ياهْل القلم والشّان ردّوا التّهايم
عدوانكم استأجروا كل كذّاب
إلى متى ما غير نَقرا الظلايم؟
وِاعلامنا يزوّد القوم بأسباب
لا تنثرون المال بين الهلايم
استثمروا في عقول قاده وكتاب
وحطّوا مراكز بحث للشّور دايم
تقودها قدراتنا وبعض الاصحاب
ولا تستهينوا بادعاء الخصايم
ترى الكِذِب إذا لقى إذن جذّاب
تقَاسمونا بالخرايط وَلايم
ونْصدّق التّطمين من كاَشِر النّاب
ترى المسا نذير فجر العظايم
تحزّموا لْقادم الوقت بحساب
من ضيّع الفرصه دَهَته الهزايم
ومن لا يجهّز لـ أخطر أيامها خاب
اليوم ما هو يوم لومٍ ولايم
اليوم للّي يرفع الرّاس حرّاب
وانا ادري إن الكل بالمجد هايم
وكلٍ لعز الدّار بالروح وهّاب
* «تحزّموا».. قصيدة بحجم الوعي لـ«دايم السيف»
* الدمام: «الشرق الأوسط»
* وجّه الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز رسالة إلى شعب الخليج العربي، عبر قصيدة باللغة الدارجة، حملت عنوان «تحزّموا.. إلى أهلي في الخليج العربي»، حملت مضامين تدعو للحزم والعزيمة نحو الاعتماد على النفس، وعدم الوقوع في فخ التحريض الإعلامي الموجه.
القصيدة، النصّ، الذي تنشره «الشرق الأوسط»، مثّلت كبقية نصوص خالد الفيصل رسالة تحمل مضامين عميقة تدعو للمصداقية في مواجهة التشكيك والدعايات المغرضة، ولاعتماد العلم والبحث والاستثمار في العقول كسلاح لمواجهة التحديات الراهنة.
الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي، أستاذ النقد الأدبي بقسم الدراسات العليا بجامعة أم القرى، قال إن قصيدة «تحزّموا.. إلى أهلي في الخليج العربي» هي «رسالة وجدانية إلى ذوي القربى (الأهل)، فهم أهل (الأمير) خالد حقيقة دينًا، ونسبًا، ووطنًا، ولغةً، ومجتمعًا. فأي روابط هذه من القوة والاتحاد والمصير المشترك؟».
ومضى يقول: «خالد الفيصل رائد، والرائد لا يكذب أهله، ورسالته التي أسس بها عتبة المدخل إلى القصيدة رسالة استنهاض وتحفيز للفعل، وليست لردود الفعل، ولا لصدى الفعل».
وأضاف: «الفعل الفيصلي الذي حرّك مشاعر خالد ليس فعلاً استقوائيًا أو ظلاميًا، أو إلحاقًا بالضرر للآخر أيًّا كان منبته. إنه الفعل الهادف الذي يقود ولا يُقاد، وينفع ولا يضر. إنه فعل التمكين بالقوة، وليس فعل القوة بلا تمكين، لذلك بدأت الرسالة باسم القصيدة (تحزّموا)، والحزام من مظاهر الرجولة والقوة والاعتداد بالذات». ولاحظ الدكتور الحارثي أن «مقاربة التحزّم بعاصفة الحزم الملكية تصب في هذا المبدأ الذاتي. الذي يحفظ الحقوق والأوطان، والمنجزات الحضارية التي تحققت على أرض الواقع في خليجنا العربي».
وقال: «لقد استثمر خالد الفيصل فعل عاصفة الحزم ليؤسس على فعلها البطولي منطلقًا إلى ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع العربي الخليجي».
وأضاف: «إن هذه المقاربة بين الحزم والتحزّم لا يلتقط ائتلافهما سوى فنان بارع خبُر الفن، والسياسة، والإدارة، وامتلأ بالتراث، والمستجدات، فتكوَّن من الحياة ومتطلباتها، وكوَّن جانبًا من الحياة ومنجزاتها، وأدرك أثر الرمز اللغوي في تحريك النفوس التي خاطبها، ويخاطبها. فكان رمزه بالتحزُّم وامتلاك القوة، لتنشيط الحاضر، واستشراف المستقبل وفق خريطة مهندس الفن خالد الفيصل».
وفي تحليله للنصّ قال: «بدأ النص بأداة النداء (يا) وهو نداء للقريب، والبعيد، ولكنه للقريب أقرب، داعيًا فئة من مجتمع الخليج أصحاب القلم. والقلم منطلق العلم بالأشياء، ومنبثق استنهاض العقول والنفوس للنقلات الإنسانية المفيدة في الحياة. والقلم غايته تعليمية وعلمية، بدءًا بالقراءة ووصولاً إلى الإنتاجية المرجوة».
وتساءل الحارثي: «ماذا كان يريد الفيصل من نداء أهل الخليج، ومنهم أصحاب القلم وأصحاب الشأن العام؟»، ليجيب: «كان نداؤه تنبيها لدرء التهم التي كالها أعداء الخليج، وما يبثونه من أكاذيب ظلما وعدوانا». وأضاف: «التفت الفيصل إلى بعض مصادر تلك التهايم، والأكاذيب، وأن بعضها من الإعلام الخليجي المراهق الذي يندفع إلى ما يضره أحيانا ولا ينفعه»، ورأى أن «بمقدور الاعتداد بالذات الخليجية أن تصحح المسار. وقد وصف الفيصل بعض الأعداء بـ(الهلايم) والهلامة الذي لا خير فيه ممن يضر ولا ينفع».
ولاحظ الدكتور الحارثي أنه «لإعادة مشروع نهضتنا إلى طبيعتها العربية الإسلامية ينبغي حشد الجهود في مرحلتنا الراهنة لذلك».
واختتم بالقول: «نظرًا إلى ثقافة الفيصل الواسعة فقد كشف مكامن الداء ووصف له بعض الدواء، بإقامة مراكز البحوث، وتطوير الوعي المجتمعي. وقد محور القصيدة بعد ذلك حول مجموعة من التنبيهات التي مارس الأعداء من خلالها بعضًا من الأعمال الاستفزازية لمواطني الخليج العربي».
يونس البدر: جاءت بحجم الوعي
وقال لـ«الشرق الأوسط» الناقد يونس البدر، المحاضر في الأدب والنقد في كلية الآداب بجامعة الملك فيصل بالأحساء، وعضو النادي الأدبي هناك، إن قصيدة «تحزّموا» التي وجهها الأمير الشاعر خالد الفيصل إلى من سماهم «إلى أهلي في الخليج» تمتاز بـ«وحدة عضوية متماسكة، إذ تأخذ الأبيات بعضها برقاب بعض، وتسير في تسلسل أفكار يجري وراءها المعنى لاهثًا». وأضاف البدر: «تتكئ هذه القصيدة على أسلوب الجمل الإنشائية - كالاستفهام والنداء والأمر - لتعالج بروح شعرية عذبة موضوعات متعددة، أبرزها التأكيد على دور الإعلام المأجور في تزوير الحقائق، ونشر الأكاذيب، وهوامش الأمور.. داعيًا الإعلاميين الشرفاء إلى التصدي لهذه الحملات المشبوهة التي تستهدف التشويه والإساءة، وذلك في قوله: (يا اهل القلم والشان ردوا التهايم)».
ولاحظ الناقد البدر أن القصيدة تناولت في مضمونها كذلك «مسألة إهدار المال في ما لا فائدة منه عند قوله: (لا تنثرون المال بين الهلايم)، كما شملت الدعوة لتأسيس مراكز الأبحاث والاستشارات وذلك في قوله: (وحطوا مراكز بحث للشور دايم)».
وبرأي الناقد البدر فإن «ذلك كله يدل على حجم الوعي الذي يتمتع به الشاعر الأمير خالد الفيصل بالمعضلات التي نواجهها وسبل العلاج لهذه المعضلات».
كما لاحظ البدر أن هناك «تميزًا في هذا النص يكمن في معالجته لكل هذه الموضوعات والأفكار بألفاظ قليلة وموحية بالمعنى على أتم وجه وفي صور بلاغية مشرقة نجدها في قوله: (كاشر الناب) كناية عند العدو المتربص، (فجر العظايم) كناية عن المستقبل الذي يلوح في الأفق. ويتخلل هذه الملامح البلاغية بعض الحكم الإنسانية التي لا بد أن يخلدها الشعر كما في قوله: (الكذب إذا لقى أذن جذاب) و(من ضيع الفرصة دهته الهزايم)».
وأضاف: «يختم الأمير الشاعر القصيدة ببيتين في ظني هما عين القصيدة ومعينها النابع بالمعاني والحكم كلها التي انتشرت في النص، وهما قوله: (اليوم ما هو يوم لوم ولايم / اليوم للي يرفع الراس حراب.. وانا أدري أن الكل بالمجد هايم / وكل لعز الدار بالروح وهاب)، حيث استطاع تصوير هيام أبناء هذا الوطن بالمجد واستعدادهم لأن يهبوا أرواحهم في سبيل رفع رأسه، وهذه الروح الوطنية كفيلة بأن تحقق ما يصبو إليه الشاعر من مستقبل مشرق ينتظره الجميع».
لغة مأهولة بالإبداع
أما الروائي السعودي جابر محمد مدخلي فقال لـ«الشرق الأوسط» إن القصيدة مثّلت «تعبيرًا دقيقًا بفخامة اللغة الشعرية المأهولة بسكان الإبداع والإلمام بواقع الحال. وهي تسطر دروسها وتكرس إيقاظ الهمم وتقوية الصلة ومعرفة ما يكاد وما يحاك لنا وحولنا وعلينا».وأضاف: «هذه قصيدة فاخرة بموازين الحقيقة وقوافي التجربة المحكمة والحكيمة. وكعادة الأمير الشاعر يكاشفنا بوطنيته الشهيرة التي يؤكد مشاعرها الصادقة بكل قصيدة وليدة».
وعن الشعر الشعبي كحامل لرسالة الشاعر، قال القاص والكاتب حسن البطران: «يبقى الشعر العامي أو الشعبي أو الشعر المحكي قريبا ويصل سريعا إلى المتلقي ويسجل رسالة نافعة مباشرة كونه يحاكي النفس ويحاكي كل مستويات الناس على اختلاف تذوقاتهم توجهاتهم».
وأضاف: «الأمير خالد الفيصل شاعر له عمق كبير في هذا المجال، فهو ذكي كونه يحمل رسائل لها آثار وأثر فعال على المجتمع بهذا النوع من الشعر، ومن خلاله عرف كيف يصل إلى كل المستويات، وقصيدته (تحزموا) تحمل عده مفاهيم وبها هموم وتطلعات في نفس الوقت».
وأضاف: «الأمير خالد الفيصل شاعر كبير وفذ، تجربته عميقة وتحمل رمزية ذات أبعاد فلسفية وتشكل تجربته مدرسة شعرية خاصة.وفي هذه القصيدة ركز على العلم وطلبه حيث استهل في قصيدته هذه بالقلم والكل منا يعرف رمزية القلم والكتاب، وانظر إلى هذه القصيدة بتذوق انطباعي، فالقصيدة تحمل في أشطرها فلسفات كبيرة، ويكفي أنه يرشد إلى بذل المال في بناء العقول تنويرها، وأن ذلك خرائط ليست فحسب خرائط تصل بها إلى تفتح عقول وتنويع مدارك، وإلى توسع خرائط الاستقرار والهدوء والأمن والعيش الرغيد». واختتم بالقول: «إنه خالد الفيصل الشاعر العميق وصاحب الابتكارات في رسائله الشعرية، و(تحزموا) إضاءة من إضاءاته».
دايم السيف
يُعرف الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز كراعٍ للفكر والثقافة والإبداع، وآراؤه في مناقشة التحولات الاجتماعية والسياسية لا تقل أهمية عن مبادراته التي تتوزع محليًا وعربيًا وعالميًا.
اقترن الأمير خالد الفيصل بالأدب والثقافة والشعر، فكتب الشعر النبطي مبكرًا، وعرف باسم «دايم السيف»، كما أنه فنان تشكيلي. وظل مرتبطًا بالثقافة والفكر في حياته العملية، حيث كرس وجوده في المناصب الحكومية لرعاية الثقافة والفكر، وتحفيز الإبداع، وإقامة المهرجانات الثقافية. واهتمامه بالثقافة دفعه لتأسيس منتدى أدبي ثقافي بالرياض، وكان يعقد في منزله إبان عمله برعاية الشباب، كما أسس مجلة «الفيصل».
وقد صدر له أول ديوان شعري شعبي بعنوان «قصائد نبطية» في عام 1406هـ وضم نحو مائة قصيدة، وعشر لوحات بريشته. وصدر له الديوان الثاني في عام 1412هـ وضم 53 قصيدة وثماني قصائد مغناة وعددًا من رسوماته. وفي عام 1421هـ وبمناسبة اختيار ديوانه الأول ضمن ثمانية كتب عالمية تبيع أكثر من خمسين ألف نسخة، أصدرت مكتبة «العبيكان» كتابا ضم دواوين الأمير الثلاثة بالإضافة إلى قصائده الجديدة بعنوان «أشعار خالد الفيصل». وفي عام 1419هـ أصدر كتاب «مسافة التنمية وشاهد عيان». وفي عام 1424هـ صدر عنه كتاب «سياحة في فكر الأمير». كما أطلق الأمير خالد الفيصل في 29 / 5 / 2000 مبادرة تأسيس «مؤسسة الفكر العربي» في بيروت، وهي مؤسّسة مستقلة تعمل على الاهتمام بمختلف سبل المعرفة، وتوحيد الجهود الفكرية والثقافية، التي تدعو إلى تضامن الأمة والنهوض بها والمحافظة على هويتها.
كما أعاد الأمير خالد الفيصل إحياء مهرجان سوق عكاظ الذي يقام على مقربة من محافظة الطائف، وانطلقت فعالياته في عام 2007، وهذا المهرجان أحد أبرز المواسم الثقافية السعودية والعربية، ويجري خلاله إقامة الفعاليات الشعرية التي تحيي شعراء العرب الكبار الماضين، كما يهتم المهرجان بالفنون والثقافة والفكر والحوار.