هدوء حذر يسود تونس... واجتماع الحكومة يفشل في احتواء أزمة العاطلين عن العمل

المعارضة تدعو لتلبية مطالب المحتجين.. والصيد يتهم جهات خارجية باستغلال المظاهرات

رئيس الوزراء التونسي خلال اجتماعه أمس مع أعضاء حكومته لتدارس أزمة العاطلين عن العمل ووقف الاحتجاجات (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء التونسي خلال اجتماعه أمس مع أعضاء حكومته لتدارس أزمة العاطلين عن العمل ووقف الاحتجاجات (أ.ف.ب)
TT

هدوء حذر يسود تونس... واجتماع الحكومة يفشل في احتواء أزمة العاطلين عن العمل

رئيس الوزراء التونسي خلال اجتماعه أمس مع أعضاء حكومته لتدارس أزمة العاطلين عن العمل ووقف الاحتجاجات (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء التونسي خلال اجتماعه أمس مع أعضاء حكومته لتدارس أزمة العاطلين عن العمل ووقف الاحتجاجات (أ.ف.ب)

عاد الهدوء إلى معظم المدن التونسية بعد موجة من الاحتجاجات الحادة، التي تواصلت لنحو ستة أيام متتالية، وأشارت مصادر أمنية بوزارة الداخلية إلى التزام كافة الشباب المحتج تقريبا بحالة حظر التجول التي تقررت قبل يومين.
ووفق معطيات قدمتها نفس المصادر، فقد سجلت وقفة احتجاجية في مدينة سيدي بوزيد (وسط)، مهد الثورة التونسية للمطالبة بإطلاق 16 شابا جرى توقيفهم خلال الأحداث الأخيرة.
وحاولت الحكومة، التي يتزعمها الحبيب الصيد، التنسيق مع أحزاب الرباعي الحاكم (النداء والنهضة والاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس) من أجل استعادة زمام المبادرة، وذلك بعقد سلسلة من الاجتماعات والمشاورات الرامية إلى فهم أفضل للواقع الاجتماعي والاقتصادي في تونس، والبحث عن حلول تقنع الفئات الشابة المطالبة بالتنمية والتشغيل. وفي هذا السياق، أشرف الحبيب الصيد، الذي قطع مشاركته في منتدى دافوس، على اجتماع وزاري، أعقبه بمؤتمر صحافي عقده أمس في العاصمة التونسية، أوضح من خلاله أن الوضع الأمني تحسن كثيرا في تونس بعد موجة الاحتجاجات القوية التي شهدتها البلاد، مشيرا إلى أن المنظمات النقابية والحقوقية والجمعيات الأهلية تدرك أن وراء الاحتجاجات أهدافا أخرى بسبب أشخاص اندسوا إلى المظاهرات لتنفيذ أجندات خاصة، على حد تعبيره، وأوضح أن السلطات سعت إلى المحافظة على مؤسسات الدولة والأملاك الخاصة، متهما في السياق ذاته بعض التيارات الهدامة الوافدة على تونس بالانحراف، وتوجيه الاحتجاجات السلمية نحو العنف.
ولم يعلن الصيد في كلمته عن أي إجراءات عملية، أو خطط لامتصاص غضب العاطلين عن العمل في البلاد. لكنه قال: إنه متفائل بالخروج من الوضع الصعب، مشددا في ذات الوقت على وأن ذلك يتطلب وقتا.
وأبقى الصيد اجتماع مجلس الوزراء مفتوحا للانعقاد في أي وقت، وأكد من جديد عدم قدرة الاقتصاد التونسي على إيجاد حلول للجميع في نفس الوقت، لأن تونس تمر، على حد قوله، بصعوبات كبيرة، ودور الحكومة يكمن في إيجاد الحلول الكفيلة لتجاوز المحنة، لكن وفق الإمكانيات المتوفرة.
وفي معرض حديثه عن الاحتجاجات، نبه الصيد إلى أن «تونس في خطر، وسمعتها عالميا أصبحت في موضع خطر بسبب تصرفات بعض الأطراف غير المسؤولة»، وطلب مساعدة المنظمات والأحزاب السياسية لحل المشاكل الاقتصادية، والتحاور مع التونسيين حول فرضيات تجاوز الأزمة الحالية. كما أشار إلى أن قوات الأمن والجيش لعبت دورا إيجابيا في تعاملها مع الاحتجاجات الاجتماعية القوية في معظم المدن، مسجلا نقلة نوعية في التعاطي مع الاحتجاجات بعد الانتقال الديمقراطي في تونس.
وبعد أن شدد الصيد على أن ما وقع في البلاد يعد تحولا عميقا لأنه أفرز ديمقراطية شابة، قال: إنه من واجب جميع التونسيين المحافظة على هذه الديمقراطية الشابة التي ولدت في البلاد.
على صعيد متصل، اجتمعت صباح أمس خلية التنسيق الأمني والمتابعة بإشراف الحبيب الصيد رئيس الحكومة، وبحضور وزيري الدفاع الوطني والداخلية، ومجموعة من القيادات الأمنية والعسكرية العليا، حيث تناول الاجتماع «تطورات الوضع الأمني في البلاد، والنتائج التي خلفها تعمد مخربين وعناصر إجرامية ومهربين من خلال توجيه الاحتجاجات السلمية إلى العنف والاعتداء على قوات الأمن، وحرق مقراتهم واقتحام مرافق حكومية، ونهب منشآت ومحلات تجارية وممتلكات خاصة»، وفق بلاغ رئاسة الحكومة.
ونبهت خلية التنسيق الأمني والمتابعة إلى محاولة اندساس عناصر إرهابية بين المتظاهرين لتأجيج الوضع الاجتماعي، وتنفيذ أعمال إرهابية وتخريبية، إضافة إلى محاولتهم التسلل إلى التراب التونسي.
وفي محاولة لدعم الحكومة وإنقاذها من الانهيار، اجتمعت أمس تنسيقية أحزاب الائتلاف الحاكم داخل مقر حزب نداء تونس، إذ أشار نور الدين البحيري، النائب بالبرلمان عن حركة النهضة، إلى أن الأحداث والاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها مختلف جهات البلاد منذ أواخر الأسبوع الماضي، تمثل العمود الفقري للنقاشات.
وانتقد راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، حكومة الحبيب الصيد وقال: إنها «ليست حكومة مثالية، ولكن من فيها وطنيون وليسوا فاسدين»، وذلك خلال لقاء جمعه أمس بحسين العباسي رئيس نقابة العمال. كما أعرب الغنوشي عن تقديره العالي للكلمة التي ألقاها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، وقال: إنه «تحدث بموضوعية عما يحدث في تونس»، وثمن في ذات السياق دور الاتحاد التونسي للشغل (نقابة العمال) في تهدئة الأوضاع، ودعوته إلى حماية المؤسسات الحكومية والخاصة، في انتظار إجراء حوار وطني اقتصادي واستراتيجي حول الوضع العام في تونس،
وتناغم الغنوشي مع الرئيس التونسي في تشخيصه للوضع باتهامه «العصابات باستغلال آلام الشباب للحرق والنهب» على حد تعبيره.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.