التطرّف «القاعدي» ـ «الداعشي» يخلف النزاع الآيرلندي لدى أجهزة الأمن البريطانية

بعد اتفاقية «الجمعة العظيمة».. وأحداث «11 سبتمبر» 2001 و«7/7» 2005

التطرّف «القاعدي» ـ «الداعشي» يخلف النزاع الآيرلندي لدى أجهزة الأمن البريطانية
TT

التطرّف «القاعدي» ـ «الداعشي» يخلف النزاع الآيرلندي لدى أجهزة الأمن البريطانية

التطرّف «القاعدي» ـ «الداعشي» يخلف النزاع الآيرلندي لدى أجهزة الأمن البريطانية

دأبت السلطات الأمنية في بريطانيا بين 1970 و2000، لا سيما إبان فترة الأعياد الغربية - وعلى رأسها أعياد الميلاد ورأس السنة - على تكثيف إجراءات التحرّي والتفتيش في العديد من الأماكن العامة والحساسة. في تلك الحقبة كان الهاجس الأمني الأكبر يتصل بعمليات «الجيش الجمهوري الآيرلندي»، ومن ثم الجماعات المتشظّية عنه والمتطرفة في استهدافها الشخصيات والمباني وحتى الأفراد على امتداد الأراضي البريطانية. إلا أنه منذ حصول التوافق بين الأطراف الفاعلة والناشطة على الأرض في إقليم آيرلندا في أعقاب «اتفاقية الجمعة العظيمة»، التي أقرّت أسس السلام وتقاسم السلطة بين البروتستانت المتمسكين بالولاء للتاج البريطاني والكاثوليك الجمهوريين الطامحين لإعادة توحيد الجزيرة الآيرلندية، تراجع خطر العنف الإرهابي الآيرلندي. ولم يلبث أن ظهر بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 خطر جديد هو تهديد الجماعات الإرهابية المتطرفة التي ترفع شعارات الإسلام، وفي مقدمتها «القاعدة» التي اتهمت بشن هجمات 7/7 - أو 7 يوليو (تموز) - 2005. أما اليوم فإن تنظيم داعش بات في صدارة الهموم الأمنية البريطانية، لا سيما مع توجه عدد من المسلمين البريطانيين للقتال في سوريا والعراق، والتخوف مما ستعنيه عودتهم إلى بريطانيا.

أطلقت الاستخبارات البريطانية نظاما لتصنيف التهديدات الإرهابية على الأمن القومي على موقع الداخلية البريطانية الإلكتروني منذ عام 2006. وقسمت الأخطار الإرهابية إلى نوعين: الأول، الأخطار الإرهابية الدولية التي تشمل تهديدات المتطرّفين من تنظيمات كـ«القاعدة» و«داعش».. والثاني، الأخطار الإرهابية من آيرلندا الشمالية. وتبعا للتطوّرات المستجدّة، وصف مستوى التأهب لهجمات متطرّفة النوع الأول بـ«العالي»، بينما هبط مستوى خطر أعمال الإرهاب المرتبطة بآيرلندا الشمالية إلى «المتوسط».
كذلك أشار تقرير صادر عن وزارة الداخلية البريطانية معني برصد الاعتقالات المتعلقة بالإرهاب، نشرته في ديسمبر (كانون الأول) المنصرم، إلى أن السلطات البريطانية أوقفت 315 شخصا على خلفية تهم الإرهاب خلال عام 2015، وكان 15 منهم تحت سن الثامنة عشرة، وأنه بعد محاكمة المعتقلين أدين 124 منهم وبرئت ساحة الـ115 الآخرين. كذلك - وفق التقرير - أوقفت الشرطة خلال الفترة حتى سبتمبر الماضي، 473 مشتبها به في شوارع مدن البلاد، معظمهم من أصول آسيوية. واللافت في التقرير أن عدد المعتقلين على خلفية الاشتباه بتنفيذ هجمات إرهابية «دولية» (والتي تعتبرها وزارة الداخلية البريطانية على صلة بجماعات كتنظيمي القاعدة وداعش) ارتفع بشكل ملحوظ، بينما هبطت كثيرا أعداد الموقوفين على خلفية هجمات مرتبطة بآيرلندا الشمالية. وحسب الأرقام، من إجمالي الموقوفين بتهم الإرهاب وصف 131 أنفسهم بأنهم مسلمون، كما كان 62 في المائة من الموقوفين من أصول آسيوية، مقابل 20 وصفوا أنفسهم بأنهم مسيحيون وكانوا من البريطانيين البيض.
وبعدما انضمت طائرات حربية بريطانية للمرة الأولى للحملة الجوية ضد مقاتلي «داعش» في سوريا أواخر العالم المنصرم، حذّر بعض الساسة من أن هذا القرار سيجعل بريطانيا هدفا لهجمات انتقامية، بيد أن رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون أنكر ذلك، مذكرا بأن التنظيمات المتطرّفة المدّعية الإسلام سبق لها فعلا أن استهدفت البلاد. وبعد «مجزرة باريس» في فرنسا، التي قتل فيها 130 شخصا، أعلنت شرطة لندن أنها زادت عدد الضباط المسلحين القادرين على التعامل مع أحداث من هذا النوع. ووفق نائب قائد شرطة النقل البريطانية أدريان هانستوك فإن عدد الفرق المسلحة زيد بواقع الضعفين العام الماضي، وإن الشرطة رفعت عدد الضباط والدوريات في شبكة قطارات الأنفاق في لندن بعد الهجوم.
لكن خلال الأسبوع قبل الماضي - إبان زحمة إجازات الأعياد وفترة التسوق التي تلتها - هدّد «داعش» في شريط فيديو بـ«غزو» بريطانيا. وأثار مقطع الفيديو الذي أصدره التنظيم المتطرّف جدلا واسعا في الأوساط السياسية والأمنية، وذلك بعدما تبيّن أن المشتبه به الرئيسي في المقطع شاب لندني كانت ميوله المتشدّدة معروفة لدى أجهزة الأمن. كذلك، ازدادت حدة الضغوط على الحكومة، بعد تناقل وسائل إعلام محلية أنباء حول مغادرة 5 عناصر متطرّفة البلاد للانضمام إلى «داعش» خلال الأشهر الـ20 الماضية، رغم كونهم موقوفين سابقين أو على لوائح المراقبة الأمنية أو سحبت السلطات جوازات سفرهم.
إلى ذلك، شدّدت في لندن التدابير الاحترازية، وحسب كلام هانستوك لـ«الشرق الأوسط» فإن «سلامة ركاب المواصلات العامة والموظفين أولويتنا الكبرى». وتابع: «نشرنا عناصر من الشرطة في محطات قطار الأنفاق ليلا ونهارا، وسنستمر على تلك الإجراءات للمستقبل القريب. وجراء ذلك، سيلاحظ سكان العاصمة ازدياد أعداد عناصر الشرطة في محطات القطارات، وقد يحمل بعض هؤلاء السلاح». ثم قال: «لا يعني هذا أن لدينا معلومات استخباراتية معينة عن المحطات أو عن مكان وجود العناصر (المشبوهة)، لكننا نؤكد أننا في أقصى درجات التيقظ للتعامل مع أي طارئ». وأشار إلى أن حالة التأهب الحالية العالية في لندن لن تتغير في الوقت الراهن.
ومن جانبها، أفادت متحدثة باسم شرطة العاصمة «اسكوتلاند يارد» لـ«الشرق الأوسط» بأنه «درءا للهجمات الإرهابية داخل العاصمة نشرنا عناصر من الشرطة في مناطق التسوّق، تتولّى أيضا نصح أصحاب المتاجر الكبيرة والصغيرة حول كيفية حماية محلاتهم من الهجمات الإرهابية المحتملة، وتوفر لموظفي أمن تلك المتاجر التدريبات اللازمة».
الهواجس الأمنية ليست جديدة تماما على لندن، إلا أن الحال اليوم يختلف عنه في القرن الماضي، ولم يكن «الإرهاب الدولي المتطرّف» التحدي الأكبر الذي يهدّد بريطانيا. فمنذ عام 1939، شن تنظيم «الجيش الجمهوري الآيرلندي» IRA - وهو منظمة شبه عسكرية تسعى لتحرير إقليم آيرلندا الشمالية من الحكم البريطاني وإعادة توحيده مع الجمهورية الآيرلندية - مئات الهجمات في كبريات المدن البريطانية.
وحول تلك الحقبة، تقول البروفسورة روزماري هوليس، أستاذة دراسات الشرق الأوسط بجامعة الـ«سيتي» في لندن ومديرة الأبحاث سابقا في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس): «عشت في لندن منذ سبعينات القرن الماضي كطالبة، ثم كموظفة، وخلال تلك الفترة كانت هجمات (الجيش الجمهوري الآيرلندي) نشطة وملموسة». وتضيف: «أتذكر أن الذعر كان يسكن شوارع العاصمة وصارت حياة اللندنيين تتمحوَر حول التهديدات والهجمات المحتملة. وأذكر مرة أن الجيش حاول تفجير مقرّ سكن رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت ثاتتشر آنذاك. ومع أن تلك العملية باءت بالفشل، فإن الأمن انتشر بكثافة وجرى التعامل مع الهجوم على أساس أنه حالة طوارئ عسكرية». ثم تستطرد: «في ذلك الحين كانت التهديدات المحتملة من (الجيش الجمهوري الآيرلندي) في لندن وبرمنغهام وغيرهما من مدن البلاد جزءا من حياتنا اليومية كبريطانيين».
ويوضح رافاييلو بانتوتشي، رئيس الدراسات الأمنية بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن: «كان الهدف من تفجيرات الحركيين الآيرلنديين عرقلة الحياة في لندن، وإجبار الحكومة البريطانية على التفاوض معهم من أجل منحهم الاستقلال، مع أن نتاج بعض الهجمات كان بشعا ودمويا». ويستدرك بانتوتشي: «هناك رأي شائع بأن حركيي (الجيش الجمهوري الآيرلندي) كانوا إرهابيين مقبولين أو شرعيين إلى حد ما، لأنهم ما كانوا يفجّرون بقصد المدنيين بل لشد انتباه الحكومة. وكما قلت، كانت غاية هؤلاء عرقلة الحياة العادية في لندن لكي توافق حكومتها.. ورغم دموية بعض عملياتهم فإنها لا تقارن مع هجمات المتطرّفين في باريس، على سبيل المثال، التي هي إرهابية ودموية بحتة وتتعمد قتل الناس بالدرجة الأولى».
الاعتداءات الإرهابية التي ارتكبها «مسلمون متشددون» لم تحدث في بريطانيا إلا مطلع القرن الحالي. وكانت البداية الأليمة هي تفجيرات وسائل النقل (الحافلات والقطارات) في لندن يوم الخميس 7 يوليو عام 2005، وهي سلسلة عمليات انتحارية متزامنة عرفت شعبيا باسم اعتداءات «7/7» (أي 7 يوليو)، ووقعت في لندن مستهدفة المواطنين أثناء ساعة الذروة.
صباح ذلك اليوم نفذّ أربعة من المتطرفين أربعة تفجيرات انتحارية، ثلاثة في قطارات الأنفاق (الأندرغراوند)، والرابع في حافلة نقل من طابقين. وأسفر التفجيرات الأربعة - التي تعد أسوأ عمليات انتحارية إرهابية تشهدها لندن - عن مقتل 50 شخصا وجرح ما يقرب من 700 آخرين. ولاحقا، كشفت التحقيقات القضائية الجنائية أن الإرهابيين المنفذين هم محمد صديق خان (30 سنة) وشاهزاد تنوير (22 سنة) وحسيب حسين (18 سنة) وجيرمين ليندسي (19 سنة)، وأنهم نفذوا جرائمهم الإرهابية بمتفجرات مصنعة منزليا.
بعدها شهد عام 2007 محاولتي اعتداء في لندن، الأولى بسيارتين مفخختين بقوارير غاز وكميات من البنزين والمسامير ركنتا في شارعي هايماركت وكوكسبور القريبين من دوّار بيكاديلي سيركس المزدحم بوسط لندن ليل 28 – فجر 29 يونيو (حزيران). وأبلغ عناصر من فرق الإسعاف الشرطة عن السيارة الأولى بعدما شاهدوا دخانا يتصاعد منها فتولّى خبراء المتفجرات تفكيك نظام تفجيرها يدويا. أما السيارة الثانية فكانت مركونة بطريقة مخالفة للقوانين فأزيلت من الشارع ولم تفحص إلا في وقت لاحق بسبب تصاعد روائح بنزين قوية منها، وقد فشل جهاز تفجيرها في العمل. ثم في يوم 3 يوليو فجرت الشرطة طردا مشبوها على مقربة من محطة هامرسميث لقطارات الأنفاق بغرب لندن.
ثم عام 2013، حوكم رجلان اعتنقا الإسلام بتهمة قتل الجندي لي ريغبي (25 سنة) الذي قتل بطريقة وحشية بسلاح أبيض في وضح النهار في أحد أحياء جنوب شرقي لندن أثناء عودته إلى ثكنته في حي وولويش تحت أنظار المارة الذين قام بعضهم بتصوير المشهد بهواتفهم الجوالة. أما الجانيان فهما البريطانيان من أصل نيجيري مايكل أديبولاجو (28 سنة) الذي طلب أن يطلق عليه اسم «مجاهد أبو حمزة» ومايكل أديبوال (22 سنة) الذي مثل تحت اسم «إسماعيل بن عبد الله»، وقد دفع الاثنان ببراءتهما.
وجاء أحدث الاعتداءات بعد فترة قصيرة من «مجزرة باريس» الأخيرة، إذ وجه محققون بريطانيون لرجل تهمة بالشروع في القتل بعدما نفذ هجوما بسكين في محطة لايتونستون لقطارات أنفاق بشرق لندن. وقال شهود إن المهاجم صاح في ما يبدو قائلا: «هذا من أجل سوريا». ولكن ذكر في ما بعد أن الرجل واسمه محيي الدين مير يعاني من أمراض نفسية وعصبية.
جهاز الاستخبارات البريطاني «إم آي 5» يرى أنه ما من طريقة سهلة لتحديد مَن تورّطوا في الإرهاب في بريطانيا، وذلك وفق وثيقة بحث داخلية سرّية تمثلت بتقرير عن التطرّف اطلعت عليه صحيفة «الغارديان» البريطانية الشهر المنصرم. ويستخلص التقرير المبني على مئات الحالات التي درسها الـ«إم آي 5» أنه ما من مسار محدّد يتبعه التطرّف العنيف «ومن المستحيل رسم نموذج موحّد للإرهابي البريطاني».
التقرير «السرّي» يحلل الكثير من الأفكار النمطية السائدة عن المتورّطين بالإرهاب، الذين يحمل معظمهم الجنسية البريطانية وليسوا مهاجرين غير شرعيين. ولقد درست «وحدة علم السلوك» في الجهاز بصورة معمقة حالات «بضع مئات ممن نعرف أنهم متورطون في النشاط المتطرف العنيف أو يرتبطون به»، علما بأن هذا النشاط يمتد من جمع التبرعات إلى التخطيط للتفجيرات الانتحارية في بريطانيا. وتختلف الأسباب والانتماءات والغايات وراء الأعمال الإرهابية.
وعن الفارق في دوافع الهجمات الإرهابية للجيش الجمهوري الآيرلندي عن إرهاب المتطرّفين باسم الإسلام، لا بد من التساؤل عما إذا كانت هجمات الآيرلنديين ولدت كراهية طائفية وعرقية تجاههم بحالة العداء - أو «الإسلاموفوبيا» - التي تتعرّض لها أوساط المجتمع المسلم في بريطانيا. وهنا، تقول الدكتورة هوليس: «كان زوجي بريطانيا من أصول آيرلندية كاثوليكية ومن خلال ذلك تفتحت عيناي على الانقسامات بين الإنجليز والآيرلنديين خلال الأزمة.. فهمنا الأزمة من جانب اجتماعي واقتصادي وقبلي بالدرجة الأولى». ثم توضح: «الأزمة لم تكن طائفية تماما، والتعاريف المذهبية البروتستانتية والكاثوليكية كانت غطاء للانقسامات والمشاكل الحقيقية التي هي في الأساس قبلية. المرء يترعرع منذ نعومة أظفاره وهو ينتمي لمجموعة ما. وتصبح هويته هي هذا الانتماء ورفض الانتماء للآخر في الوقت ذاته. أي إذا كان الآيرلندي كاثوليكيا، إذن فتعريف هويته أنه ليس بروتستانتيا، والعكس صحيح». أما بانتوتشي فيقول: «صحيح أن التهديدات الإرهابية الآيرلندية تغلغلتها بعض الخطابات الطائفية، لكنها في الجوهر قدّمت نفسها للعالم على أنها حركة وطنية وشعبية تطالب باستقلال آيرلندا وحكم ذاتي، وهذا مطلب مفهوم». ويضيف: «لكن عند سماع رسالة المتطرفين والراديكاليين الرافعين ألوية الإسلام، كعناصر (القاعدة) أو (داعش)، فهم ينشدون خلافة إسلامية.. وتحويل العالم كله إلى (دولة خلافة) كما يرونها، وبالتالي فرض تفكيرهم المتطرف على الجميع. هذه أمور غير واقعية ولا يمكن أن تتقبلها بريطانيا».
لكن على الرغم مما سبق لم يتقبل الأمن البريطاني آنذاك بعض المظاهرات الآيرلندية السلمية برحابة صدر. إذ توضح هوليس أنه قابل «المظاهرات السلمية بالعنف، وظهر ذلك بقوة (يوم الأحد الدامي) عام 1972 حين وقعت مجزرة في مدينة ديري بآيرلندا الشمالية فقتل 14 شخصا من المدنيين العزّل ضمن حشد من المتظاهرين كانوا يتظاهرون ضد قانون الاعتقال الاحترازي الذي اعتزمت السلطات البريطانية تطبيقه على الناشطين الآيرلنديين». وتتابع هوليس: «استغرق الأمر سنوات قبل أن تقر السلطات البريطانية بأنها كانت المسؤولة عن العنف». في هذا السياق «لبس عنف الشباب الآيرلندي بالنسبة له لباس مقاومة الاضطهاد وانتماء لوطنية أو قومية. وتجسد أيضا في قتل أناس من الطرف الآخر لإثبات الوفاء لـ«القبيلة» التي ينتمي إليها (هذا الطرف أو ذاك)».
من ناحية أخرى، كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد أعلن خلال العام الماضي عن استراتيجية جديدة لمحاربة التطرّف على مدى خمس سنوات، قائلا إن «المعركة ربما تكون الفاصلة لهذا القرن». وتضمنت استراتيجية حكومته مقترحات للقضاء على التطرف من خلال تحفيز زيادة الاندماج في المدارس وإعادة هيكلة آلية توزيع السكن لتفادي عزل المسلمين أو عزل أحيائهم، إلا أن هذه الاستراتيجية قوبلت بانتقادات من المجتمع الإسلامي والبريطاني عامة. وحول ذلك، تقول هوليس: «السلطات البريطانية اختارت ألا تتعلم من أخطائها السابقة.. فالسياسيون يبحثون عن تفاسير للقضايا بالطريقة التي تبرر اختيارهم حلولا معينة، ومثل هذه التدابير قد لا تكون الأمثل». وتضيف: «إنهم يتهمون الإسلاميين بكره القيم البريطانية، لكنني لا أعتقد ذلك، بل باعتقادي أن الساسة يلجأون لسياسات انتقائية تجاه الإسلاميين تبرر ردود فعلهم».
إلى ذلك، تؤكد هوليس أن بريطانيا اليوم «في أمسّ الحاجة للتخلي عن ازدواجية (نحن والآخر) لكسر الحواجز بين المسلمين وغير المسلمين في البلاد». وتقول إن ما يحتاجه البريطانيون اليوم «نظرة مستقبلية تشمل جميع البريطانيين ذات جاذبية ومردود للجميع»، لكنها تأسف مشيرة إلى أن «هذا الحال لأن العقيدة البريطانية حاليا تركز على البريطانيين البيض فقط والسبب يعود إلى أن صنّاع القرار في بريطانيا ليسوا على تواصل مع الشعب بجميع مكوناته وماذا يريد.. يجب أن يكون القرار من الشعب ليعرف ما يري هويته كبريطاني ولا يُفرض عليه، وهذا أمر قد يزيل بوادر التطرف والإسلاموفوبيا في بريطانيا اليوم».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.