باريس: «ميكانيكية المفاوضات السورية لن تنطلق» في غياب الأجندة الواضحة

تعتبر أن موسكو «لم تكن مهتمة أبدًا» بما صدر عن مؤتمر الرياض

باريس: «ميكانيكية المفاوضات السورية لن تنطلق» في غياب الأجندة الواضحة
TT

باريس: «ميكانيكية المفاوضات السورية لن تنطلق» في غياب الأجندة الواضحة

باريس: «ميكانيكية المفاوضات السورية لن تنطلق» في غياب الأجندة الواضحة

كشفت مصادر فرنسية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن غياب تعبير «المرحلة الانتقالية» عن القرار الدولي رقم 2254، الصادر في 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهو الذي كان واردا في بيان «جنيف 2»، ويعني تسلم هيئة الحكم الانتقالية لصلاحيات الحكومة التنفيذية، سببه رفض وزير خارجية روسيا القاطع القبول به وإصراره على الصيغة «المخففة» التي قبلت بها الأطراف في نهاية المطاف. وتبدو باريس اليوم «متحفظة» إزاء انطلاق مفاوضات «جنيف 3» وحظوظ نجاحها، رغم أنها كانت إحدى الدول الأساسية المشاركة في اجتماعات فيينا ثم نيويورك، كما أنها وافقت على القرار الدولي المشار إليه.
وتعتبر باريس أن موضوع تشكيل وفد المعارضة السورية الذي بحثه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في الرياض، أمس، مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وكذلك نظيره السعودي عادل الجبير، رغم أهميته، ليس العقبة الوحيدة التي تعوق انطلاق المفاوضات، مشيرا إلى أن باريس تدعم ما أسفر عنه مؤتمر الرياض للمعارضة السورية وتشكيل الهيئة العليا للتفاوض، كما أنها استقبلت منسق الهيئة رياض حجاب وعبرت عن دعمها له وعن رفض «الأوامر» الروسية، حيث إنها لا ترى أن لموسكو الحق في «تعيين» وفد المعارضة أو فرض شخصيات تدين بالولاء لها.
واستبقت هذه المصادر اجتماع كيري - لافروف اليوم لتؤكد أن «اتفاق الوزيرين لن يكون كافيا وفاعلا إذا كان على حساب المعارضة» التي تردد أوساطها أنها «غير مرتاحة» لا لتعاطي المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا معها، ولا لطريقة تهيئته للمفاوضات، ولا للشروط والضغوط التي تمارس عليها للذهاب إلى جنيف دون توافر مقومات النجاح.
لكن باريس ترى، أبعد من ذلك، أن النجاح المرغوب به يفترض بالدرجة الأولى توافر «أجندة واضحة» للمفاوضات تفتح الباب لأفق سياسي، أي لـ«مرحلة انتقالية» هي الشرط الأساسي لتقبل المعارضة السير فيها. وتعتبر فرنسا أنه إذا ما غابت الأجندة الواضحة، فإن «ميكانيكية المفاوضات لن تنطلق». أما إذا انطلقت من غير توافرها، فإنها «لن تذهب بعيدا». وفي أي حال، فإن غيابها سيدفع إلى نتيجتين سلبيتين: الأولى، أن المعارضة المسلحة لن تقبل بوقف إطلاق النار، والثانية أنها لن تنفذ ما يمكن أن يتم الاتفاق بشأنه وإن قبله «الجناح السياسي»، مما يعني تمزق المعارضة وتفتتها مجددا، الأمر الذي يقضي على كل ما تحقق في مؤتمر الرياض. وفي أي حال، تعتبر باريس أن موسكو «لم تكن مهتمة أبدا بما صدر عن مؤتمر الرياض، ولم تنظر إليه إطلاقا نظرة جدية، لأن نجاحه يضرب ما كانت تكرره وهو تفتت المعارضة وعدم قدرتها على تمثيل الفاعلين ميدانيا».
وبعد «تقارب» بين باريس وموسكو بدا عقب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية، ومساعي باريس لقيام جبهة واحدة أو موسعة لمحاربة إرهاب «داعش»، وزيارة الرئيس فرنسوا هولاند ثم لاحقا وزير دفاعه للعاصمة الروسية لتنسيق المواقف والتعاون الميداني، عادت المقاربة الفرنسية للدور الذي تقوم به روسيا في سوريا إلى ما كانت عليه قبل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث تنتقد باريس صراحة العمليات الجوية الروسية، وتنظر بكثير من الشك لما يروج له وزير الخارجية الأميركي الذي يعتبر أن روسيا ستصل إلى خلاصة قوامها أن الرئيس الأسد «لا يستطيع البقاء في السلطة»، وأنها ستقبل السير في عملية انتقال سياسية. وجاءت المعلومات التي كشفتها الصحافة الأميركية عن «تصور» أميركي يبقي الأسد في السلطة حتى شهر مارس (آذار) من العام المقبل لتزيد من قلق باريس. لكن مصادر سياسية في العاصمة الفرنسية تتساءل عما إذا كانت الدبلوماسية الفرنسية «قادرة على الوقوف في وجه تفاهم أميركي - روسي» في حال توصلت واشنطن وموسكو إليه.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.