إن ما تسمى الثورة الإعلامية الواضحة والجلية في المجتمع الباكستاني، تبدو مجرد خرافة وظاهرة سطحية عند التدقيق فيها عن قرب.
وتكشف الإحصاءات الرسمية والخاصة التي جمعتها الوكالات الحكومية والمنظمات الخاصة، أن عددا محدودا فقط من الباكستانيين يتمكنون من الوصول إلى التلفزيون الكبلي، ويكون هذا الوصول أكثر تقييدا في المناطق الريفية على وجه الخصوص. وفي السياق ذاته، تبين الإحصاءات الرسمية أن 4 في المائة فقط من الشعب الباكستاني يتمكنون من الحصول على أو شراء الصحف، في كل من المناطق الريفية والحضرية.
ومن المفارقات أن القنوات التلفزيونية المطلقة حديثا تمتلك وجودا صاخبا ومدويا في المناطق الحضرية لدرجة أن الجميع يحصلون على انطباع أن الأمر نفسه ينطبق على كل مكان.
وفي حين يحتفى بوسائل الإعلام التلفزيونية الخاصة في باكستان - التي تضم القنوات الفضائية الرقمية التي يوزعها مزودو محطات الكيبل – على نطاق واسع بأنها حرة ونابضة بالحياة، فإن الوصول إليها لا يزال محدودا.
وبحسب مسح أجرته مؤسسة غالوب باكستان، هناك 86 مليون مشاهد تلفزيون في باكستان، غير أن نصفهم فقط يمكنهم الحصول على التلفزيون الكبلي، وهناك 12 مليون جهاز تلفزيون فقط في البلاد.
ووفقا لدراسة استقصائية وطنية، يختلف الوصول إلى القنوات الفضائية ومحطات التلفزيون الكبلي أيضا بشكل كبير حسب المنطقة. ففي حين يتمتع 93 في المائة من مشاهدي التلفزيون في كراتشي بالوصول إلى القنوات الفضائية عبر الكابل، يمكن للمشاهدين في المناطق النائية والشمالية مثل الهزارة ومالاكاند في إقليم خیبر بختونخوا الوصول فقط إلى البث الأرضي.
وكان لنمو القنوات الإخبارية الخاصة تأثيرا سلبيا على توزيع الإصدارات المطبوعة. ونظرا لارتفاع استهلاك الأخبار التلفزيونية، انخفضت أرقام توزيع الصحف بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة: فقد وجد مكتب الإحصاءات الباكستانية أن متوسط البيع اليومي للصحف هبط من 9.9 مليون في عام 2007 إلى 6.1 مليون في عام 2008، ليصل إلى أقل من 4 في المائة من تعداد السكان. وفي ظل هذا الوصول المحدود وغير المتوصل إلى وسائل الإعلام، دافع الكثير من النشطاء والباحثين عن الإنترنت باعتباره الوسيلة الديمقراطية الحقيقية في البلاد، غير أن عدد المتصلين بالإنترنت ليس بالكثير. وحتى في المراكز الحضرية مثل كراتشي ولاهور وإسلام آباد، لا تزال باكستان متأخرة، فلا يوجد سوى أقل من ثلاثة ملايين مشترك في النطاق العريض. وبصرف النظر عن النطاق العريض، يمتلك 29 مليون شخص فقط – 16 في المائة فقط من السكان – الوصول إلى الإنترنت. وعلى الرغم من أن «فيسبوك» هو الموقع الأكثر زيارة في باكستان، فإنه لا يجذب سوى أقل من 4.3 في المائة من إجمالي سكان البلاد.
ويقول ثلث مستخدمي الإنترنت فقط في المراكز الحضرية بالبلاد إنهم يدخلون على الإنترنت للحصول على الأخبار. وفي حين تزداد إمكانات الوصول إلى الإنترنت بشكل هائل، فإنه من المرجح سيواجه بعض نفس العقبات التي واجهتها القنوات الإخبارية التلفزيونية ومحطات إذاعة «إف إم»، المتمثلة في ضعف البنية التحتية وسيطرة الدولة على المحتوى بشكل كامل.
وبسبب المنافسة الشديدة تنخرط القنوات التلفزيونية في سباق للتصنيفات ومنتجي الأخبار في معظم القنوات التلفزيونية التي تعترف بتكرار نشرات أخبار القنوات المنافسة عن طريق اختيار أجندات أخبار متطابقة، وتكرار ما تبثه القنوات المنافسة دون تحقيق مستقل، وإعادة بث لقطات قناة أخرى. وينتج عن ذلك بث أخبار متجانسة. وكما يقول مدير قناة تحتل المرتبة الأدنى ضمن قائمة أعلى 10 قنوات: «لقد قضيت معظم حياتي في مراقبة شريط الأخبار على القنوات الأخرى للتأكد من عدم تفويتي أي شيء. وبما أن الشيء الوحيد الذي يهتم به مالك القناة هو التصنيف، نحن بحاجة إلى نشر نفس الأخبار مثل أية قناة أخرى، وأنا أشعر بالضغط للتنافس».
وعلاوة على ذلك، ساهم التخفيف في قواعد الملكية عبر وسائل الإعلام في عام 2007 في توسيع وسائل الإعلام، لكنه سهل أيضا التركيز الشديد على وسائل الإعلام المستقلة في باكستان. وسيطرت بعض الكيانات التي كانت راسخة على السوق من خلال تنويع عرضها داخل وعبر وسائل الإعلام، بجانب التمتع بالجزء الأكبر من عائدات الإعلانات. وتمتلك مجموعة جانغ، على سبيل المثال، صحيفة «ديلي جانغ» الناطقة باللغة الأردية (التي تأسست عام 1939) وقناة «جيو نيوز» الأكثر رواجا. وكذلك تمتلك المجموعة قنوات تلفزيونية موسيقية وترفيهية ورياضية، والصحيفة اليومية الناطقة باللغة الإنجليزية «ذا نيوز»، وصحيفة «عوام» الناطقة باللغة الأردية، وثلاث صحف أخرى، ومجلتين.
وتكشف البيانات الإحصائية أن الثورة الإعلامية الباكستانية ليست أكثر من خرافة، فلا يمتلك سوى عدد محدود فقط من المراكز الحضرية إمكانية الوصول إلى البث التلفزيوني، وكذلك يظل عدد المهتمين بمشاهدة التلفزيون محدودا.
ويقول خبراء الإعلام إن مجموعة الصحافيين والمثقفين - المحدودين جدا من حيث العدد - يهيمنون على المشهد الإعلامي في باكستان، في ظل بقاء الغالبية العظمى من الشعب الباكستاني على هامش - إن لم يكن خارج تماما - الصورة.
7:57 دقيقة
خرافة الثورة الإعلامية في باكستان
https://aawsat.com/home/article/552066/%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%83%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86
خرافة الثورة الإعلامية في باكستان
12 مليون جهاز تلفزيون.. و29 مليون شخص فقط يمكنهم الوصول إلى الإنترنت
- إسلام آباد: عمر فاروق
- إسلام آباد: عمر فاروق
خرافة الثورة الإعلامية في باكستان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة