالمستقبل، ولكن لنعد إلى الأساس، أي إلى أسباب هذا الصراع المذهبي، فهل هو من تاريخنا وتراثنا الفكري؟ بالتأكيد لا. إنه صراع مفتعل. الشيعة والسنة يعيشون جنبا إلى جنب على هذه الأرض منذ مئات السنين، ولم تحدث فتنة مشابهة لما يجري اليوم. وإذا عرفنا السبب تمكنا من معالجة الأمر، فقد بدأت نذر الفتنة منذ بدء التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية العربية بعد ثورة الخميني. والمسألة اليوم هي أن نضع حدا لغطرسة نظام ولاية الفقيه الإيراني في بلادنا، ووقف كل مشاريعه التوسعية، وقد حققنا كعرب خطوة جبارة في هذا المجال عندما هزمنا تدخل الولي الفقيه بأدوات حوثية في اليمن. إذا استمررنا في المواجهة العسكرية والأمنية والسياسية على هذا المنوال يمكن أن ننتزع من إيران كل ما حققته في بلادنا من مكاسب في العراق ولبنان وسوريا. عندها يمكن أن تبدأ نهاية الفتنة المذهبية ويتوقف تصاعد العنف.
> ما الذي تتوقعونه لمصير الثورة السورية ضد نظام الأسد؟
- للأسف فإن مصير الثورة السورية في نفق مظلم، نتيجة للتدخلات العسكرية الهائلة لروسيا وإيران، من دون أن يكون في المقابل تدخل مضاد من الدول العربية والغربية. صحيح أن النظام السوري سقط ولم يعد له أي أساس يستند إليه سوى الأساطيل والجيوش والميليشيات الأجنبية، ولكن المؤسف أن وضع سوريا اليوم لا يمكن أن يتطور نحو الأفضل، فالمسألة لم تعد داخلية ولا حتى إقليمية، بل دولية بامتياز. إنها نوع جديد من الحرب الباردة ولكنها حامية الوطيس.
ما أتوقعه هو أن تطول الحرب هناك وأن تتدخل قوى دولية أخرى، فلا يهم أن بقي الأسد على رأس الدولة المتهالكة، ولا يهم إذا استمرت المعارضة بالقتال، فمستقبل سوريا لم يعد بأيدي السوريين.
لست متفائلا بمؤتمر جنيف 3، لأنني أعتقد أنه محاولة أميركية روسية لتنظيم الخلاف فيما بينهما، تمهيدا للتقاسم لاحقا. وحسنا فعلت المعارضة بطلبها ضمانات جدية بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، فإذا توفرت إرادة دولية حقيقية تساند الموقف العربي الذي تقوده السعودية فيمكن إجبار روسيا على تغيير موقفها.
> هل ترون أن الدول الغربية التي رفعت شعارات حقوق الإنسان خلال السنوات الماضية قد أخفقت في التعاطي مع القضية السورية؟
- هذا مؤكد، وقد مرت أوقات خلال السنوات الخمس الماضية كان النظام على وشك السقوط في ظل فشل الدعم الإيراني في إبقائه صامدا، وفي ظل العجز الروسي عن التدخل، وخصوصا إبان أزمة أوكرانيا، ولكن العالم الغربي تقاعس عن دعم المعارضة. هذا الإخفاق هو ما جعل الروس يقدمون من دون الخشية من تدخل مقابل من الأميركيين أو غيرهم.
لقد فعل العرب كل ما بوسعهم، ولا يزالون على سعيهم لنصرة الشعب السوري. واليوم ينبغي تدارك ما وصلت إليه الأمور، فروسيا تتدخل بذريعة قتال «داعش»، والتحالف الدولي يضرب هذا التنظيم الإرهابي منذ أشهر من دون تحقيق المطلوب، والحل يبقى بأيدينا من خلال التحالف الإسلامي لدحر الإرهاب، وعندما نخوض المعركة بأيدينا وجهودنا يمكن أن نأمل خيرا ولو بعد حين لسوريا وغيرها.
> كيف يمكن الحفاظ على الأمن القومي العربي في ظل الاضطرابات الحالية؟
- الأمن القومي العرب مصون وحصين في دول الخليج العربي، وخصوصا بعد عاصفة الحزم، وبعد سلسلة الإنجازات الأمنية للسلطات المختصة في كشف الخلايا الإرهابية المرسلة من إيران خصوصا. ونحن لا نخشى على هذه الدول من شيعتها، لأنه بعد مرحلة من الالتباس عندهم فإن النوايا الإيرانية الخبيثة باتت مفضوحة. وقد عملنا بجد لإسقاط الكذبة الكبيرة المسماة ولاية الفقيه، وفضح غاياتها لدى الشيعة العرب، وبينا أنها مجرد بدعة لا تمت للعقيدة الشيعية بصلة، الهدف منها سياسي باستتباعهم للعمل كمرتزقة في الحرس الثوري الإيراني، وسنواصل العمل مع شيعة الخليج ومع أولي الأمر في هذه البلاد من أجل المزيد من التحصين والتوعية.
رغم ذلك فإنني ما زلت أخشى على الأمن القومي العربي من الاختراقات في عدد من الأنحاء العربية، وخصوصا العراق ولبنان. ينبغي العمل بجهد أكبر على شيعة هذين البلدين وقد أنشأنا مؤخرا فضائية شيعية عربية اسمها قناة «أوطاني»، تعمل في هذا السبيل، وبدأنا نلمس تجاوبا من الجمهور الشيعي الذي يحتاج إلى توجيه وإرشاد، وخصوصا بعد الويلات التي إصابته جراء التدخلات الإيرانية.
في المحصلة أعتقد أن الأمن القومي العربي سيكون بخير، لأن الأحداث الأخيرة بين السعودية وإيران أظهرت أن الموقف العربي موحد والصف العربي مرصوص خلف القيادة السعودية، لأن الخطر الداهم لا يتهدد المملكة وحدها، وإنما يستهدفها هي بالذات، لأنها خط الدفاع الأول عن الأمة العربية الإسلامية، فإذا سقطت، لا سمح الله، ستسقط الدول العربية الواحدة تلو الأخرى.
> هل تتفقون مع من يرى بأن الربيع العربي خدم أجندة تسعى لتوتير المنطقة ولم يخدم الإنسان البسيط؟
- الربيع العربي ليس مؤامرة دبرت بليل، رغم كل ما تبعه من انتكاسات، أوصلت الوضع إلى أسوأ مما كان عليه قبله.
الربيع العربي كان ثورة حقيقة في دول تراكمت فيها الأزمات المعيشية والسياسية إلى حد لا يطاق فانتفضت الشعوب بعفوية، ولكن ثمة قوى ركبت هذه الثورات وحولتها عن أهدافها، كما حصل في مصر لفترة من الوقت، ولكن الأمور عادت تقريبا إلى نصابها. وهذا ما يمكن أن يقال عن تونس. أما في ليبيا ولاحقا في سوريا فإن عسكرة الثورة منذ البداية كانت بسبب العنف الوحشي للنظامين هناك، القذافي كان مجنونا خالصا، والأسد طاغية مجرم، ولكنهما لعبا بخبث، إذ أطلقا كل الجماعات المتطرفة من عقالها لتخرب الثورة وتأخذ البلد إلى حرب إلغاء وإبادة.
أعتقد أن الأسباب الداخلية هي أساس نجاح وفشل أي ثورة، ثم تأتي التدخلات الخارجية لتحقق مصالح الدول المتدخلة، في سوريا وليبيا يريدون التقسيم لأن هذين البلدين مهمان جغرافيا، أما الشعبان السوري والليبي وسائر الشعوب العربية فلا تدخل أبدا في حسابات هذه الدول.
> كيف تقيمون الصورة الحالية للعراق بعد الانهيار السياسي والاقتصادي.. ومن السبب في ذلك؟
- لقد تحقق إنجاز هام في العراق تمثل بإبعاد نوري المالكي الدمية الإيرانية، لكن ذلك لا يكفي. ينبغي على الحكومة العراقية بالاستناد إلى قواها الذاتية، وخاصة من خلال مشاركة كل المكونات العراقية، وبدعم من حلفائها العرب والأجانب، أن تستكمل معركة تحرير البلاد من هيمنة «داعش»، ثم ميليشيات الحشد الشعبي، لأن ما تقوم به من جرائم مذهبية لا يقل سوءا عما فعله «داعش».
التدخل الإيراني في هذا البلد لا يزال قويا وحاضرا، وينبغي على العرب موازنة ذلك واحتضان العراق بكل الوسائل والسبل، وحسنا فعلت السعودية بأن أعادت تمثيلها الدبلوماسي في بغداد، ومهما كانت الظروف صعبة، بل لأن هذه الظروف صعبة يجب أن يجد العراق الحضن العربي جاهزا لاحتضانه واستعادته من البراثن الإيرانية، ومهما تبجح المسؤولون الإيرانيون فلن تكون بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية.
> ما توقعاتكم لتطورات المشهد بعد تسوية إيران ملفها النووي مع الغرب؟ وهل ترشحون ممارسات سلبية جديدة لها في دول الجوار؟
- للأسف فإن الأميركيين اعترفوا بأنهم لا يضمنون ألا تستخدم إيران في دعم الإرهاب الأموال المحررة بفعل رفع العقوبات. هذا لا شك فيه، ومن هذه الناحية يجب ألا ننتظر أي إيجابية من حفلات العلاقات العامة التي يجريها حسن روحاني في أوروبا. فالدول الصناعية تبحث عن صفقات لتشغيل مصانعها، وفي السياسة، فإنها تغض الطرف عن معاناة الشعب الإيراني من الجوع والحرمان، كما تغض الطرف عن التدخلات الإيرانية في بلادنا. لذا لا مناص لنا سوى الاتكال على أنفسنا، ونحن قادرون على الفعل.
عندما حدث الانقلاب في اليمن وبات أتباع إيران على حدود المملكة ودول الخليج، بدأت المناورات الدولية على اعتبار أن الدول الكبرى تقيس الأمور وفقا لحساباتها، ولكن العرب لم ينتظروا مجلس الأمن كي يدين ويندد، كما يفعل بالعادة، بل اتخذوا المبادرة وأعلنوا عاصفة الحزم، فجاء قرار مجلس الأمن لاحقا ليؤيد خطوتهم وقراراتهم بالحرف.
أيا تكن الخطوات الإيرانية بعد الاتفاق النووي ورفع العقوبات فإنها لن تكون إيجابية، وستستمر محاولاتها لاختراق أمننا القومي، وهذا ما ينبغي الاستعداد له دائما.