الهوية «الجهادية» للنظام الإيراني

من البيعة إلى تصدير الثورة

اية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية  الايرانية الراحل أثناء إلقاء خطبة أمام رجال دين وقوات الحرس الثوري في طهران عام 1982 (غيتي)
اية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الراحل أثناء إلقاء خطبة أمام رجال دين وقوات الحرس الثوري في طهران عام 1982 (غيتي)
TT

الهوية «الجهادية» للنظام الإيراني

اية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية  الايرانية الراحل أثناء إلقاء خطبة أمام رجال دين وقوات الحرس الثوري في طهران عام 1982 (غيتي)
اية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الراحل أثناء إلقاء خطبة أمام رجال دين وقوات الحرس الثوري في طهران عام 1982 (غيتي)

لن تصح قراءة النظام الإيراني، خطابا وممارسة، دون استحضار هويته الحاكمة كـ«نظام ثوري إسلامي»، يتماهى ويلهم الجماعات المتطرفة والاحتجاجية الدينية ويلتقي معها، ويحركها كما تحركه مفاهيم الخلافة والإمامة واستعادتها، كما تحفزه شعارات المقاومة العالمية ومبادئ الولاء والبراء، ومنطق الصحة والأحادية والرسالية، وممارسات التوسع وتصدير الثورة والدعوة وما شابه. وهذا الخطاب «الأصولي» والممارسة المتطرفة قد «تلطفهما» قليلا مساحيق الدبلوماسية والالتزام بالاتفاقات.
فضلا عن خطأ بعض المراقبين والخبراء الغربيين عن حصرهم مفهوم «الجهاد» في الطائفة السنية فقط! أو «الأصولية» في إطارها، يكشف ويجيب استجلاء الهوية «الجهادية» والآيديولوجية لنظام الولي الفقيه عن عدد كبير من الأسئلة. أهم هذه الأسئلة احتفاظه المستمر بعلاقات وطيدة مع كل الحركات «الأصولية» في المنطقة، وتأييدها له في كثير من ممارساته، التي كان آخرها الخلاف السعودي الإيراني بعد اقتحام السفارة وإعدام نمر النمر. هنا لاحظنا انحراف بعض الجماعات «السنية»، منها جماعات في لبنان مؤيدة للموقف الإيراني، وكذلك «حركة الصابرين» المنشقة عن حركة «الجهاد الإسلامي» في فلسطين.
تكشف سيرة وخطاب مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني عن إعجابه الشديد وتقديره لعلماء السنة الأتراك الذين واجهوا ثورة مصطفى كمال أتاتورك، وتأثره بكتابات الإسلام السياسي الباكرة عند حسن البنا وسيد قطب. كما تكشف ممارسات البيعة ورسالية تصدير الثورة عن نفس الهم «الأصولي الجهادي»، ويفسر ذلك العلاقات الجيدة التي احتفظت بها إيران مع مختلف «الإسلاميين» من «إسلام سياسي» حتى «القاعدة»، ودعمها ورعايتها لإنشاء أحزاب وأنصار الله وفروع جماعتها حيث وجدت موطئ قدم.
في أيامنا هذه، وعلى الساحات التواصلية، صار السباب الداعشي لعناصر «القاعدة» أنهم «أبناء إيران»، كما قال «أبو محمد العدناني» في خطاب مفاصلته لـ«القاعدة» و«أميرها» أيمن الظواهري «عذرا أمير القاعدة»، الذي بث في 12 مايو (أيار) 2014، وفيه التزام «داعش» بعدم استهداف إيران تبع أوامره، لكن التنظيم لم يلتزم أوامره في عدم استهداف عوام الشيعة: «لو كنا مبايعين لك لامتثلنا أمرك حتى لو كنا نخالفك الحكم عليهم. هكذا تعلمنا في السمع والطاعة. ولو كنت أمير الدولة لألزمتها بك ولعزلت من خالفك، بينما التزمنا طلبكم بعدم استهدافهم في إيران وغيرها». وهكذا يكتب كتاب «داعش» ضد منظّري «القاعدة» وأمثالها هذا التصريح لا التلويح.. بأنهم أبناء إيران.
إن الهوية «الأصولية» السياسية والمتطرفة التي تؤمن بالأمة قبل الدولة والمجتمع، وبالصراع مع العالم انتصارا وانتشارا، تمثل الأساس الفاعل في أداء ورؤية النظام الإيراني، ومشاكله في المنطقة والعالم، وإن أصابها تشوّش فهو ناتج عن كونها الحركة «الأصولية» الأولى والرائدة التي نجحت في تأسيس دولة قبل بها العالم، عكس دولة «داعش» وإمامها التي تتماهى معها في كثير من المفاهيم والأداء والنظم.
اكتشاف الهوية والمنطق الكامن في السلوك الإيراني يفض التشوّش الحادث من مراوغات الخطاب لدى الكثيرين، حين نجد شجبا إيرانيا للإرهاب، الذي تصم به كل من يواجه بقوة مشروعها، وإن كان معارضة معتدلة تواجه الأسد، بينما ترسل هي حتى تاريخه ما يقرب من مائتي ألف مقاتل طائفي لدعم بقايا نظامه، من ميليشيات ترفع ألوية كحزب الله و«فاطميين» و«الهزارة» وغيرها. كذلك فإنها تصف أي تدخل بالعدوان، ما دام لا يوافق هواها، كما كان الموقف من التحالف الدولي ضد «داعش» أو التحالف العربي ضد الانقلاب الحوثي، بينما تبرّر لتدخلها وتفاخر به ويذكره حلفاؤها، ففي يناير (كانون الثاني) الحالي صرح بشار الأسد بأنه لولا الدور الإيراني ما ظل صامدا! أو التدخل الروسي الذي تم بالتنسيق معها، أو تدخلها هي الممتد في العراق عسكريا وسياسيا.
إنها حركة «أصولية» بسمات وهوية دولة على مستوى الخارج، كما تعطي لداخلها سمات الدولة والانتخابات ولكن وفق ثوابتها كآيديولوجيا وكجماعة شمولية صلبة لا تقبل التغيير أو الاعتراض.
وسنحاول توضيح أبرز ملامح هذه الهوية «الأصولية» والمتطرفة، في ما يلي:
أولا - أساس البيعة وإمامة الولي الفقيه:
«إن البيعة مع الثورة والإمام الخميني هي بيعة مع النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم».. هكذا جاء تصريح مرشد الثورة الإيرانية وإمامها آية الله خامنئي أثناء استقباله للآلاف من سكان مدينة قم في التاسع من يناير الحالي، حسبما جاء في وكالة «إيرنا» الوكالة الرسمية الإيرانية. جاء حديث البيعة الخامنئية - التي يشبّهها ببيعة النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) - أثناء دعوته للمشاركة في الانتخابات التشريعية - مجلس الشورى - التي تتزامن أيضا مع انتخابات مجلس الخبراء مطلع فبراير (شباط) المقبل، والتي استبعد منها 2970 مرشحا إصلاحيا من قبل مجلس الخبراء، لا لذنب أو تهمة غير مخالفتهم للدستور بمعارضتهم للولي الفقيه ونظامه.
إن البيعة للولي الفقيه، ذات الدلالة الدينية، حسب الخميني هي معيار أي عمل سياسي، بل تمثل هوية هذا النظام وأساسه الدستوري المتين، الذي لا يجوز الاعتراض عليه أو التعقيب على أحكامه ورؤاه، من هنا أزيح آية الله منتظري عن خلافة الخميني وعن مناصبه بعد اعتراضاته على إعدامات عامي 1988 و1989 أو مأساة الإصلاحيين في «الحركة الخضراء» عام 2009 لمجرد مطالبتهم بإعادة النظر في سلطات الولي الفقيه وصلاحياته رغم إيمانهم به وتبعيتهم له، ولا يزال مير حسين موسوي ومهدي كروبي رهن الإقامة الجبرية حتى تاريخه!
هكذا تدير البيعة المشهد السياسي الإيراني الداخلي - كما الخارجي - ففي حديثه المذكور يوم 9 يناير دعا خامنئي الجماهير المنصتة المستسلمة له لعدم التصويت إلا لمن يؤمن بالبيعة للثورة والولي الفقيه، قائلا لهم: «علینا أن ننتخب بشكل صحیح، وإذا كان هناك من یقدم قائمة انتخابیة تضم مرشحین متدینین ومؤمنین وثوریین ویسیرون علی نهج الإمام الخمیني (رهـ) فعلینا أن نثق بما یقولون ونصوت لهم، وإذا رأینا أنهم لا یهتمون كثيرا بقضایا الثورة والدین واستقلال البلاد، ویتابعون ما تقوله أمیرکا وغیر أمیرکا، فلا ینبغی أن نثق بما یقولونه».
ثانيا - خلافة شبه معصومة:
البيعة هنا كما المرشد ليست مجرد مترادفات تعبيرية في قاموس الثورة الإيرانية وغيرها من الحركات الاحتجاجية الإسلامية، بل مفاهيم شغالة ومتطابقة تماما، سنيها وشيعيها على السواء، وتمثل ركيزة التنظيم وبنيته الحاكمة، التي لا يجوز الاعتراض عليها أو مخالفتها سواء كان الشأن خارجيا أو داخليا على السواء، كما أن الثورة والتوسع و«الجهاد» من أجل ذلك، وفق منطلقات عقدية، تمثل قاسما مشتركا جامعا بين النظام الحاكم في إيران وبين مختلف هذه الجماعات.
وتبدو صفات الولي الفقيه وصلاحياته صفات وصلاحيات خليفة أو نبي، فحسب المادة الخامسة من الدستور الإيراني هو «أعدل وأعلم وأتقى رجل في الأمة»، وهو من يدير شؤون البلاد وفق ما جاء في المادة (107)، وتتوسع صلاحياته لأوسع من صلاحيات الشاه أو أي ملك كما لاحظ الإصلاحيون عام 2009، فتشمل مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة، وإعلان الحرب، والتعيين والعزل من المناصب الآتية:
1) نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور البالغ عدد أعضائه 12 عضوا.
2) رئيس السلطة القضائية.
3) رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
4) القائد الأعلى لقوات الحرس الثوري الذي يتبعه رسميا.
5) القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن.
وفرض الخميني وخليفته خامنئي مع هذه الصلاحيات الواسعة هيمنته على مجلس الشورى وعلى رئاسة الجمهورية، فأقال أبو الحسن بني صدر رئيس الجمهورية الأول عام 1981 عندما تمرد على تعليماته، ووجه رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس (المرشد الحالي) علي خامنئي عام 1988 عندما اعترض على بعض ممارساته حين أجاز قانون العمل بعد أن عارضه مجلس صيانة الدستور.
ثالثا - تصدير الثورة الإسلامية:
سأل صحافي لبناني الخميني في 13 ديسمبر (كانون الأول) 1978، قبل الثورة بقليل: ألا تعتقدون أن دائرة الأحداث الإيرانية ستمتدّ إلى تركيا أيضا؟ فأجابه الخميني قائلا: «النهضة الإيرانية المقدسة نهضة إسلامية، لذا من الطبيعي أن يتفاعل معها جميع مسلمي العالم». ويقول في الذكرى الأولى للثورة الإسلامية في 11 فبراير 1980: «إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم، لأنها ثورة إسلامية، فما دامت صرخة (الشهادتين) لا تدوي في أنحاء المعمورة فالصراع موجود، وحيث وجد الصراع ضد المستكبرين في أي نقطة في العالم فنحن موجودون» (من كتاب تصدير الثورة كما يراه الخميني - مؤسسة تنظيم ونشر تراث الخميني الدولية.. من دون تاريخ). إن هذا النزوع الرسالي للصراع والسيادة خارج حدود الأوطان عبر مبدأ تصدير الثورة وعبر الصراع مع المستكبرين والشيطان الأكبر تتطابق فيه هوية النظام الإيراني مع الجماعات الأصولية تماما، ويفسر التدخلات الإيرانية المنحازة دائما لحلفائها في كل مكان، حتى هتف هاتفها في 22 سبتمبر (أيلول) سنة 2014 عقب سقوط صنعاء في يد الحوثيين بأنها غدت تسيطر على أربع عواصم عربية. من هنا تكررت عبارة «الشيطان الأكبر» في عشرة مجلدات هي مجموع ما كتب إمام الثورة الإيرانية ومرشدها آية الخميني 30 ألف مرة، وتكررت عبارة «لا شرقية ولا غربية» 20 ألف مرة، وتعبير دم الشهداء 50 ألف مرة! ونجد التقارب الأميركي الإيراني، ونجد الدماء و«الشهداء» يسقطون على مذبح تصدير الثورة والتوسع والتمدّد الإيراني.. الذي يستتبع بعض فقهائه سوريا حماية للأسد كمحافظة إيرانية جديدة، أو يدين بالولاء لدولتها حزب سياسي لا يرى اعتبارا أو التزاما بسياسة تفرضها دولته في لبنان!
إنها هوية «أصولية» معاصرة، تلاقى مع إيران كثير من ممثليها، أو هوية دولة ما قبل حديثة لا ترى الحدود سيادة أو التدخل والتوسع حرمة. من هنا اختلط الحديث عن الانتخابات المقبلة ببيعة الولي الفقيه، والعكس.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.