قالت مصادر رئاسية فرنسية بأن موقف باريس من إيران يمكن تلخيصه بثلاث كلمات هي: صرامة، واقعية وانفتاح مضيفة أن باريس «ليست ساذجة» في تعاطيها مع طهران التي تريد أن تواكبها في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي «من أجل أن تلعب دورا إيجابيا في التعاطي مع مشاكل الشرق الأوسط وعلى رأسها الأزمة السورية».
واعتبرت هذه المصادر في معرض تقديمها لزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني للعاصمة الفرنسية يومي 27 و28 يناير (كانون الثاني) الجاري، أن باريس وطهران «ليستا متفقتين على كل شيء لكن المرحلة الجديدة تفتح الباب من أجل محاولة مواكبة إيران في عودتها إلى مسرح السياسة الدولية». زيارة روحاني إلى باريس التي تسبقها زيارته إلى روما والفاتيكان هي الأولى إلى أوروبا منذ انتخابه والأولى منذ زيارة الرئيس الأسبق محمد خاتمي إلى العاصمة الفرنسية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام 1999.
وكان يفترض أن تتم الزيارة منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. لكن العمليات الإرهابية التي ضربت باريس قبل أربعة أيام دفعت الطرفين إلى تأجيلها. ويصل روحاني إلى باريس مصحوبا بوفد وزاري ضخم يتشكل من عشرة وزراء على رأسهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف. وستتيح الزيارة توقيع مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية فيما رجال الأعمال والشركات الفرنسية «مستعجلون» للعودة إلى إيران خصوصا شركات صناعة السيارات وشركة إيرباص وقطاعات الصحة والفندقة والأشغال العامة رغم «العوائق» المالية المتمثلة بتردد المصارف الغربية في تمويل العمليات الاقتصادية والتجارية مع طهران في بداية مرحلة رفع العقوبات.
تكتسب الزيارة أهمية مزدوجة في نظر الرئاسة الفرنسية: فهي من ناحية توفر فرصة للحوار على أعلى المستويات مع الجانب الإيراني بشأن البؤر المتوترة في الشرق الأوسط والخليج والتي تستطيع إيران المساهمة في تهدئتها أو في دفعها إلى تسويات سياسية. وتصف باريس الوضع الحالي في الخليج بأنه «بالغ التعقيد» وهي ترى أن هناك حاجة «لتمرير مجموعة من الرسائل» إلى إيران وإلى الأطراف الأخرى، مشيرة إلى زيارة الوزير فابيوس إلى الرياض مؤخرا والزيارة المنتظرة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف إلى العاصمة الفرنسية في «الأسابيع القادمة». وسيكون الوضع الإقليمي والدولي موضع «نقاش ضيق» بين هولاند وروحاني يتبعه لقاء موسع يضم الوفدين.
ترغب في باريس في «تطبيع» موقع إيران على الصعيد الدولي. لكنها ترى أن نجاح هذه المهمة «مربوط بإيران نفسها حتى تتحول إلى لاعب إقليمي يساهم بأكبر قدر في إيجاد حلول للمشاكل (العالقة) وتوفير الاستقرار الإقليمي». بيد أن المصادر الفرنسية تسارع إلى القول إنها «تعرف جيدا إيران وتعرف أن أمرا (كهذا) سيأخذ كثيرا من الوقت» مضيفة أنها «حتى الآن، لا ترى نتائج مباشرة للتوصل إلى الاتفاق النووي على الدبلوماسية الإيرانية». ولذا، فإن باريس «لا تزال تنتظر» مثل هذه التحولات.
ما تقوله هذه المصادر ينطبق على تشخيصها للسياسة الإيرانية إزاء الأزمة السورية حيث تدعم طهران نظام الأسد وترفض رفضا قاطعا أي سيناريو يمكن أن يفضي إلى إخراجه من الصورة. وفي هذا الخصوص، تقول المصادر الرئاسية إنها «لم تلحظ أي تغير في السياسة الإيرانية» مضيفة أنه «لا أحد ينتظر تحولا سريعا كهذا في هذه المرحلة».
بيد أن باريس «تراهن» على أهمية التواصل مع طهران لدفعها لمواقف معتدلة إن إزاء الأزمة السورية أو لجهة ملء الفراغ الرئاسي في لبنان أو لتهدئة الموقف في الخليج. وبشأن النقطة الأخيرة، ترفض باريس بشدة أن تكون بصدد القيام بـ«وساطة» بين السعودية وإيران وجل ما تقوم به هو «تمرير مجموعة من الرسائل» من أجل التهدئة وتلافي استفحال الخلافات المذهبية التي «ليست في صالح أحد» في المنطقة. وسيتولى الرئيس هولاند الذي كان أول مسؤول غربي التقى الرئيس روحاني عقب انتخابه على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2013 نقل الرسائل المشار إليها بما في ذلك الانتخابات الرئاسية في لبنان. وجدير بالذكر أن باريس تسعى دائما لإيجاد أرضية تفاهم إقليمية تسهل عملية الانتخاب. بيد أن مصادر دبلوماسية فرنسية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن طهران «لم ترد على الانفتاح» الذي أظهرته الرياض بشأن الانتخابات في لبنان والذي كان من نتائجه إجهاض مبادرة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري في اقتراحه ترشيح النائب سليمان فرنجية لمنصب الرئاسة. وأفادت باريس أن الرئيس هولاند «ينوي في الوقت الحاضر» الاتصال بالعماد ميشال عون بعد أن تبنى رئيس القوات سمير جعجع ترشيحه للرئاسة بعكس ما كان فعل بعد إطلاق الحريري لترشيح فرنجية.
لا تريد فرنسا «استنساخ» المواقف الأميركية من طهران. وأفضل دليل على ذلك أن باريس «ليست في الأجواء نفسها» التي دفعت واشنطن إلى فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب تجاربها الصاروخية. وقالت المصادر الرئاسية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «في حالة ترقب ولا تنوي الاحتذاء بواشنطن في الوقت الحاضر» ما يترك الباب مفتوحا لتطورات ربما تلحق بالموقف الفرنسي أو الأوروبي.
الجانب الآخر للزيارة يتناول العلاقات الثنائية الاقتصادية والتجارية التي مهدت لها زيارتان الصيف الماضي لوزيري الخارجية والزراعة لطهران ثم زيارتان لوفدين من أرباب العمل الفرنسيين إلى طهران. وآخر من زار العاصمة الإيرانية رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي وهو سيستقبل روحاني في مجلس الشيوخ. وتريد باريس رغم موقفها المتشدد في المفاوضات النووية، أن تحصل على حصتها من السوق الإيرانية في بلد عدد سكانه يربو على الثمانين مليون نسمة واقتصاده يحتاج إلى استثمارات ضخمة في الكثير من القطاعات. وسيلتقي روحاني رؤساء الشركات الفرنسية صباح الجمعة القادم فيما يعقد الوزراء من الجانبين اجتماعات تتناول قطاعات اختصاصاتهم.
ومن المنتظر أن يلقي روحاني محاضرة مساء الجمعة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية. وفي قصر الإليزيه، سيتحدث الرئيسان للصحافة بحيث يدلي كل منهما بكلمة لن يتبعها التمرين التقليدي من أسئلة وأجوبة مع الصحافيين الحاضرين «بطلب من السلطات الإيرانية» وفق ما قالته المصادر الرئاسية.
مصادر رئاسية فرنسية: «لسنا سذجًا» إزاء إيران.. وننتظر تحولات جذرية بعد «النووي»
روحاني في باريس الجمعة.. وفرنسا تسعى لاقتطاع حصتها من السوق الإيرانية
مصادر رئاسية فرنسية: «لسنا سذجًا» إزاء إيران.. وننتظر تحولات جذرية بعد «النووي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة