يثير كتاب صدر مؤخرا في أميركا النقاش حول العلاقة بين الأقلية والأغلبية: ثقافيا، ودينيا، وعرقيا، وسياسيا. وبينما تبدو الأغلبية (المسيحية البيضاء) معتدلة في قبولها لغيرها (غير المسيحية، وغير البيضاء)، يدور النقاش أساسا داخل الأقلية، أو بين الأقليات.
هذا هو كتاب: «وي أوول سنغ أميركا» (كلنا نغني لأميركا). يبدأ الكتاب بالحديث عن «أميركان دريم» (الحلم الأميركي)، حلم كثير من الأميركيين، وغير الأميركيين، حلم كثير من الذين ولد آباؤهم وأجدادهم في الولايات المتحدة، وحلم كثير من غير الأميركيين المنبهرين به. غير أنه حلم عادي، يمكن أن يحلم به أي شخص في أي بلد: النجاح المتمثل في تعليم كثير، ووظيفة محترمة، ومنزل كبير، وميزانية ترفيه، وحساب توفير لتعليم الأولاد، ولما بعد التقاعد من العمل.
لكن يشتكي كثير من المهاجرين وأعضاء الأقليات (خاصة السود واللاتينيين والشرق أوسطيين) من عراقيل أمام تحقيق هذا الحلم.
وواضح من اسم الكتاب أنه ينطق باسم أقليات ترى أنها لا تقل عن الأغلبية البيضاء في المجالات السابقة الذكر: التعليم الكثير، الوظيفة المحترمة، المنزل الكبير، حب الترفيه، الوطنية.
لكن، هل عنصر «الوطنية» أهم مما قبله. تواجه هذه الأقليات، بصورة عامة، اتهامات، مباشرة أو غير مباشرة، بأنها ليست مخلصة للولايات المتحدة (رغم أنها قد تكون حققت «الحلم الأميركي»)، وذلك بسبب الدين، أو العرق، أو الوطن الأصلي وأنها، حتى إذا شاركت في نشيد «كلنا نغني لأميركا»، فإنها تغني بفمها أكثر من قلبها.
طبعا، تنفي الأقليات هذه الاتهامات، وترى العنصرية والكراهية في تصرفات كثير من أعضاء الأغلبية البيضاء، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. لم تعد العنصرية والكراهية تقتصر على المسلمين. وذلك لأن الاتهامات صارت تطبق، بصورة عامة، على كثير من المهاجرين والأقليات، ليست الاتهامات فقط، ولكن أيضا الإساءات، والمضايقات، والمطاردات..
يمكن تقسيم الكتاب إلى قسمين: الاتهامات ضد الأغلبية البيضاء، ودور الأقليات في مواجهة هذه الاتهامات. ومن عناوينه «ليس هذا هو حلمنا الأميركي»، «رحلة في ولاية عنصرية» و«أمة من الاستخبارات» و«الإسلاموفوبيا في ولايات الكتاب المقدس»، و«متعاونون ومعارضون»، وغيرها. تقول المؤلفة ديبا، وهي أميركية - هندية سيخية: «لا يستغرب المهاجرون المسلمون والسيخ والعرب والهنود عندما يسمعون أخبار اعتداءات عليهم هنا أو هناك، لأنهم يعرفون أن هناك عدم احترام، إن لم يكن احتقارا، نحوهم من بعض الأميركيين. لكنهم يستغربون لأن الأميركيين لا يتحدثون عن ذلك. لهذا، صارت الأحاسيس الأميركية الحقيقية نحو هؤلاء المهاجرين مدفونة، أو على الأقل، لا يسمعونها».
وتذكر أيضا في الكتاب أن الاعتداءات على الأقليات زادت بصورة واضحة بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001. و«لم تفرق بين مسلمين، أو سيخ، أو عرب، أو هنود».
ويتحدث الكتاب عن تاريخ العنف ضد الأجانب والأقليات، منذ مائة عام تقريبا قبل هجمات 11 سبتمبر عام 2001. مثل ما حدث في بلنغهام (ولاية رود آيلاند) عندما قُتل مهاجرون هندوس ومسلمون من الهند في هجوم جماعي متوحش. في ذلك الوقت، كتبت صحيفة «بلنغهام هيرالد»: «ليس هؤلاء مواطنين أميركيين، ولا مواطنين أميركيين مخلصين. يحتاجون إلى مائة عام ليكون مثلنا. لهذا، لا نحتاج نحن الأميركيين لأن نتحمل هذا العبء الطويل الصعب. يكفينا ما عندنا من زنوج.»
لكن، في عام 2007، كتبت الصحيفة نفسها: «نود أن نعتذر عن العنصرية التي دافعنا عنها. نحن، مثل كل مواطن عاقل ومحترم، نتقزز مما حدث».
خلال هذه المائة عام، لم يتغير الأميركيون فقط، ولكن، تغير المهاجرون أيضا. كان أحسنهم اقتصاديا العمال في مصانع السيارات في ديترويت (ولاية ميتشيغان)، وأقلهم العمال في مناجم الفحم في شارلستون (ولاية ويست فرجينيا). في الوقت نفسه، مع بداية النصف الثاني من القرن الماضي، تغير الأميركيون أيضا. وصدرت قوانين الحقوق المدنية، وحقوق التصويت في الانتخابات العامة، وفتح الهجرة لسكان العالم الثالث.
لكن، مع زيادة الهجوم على المسلمين، خاصة من مرشحي الحزب الجمهوري لرئاسة الجمهورية، وبالأخص من ملياردير العقارات دونالد ترامب، لم يعد يسلم كل من ينتمي إلى لون غير اللون الأبيض، من المضايقات، والإساءات، إن لم يكن الاعتداءات.
في الوقت نفسه، مع زيادة عدد الأجانب غير القانونيين (خاصة من المكسيك)، ومع أخبار بأن العدد وصل إلى 12 مليون شخص، صار هؤلاء يتعرضون، ليس فقط للإساءات والمضايقات والمطاردات، ولكن، أيضا، للاعتقال والطرد من البلاد.
لهذا، زاد النقاش عن هذه المواضيع، ليس فقط عن حقوق هذه الأقليات، ولكن، أيضا، عن واجباتها.
قبل شهرين، في تعليق على الكتاب في صحيفة «واشنطن بوست»، كتب إيبو باتيل، وهو روائي، ومن أصل هندي أيضا، أن كثيرا من المهاجرين من الهند، وبنغلاديش وباكستان يتعمدون إهمال القادمين من دول أخرى في العالم الثالث (خاصة الدول العربية والأفريقية). وكذلك السود (الذين لا يمكن اعتبارهم من مهاجري العالم الثالث)، ويسعون للاندماج مع البيض.
وقال باتيل إن المشكلة الحقيقية وسط المهاجرين من العالم الثالث هي تجنبهم السود، إن لم نقل احتقارهم (رغم أنهم يعيشون في الولايات المتحدة آباء عن أجداد)، وهو يعتقد أن السبب وراء ذلك هي «عقدة اللون» هي السبب. يعني هذا أن الأقل سوادا (الكثير من مهاجري العالم الثالث) يتجنبون الاختلاط مع الأكثر سوادا (الأميركيين السود).
ويذكر باتيل أنه عندما كان صغيرا، صار يحب أغاني السود، وانتقدته عائلته الهندية: «لماذا تستمع إلى هذه الأغاني التي تذكر كل شخص أن لونك غامق؟ نحن رحلنا من قلب المدينة (حيث الأغلبية سوداء) إلى الضواحي (حيث الأغلبية بيضاء)، وذلك حتى نستمع بالحياة وسط البيض الراقين».
وقال باتيل إنه، منذ ذلك الوقت، ثم بعد أن كبر في السن، لم يعد يضع اعتبارات كثيرة لهذه الاختلافات العرقية، والثقافية، والدينية، فتزوج شهناز منصوري، وهي مسلمة، واستخدم مربية من المكسيك.
بعد قصص الإساءات والمضايقات والاعتقالات هذه، تقول المؤلفة إنها تعرقل اندماج الأقليات مع الأغلبية، وإذا كان «الحلم الأميركي يعني أن كل فرد يصبح قادرًا على تحقيق حلمه، فلا مانع. لكن، إذا كان هذا يعني أننا كلنا سنصير أمة متجانسة متحدة، فهو شيء مستحيل». وتضيف: «يجب ألا نخدع أنفسنا بإمكانية الاندماج في العالم الغربي.. نعم، نحن نردد (كلنا نغني لأميركا)، لكن كل واحد يغني بطريقته الخاصة».
هل الأقليات في الولايات المتحدة صادقة بتردادها «كلنا نغني لأميركا»؟
كتاب يرى أن الأميركيين لم يتغيروا فقط بل تغير المهاجرون أيضًا
هل الأقليات في الولايات المتحدة صادقة بتردادها «كلنا نغني لأميركا»؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة