بارزاني يخلط أوراق العراق بإعلانه طلب استفتاء على استقلال كردستان

معصوم وصفه بالطموح غير المتفق عليه و«ائتلاف القانون» عده هروبًا من الأزمة الاقتصادية

كردي عراقي يصمم علم إقليم كردستان وفيه صورة لرئيس الإقليم مسعود بارزاني (أ.ف.ب)
كردي عراقي يصمم علم إقليم كردستان وفيه صورة لرئيس الإقليم مسعود بارزاني (أ.ف.ب)
TT

بارزاني يخلط أوراق العراق بإعلانه طلب استفتاء على استقلال كردستان

كردي عراقي يصمم علم إقليم كردستان وفيه صورة لرئيس الإقليم مسعود بارزاني (أ.ف.ب)
كردي عراقي يصمم علم إقليم كردستان وفيه صورة لرئيس الإقليم مسعود بارزاني (أ.ف.ب)

أعلن رئيس إقليم كردستان العراق المنتهية ولايته مسعود بارزاني، أمس، أن الوقت حان لتنظيم استفتاء حول إقامة دولة مستقلة في كردستان في شمال العراق، في خطوة قد تثير توترا بين الإقليم وحكومة بغداد.
وقال بارزاني في بيان صادر عن مكتبه: «لقد حان الوقت لشعب كردستان أن يقرر مصيره عن طريق الاستفتاء»، مضيفا أن «الفرصة الآن مناسبة جدًا لاتخاذ هذا القرار». وقال بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، أبرز الأحزاب الكردية في العراق، إن «الاستفتاء لا يعني أن يعلن شعب كردستان دولته فور ظهور النتائج، بل يعني أن يعرف الجميع ما الذي يريده شعب كردستان لمستقبله وكيف سيختار مصيره». وأضاف أن «القيادة السياسية في كردستان ستنفذ إرادة وقرار الشعب في الوقت المناسب».
وتعقيبا على دعوة بارزاني، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني علي عوني: «أعتقد أن اليوم أفضل من الغد لإجراء هذا الاستفتاء. وكلما استعجلنا فيه أفضل لنا، لأن أعداء الكرد وضعهم حاليا غير جيد ومتدهور، والوضع في المنطقة مقبل على تغييرات». وأضاف: «الشعب الكردي أظهر في هذه الفترة سمعة جيدة للعالم، واكتسب تعاطفا دوليا في محاربة تنظيم داعش. لهذا يجب أن نظهر للعالم إرادة شعبنا في الاستقلال وحق تقرير المصير». ورأى الرئيس العراقي فؤاد معصوم، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، ثاني أكبر حزب كردي في مقابلة تلفزيونية، أن تشكيل دولة في كردستان مجرد طموح، وأنه «لا يوجد مشروع متّفق عليه بين الكرد في إعلان استقلال، لأن به مشكلات كثيرة».
وعبرت الأحزاب الكردية المشاركة في الاجتماع الموسع الذي عقدته برئاسة رئيس الإقليم مسعود بارزاني في 26 يناير (كانون الثاني) الماضي عن دعمها الكامل لتنظيم عملية الاستفتاء على تقرير مصير كردستان وضرورة العمل على إنجاحها وتقوية أواصر الوحدة الوطنية بترتيب البيت الكردستاني وتعميق الثقة بين الأطراف السياسية وشعب كردستان، كما أكد المشاركون على ضرورة منح شعب كردستان فرصته للتعبير عن رأيه حول مصيره لكل العالم.
بدوره قال المستشار الإعلامي في مكتب رئيس الإقليم، كفاح محمود لـ«الشرق الأوسط» إن قرار الاستفتاء اتخذه شعب كردستان وكل الأحزاب السياسية في الإقليم، لكن تنظيم عملية الاستفتاء تحتاج إلى تحديد المواعيد من قبل المفوضية العليا للانتخابات في الإقليم، وتنظيم هذه العملية يحتاج بضعة أشهر حتى تستكمل المفوضية متطلبات إجرائها من الناحية الفنية، مشيرًا إلى أن المفوضية تم إبلاغها بتنظيم عملية الاستفتاء، كاشفًا بالقول: «سيكون هناك استفتاءان، استفتاء خاص بالمناطق المستقطعة من الإقليم (المناطق المتنازع عليها) لكي يقرر أهالي هذه المناطق تبعية مناطقهم سواء للإقليم أو الجزء المتبقي من البلاد، ثم بعد ذلك يصار إلى استفتاء عام حول حق تقرير المصير».
إلى ذلك، قال القيادي في «ائتلاف دولة القانون» صلاح عبد الرزاق، إن «الأكراد قرروا مصيرهم من خلال البقاء ضمن عراق فيدرالي موحد حين صوتوا على الدستور العراقي عام 2005». وأضاف عبد الرزاق الذي ينتمي إلى الائتلاف نفسه الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء حيدر العبادي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ردا على إعلان رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، أن «الوضع الكردي قد شهد تعقيدات كثيرة بعد استمرار مسعود بارزاني في السلطة رغم انتهاء ولايته، وهو الآن يعد خارج السلطة، والأكراد الآن في حالة فراغ دستوري، كما أن بارزاني يرفض أي بديل، وبالتالي هو يعاني مشكلات كثيرة، ويعمد إلى لفت الانتباه إليه من خلال إثارة قضايا من هذا النوع». وأضاف عبد الرزاق أن «الممارسات التي قام بها بارزاني وحزبه لم تحصل في أي مكان آخر حين قام بطرد الوزراء من كتلة معارضة له، فضلا عن طرد رئيس البرلمان، وهو ما لم يحصل في بغداد مثلا رغم كل الخلافات مع الكرد أو مع السنة». وأوضح عبد الرزاق أن «انخفاض أسعار النفط كشفت حقيقة الوضع الكردي الذي كان يوصف بأنه مزدهر، وهي كذبة انطلت على كثيرين، بينما حقيقة الأمر ليست كذلك»، مؤكدا أن «بارزاني من خلال إثارة قضية الاستفتاء والدولة الكردية، يريد أن يكون هو البطل القومي للشعب الكردي»، وأشار إلى أن «ممارسات بارزاني باتت مكشوفة حتى للشعب الكردي». وعلى الرغم من وجود إجماع كردي على فكرة الاستقلال، فإن هناك خلافات سياسية عميقة بين الأحزاب الحاكمة للإقليم حول تقاسم السلطة. ونجح بارزاني في طرد حزب «غوران»، ثالث الأحزاب الكردية، من أربيل، عاصمة إقليم كردستان بسبب هذه الخلافات. ويتكون إقليم كردستان من ثلاث محافظات، هي: أربيل والسليمانية ودهوك، في شمال العراق. لكن الأكراد استغلوا الفراغ الذي تركه انهيار الجيش العراقي في الموصل بعد الهجوم الكاسح الذي شنه «داعش» منتصف 2014، وفرضوا سيطرتهم على معظم محافظة كركوك الغنية بالنفط، وأجزاء من محافظات صلاح الدين وديالى والموصل. ويطالب الأكراد بدولة «كردستان الكبرى» التي تضم أكراد المنطقة بأجزائها الأربعة: شمال العراق وأجزاء من إيران وتركيا وسوريا.
وتعارض حكومة بغداد المدعومة من إيران هذا التوجه بشدة، وكذلك تركيا التي تحارب حزب العمال الكردستاني منذ عقود، ولا تسمحان بقيام دولة كردية. وشرع الأكراد في تصدير النفط من حقول كركوك التي تسيطر عليها قوات البيشمركة، ومن الحقول الأخرى في الإقليم عبر ميناء جيهان التركي بخلاف رغبة الحكومة الاتحادية.
ويقيم بارزاني علاقات وطيدة مع الحكومة التركية، لكن أنقرة تخوض معارك دموية ضد حزب العمال الكردستاني التركي، وتعد أن إنشاء دولة كردية جنوبا قد يفسح المجال أمام دعوات مماثلة للأكراد الأتراك داخل أراضيها. ويعد الجانب الاقتصادي أبرز العقبات لاستقلال الأكراد؛ إذ إن موافقة تركيا، الشريك الاقتصادي الأول للأكراد، من ناحية تصدير النفط والاستثمارات الأخرى، تعد أساسية لمضي الأكراد في مشروعهم. وتعتمد حكومة إقليم كردستان لتمويل مؤسساتها على بيع النفط الذي هبطت أسعاره بشكل حاد لتصل إلى 30 دولارا للبرميل الواحد. لكن حكومة كردستان لا تتوفر لها سبل الحصول على سندات وقروض دولية على غرار بغداد. ويواجه الأكراد أزمة نقد حادة، وينفذ حاليا موظفوهم اعتصاما بسبب عدم تسلم رواتبهم منذ أربعة أشهر. وكان إقليم كردستان وجهة سياحية بارزة حتى قبل سنتين، إلا أن توسع «داعش» في المنطقة يحول دون انتعاش السياحة مجددا.
يذكر أنه انتهت ولاية بارزاني في أغسطس (آب) 2015، غير أنه لا يزال يمارس مهامه بحكم الأمر الواقع، ولأن الخلافات السياسية في إقليم كردستان تحول دون الاتفاق على آلية انتخاب رئيس جديد وعلى تنظيم انتخابات، وبالإضافة إلى الأزمة السياسية، يواجه الإقليم، الذي يمارس حكما ذاتيا منذ عام 1991، أزمة اقتصادية نتيجة انخفاض أسعار النفط، مما قد يشكل قيدا جديدا على الاستقلال.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.