مونترو.. طبيعة حالمة تتغلغل في شرايينها

سويسرا لوحة من الإلهام تلامس الوجدان

مونترو مغناطيس الفنانين والأثرياء
مونترو مغناطيس الفنانين والأثرياء
TT

مونترو.. طبيعة حالمة تتغلغل في شرايينها

مونترو مغناطيس الفنانين والأثرياء
مونترو مغناطيس الفنانين والأثرياء

إذا كان الهدف من زيارة سويسرا هو الاستمتاع بالطبيعة الساحرة، فلن تقف طويلا أمام زيارة أي مدينة أو كانتون، لأن الطبيعة الساحرة هي القاسم المشترك والصفة الغالبة؛ بل والسمة المميزة، بين جميع المدن والكانتونات السويسرية قاطبة. أما إذا كنت من هواة الإبحار داخل الطبيعة الحالمة التي تتغلغل في شرايين المدن الصغيرة الساكنة التي تنبض بكل علامات الحياة الحديثة المعاصرة، فلن تتردد في اختيار مونترو فيفي (Montreux vevey) تلك المدينة الصغيرة التي تسورها جبال يكسوها الثلج في موسم الشتاء، وتلامس حدودها من كل جانب بحيرات يسكنها الإوز شديد الرشاقة، وتغمرها المياه النقية العذبة.. هنا ستدرك أنك بالفعل أحسنت الاختيار ووجدت ضالتك، وستشعر كأنك تقف أمام لوحة أبدع في إخراجها فنان ملهم نهل واغترف من كنوز الجمال ما جعله يغرد بريشته ليعلن الانفراد والخصوصية التي لا يوجد لها مثيل فوق الكرة الأرضية. ومع هذه الخلفية الجمالية تتسلسل إلى مشاعرك موسيقى الجاز التي لا تتوقف احتراما وتقديرا لحسن اختيارك، كما تغمرك روائح القهوة والشوكولاته وشذى زهرة الأوركيد من كل مكان في سيمفونية متناسقة رقيقة ومنظومة من صنع الطبيعة.
وهنا سنتعرف على توصيف أكثر تفصيلا لكل من مونترو وإنترلاكن ولوسيرن:
* مونترو فيفي
مونترو مدينة صغيرة جدا، وهي متصلة مع مدينة فيفي في الكانتون الفرنسي غرب سويسرا؛ حيث تقع على الساحل شمال شرقي بحيرة جنيف، حيث يسكنها ما يقارب 22 ألفا و897 نسمة، كما يعيش فيها عدد من المشاهير والأثرياء، بل أصبحت مكان الإقامة المفضل لعدد كبير من الفنانين العالميين العاشقين للتأمل والجمال الأخاذ وطابعها المعماري شديد الأناقة والفخامة والهدوء.
تأسست مونترو عام 1962 بعد أن تم دمج مدن عدة مثل «لو شاتلار» و«لي بلانش» و«فيتو»، لتصبح اليوم مدينة بحد ذاتها، ولكن تعرف أكثر باسم «مونترو فيفي» نسبة لقرب المدينتين كلتيهما من الأخرى، حتى أصبحا متلاصقتين، والوصول لهما في خط مواصلات واحد، كما يمكنك الوصول إليهما عن طريق الجو، وأقرب مطار إليهما هو مطار جنيف الدولي، وكذلك شبكة قطارات حديثة تصل حتى فرنسا وإيطاليا. ويمكنك الوصول لمحطة «فيفي» ثم تستقل حافلة للنقل العام لتصل بك في أقل من 5 دقائق إلى مونترو، وفي كل انتقالاتك داخل سويسرا ومهما تعددت وسائل النقل من قطارات وحافلات فاخرة، يمكنك استخدام بطاقة «Swiss Pass».
* بحيرة جنيف الساحرة
وتطل مدينة مونترو على بحيرة جنيف الساحرة ملتقى الباحثين عن الجمال في دنيا الخيال؛ فمشهد البحيرة بمياهها العذبة النقية وأنت تتمعن في شواطئها الوارفة الظلال التي تحتضن بين جنباتها قصورا فاخرة وفيلات مهيبة، يذهب العقل وينعش الوجدان من فرط السكون الذي يثير الشجون، كما تتراص على الجانب الآخر في مشهد مهيب سلسلة من الفنادق تتباهى وتتفاخر لتغازل الصفوة من قاطنيها الذين اعتادوا الدلال في غرف تحقق أقصى الطموحات من مأكولات بمختلف اللغات وحمامات سباحة خاصة وساونا وجاكوزي في جناحك الخاص، لأنه في سويسرا كل وسائل الراحة والرفاهية تنتقل إليك لتوفر عليك لحظات البحث التي يجب أن تتركز في استنشاق الهواء النقي والاستمتاع ليلا بموسيقى الجاز العالمية؛ حيث تستضيف مهرجان الجاز السنوي الذي يقام دائما على ضفاف البحيرة بين شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) ويشارك فيه ألمع الأسماء في دنيا الموسيقى والغناء.
ولعل تفرد مونترو بمناخ معتدل قد جعل منها وجهة سياحية بارزة على خريطة سويسرا السياحية طوال فصول السنة، لأنها الأقرب للمناخ المتوسط في ظل وجود السكان الناطقين بالفرنسية الذين حولوا المدينة لواحة من الأناقة والشياكة، فتشتم في كل ركن فيها شذى شجر الصنوبر وعبق الياسمين والفل، وهي المشاهد التي تشتهر بها معظم المدن الواقعة على البحر المتوسط.
* المغني العالمي فريدي ميركوري
وكان من نتيجة استقرار المغني العالمي البريطاني (الهندي الأصل) فريدي ميركوري في هذه المدينة الصغيرة، زيادة شهرتها عالميا، وأصبحت بالنسبة إليه بيته الثاني وقاعدة مهمة لموسيقاه الخالدة، لدرجة أن الاستوديو الذي كان يقوم فريدي بتسجيل أغانيه فيه يحرص على زيارته الآن معظم الفنانين العالميين لتسجيل أغانيهم بعد أن أصبح أحد أهم المزارات العريقة في هذه المدينة الرقيقة.
وتكريما لميركوري، تم صنع تمثال كبير له في وسط الساحة القريبة من فندق «مونترو بالاس» الشهير المطل على البحيرة؛ حيث يحرص السياح على زيارته لالتقاط صور تذكارية، ووضع باقات من الزهور ورسائل حب وتقدير لهذا الفنان الأصيل. ويأتي في مقدمة الأسماء الشهيرة الذين استراحت أفئدتهم للإقامة في هذه المدينة وارتبطت أسماؤهم باسم مونترو، كل من إرنست هامينغواي، وغراهام غرين، وتشارلي تشابلن، وبربرا هندريكس، وشنايا تواين، إضافة إلى قائمة أخرى لأهم الفنانين والرسامين والسينمائيين والمغنين العالميين الذين وقعوا بكل اقتناع ورضا وحب في شباك غرام تلك المدينة الملهمة الساحرة.
* مصانع «نسله» ومتاحف تاريخية
كما تعد مونترو مرآة حقيقية للثقافة وكنوز المعرفة، ففيها المتاحف التي تروي التاريخ، ومنشآت سياحية قادرة على استقطاب جميع الجنسيات، كما يتوفر فيها كثير من المراكز العلاجية المتخصصة في تقديم الراحة والاستشفاء والاستجمام، لتعيد لكل زوارها مقولة: «الصحة والعافية التي ينشدها كل زائر»، وعلى رأسها مصحة «كلينيك لا بريري» التي تستقطب النجوم والأثرياء من مختلف بقاع العالم بهدف العلاج والاسترخاء والتجميل.
كما يرتبط اسم مونترو أيضا باسم مصانع «نسله» لتصنيع الشوكولاته وكثير من مشتقات الحليب لغذاء الأطفال في كل أنحاء العالم، لدرجة أنه تم تصنيف هذه المدينة على أنها عاصمة الطعام في العالم، ليس قياسا بكمية ما تنتجه، ولكن لجودة ما تصدره وتهافت دول العالم عليه، إضافة إلى أن هذه المدينة رغم صغر حجمها، فإنها نجحت باقتدار في استقطاب أكبر عدد من نجوم «ميشلين»؛ حيث تحمل معظم مطاعمها اعتراف ما يعرف بـ«دليل غولت ميالو»، (Gault Millau)، الذي يعطي علامات ممتازة لأشهر مطاعمها وفنادقها، كما تشعر بالفخر لأنها تقدم لروادها جميع الأطباق في مختلف المطاعم من منتجاتها المحلية شديدة الخصوصية والتركيز.
* الإتيكيت السويسري طريقة حياة
تتميز مونترو فيفي بوجود أعداد كبيرة من المدارس التي تتخصص في تعليم أصول الإتيكيت، وهي المدارس التي تنتشر بشكل لافت وجعلت من هذا البلد الذي يمزج بين الذوقين الفرنسي والسويسري شديد الالتزام، أحد أكبر بلدان العالم المتحضر في اتباع أصول الإتيكيت في كل مكان؛ في المنزل والشارع والمطعم والعمل، وحتى في المتنزهات، وعند استقبال الضيوف، والمناسبات العامة، لأن ممارسة الإتيكيت في الحياة العامة بالنسبة للمواطن السويسري ببساطة هو طريقة حياة، حتى أصبح يمثل قاعدة سلوكية عميقة الجذور وهو ما يطلق عليه «Civic Sense»، وهو شعور وطني مزروع في وجدان كل سويسري تتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل.
* قلعة شيون وبحيرة جنيف
تحتضن مونترو أجمل الأماكن السياحية المتمثلة في قلعة «شيلون»، (Chateau De Chillon)، بسبب موقعها المتميز الواقع على تلة صخرية تطل على مناظر خلابة. وتشتهر هذه القلعة بقصة سجن بونيفار الذي قيد بالسلاسل المعدنية لأربع سنوات كاملة. أما بحيرة جنيف المعروفة باسم «Leman» فمن الممكن الإبحار في مياهها النقية الصافية في جولات بواخر سياحية أنيقة وفاخرة يمكن أن تعيش داخلها لبضع ساعات لتستمتع بجو من الاسترخاء واستنشاق الهواء النقي، والابتعاد عن ضغوط الحياة، للتخلص من الملل والانطواء، بل يمكن أن تذهب بعيدا لتصل إلى لوزان للتعرف على مدن أخرى وخلفيات جمالية تتنافس في جذب عيون الزائرين من كل حدب وصوب.
* جبل «روشيه دو نايه» Rochers - de – naye
ولن يجد عشاق التزلج على الثلج والراغبون في السفر بواسطة القطار أي مشقة للانتقال من مدينة فيفي إلى قمة البليادز، ومن مونترو إلى جبل «روشيه دو نايه»، (Rochers - de - naye)، على ارتفاع 2042 مترا عن سطح البحر، لتبهرك مشاهد البحيرة و«سافوي» و«فو» و«فاليه»، لا سيما أن «روشيه» من أكثر الأماكن المهيأة لركوب الدراجات الهوائية بكل أنواعها، والتسلق، وممارسة رياضة النورديك التي تتوفر بكثرة في تلك المنطقة مع مطلع فصل الربيع حتى فصل الشتاء الذي يوفر فرصة التزلج على حلبات تمتد على مسافة نحو ثلاثة كيلومترات.
ومن هذا الارتفاع على قمة الجبل، يمكن الانتقال إلى رحلة خاصة وتاريخية لن يمحوها الزمن على متن «غولدن باس»، (Golden Pass)، وهو القطار البانورامي الأول والأجمل في العالم، حيث تم تزويده بعربات فاخرة للغاية ربما أجمل من مقاعد الدرجة الأولى في أحدث الطائرات، كما يمكنك أن تستقل هذا القطار الفريد من مونترو في رحلة إلى غشتاد (Gstaad) لتروي عينيك وترضي شجونك بكثير من المناظر الطبيعية الرائعة، لا سيما أشجار الكرز والتفاح وعناقيد العنب التي تتدلي بكثافة وغزارة في مشهد لن يمحوه الزمن.
وتتميز هذه المنطقة بين شهري يونيو ويوليو بانطلاق مهرجان الـ«جاز» الذي يعد الأكبر في أوروبا، نظرا لمشاركة الصف الأول من النخب الموسيقية في العالم التي تلتف في جو رومانسي شديد الإبداع على ضفاف بحيرة جنيف في احتفالية سنوية فريدة لم تتوقف منذ عام 1967، إضافة أيضا لاستضافة مهرجان الضحك في شهر ديسمبر (كانون الأول) ويشارك فيه ألمع نجوم الضحك والكوميديا من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وسويسرا، إضافة طبعا للاحتفال الأكبر بأعياد الميلاد ورأس السنة في كل عام، وهي احتفالات صاخبة في كل الأسواق المفتوحة يحرص كل محبي التجديد على الاستمتاع بها في كل ركن من أركان هذه المدينة الصغيرة شديدة الخصوصية.
* الريفييرا الراقية والحدائق الغناء
وفي مونترو تشعر تلقائيا بسحر خاص حين ترحل في جولة سياحية إلى الريفييرا الراقية، على امتداد البحيرة من مونترو إلى فيفي مرورا بـ«Entre deux villes» التي تقع بين المنطقتين، كما ستشاهد عددا كبيرا من الفنادق القديمة والتاريخية؛ من أهمها فندق «مونترو بالاس» الذي يفتن كثيرين من السياح، لتاريخه ولمساته الكلاسيكية المتميزة وموقعه في قلب المدينة، وفندق «Best western Eurotel Rivera» كما تنتشر أيضا في كل أطرافها مقاه في الهواء الطلق وعلى مساحات عريضة جدا للأرصفة التي تم تخصيصها للمشاة على ضفاف البحيرة. وبإمكانك استقطاع بعض الدقائق للاسترخاء في الحدائق العامة الغناء المنتشرة بمحاذاة البحيرة والمخصصة للعائلات والصغار مثل «حديقة المغامرة»، (Parc Aventura)، و«حديقة البخار» و«حديقة الماء»، في جو يعشقه الأطفال من هواة اللعب على الخضرة وسط أزهار البانسيه؛ حيث تكثر المقاعد الخشبية للاسترخاء والإحساس بالأمن والأمان والسعادة في لحظات يتخللها التقاط بعض الصور التذكارية لهذه المشاهد التي لا تتكرر كثيرا في العالم.
أما عشاق التسوق، فيمكنهم التوجه إلى شوارع مخصصة للمشاة في قلب مدينة فيفي القديمة وحول ساحة السوق (Place Du Marche) وفي حالة الرغبة في التعرف على أحدث الساعات السويسرية الشهيرة وأفخرها، فلا بد من التوجه مباشرة إلى الشارع الرئيسي في مونترو (Grande Rue) حيث تزخر المحلات بالساعات والجواهر والملابس من الماركات العالمية. كما توجد في الشارع الرئيسي أيضا محلات صغيرة لبيع الـ«Gift Items». ومن الملاحظ أن الأبقار (التي يصنع من حليبها أنواع كثيرة من الجبن والشوكولاته السويسرية الشهيرة) تأخذ نصيب الأسد من حصة بيع الهدايا التذكارية في جميع المحلات، إضافه للعلم السويسري المطبوع على الميداليات والأكواب والبراويز والفانلات.
ويحرص كل الزوار تقريبا على شراء كمية من الشوكولاته التي تعد السلعة الوحيدة المحببة لدى كل السياح؛ لا سيما أن أسعارها التي تتراوح بين فرنك واحد و20 فرنكًا فأكثر، تجعلها من أرخص السلع المتوفرة التي تتناسب مع إمكانات جميع الفئات. وبعد قضاء اليوم في التنزه والتجول والتبضع، ستكون بحاجة ماسة للاستراحة والاسترخاء على أنغام موسيقى البيانو الحية في مقهى «هاريز» في فندق «Raffles Le Montreux Palace» الذي يزخر بكثير من المشاهير والفنانين.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».